لأسباب كثيرة ومعقدة يطول شرحها، فُرض عليَّ أن أعيش مع جدي وجدتي لبضع سنوات عندما كنت طفلاً صغيراً للغاية. وقد كانا – شأنهما شأن طبيعة الجيل الذي كانا ينتميان إليه بأكمله – يكدان في عملهما، ويعيشان حياة راضية. كان جدي قد أحيل إلى التقاعد المبكر إثر حادث عمل (حيث سقطت حمولة شاحنة من الطوب على قدميه) بينما كانت جدتي تعمل في أحد أقسام المتاجر الكبرى في لندن. ويبدو أن تدخُّلي المفاجئ في حياتهما قد تسبب لهما في مشاكل عديدة. كنت ما زلت صغيراً على الالتحاق بالمدرسة كما أن جدي لم يكن يملك قدرة للعناية بي في المنزل (لم يكن الرجال يتولون مثل هذه المهام في تلك الأيام... يا إلهي كم تغير الأشياء!)، وكان الحل الذي توصلت إليه هو أن تحتويني جدتي تحت عباءتها – وقد صح هذا التعبير بالفعل بمعناه اللفظي والمجازي، حيث إنها كانت تتحايل دائماً لكي تخفيني بعيداً عن أعين المديرين والمشرفين – وهكذا كنا نذهب إلى العمل معاً.

ولقد أصبح الذهاب إلى العمل بصحبة "نانا" يمثل متعة لي. كان من المفترض أن أبقى دائماً ملتزماً الصمت والهدوء لفترات طويلة، وبما أنني لم أكن قد تعودت على أي شيء آخر فقد افترضت أن هذا هو الطبيعي. وقد اكتشفت وقتها أن مراقبة الزبائن من مخبئي تحت المكتب الضخم كان يسبب لي متعة كبيرة. وهكذا تولدت بداخلي رغبة ملحة في مراقبة الأشخاص.

ولكن أمي – عندما انتقلت للعيش معها فيما بعد – أخبرتني بأن هذا لن يجدي في شيء. لست واثقاً من ذلك. فقد اكتشفت في مرحلة مبكرة من الحياة أن مراعبة وملاحظة كل من حولي قد جعلتني أتبين أن هناك مجموعة مميزة من السلوكيات هي التي تساعد على الترقي.

إن كان هناك شخصان يملكان نفس القدرات على سبيل المثال، وارتدى أحدهما ملابسه، وأخذ يفكر ويتصرف على أنه الشخص الذي حصل على الترقية فسوف يكون هو على الأرجح الشخص الذي سيفوز بها. إن تفعيل هذه السلوكيات منحنى دفعة قوية في الترقية إلى أعلى السلم الوظيفي وقد شكلت هذه القواعد أساس كتابي "قواعد العمل" الذي أصبح الآن الكتاب الأكثر مبيعاً في الأسواق.

وتماماً مثلما ترى أشخاصاً يجيدون فن التعامل مع كل مقتضيات العمل ومشاكله فإنه يمكنك أن تتعامل بنفس الطريقة مع مقتضيات الحياة ذاتها. إن مراقبة الحياة بشكل عام، سوف تجعلك تلحظ أن الأشخاص يندرجون في الأصل تحت مجموعتين: المجموعة التي تبدو وكأنها تملك زمام الحياة، والمجموعة الثانية التي تبدو وكأنها ما زالت تناضل للعيش في الحياة، وعندما أسوق كلمة نجاح في هذا الصدد فإنني لا أقصد بها جمع الثروة، أو تقلد منصب مرموق.

كلا، إنما أقصد إجادة فن الحياة بالمفهوم القديم المتعارف عليه، مفهوم جدي وجدتي اللذين كانا يكدان في عملهما، أعني الشعور بالرضا والسعادة على أساس يومي، والتمتع بالصحة بشكل عام، والاستمتاع بمعظم مباهج الحياة. إن الأشخاص الذين يبدون وكأنهم يعتركون الحياة لا يكونون سعداء بشكل عام كما أن استمتاعهم بالحياة يكون قاصراً.

إذن ما هو السر؟ الإجابة هي أن السر يكمن في اختيار بسيط. يمكننا جميعاً أن نُقْدِمَ على اختيار أشياء معينة على أساس يومي من حياتنا. بعض الأشياء التي سوف نقدم عليها سوف تتعسنا، والبعض الآخر يمكن أن يجعلنا أكثر سعادة، وبمراقبة الغير، خلصت إلى أننا باتباع بعض القواعد القليلة "قواعد الحياة" سوف نحرز المزيد، ونحتوي الشدائد، ونحصد أجمل ما في الحياة، ونشيع البهجة في كل من حولنا. إن الأشخاص الملتزمين بهذه القواعد يبدون دائماً وكأنهم يحملون حسن الحظ في جعبتهم، وكأنهم يضيئون الغرفة فور دخولهم، كما يبدون دائماً متحمسين للحياة وممتلكين للقدرة على التكيف معها.

سوف أسرد فيما يلي قواعدي الخاصة بالحياة. إنها ليست محفورة على حجر، كما أنها ليست سرية أو صعبة، وتقوم بشكل كامل على الأشخاص السعداء الناجحين. لقد لاحظت أن السعداء هم الذين يتبعون معظم هذه القواعد، كما أن البؤساء هم الذي لا يتبعونها. إن الشخص الناجح لا يدرك في العادة أنه الشخص الذي يلعب بشكل طبيعي وفق هذه القواعد. أما الأشخاص الأقل تلقائية فسوف يشعرون عادة أن ثمة شيئاً ناقصاً في حياتهم، وسوف يقضون كل حياتهم بحثاً عن هذا الشيء – بحثاً عن أنفسهم في العادة – الذي سوف يمنحهم هذه المعجزة التي سوف تضفي على حياتهم المعنى، وتملأ الخواء الذي يشعرون به. ولكن الإجابة مع ذلك تكون أبسط كثيراً، لأ كل المطلوب هو مجرد إجراء تغييرات بسيطة في السلوك.

هل يمكن أن يكون الأمر بمثل هذه السهولة؟ كلا، بالطبع لا. إن العيش بمقتضى هذه القواعد لن يبدو سهلاً أبداً. لو كان الأمر بهذه السهولة، لما تعثرنا كثيراً طوال هذا الوقت. أي أنه يجب بذل الجهد لكسب ما نريد، ولكن كل القواعد – ولعل هذا هو سر جمالها – في ذاتها بسيطة، وقابلة للتحقيق. يمكنك أن تنتهج الطريق الأصعب، وتسعى لتطبيق كل القواعد، ويمكنك أن تخطو خطوة بخطوة وتبدأ الطريق. وبالنسبة لي شخصياً فإنني لم أصل بعد إلى قمة الكفاءة، لم أصل إليها يوماً. إنني أسقط دائماً على جانبي الطريق تماماً مثل أي شخص آخر، وأتعثر في طريقي، ولكنني أعرف جيداً ما يجب عليَّ عمله لكي أنهض ثانية، وأعلم ما يجب عمله لكي تكتسب حياتي المعنى ثانية.

لقد أدركت من خلال مراقبتي للغير أن كل قواعد الحياة تتسم بالحكمة والمنطقية، فأنا شخصياً أفضل نوعية النصائح التي تبدأ ب "تحرِّ الهدوء ...." ولكنني لست واثقاً كيف يفترض بي أن أفعل هذا. ومع ذلك فإن نصيحة مثل " نظف حذاءك قبل أن تخرج" تبدو لي أكثر منطقية، لأنها تمثل شيئاً يمكنني أن أقوم به، والأهم من ذلك هو أن المنطق الكامن في النصيحة يبدو واضحاً للغاية من أول وهله. إنني ما زلت أشعر دائماً بأن الحذاء اللامع يترك انطباعاً أفضل كثيراً من الحذاء المترّب.

إنك لن تعثر في واقع الأمر على ملمع أحذية هنا، كما أنك لن تجد نصائح حديثة ملهم، وهو ما لا يعني بحال أن النصائح الحديثة ليست مهمة، ولكنني فقط أشعر أنه من الأفضل دائماً أن يكون بين أيدينا أشياء واقعية بدلاً من الشعارات البراقة التي قد تكون حقيقية، مثل: "الوقت أفضل مداوٍ" و"الحب يقهر كل الصعاب"، ولكنها على الصعيد العملي لا تحقق النتيجة المرجوة، وهذا ما يحدث على مستواي الشخصي.

إن ما سوف تجده هنا هو المنطق القديم المتعارف عليه، لن تجد هنا شيئاً لم تكن تعرفه من قبل. إن هذا الكتاب ليس إلهاماً أو حياً، وإنما هو تذكرة. سوف يذكرك بأن قواعد الحياة عالمية وواضحة وبسيطة، نفذها وسوف تنجح.

ولكن ماذا عن الأشخاص الذي لا يطبقون هذه القواعد، ومع ذلك يبدون ناجحين؟ حسناً، أنا واثق من أننا جميعاً نعرف أشخاصاً يتمتعون بثروات هائلة ويتسمون بالفظاظة والغلظة الديكتاتورية ويفعلون ما يريدون. إن كان هذا بحق هو ما تريده، فإنه يمكنك أن تحققه. ولكنني واثق من أنك لن تنام قرير العين، مرتاح الضمير ليلاً كما أنك سوف تعجز عن التواؤم مع نفسك، وعن أن تكون شخصاً لطيفاً. إن السحر الكامن هنا هو أن الأمر كله يرجع إلى اختيارك الشخصي. نحن جميعاً نختار على أساس يومي ما إذا كنا في درب الصواب. أم درب الخطأ. إن قواعد الحياة سوف تساعدك على أن تسلك درب الصواب، ولكن هذا ليس إجبارياً. أنا شخصياً عندما آوي إلى فراشي ليلاً أحب دائماً أن أسترجع كل أحداث يومي، وبعدها أستطيع –لحسن حظي-أنا أقول لنفسي: "حسناً، كان يوماً جيداً، لقد أبليت بلاءً حسناً" وأشعر بالفخر إزاء كل ما حققته بدلا من أن أشعر بالندم، وعدم الرضا على أفعالي وحياتي. أحب أن آوي إلى فراشي شاعراً بأنني قد صنعت فارقاً، وبأنني قد أحسنت إلى الآخرين بدلاً من أن أسيء إليهم، وبأنني قد أشعت السعادة والبهجة في النفوس، وبأنني قد حصلت في الإجمالي على درجة تقترب من العشرة، وليس الواحد من عشرة مقابل سلوكي الجيد.

إن قواعد الحياة لا تعني جني ثروة هائلة، وتحقيق نجاح باهر (قد يجدر بك أن تقرأ قواعد العمل إن كنت تسعى إلى ذلك)، إنما هي قواعد بسيطة تتعلق بمشاعرك الداخلية، والكيفية التي تؤثر بها على الآخرين من حولك، وطبيعتك كصديق وزوج وأب، وطبيعة التأثير الذي تتركه على العالم، وكل ما تشيعه أثناء يقظتك.

أنظر أحياناً إلى كتبي، واعتبرها مثل الأطفال، أربت على رأسها، وأمسح أنفها، وأرسلها إلى العالم. أحب أن أعرف ما الأثر الذي سوف تحدثه، وإذا كان كتاب "قواعد الحياة" قد أحدث فارقاً في حيات، أو كانت لديك قاعدة أو اثنتان لم أدرجهما ضمن طيات الكتاب، فسوف يسرني دائماً أن تراسلني وذلك على بريدي الإلكتروني التالي:

[email protected].

ريتشارد تمبلر