ادفن عاداتك السيئة القديمة

سل كلاً من "أدولف هتلر" و "مارتن لوثر كينج الابن" عن تعريفهما الأساسي للتأثير وربما تحصل على إجابات مماثلة، وراقب تطبيقهما للتأثير في حياتهما، وسوف تكتشف أن تعريفيهما للتأثير لا يمكن إلا أن يكونا على طرفي النقيض. ويبدأ الاختلاف الملموس بأقوالهما.

قارن جملة "كم هم محظوظون القادة لأن الرجال لا يفكرون" في مقابل "إنني لست مهتماً بالسلطة من أجل السلطة في حد ذاتها ولكن... في السلطة تبرز الأخلاق، وهذا أمر صحيح وجيدا"، والاختلاف واضح بين القولين. فالقول الأول منهما يؤكد أن التأثير يأتي مكافأة للمكر، والسخرية، أما القول الثاني فيؤكد أن التأثير هو مكافأة للاهتمام بالصالح العام، وفي كل يوم تضعنا كلماتنا في مكان ما بين الأسلوبين المختلقين، ويوضح التأريخ أن النتائج تنتهي إلى نهاية من النهايتين، فنحن نتواصل مع الآخرين وننتهي بهم إما للهدم أو للبناء.

وتحقيقا لهذه الغاية، كان "اكارنيجي" مقتضبا في نصيحته: لا تنتقد،

أو تشجب، أو تشتكِ. ولكن كم يبدو هذا الأمر صعباً اليوم، وعندما نقول إنه يجب علينا أن نكون أكثر وعياً بكلماتنا فهذا قول لا يصيب كبد الحقيقة. ففي ظل وجود نطاق رقمي هائل يجب علينا التواصل بشأن أفكارنا من خلاله يأتي نطاق ضخم آخر على قدم المساواة يطلق عليه اسم الوصول للجمهور. ويوضح "جاى كاواساكى" مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً Enchantment في مقابلة حديثة له فيقول: "إن وسائل الاتصال الرقمية قد جعلت من الوصول إلى عدد أكبر من الناس أمراً ممكناً بأسرع وأرخص الطرق، ولكن الشخص الخاسر لا يزال خاسراً، والدليل على ذلك أن التكنولوجيا قد جعلت العصف بسمعة أي شخص أسرع وأسهل من أي وقت مضى" ٠

وهي حالة جيدة حقاً، وعلى وجه الدقة فإنها العنصر الأساسي لتطبيق هذا المبدأ.

وما كان في وقت من الأوقات يمثل نقدا خفياً من الممكن أن يعرضك الآن لدفع غرامة. سل الدكتور "باتريك مايكل نسبيت"-وهو طبيب كندى سابق متخصص في طب الأسرة والذي تم تفريمه ٤٠٠٠٠ دولار لنشره تعليقات "سيئة" وتشهيرات في موقع فيس بوك عن زوجته أم ابنته. أو "رايان بابل" -المهاجم الهولندي لنادى” ليفربول" لكرة القدم-والذي نشر عقب الخسارة أمام نادى"مانشستر يونايتد" على موقع تويتر رابطاً لصورة مفبركة مثيرة للسخرية لخكم المباراة "هاوارد ويب" وتحتها تعليق يقول: "إنهم يصفونه بأنه أحد أفضل الحكام. يا لها من مزحة!"، وعندئذ تم تفريمه ١٠٠٠٠ جنيه إسترليني، أي حوالي ١٦٠٠٠ دولار. ونتيجة لما نشره "بابل" على موقع "توتير"، أشار المدون بموقع بي بي سي "بين ديرس" قائلا: "بينما كان "بابل" قبل عام يعبر عن مشاعره المكبوتة لصديقته، فقد أصبح لديه الآن هذه الأداة المريحة جدا _ والمغرية للغاية - متاحة عند أطراف أصابعه، والتي نتيح له التعبير عن مشاعره للعالم كله".

وما كان ذات يوم مجرد شكوى مهملة بين الأصدقاء من الممكن الآن أن يتسبب في طردك من العمل، وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة بروفبوينت في عام ٢٠٠٩ بأنه من بين الشركات الأمريكية التي يعمل بها ١٠٠٠ موظف أو أكثر، ذكرت نسبة ٨ % منها أنه قد تم طرد بعض الأشخاص من وظائفهم بسبب تعليقاتهم على مواقع مثل فيس بوك ولينكد إن. ولنكن أكثر تحديداً، فإن أحد أعداد مجلة "هوفنجتون بوست" الصادرة مؤخرا على شبكة الإنترنت يصف ١٣ مشاركة على موقع فيس بوك تسببت في طرد أصحابها من وظائفهم. وكان من بين القائمة:

نادلة في مطعم للبيتزا نشرت تذمرها ونقدها المهين لاثنين من الزبائن بعد تلقيها لبقشيش منخفض مقابل الانتظار على طاولتهم لمدة ثلاث ساعات، من بينها ساعة إضافية على نوبتها المقررة في العمل، فقالت بسخرية:" نشكركم لتناول الطعام في مطعم "بريكس""، ثم انطلقت للتهكم على الزبائن، ووصفهم بأنهم "حقيرون".

موظف باستاد " فيلادلفيا إيجلز" نشر تعليقاً حديثاً أدان فيه الفريق على السماح للاعبه المفضل وصمام الأمان للفريق” برايان داوكينز" للتوقيع لفريق "دينفر برونكو". وقد قال فيه:” اللعنة} كلمة بذيئة {لقد تدمرت بسبب توقيع” داوكينز” لفريق "دينفر"٠٠٠لقد انهار سد فريق "إيجلز"".8

 سبعة موظفين من سلسلة متاجر بقالة كندية يطلق عليها اسم”فارم بوى" والذين أنشأوا مجموعة على موفع فيس بوك باسم ”لقد مللت من فارم بوى" وكانت تسخر من العملاء وتشمل "انتقادات لفظية لاذعة ضد الزبائن والموظفين".

في بعض الأحيان يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان الانتقاد أصبح أكثر انتشاراً من التعاطف، وإصدار الأحكام على الآخرين أصبح أكثر انتشاراً من التسامح في وسائل الاتصال لدينا، فلا خلاف على أن انتقاد الآخرين هو الوضع السائد الآن، ففي ظل وجود الفرص الكثيرة المتاحة للتعبير عن الرأي، يبدو أن العديد منا يحرصون على استغلال حقهم في التعبير عن الرأي ويقحمون آراءهم عندما يكون هناك شخص مخطئ، ولكنهم سرعان ما ينكمشون ويلتزمون الصمت عندما يكونون هم المخطئين، فإن العديد منا قد اعتادوا على الإمساك بسيف يطلق عليه حرية التعبير عن الرأي في يد، ودرع يطلق عليه الدفاع عن الخصوصية الشخصية في اليد الأخرى _ في حين أن الجميع يتناسون أنه لكى نفعل نلك، فإننا نرى أن العلاقات الإنسانية هي مجرد ميدان حرب، ومن نواح عديدة، فإن هذه الثقافة القائمة على الانتقاد والشكوى هي الحقيقة المؤسفة التي نحياها.

ومع ذلك فإن الشخص الذي يتمتع بالقدرة على التأثير في الآخرين يدرك أن مثل هذه الحماقات تزيد من سرعة السير في اتجاه انهيار العلاقات مهما كنت على صواب ومهما ظل الآخرون على خطأ، فمثل هذه التكتيكات في الغالب تهدم أكثر مما تبنى، لأنها توحى بوجود دافع كامن ومتحيز من جانب واحد فقط سواء كان موجوداً فعلا أم لا. وبالتالي فإنها تنقل أي تفاعل من مرحلة الألفة إلى مرحلة التوتر، فلا عجب في أن لدينا رءوساً متحركة أكثر من القادة الفعليين في الوقت الحالي. والتأثير دائماً في خطر، ولكن الكثيرين منا لا يريدون أكثر من فرض آرائهم، وهذا الأمر لا يتسبب في خلق تجربة سيئة فقط، بل إنه لا يفعل شيئا سوى تأجيج التوتر وزيادة الفجوة بين أية رسالة والتعاون المفيد.

ومع ذلك، فعندما يظهر قائد حقيقي، لا خلاف على أن العكس هو الذي يحدث. كان هناك حينئذ عدد قليل أكثر إلحاحا من المتواصلين من المتلقين للبيان الذي أصدره "ابراهام لينكولن" لتحرير العبيد. وكان الرئيس” لينكولن" مشهوراً منذ زمن طويل بأنه شخص يتعامل مع المواقف المتوترة باتزان وكياسة، ويعد رد فعله تجاه أي خطأ تكتيكي ضخم خلال أية لحظة من لحظات الذروة في الحرب الأهلية خير مثال على ذلك.

فقد تم خوض معركة "جيتيسبيرج" خلال الأيام الثلاثة الأولى من يوليو عام ١٨٦٣. وفي ليلة ٤ يوليو، بدأ الجنرال "روبرت إى. لى" في التراجع نحو الجنوب عندما أغرقت السحب العاصفية الملبدة بالغيوم البلد بالمطر، وعندما وصل” لى" إلى نهر” بوتوماك" مع جيشه المهزوم، وجد أمامه نهراً مترامياً لا يمكن اجتيازه، وجيش الاتحاد منتصراً وراءه، أي أن " لى" كان محاصراً. وعندئذ لاحت فرصة ذهبية لجيش الاتحاد لأسر جيش "لى" وإنهاء الحرب على الفور، وبموجة من الثقة المفرطة، أمر" لينكولن" الجنرال جورج ميد" بعدم توجيه الدعوة لعقد مجلس للحرب ولكن أن يهاجم " لى" على الفور، وأبرق الرئيس أوامره ثم أرسل رسولاً خاصا إلى "ميد" يطالبه بالتحرك الفوري.

ودعا "ميد" إلى عقد مجلس للحرب، فقد كان مترددا، وكان يماطل في الأمر، وأبرق بكل أنواع الذرائع والأعذار للرئيس، وأخيرا انحسر نهر "بوتوماك" وعبره " لى" ونجا بقواته.

واستشاط "لينكولن" غضباً، وصرخ لابنه "روبرت” قائلاً: "ماذا يعنى هذا؟ يا الله! ماذا يعنى هذا؟ لقد كانوا في متناول أيدينا، وكان علينا فقط أن نمد أيدينا ونسحقهم وكانوا تحت قبضتنا تماما، ومع ذلك فلم يكن هناك شيء يمكنني قوله أو فعله لإقناع الجيش بالتحرك، ففي ظل هذه الظروف، كان يمكن لأي جنرال تقريدا أن يهزم "لى"٠ ولو كنت قد ذهبت إلى هناك، لتمكنت من سحقه بنفسي .

وبخيبة أمل مريرة، جلس " لينكولن" المتحكم في نفسه كما هي العادة وكتب إلى "ميد" ما كان-نظرا لتاريخه-خطاباً قاسى اللهجة.

عزيزي الجنرال،

إنني لا أصدق أنك تقدر حجم المصيبة التي أسهمت في هروب " لى". لقد كان في قبضة يدنا، وكنت بقضائك عليه-بالإضافة إلى نجاحاتنا الأخيرة - ستنهي الحرب تماماً، ولكن كما هي الحال الآن، فإن الحرب سوف تستمر إلى أجل غير مسمى، فإذا لم تستطع مهاجمة "لى" دون تكبد خسائر في يوم الاثنين الماضي، فآنى لك أن تفعل ذلك عندما تكون جنوب النهر، ولا تمكن إلا من اصطحاب عدد قليل جدا من الجنود معك-ليس أكثر من ثلثي أعداد القوة التي كانت تحت إمرتك في ذلك الوقت؟ فإنه سيكون من غير المعقول أن أتوقع-وأنا لا أتوقع بالفعل-أنك تستطيع إحداث الكثير من التأثير الآن، لقد ضاعت فرصتك الذهبية، وأنا أشعر بآسى بالغ بسبب ذلك.

لقد كانت رسالة مبررة تماماً ليتم إرسالها. ولكن " لينكولن" لم يرسلها أبداً. وقد عثروا عليها بين أوراقه بعد وفاته.

ترى، ما الذي منع الرئيس عن التعبير عن خيبة أمله الكبيرة وانتقاده المبرر؟

لقد كان الرئيس "لينكولن" متواصلا بارعا، وكان التواضع يظهر في قلب كل ما كان يقوله، ولابد أنه رأى أنه لوكان فد بعث بهذه الرسالة، فلربما تحرر من بعض إحباطه ولكن في الوقت نفسه لربما أثار استياء الجنرال "ميداً’، وزاد من إضعاف فائدة الرجل كقائد، وقد عرف " الينكولن " أن "ميد." كأن قد تم تعيينه قائدا لجيش نهر "بوتوماك" قبل بضعة أيام فقط، وكان يعرف أيتها أن "ميد" كان يتمتع بسلسلة من النجاحات البطولية، وبالتأكيد كان "ميد" يقع تحت ضغوط هائلة، بالإضافة إلى العبء الذي كان يعانيه نتيجة العلاقة العدائية بينه وبين بعض هؤلاء الأشخاص الذين كان يتولى قيادتهم، ولوكان "لينكولن" قد نحى مثل هذه التفاصيل جانباً، وأرسل له خطابه، فإنه بالتأكيد كان سيفوز في المعركة الكلامية، ولكنه كان سيعاني الخسارة في حرب التأثير.

هذا لا يعنى أن الجنرال "ميد" لم يكن يستحق أن يتم إبلاغه بخطئه، ولكنه يعنى أنه كانت هناك طريقة غير فعالة وأخرى فعالة لتبليغه. بخطئه. وفي النهاية نقل "لينكولن" إلى "ميد" شعوره بخيبة أمله، ولكنه فعل ذلك بأسلوب محترم، فإنه باختياره الامتناع عن إرسال الخطاب اللاذع، اختار "لينكولن" الحفاظ على تأثيره بل والزيادة منه على "ميد"، والذي استمر ليصبح قوة للصالح العام في مسقط رأسه في مدينة فيلادلفيا حتى وفاته في عام ١٨٧٢.

ويبدو أن’ الينكولن" كان يعرف-ربما أكثر من رئيس أمريكي آخر في التاريخ -الوقت المناسب الذي ينبغي أن يمسك عليه لسانه فيه، والوقت الذي كان فيه الصمت خطأ أخطر من التصريح برأيه، وفي صميم هذه المهارة كان هناك فهم واستيعاب لإحدى أكثر الحقائق الأساسية للطبيعة البشرية، فنحن مخلوقات مجبولون على الدفاع عن أنفسنا، ونميل بشكل غريزي للدفاع وتفادى وإنكار جميع التهديدات التي تهدد سلامتنا ورفاهيتنا، ناهيك عن التهديدات التي تتعرض لها كبرياؤنا.

تأمل فضيحة المنشطات في دوري الدرجة الأولى لكرة البيسبول، فمن بين قائمة مكونة من ١٢٩ لاعباً ارتبطت أسماؤهم باستخدام هرمون الإسترويد وهرمون النمو البشرى من خلال عينات الاختبارات الإيجابية، فإنه بسبب تقرير لجنة "ميتشيل"، أو التورط من قبل الزملاء-اعترف16 لاعبا صد بتناول المنشطات.

فهل هؤلاء مجرد رياضيين بارزين لديهم درجة عالية من الغرور؟

لا تفهم الأمر بهذه السرعة، تأمل آخر مرة قام فيها زميل لك بانتقادك

عن شيء قلته أو ضلته، هل يجدر بنا أن نفترض أن كلماته التي أصدرها بشأنك جعلتك ترغب في عناقه أو تشترى له غداء؟ أم هل أنك رغبت في إخفاء علبة مفتوحة من السردين في مكتبه كمفاجأة له؟ وربما يكون هذا لطيفاً أيضاً.

لا أنا ولا أنت نستمتع بأن نكون موضعاً للاستنكار والنقد، سواء كنا نستحق ذلك أم لا، ويوضح إخصائي الغدد الصماء "هانز سيلى" هذا الأمر قائلا: "بقدر تلهفنا على الاستحسان، نصاب بالهلع من الانتقاد".

وعندما نحاول أن نستخدم النقد للفوز في أي نقاش أو جدال، أو لتحقيق هدف معين، أو للتحفيز على التغيير، فإننا بذلك نتراجع خطوتين إلى الوراء، فإنه يمكن دفع الناس إلى التغيير بالطريقة التي يمكن بها قيادة الخيول إلى الماء، ولكن التحقير والنقد نادراً ما يحقق النتائج التي تهدف إليها، ونحن هنا لا نتحدث عن الخطابة العامة صد، فهذا ينطبق أيتما على المحادثات الخاصة.

ورغم سيادة روح عصرية تتمثل في التعليقات المشوهة للسمعة من خلال المدونات، والبرامج الحوارية، ووسائل الإعلام الاجتماعية، فإن اللحظة التي تستخدم فيها إحدى الوسائل من أجل الانتقاد، فإن موضع انتقادك يخضع للدفاع الفوري، وعندما يتخذ أي شخص موقفاً دفاعيًا، فلن يكون هناك الكثير مما يمكنك قوله لاختراق الحواجز التي يقيمها. وكل شيء تقوله سيمر من خلال مصفاة الشك، أو الأسوأ من ذلك، الشك المطلق وعدم التصديق، وبهذه الطريقة تعمل التعليقات الانتقادية وكأنها سهام مدمرة غير مرئية ترتد إلى صاحبها، ويصاب بها من يطلقها.

كل هذا يحدث بأكبر سرعة ممكنة في عالم ينتشر فيه أي شيء نتواصل بشأنه بمجرد نقرة على مفتاح، أو استخدام ميكروفون، أو كاميرا هاتف بعيداً عن العيان. وقد تعلم الممثل "ميل جيبسون" درسا قاسيا نتيجة تعليقه المهين العنصري الذي كان قد تركه على البريد الصوتي لصديقته السابقة وتم بثه على مستوى العالم، فإن تأثيره العالمي _ الذي كان قد اكتسبه من هوليوود -قد تلقى ضربة مدوية.

وهناك مثال أقل اثارة ولكنه ما زال مدمرا وقع في يوليو من عام ٢٠٠٨، عندما التقط ميكروفون محطة "فوكس نيوز" تعليقات، وفقاً لمدونة ملصقة بموقع محطة "سي إن إن" كان "رجل الدين "جيسى جاكسون" ينوي إلقاءها في جلسة خاصة، والتي كانت على ما يبدو تحط من قدر المرشح الديمقراطي المفترض به الظهور لإلقاء محاضرة عن الأخلاق في مجتمع السود". ورغم الاعتذار العام ل "جاكسون" على الفور، فإن تعليقاته قد أحدثت جرحاً غائراً في تأثيره الوطني بشأن المسائل المهمة الخاصة بأعضاء المجتمع السود. وعلاوة على ذلك، فإنها قد أثارت الشك في دعمه لسيناتور ولاية إلينوى "باراك أوباما"، الذي سرعان ما أصبح الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة.

في حين أن معظمنا يتجنب مثل هذه الزلات المنتشرة على نطاق واسع في مواقف التواصل العامة، وقبل أن نستقر إلى الحكم الصادر عن الشخصيات العامة التي تقع في هذه الزلات، فإننا سوف نفحص أنفسنا جيداً لنفكر فيما قد يقوله الآخرون عن أسوأ الأشياء الخاصة لدينا، وينفجر ليصبح منتشراً على الملأ، ولا يزال الأفضل من ذلك هو أن نتبع دائما مبدأ بسيطاً في تعاملاتنا مع الآخرين _ لا تنتقد، لا تشجب، أو تشك، إننا نعيش في عصر يمكن للعالم أن يسمع كلماتنا، وتعتبر فيه المساءلة العالمية أمرا محتملا للغاية حثا، وأيدا من الممكن أن تلاحقنا فيه كوارثنا في التواصل لأجل غير مسمى.

ورغم وجود اتجاه عالمي للحرية المطلقة في الحديث، فليس من الحكمة أو الضروري أن تنتقد الآخرين لتجعل رسائلك أكثر فاعلية، أو أكثر أهمية، أو أكثر جذباً للاهتمام، ودرجة استماع الآخرين لك الآن من الأفضل ألا ينظر إليها بوصفها عبئاً أو منحة ولكن باعتبارها مسئولية، وهؤلاء الذين يتقبلون تحمل هذه المسئولية بتواضع وتعاطف، وحماس جدير بالثقة هم أسرع بكثير في زيادة فرس استعداد الآخرين للاستماع لهم، والأشخاص الذين يلقون الاحترام على نطاق واسع داخل الصناعات، والشركات، والعائلات، ومجموعات الأصدقاء هم أولئك الذين يتحرون في وجهات النظر الخاصة بهم، وفي الوقت نفسه يحافظون على التعاطف مع هؤلاء الأشخاص الذين يريدون التأثير في آرائهم أو سلوكهم.

ويطلق على التغيير بقوة الكلمات في بعض المواقف اسم الإكراه، فإن كان هناك سبب، فهذه جريمة، وبينما قد لا يكون هذا الإكراه غير قانوني أو شرعي بين اثنين من زملاء العمل، أو زملاء الدراسة، أو الأصدقاء، فإننا نبذل قصارى جهدنا لتجنب أي شعور بالاستياء ناتج عن هذا الأمر.

وأبسطا طريقة هي التركيز على تحسين نفسك وليس تحسين الآخرين.

غير استخدامك لوسائل الإعلام من روح الفضح والاعتراض إلى روح التشجيع والنصح. فليس هناك خطأ في إخبار أصدقائك ومعجبيك بالأشياء التي ترغب في أن يتخلصوا منها، ولكن الروح التي تخبرهم بها هي السر في ذلك، هل نتبادل المعلومات لأن لديك غرضاً أنانياً تريد تحقيقه؟ هذا النوع من التواصل من الأفضل أن تذخره لزميل جدير تماماً بالثقة، وحتى لوكان الناس يقفون في صفك بالفعل، فإن التبجح والأنين لا يقربهم منك، وإذا كان هناك أي شيء من ذلك، فإن مثل هذا السلوك يجعلهم يتساءلون عما إذا كان بإمكانهم الثقة عند ارتكابهم للأخطام والزلات.

قاوم توجيه الاتهامات على أنه استراتيجية للتفوق والتميز. فإن ضرره أكثر من نفعه على المدى الطويل، وفي ظل أي اقتصاد عالمي، فإنك لا تعرف مطلعا متى يصبح أكبر منافسيك هو أعظم معين لك ومتعاون معك، فما الذي ستفعله عندما يكون أفضل طريق لنمو أعمالك يسير من خلال شخص كنت قد أحرقت جسور العلاقات معه بالفعل؟ إن المنافسة أمر صحي وينبغي احترامها. والتعاون أمر بالغ الأهمية، وينبغي حمايته.

اجعل رسائلك أكثر مغزى من خلال التخلي عن أجندتك الخاصة. فسواء كنت تفرد بالأخبار المهمة إلى قاعدة واسعة من المعجبين أو تحيط مجموعة صغيرة من أعضاء مجلس الإدارة بأحدث الأخبار، فإنه من الحكمة أن تتذكر أنه لا يرغب أحد أن يرهق نفسه بما هو مهم بالنسبة لك٠ وقبل كل شيء، فإن المتلقين لكل صغيرة وكبيرة من التواصل معك، يريدون قيمة خاصة بهم. وإذا كان كل ما تفعله هو ملء أذانهم، وصناديق البريد الإلكتروني الخاصة بهم، وأجهزة الهاتف الخاصة بهم بأوصاف آخر وأكبر مشكلاتك وآلامك، فإنهم لن يستمعوا لك لفترة طويلة، فهناك من التواصل الإيجابي بما يكفي لأن نصم أذاننا لأي شخص آخر يريد أن يرهق عقولنا بالتشاؤم والأخبار السيئة.

اعمل على تهدئة نفسك قبل التواصل مع الشخص الآخر، فعندما تكون في مزاج سيئ، فإن أول خمس دقائق من التواصل عادة ما تكون أكثر حدة، وإذ ا كان بإمكانك تدريب نفسك على التخلص من الردود الفورية المتهورة غير المحسوبة، فإنك سوف توفر على نفسك ساعات من محاولة تغيير آرائك ومواقفك وتصحيح أخطائك طوال الطريق،

وبينما نعانى جميعاً لحظات الطيش في بعض الأحيان، فليس هناك أسوأ من لحظات الطيش الخاصة التي تنتشر على الملأ. وفر على نفسك القليل من المتاعب-وربما المعضلات واسعة النطاق-من خلال اتخاذ خطوة إلى الوراء قبل التفوه بشيء قد تندم عليه بعد ذلك.

وفي حين أن هناك دائماً ما يمكنك قوله عند تقييم أي شخص آخر، فإنه لأمر جيد أن تتذكر أن هناك دائماً ما يمكن أن يقال عند تقييمك أنت أيضاً. وهناك مثل قديم يقدم الحكمة المناسبة هنا قائلا: "إن الطريقة التي تحكم بها على الآخرين، سوف يتم الحكم عليك من خلالها، والمعايير التي تضعها للأخرين، سوف تكون هي المعاير التي يضعها الآخرون لك".

ورغم أنه من الصعب في بعض الأحيان أن نقلل من أهمية حقنا في التحدث بحرية، فإن اجراء استعراض سريع للتاريخ سوف يذكرك بأن أعظم المؤثرين هم الذين يمسكون عليهم ألسنتهم، ويبتلعون كبرياءهم بداخلهم عندما تنشأ موجة من الانفعال السلبي، وبدلاً من ذلك فإنهم يسمحون للإيجاز، والتواضع، والحكمة بقول أكثر مما يمكن لأية خطبة عصماء أن تقوله في تلك الأوقات الحرجة.

وربما لا يكون هناك مثال يعلق بالذهن أكثر من رد الكاتب البريطاني ذي الإنتاج الأدبي الخصب” جى. كيه. تشيسترتون" على دعوة وردت له من مجلة " تايمر" لكتابة مقال بها عن موضع بعنوان "ما هو الخطأ في العالم؟”

كان رد "تشيسترتون" كالتالي:

أيها السادة، إنني.

مع خالص التقدير.

"جي.كيه.تشيسترتون"

فليس من المستغرب أن استعراضا بجريدة "تايم" في عام ١٩٤٣ لكتابه الذي بعنوان Orthodoxy أشار إلى أن الخصم القوى الأكثر شعبية للأديب-وهو الكاتب المسرحي الأيرلندي "جورج برنارد شو"_وصفه بأنه "شخص ذو عبقرية جبارة"، ١٢ وقد وصف الاستعراض ذاته "شو" بأنه "العدو المحب" لمعاصره. وحتى "تشيسترتون" نفسه وصف العلاقة الحماسية الغريدة بينهما بأنها كعلاقة "رعاة البقر في فيلم صامت لم يتم عرضه مطلقاً." لقد كان الرجلان على خلاف بشأن كل قضية في عصرهما، ولكن العلاقة بينهما لم تضطرب أبدا _ ويرجع الفضل في جزء كبير من ذلك إلى قدرة "تشيسترتون" على الحفاظ على غروره في محل فحص دائم واحترام آراء الرجل الذي لم يستطع أن يختلف معه أكثر من ذلك، ولم ثكن النتيجة عادية في حياة الكاتب.

فقد بلغ تأثير"تشيسترتون" ما وراء الخيال، وظل على الدوام عالقاً. في أذهان معاصريه مثل "برنارد شو"، "أوسكار وايلد"، و"إتش. جى. ويلز". وقد أسهم كتابه The Everlasting Man في توجيه "سى. إس. لويس" الذي كان له شطحات خيالية، وكانت كتابته لسيرة "تشارلز ديكنز" مسئولة إلى حد كبير عن خلق نهضة شعبية واعادة نظر علمية جادة لعمل "ديكنز" المتمثل في روايته The Man Who Was Thurday والتي ألهمت الزعيم الجمهوري الأيرلندي "مايكل كولينز" بالفكرة القائلة: "إذا لم يبد أنك تختبئ، فلن يهتم أحد بمحاولة اصطيادك"، كما أن عموده بعدد ١٨ سبتمبر ١٩٠٩ من صحيفة Illustrated London News كان له لأثير بالغ على "المهاتما غاذدى"

إن كسب الأصدقاء والتأثير على الناس في عالم اليوم يتطلب ما هو أقل من الخطابة البليغة، إنه يتطلب بلاغة التواضع وانكار الذات، فإذا كنت أنا أمثل لك مشكلة في هذا العالم، فأنت أيضاً تمثل مشكلة لى، وعندئذ يمكننا أن نتوقف عن القلق بشأن من منا المصيب ومن المخطئ وأن نستمر في العمل لجعل عالمنا أفضل حالا، تخلص من الأسلحة التي تطلقها وترتد عليك وسوف تشكل كلماتك مسارا أسرع بكثير نحو التقدم.