المحتويات

 

شجرة المطاط (هتيا) وتاريخ اكتشافها:

العالم مدين بالكثير لهنود الأدغال وللمنتجات الفائقة القيمة التي تنمو هنالك بكثرة. على أن هناك نباتا واحدا من نباتات الأدغال جدير بالتنويه والأهمية من بين كل النباتات الأخرى، ألا وهو شجرة المطاط. فقد أسهمت هذه الشجرة إسهاماً بالغاً في تطور المدنية الحديثة، بيد أن قصة المطاط كانت قصة مثيرة عاصفة.

في الأدغال البرازيلية تسمى شجرة المطاط هتيا: وهي شجرة كبيرة، يبلغ طولها عادة ما يناهز ثلاثين متراً. وهي تنمو في أعماق الأدغال، وتحميها الأشجار الأكثر طولا من حرارة الشمس الحامية. وتنتج الشجرة الواحدة من حوالي كيلوجرامين إلى ست كيلوجرامات من المطاط في العام. وقد عرف الهنود منذ قرون عدة كيف ينقرون الشجر للحصول على العصارة المطاطة المسماة بالعصارة البنية.

منتجات شجرة المطاط :

بمجرد أن عرف المطاط في أوربا اكتشفت له عشرات الفوائد. وقد اكتشف رجل إنجليزي متحمس أن كرة صغيرة من المطاط يمكن أن تمحو rnb علامات القلم الرصاص. ومن هذه الصفة اشتقت كلمة مطاط rubber باللغة الإنجليزية وأصبحت مألوفة. وكانت إطارات المطاط الصلبة للدراجات أول ما ظهر من هذه المادة ثم تلتها إطارات السيارات.

وقد كانت الفترة بين عامي ۱۹۰۰ و۱۹۱۲ فترة تحول في تاريخ الأدغال البرازيلية. فنتيجة لاكتشاف المطاط واحتكاره، ظهر أصحاب ملايين بين يوم وليلة.

قوة تجارة المطاط بعد اكتشافه:

كانت الأموال تتكاثر نتيجة لمادة لزجة لها قيمة الذهب كانت تنضحها أشجار المطاط البرية. وعلى ضفاف أنهار الأدغال شيدت القصور المبنية من الرخام المستورد من إيطاليا وأسست بفاخر الرياش.

ولقد أقيمت دار أوبرا كبيرة في المدينة التي كانت تزدهر بسرعة والمسماة مانوس على ضفاف نهر ريو نجرو.

وقد بنيت على أجزاء في إنجلترا وتكلفت 10.000.000 دولار ثم نقلت عبر المحيط الأطلنطى. وعلى مسرحها غني أعظم مطربي ذلك الوقت، إذ في ذلك الوقت أصبحت مانوس من أغنى بلدان العالم.

ولم لا؟ فحمل زورق واحد من المطاط الخام الذي كان ينتج عن طريق تسخير هنود الأدغال في العمل كان يساوي ۲5۰۰ دولار.

وكان نقل المطاط خارج الأدغال يتطلب أقسى أنواع العناء البدني.

ولكن تجار المطاط لم يكونوا يقومون بأي قسط من هذا العمل بأنفسهم. بل كانوا يجمعون الهنود بالآلاف ويسخرونهم لهذا العمل. ووجدت القبائل المتاخمة أن سهامهم لا يمكن أن تضارع القذائف. ومن كان يرفض من الهنود إطاعة الأوامر كان يقتل رميا بالرصاص أو يقطع رأسه، أو يجلد بالسياط. ولم يكن ثمة قانون ليوقف مثل هذه القسوة الوحشية. وبدأت الأخبار عن هذه الأحوال تتسرب إلى الخارج. ولكن اتساع الأدغال البرازيلية وانعدام وسائل الانتقال جعلا استقصاء الأمر صعبا.

تسرُّب زراعة المطاط من البرازيل إلى الخارج:

وبحلول عام ۱۹۱۲ أدرك تجار المطاط أنهم قد تجاوزوا كل حد في احتكارهم الذي حدا برجل إنجليزي مقدام يسمى ويكهام إلى تهريب الآلاف من شتلات شجر المطاط خارج البرازيل، وزرعها في أراضي الملايو الخصبة حيث ازدهرت وأتت أكلها. وكانت الأيدي العاملة وفيرة في الشرق الأقصى. وكان جمع المادة اللبنية من صفوف منتظمة من الأشجار المزروعة أسهل جدا من جمعها من الأشجار النامية دون نظام في الأدغال البرازيلية.

كما أن المزارع المجاورة لسنغافورة وكولمبو كانت قريبة من طرق الملاحة المطروقة للبواخر، في حين أنه في البرازيل كان على الناقلات أن تسافر مئات الأميال إلى أعالي نهر الأمازون لجمع المطاط.

وفي عام ۱۹۱۲ كان ما يوازي ۸۸٪ من حاجة العالم من المطاط يأتي من البرازيل، ثم انخفضت هذه النسبة بعد ثلاثة أعوام إلى 43%، وأدرك تجار المطاط البرازيليون وقد اعتراهم الفزع، أن أيام عظمتهم قد آذنت بالزوال، وأغلقت دار الأوبرا أبوابها. واعترى البلي القصور الفخمة.

ومع قدوم عام ۱۹۲۳ أصبحت الأدغال البرازيلية تعطى 8٪ فقط من مجموع إنتاج العالم من المطاط. بل لقد أصبحت الآن أقل من ذلك.

ولكن الهنود الذين عادوا إلى مناطق الأدغال التي أخليت لم ينسوا أبدأ المعاملة التي لاقوها، ولم يغفروا أبداً للملاك المسيطرين جبروتهم وتعسفهم، فكانت قصص القسوة تحكي وتعاد حول النيران خلال الأمسيات. وإلى وقت قريب كان الهنود أمثال قبائل الشافانتس البدائية يهاجمون أي غريب بمجرد رؤيته.