عندما بدأت في وضع أسس كتابه " قواعد العمل " منن سنين عديدة، كنت ما زلت مديراً مساعداً، وفى انتظار ترقية للدرجة الأعلى التالية، وكنت مرشحاً لتلك الترقية أنا وزميل لي يدعى " روب “. ونظريا كنت أنا أكثر خبرة وحنكة، فضلا عن رغبة طاقم العمل في أن أتولى أنا إدارته، وإضافة إلى ذلك فإن معرفتي بالوظيفة الجديدة كأنت أفضل، وللأمانة فقد كان " روب " لا يملك شيئاً من ذلك.

وقد قمت بالاتصال بأحد المستشارين الذين كانت الشركة تستعين بهم من خارجها وسألته عن فرصتي في الحصول على الوظيفة، فرد على بأنها " ضئيلة! "، وقد أغضبني ذلك فأخذت أشرح له مدى خبرتي وتجربتي وقدراتي، فقال: " صحيح، ولكنك لا تبدو كمدير، فإن طريقتك في المشي ليست كتلك التي تخص المدراء "، فقلت: " وهل يبدو روب في هيئة المدير؟ " فقال: نعم، فهذا يتعلق بقوته". ولست بحاجة لأن أقول إنه كان مصيباً تماماً في كلامه، وقد حمل روب بالفعل على الترقية. واضطررت للعمل تحت قيادة أحمق! لكن هذا الأحمق كان يسير بثبات. ومن ثم فقد درست هذه النقطة بكل عناية.

لقد كان المستشار محقاً. فلقد كانت لكل مدير هيئته وطريقته في المشي. وبدأت ألاحظ أن لكل موظف، ولكل وظيفة ولكل شخص هيئته الخاصة. فموظفو الاستقبال كانوا يسيرون على نحو معين، وكذلك كان الصرافون، وموظفو التأمينات، والعمال، والإدارة، وطاقم الشئون الأمنية، والمدراء بالطبع. ولذلك بدأت أراقب مشية الجميع سراً.

الظهور بمظهر لائق

وبعد أن قضيت وقتاً طويلاً في ملاحظة المشية لاحظة أيضا أن هناك نمطاً لملابس المدير وكلامه وسلوكه. فليس كافيا أن تكون مؤهلا للوظيفة ولديك الخبرة لذلك فحسب. وإنما عليك أن تبدو أفضل من الجميع، ولم يكن السر في المشية فقط، لقد كان نمطاً مختلفاً بالكلية، وتدريجياً وفى أثناء ملاحظاتي وجدت أن نوع الصحيفة التي تقرأ أمر مهم أيضاً، وكذلك القلم الذي يستخدم وطريقة الكتابة وطريقة الكلام مع الزملاء، وما يقال في الاجتماعات؛ فهذا كله يتم الحكم على الشخص من خلاله، واتخاذ القرار على أساسه، إذ ليس كافياً أن تكون مؤهلا للوظيفة، و إنما عليك إن أردت الارتقاء أن تبدو من الطراز المناسب، وهذا الكتاب الذي يقدم قواعد العمل سوف يجعلك من هذا الطراز _ وبالطبع يجب أن تكون مؤهلا للوظيفة في المقام الأول. وكثير من الناس يمكن أن يكون مؤهلا. لكن ما الذي يمكن أن يميزك؟ ما الذي يجعلك المرشح المناسب للترقية؟ أو ما الذي يحدث الفارق؟

تدرب على الخطوة التالية

لقد لاحظت أن من بين المدراء من يتفق وهيئة المدراء، ويمشي مشيتهم، لكن بعضهم الآخر كان -وبشكل تلقائي -يتدرب على الهيئة الأعلى، وهي هيئة المدير العام.

وقد صادفت تلك المرحلة أثناء تجوالي بين مختلف الفروع، وقد لاحظت خلالها أن من بين مدراء السوم من يتقن تلك الهيئة لغترة طويلة. لكن غيرهم كان يدرب نفسه على الخطوة التالية وهي هيئة المدير الإقليمي وشكله وصورته.

وعلى هذا فقد غيرت من هيئة المدير التي كنت أتبعها وانتقلت للصورة التالية، صورة وهيئة المدير العام، وأخذت أدرب نفسي عليها. وبعد ثلاثة أشهر رقيت من مدير مساعد إلى مدير عام في خطوة واحدة، وأصبحت الآن مديراً لذلك الشخص الأحمق.

اقرن الشكل بالمضمون

إن " روب " كانت لديه الهيئة (القاعدة ٢—5: اجعل لنفسك نمطاً يميزك عن الأخرين)، لكنه للأسف لم يطبق " القاعدة ١ — ١ " -فهو لم يحسن أداء وظيفته بشكل كافٍ. صحيح أنه كان يبدو في هيئته ومشيته مناسباً لأن يكون مديرا، ولكته في الأساس لم يكن قادراً على تأدية وظيفته كما كان ينبغي. وقد رقيت إلى منصب أعلى منه لأنهم لم يستطيعوا فصله، حيث كان قد رقى للتو، وكان فصله سيبدو سيئا، فأرادوا آخر لمراقبته حتى يتمكن من تدارك أخطائه بسرعة، وقد وصل روب حدا من عدم الكفاءة وصل به إلى المكوث في موقعه سنين عديدة كما هو دون تحسن أو زيادة في السوء، مكتفياً فقط بهيئته ومشيته الجيدتين. وفى النهاية قرر التنحي حتى يؤسس عملاً خاصاً به، وهو إنشاء مطعم، وقد فشل المشرع سريعا لأنه لم ينفن المبدأ الثاني من القاعدة الأولى، وهو: " لا تكتفِ بما أنت عليه " أو أنه لم بدر بهذا المبدأ مطلقاً! فقد ظل يبدو على هيئته القديمة كمدير بدلاً من هيئة صاحب مطعم. فلم يستطع زبائنه التعامل معه مطلقا.

 

أعود إلى أن ممارستي لدور المدير |لعام وهيئته وضعتني في هذا المنصب، لكن حصولي عليه كان أيضا نتيجة الجهد الكبير الذي أبذله لأداء وظيفتي بشكل جيد -وتلك هي القاعدة الأولى -فبمجرد حصولي على الوظيفة كان على أن أتعلم ليس فقط دوري الجديد وما يتبعه من مسئوليات، وإنما أيضا ذلك الموقع الذي تجاوزته ولم أمارسه وهو موقع المدير، فقد تأهبت لذلك الدور كثيراً لكنى لم أكن مديرا قط، والآن أصبحت مديرا للمدراء، فأصبح الخطر عظيما في أن أفشل في أداء المهمة.

لا تدع أحداً يعرف مدى

كدحك في عملك

منذ هذه اللحظة التي أصبحت فيها مطبقاً للقواعد كان لدى مورد واحد لا غير وهو التعلم في سرية كاملة. فقد بذلت كل ثانية من وقت فراغي، وكل أمسية، وكل عطلة، وكل استراحة غدا؛ في أن أتعلم كل شىء يساعدني على ما أنا فيه. وذلك دون إخبار أحد بذلك.

وخلال وقت قصير تمكنت من أدا؛ عملي بشكل جيد، وفى تلك اللحظة خرجت للحياة فكرة كتاب " قواعد العمل".

ضع لنفسك خطة

إن وجودي في منصب المدير العام شكلً لي ألماً ومتعة في ذات الوقت، فقد زاد حجم العمل بنسبة ٥٠⁒ بينما لم يزد الراتب إلا بنسبة ٢٠⁒ فقط. وكانت خطوتي التالية الطبيعية هي وظيفة المدير الإقليمي، لكنها ليست متاحة. ومع زيادة حجم العمل كثيرا وعدم زيادة الأجر بشكل يوازى حجم العمل، فقد بدأت في دراسة القاعدة الثالثة وهي " لتكن لديك خطة" وسألت نقسى إلى أين أرغب في الذهاب بعد ذلك؟ وما الذي أرد فعله؟ فلقد مللت من الاحتباس داخل مكتبي طوال الوقت مع كل هذه الاجتماعات التي لا تنتهي. ورأيت أن هذا ليس مكاني، فأنا أريد عملا أجد فيه المتعة مرة أخرى، ولهذا وضعت الخطة.

ووجدت أن ما تفتقده الشركة هو شخص لحل المشاكل وهو بشكل ما مدير عام لمدراء العموم. فقمت بتطبيق البند الرابع من القاعدة الأولى وهي: اجعل لنفسك بصمة خاصة. فاقترحت على رئيس العمل الوظيفة الجديدة. لم أقترح أبداً أن تكون لي، لكن كان واضحا أنني أفترض ذلك. وحملت عليها بالفعل وأصبحت مديرا عاما حرا أتبع الرئيس مباشرة بمواصفات عمل وضعتها بنفسي. وماذا عن الأجر؟ كان أكثر بكثير مما يحصل عليه المدراء الإقليميون، لكنى طبقت القاعدة الخامسة وهي " انتبه لنفسك " فهم لم يعرفوا ما أحصل عليه من أجر، ولم أصوح أنا بذلك. ولكنى حصلت من خلالهم على الدعم والصداقة. فأنا لا أمثل تهديدا لأحدهم، فمن الواضح أنني لا أسعى لمكانهم لأنني أعلى مكانة منهم، ربما كان أحدهم سيرغب فيما أحصل عليه من أجر إذا علموا به، لكن ما من أحد كان سيرغب في المكان الذي أوجدته لنفسي.

وقد قمت بهذا الدور دون فظاظة أو خداع، فقد كنت مجاملاً للغاية وأنا أتعامل مع مدراء العموم، وكنت أخاطبهم بكل أدب ودماثة خلق، حتى حين كنت ألفت نظرهم نحو بعض شئون عملهم. مطبقاً في ذلك القاعدة الرابعة: " إذا لم تجد ما تقوله فمن الأفضل أن تصمت" والقاعدة الثامنة وهي " كن دبلوماسياً ".

تعرف على من يعرف!!

وقد أدركت سريعاً أنني لو أردت معرفة حقائق الأمور في كل فرع، فإن ألأفضل أن أحادث من يعرفون الحقيقة فعلاه _مثل: عمال النظافة، وموظفي الاستقبال، والصرافين، وعمال المصاعد، والسائقين. لقد كان من المهم التعرف على أولئك الناس وأن أكون معهم في الاتجاه الصحيح -القاعدة (٩ -٦). وقد أمدوني بمعلومات لا يمكن لأحد أن يصدقها، حتى بما يمكن أن يكون خافيا وراه سؤال أحدهم عن حال ابنة زميله في الجامعة.

 وبدأت ملامح قواعد العمل تتشكل في ذهني. وخلال السنوات القليلة التالية شاهدتها وهي تنمو وتكتسى بثياب النضج والخبرة. وقدمت استقالتي من الشركة التي كنت أعمل بها وأسست مكتبا استشاريا خاصا بي، دربت المدراء فيه على قواعد العمل وراقبتهم وهم يقتحمون العالم، ويخطون مستقبلهم بجاذبية ولطف وثقة وقدرة.

 لكن يبدو أن لديك أسئلة عزيزي القارئ. فيما يخص القواعد: كيف تدخل هذه القواعد حيز التنفيذ؟ وهل يتم تطبيقها على الآخرين؟ لا، فأنت لا تكلف أحدا آخر بعمل أي شيء إنما أنت الذي تتغير وتتحسن.

  • هل على أن أغير من نفسي لأكون شخصاً آخر؟ لا، ربما احتجت لبعض التغيير في سلوكك قليلا، لكن لا تغيير في شخصيتك أو قيمك، فستظل كما أنت، لكن بشكل أكثر مرونة وسرعة ونجاحاً.
  • هل من الصعب تعلم تلك القواعد؟ لا، فيمكنك تعلمها في أسبوع أو اثنين، لكنك ستحتاج لوقت طويل كي تتمكن منها وتتقنها. لكننا نتعلم طوال الوقت، وإتقان قاعدة واحدة أفضل من ألا تدرك منها شيئا على الإطلاق.
  • هل من السهل تمييز الآخرين والذين يعملون بهذه القواعد؟ نعم، ذلك سهل أحياناً، لكن المتمكن الحقيقي من تلك القواعد لن يدعك تفهم سرها، فهذا هو سر نفعها. لكن بمجرد أن تتقنها أنت أيضاً يصبح من السهل أن تفهم أي قاعدة يمارسها غيرك في موقف محدد.
  • هل سألحظ مردودها سريعاً؟ نعم، وفوراً ستلحظ مردودها.
  • هل سأداوم على أدائها؟ إننى حتى لم أقر بأن عليك أد ها، فأنا أحد المنافسين فيها على أية حال.
  • هل في استخدامها ما يناقض الأخلاق؟ لا بالطبع، فأنت لا تفعل أي شيء يناقض الأخلاق، فلا شيء أكثر من الاستفادة بمهارتك ومواهبك الفطرية وتطبيق تلك المهارات واستخدامها بشكل واع، وهذا هو رأس الأمر في فهم القواعد، وهو أن عليك تطبيقها وأنت تعي ذلك. فيجب أن يكون كل شيء قرراً سلفاً، صحيح أنه يجب أن تظل تلقائياً -وحتى هذا يكون مقرراً سلفاً -لكن يبقى أن تظل معالجاً واعياً لأي موقف بدلا من أن تكون ضحية غير واعية، يجب أن تبقى يقظاً ومدركاً للواقع ومستفيداً من قدراتك. والقاعدة الأساسية هي أن تؤدى عملك بشكل جيد قبل كل شيء. فتلك القواعد لا تصلح لمتخاذلين أو مبتزين أو أوغاد أو مدعين أو متهورين. فهل تظن أنك تعمل بجد الآن؟ إذن فلا فائدة هن تنفيذ هذه القواعد بشكل جيد!

ولنواجه الواقع. إن عليك اًن تحب العمل، وأن تحب أداءك لوظيفتك، وأن ترغب في قراءة القواعد حتى تتمكن من الرقى والازدهار -وما أقترحه عليك هو أن تفكر في كل شأن من شئون عملك بوعي كامل، وأن تقوم بتغييرات هن أجل تحسين:

  • كيفية أدائك.
  • كيفية تقبُّل الآخرين لأدائك.

لو لم تمارس تلك القواعد فقد تضل طريقك ولا تجد ما تبحث عنه، أو تجد نفك تنفن أغلب تلك القواعد بدافع اسرة، لكننا الآن نريدك أن تقوم بأدائها وتطبيقها وأنت واع لذلك. وإليك النتائج:

  • تتمكن من الترقي.
  • تتمكن هن إقامة علاقات أفضل مع أقرانك.
  • مشعر بالرضا عن نفسك.
  • تستمتع بعملك أكثر هن ذي قبل.
  • تصبح أكثر فهماً لوظيفتك.
  • تصبح لكثر إدراكاً لآراء رئيس عملك.
  • تصبح أكثر اعتزازاً بنفسك وبعملك.
  • تصبح قدوة حسنة لصغار الموظفين.
  • تساهم بشكل أكبر في الارتقاء بالشركة.
  • تكون موضع التقدير والاحترام.
  • تنشر روحاً من النوايا الطيبة والتعاون من حولك.
  • تصبح فرصتك في النجاح أكبر لو فكرت في إقامة مشروعك الخاص.

إن قواعد هذا الكتاب بسيطة وفعالة، وآمنة وعملية، وهي تمثل خطواتك العشر الأساسية لبناء الثقة وتجديد القوة على أساس أخلاقي سليم، فلن تقوم خلالها بأي عمل يتنافى مع تصوراتك وتوقعاتك لأفعال الآخرين، إن هذه التواعد تحسن من المعايير الشخصية وترفع مستوى مبادئك، وهي هديتي إليك، فهي ملكك، وعليك الاحتفاظ بسريتها.