يتعلق بهذا

بدأ المدون والمدرب في مجال الأعمار في شركة "بيلدينج تشامبيونز" ، "ستيف سكانلون" ، الحديث بينما يعيد رواية قصة يحب مشاركتها مع الآخرين: "لقد كان يسمى نفسه "مايك". كنت أنا وزوجتى "رافا" ، نقيم بعد عدة مبان قليلة جنوب حديقة سنترال بارك، واستدعينا سيارته الأجرة لكي نباشر تقليداً سنويّاً لتناول العشاء في منطقة "ليتل إيطالى" ، وكان التوقيت سيئاً للغاية.

لقد كان هذ ا في أحد الأعياد، وازدادت الشوارع الممتلئة بالفعل، ازدحاماً فوق ازدحامها. وبينما كان "مايك" يشق طريقه عبر وسط المدينة وجنوب مانهاتن، كان من الواضح أن خططنا سوف تكون بحاجة إلى تغيير، واقترح "مايك" الذهاب إلى منطقة "جرينتش فيليدج" ، ووافقنا على ذلك الاقتراح. وبعد دقائق قليلة، أنزلنا عند حاجز "فيليدج"، وأوصانا بثلاثة مطاعم، ثم رجع إلى الجماهير الزاحفة، وظننت أن هذه المرة سوف تكون المرة الأخيرة التي سنراه فيها".

ولكن كما يحب "سكانلون" أن يقول مبتسماً: "كان "مايك" يفكر بطريقة مختلفة".

    وبينما كان "سكانلين" وزوجته يستمتعان بوجبتهما، مد يده إلى جيبه الأمامي في بنطاله، وأخذ يربت هنا وهناك، وهناك وهنا. لقد فقد هاتفه. وأصيب بالرعب عندما تذكر فجأة مكان هاتفه.

وتراءت الاستقالة أمام عينيه، عندما تخيل معاناة إلغاء حسابه، وفقد معلومات الاتصال القيمة، وشراء هاتف جديد. واتصل برقمه من هاتف زوجته متوقعاً أن يسمع رسالته المسجلة، ولكنه بدلاً من ذلك، سمع صوتاً لطيفاً هندى اللهجة يقول:

"مرحباً"

    فرد "سكانلون" بسرعة، وبطريقة فظة أكثر مما كان يقصد: "من أنت؟".

    فرد الصوت: ”أنا "مايك"".

    أخذ "سكانلون" نفساً عميقاً، وأخذ يتلعثم وهو يقدم تفسيراً انتهي بحاجته    إلى اللحاق برحلة جوية في وقت قريب جداً.

فأجابه "مايك": " يا إلهي، إن هاتفك مهم جدّاً. سآتي بأسرع ما يمكنني". ثم رتب اللقاء بزاوية لأحد الشوارع ووعد بالإسراع.

    واتجه "سكانلون" إلى زوجته وهو يشعر بمزيج من الدهشة والارتياح، وشرح لها ما حدث على الهاتف، وعندما عاد "مايك" إلى حدود القرية بعد عشرين دقيقة، وأعطاه الهاتف، وضع "سكانلون" 80 دولاراً في يده - هي كل ما كان يملك من مال.

يقول "سكانلون": " لقد كان متواضعاً، ولكني أردته أن يعرف كم كان تصرفه رائعاً. لم يذكر "مايك" المال ولو لمرة واحدة، إن اغلاقه لعداد السيارة، وخروجه عن طريقه لمساعدة زبون مستهتر كان أمراً رائعاً -لقد كنت على استعداد لأن أعطيه ضعف هذا المبلغ لوكان معى المال ".

    هذا التصرف البسيط من سائق التاكسي كان له أثر عظيم؛ فقد حول كابوساً إلى تجربة جديرة بالذكر، ويطلق "سكانلون" على ما قام به "مايك" اسم التفكير في الصورة الصغيرة "، إنه أساس ترك الآخرين وهم في حال أحسن بقليل.

    في وقت ما من حياتنا، نتعلم الإبقاء على الصورة الكبيرة أمام أذهاننا. فنتعلم فوائد وضع الأهداف الكبيرة، وإقامة العلاقات الكبيرة، وإنهاء الصفقات الكبيرة، وفي الوقت الحالى، ربما تكون الصورة الكبيرة الشائعة هي الفوز

    بكثير من الأتباع، ورغم ما لهذه الصور الكبيرة من قيمة، فإن تركيز عقولنا على الفوائد الكبيرة فقط يجعلنا نغفل عن الفرص الصغيرة التي تساعد على إحداث أكبر الفروق، فإننا قد نفقد فرص المضي أعمق قليلاً، والترابط أقوى قليلاً، وجعل الآخرين يشعرون بإحساس أفضل حيال علاقاتهم بنا.

     يقول "سكانلون" مفسراً: " ليس المقصود هنا هو أن التفكير في الصورة الكبيرة أمر سيئ. إنه مهم من أجل إحراز التقدم -ولكنه لا يكفي بمفرده لكي تحقق أهدافك الكبيرة".

    فهناك العديد من الخطوات التي تأتي بين ما نزرعه وما نحصده، ومعظم هذه الخطوات تتمثل في البذور الصغيرة التي نزرعها في لحظات بسيطة في كل يوم.

    فكر في مدير المبيعات في سلسلة محلات "ماسيز" الذي طرح رؤية كبرى لمضاعفة مبيعات الأحذية النسائية في شهر يونيو، وعلل ذلك بأنه سيتكون هناك موسم تخفيضات كبير للمبيعات الصيفية، بالإضافة إلى الجهد الكبير في إقناع العملاء بشراء المزيد، مما سيثمر عن نتائج هائلة. ولكن للأسف، لم تسفر النتائج عن مردود كبير.

    وفي الأول من شهر يونيو، توقف فريق المبيعات عن الاستماع إلى قصص العملاء، وتوقفوا عن مراعاة ميزانية العملاء أو احترام وقتهم. وبدلا من ذلك، بدأ الفريق في السعى وراء الفرص الكبيرة عن طريق عرض أحذية أغلى ثمناً، أو حذاء ثان بنصف الثمن، أوكماليات ملائمة؛ ولكن مع حلول نهاية الشهر، انخفضت المبيعات بنسبة ٨ %.

ما الخطأ الذي حدث؟

    ربما يلقي مدير المبيعات العادي باللوم على فريق المبيعات الذي يفتقر إلى الأداء، ولكن هذا المدير أشار بإصبع الاتهام نحو نفسه. ما الذي كان يمكن أن يقوم به بشكل مختلف؟ لقد أدرك المدير أن هوس الصورة الكبيرة أدى إلى إبعاد تركيز فريق المبيعات عن الأعمال الصغيرة التي  يمكن أن تجعل من هذا الأمر حقيقة واشة، إنه خطأ شائع، ولحسن الحظ، حصل المدير نفسه على فرصة ثانية.                                     

فبعد مرور عدة أشهر، أتى على سلسلة محلات "ماسيز" موسم تخفيضات عيد العمال. وقام المدير حينها باتباع أسلوب مختلف.لقد رسم الصورة الكبيرة - ضعف مبيعات الشهر الماضى - ولكنه قام في هذه المرة بوصف التفاصيل الصغيرة داخل الصورة الكبيرة، فقد طلب من العاملين معه أن ينتهزوا كل فرصة لخدمة عملائهم: توصيلهم إلى دورات المياه، والاعتناء بأطفالهم، وركن عربات مشترياتهم أمام منضدة البيع، ومراعاة أوقاتهم وحدود ميزانياتهم، وبدلاً من التركيز على ما يبيعون، وجب على فريق المبيعات التركيز على جعل أوقات العملاء أفضل قليلا، سواء كانوا يشترون الأحذية أم لا.

    ما الذي تعتقد أنه حدث؟

    كانت نسبة المبيعات في سبتمبر أكثر من أغسطس بنسة ٤٠% هذه ليست ضعف نسبة المبيعات - وهو هدف اعترف المدير نفسه بأنه كان عالياً جدا - ولكن كان أفضل بنسبة ٥٠% من شهر يونيو الذي بذلت فيه الجهود نفسها. والأهم من كل ذلك، أنه كان تقدماً ملموساً، وكان الفرق في التفاصيل.

    إن الصورة الكبيرة لم تتغير؛ ولكن الوجهة التي يركز عليها مندوبو المبيعات هي التي تغيرت. فبدلاً من البحث عن صفقة البيع الكبيرة، كانوا يسعون وراء طرق بسيطة وهادفة لكي يتركوا الناس وهم يشعرون بإحساس أفضل، لقد أسفرت البذور الصغيرة المزروعة بطريقة مجدية عن محصول أكبر.

    يرتكب العديد من الناس خطأ عندما يساوون بين الإلهام والتنفيذ، إنهم مثل معلم الرسم الذي يضع طلابه في أحد مروج جبال الألب، ويطلب منهم أن يرسموا هذا المنظر الطبيعى العظيم. إن الصورة الكبيرة تثير الإلهام بالفعل: أعشاب طويلة متمايلة، أشجار الحور الرجراج البيضاء مع الأوراق الذهبية المتلالئة، نهر صغير ينعطف نحو خلفية من الجبال التي تغطي الثلوج قمتها؛ ولكن رؤية الصورة فقط لا تجعل الطلاب مستعدين لرسم ورقة واحدة من العشب على لوحة الرسم، فبدون وجود تعليمات رسم خاصة بكل تفصيلة صغيرة في هذه الصورة الكبيرة، فإن جهودهم لن تشبه هذا المرج الرائع الرابض أمام أعينهم بأية حال من الأحوال، ولكي يصبحوا فنانين عظماء يستطيعون عمل نسخة من الصورة الكبيرة، يجب أن يتعلم الطلاب التركيز على الأشياء الخاصة الصغيرة، وليس هناك مجال في الحياة تتجلى فيه حقيقة هذا الأمر أكثر من مجال العلاقات البشرية.

    من ذا الذي لا يملك خططاً كبرى لعقد شراكات معينة، أو جهود تعاونية، أو صداقات؟ إن عرض الزواج ليس إلا رؤية لمستقبل العلاقة، وما اتفاقية التعاون إلا رؤية لمستقبل الشراكة في العمل، وما عقد التوظيف إلا رؤية للعمل العظيم الذي يمكن لصاحب العمل والموظف القيام به معاً؛ ولكن هل هذا يكفي لكي تنشد الأشعار التي تتحدث عن حبك لامرأة؟ هل هذا يكفي لكي تعد بتقديم خدمة عملاء رائعة، أومحتوى مناسب، أودعم له قيمة؟ يقال إن "ليوناردو دافنشى" بدأ رسم لوحة الموناليزا في عام 1503 ، ولكنه لم ينته منها إلا في عام ١٥١٩. ويرى بعض مؤرخي الفنون أن "دافنشى" قضى كثيرا من هذا الفترة الزمنية في التفكير وإتقان رسم الابتسامة الغامضة التي ظلت محور الاهتمام على مدار خمسة قرون، وتزين هذه الابتسامة المشهورة في الوقت الحالى غرفة خاصة في متحف اللوفر في فرنسا، تساوى7.5 مليون دولار أمريكى، ويأتى إليها ٦ ملايين زائر في كل عام يقدمون لها الاحترام والتقدير، وتقدر قيمة اللوحة بحوالي نصف مليار دولار أمريكى، رغم أن الكثيرين يرون أنها لا تساوى شيئاً.

    ما الذي يمكن أن يصل إليه حال لوحة الموناليزا دون تفاصيلها الشهيرة؟

إنها ستكون مجرد لوحة كبيرة لم تحقق المرجو منها.

    وفي هذا الشأن نفسه، فإن أكبر وأفضل نواياك – نحو علاقة معينة،

أو نحو أتباعك، أو نحو شركة معينة، أومحاولة للتعاون - لن تحقق المرجو منها دائماً إذا كانت نوايا الإلهام لديك لا تتحول إلى تصرفات صغيرة تقدم الخدمة والقيمة.

    يقول "سكانلون": "يتعامل معظم رجال الأعمال مع خدمة العملاء مثل الحملات الإعلانية، فهم يلصقونها، ويعدون بها، ويعززونها، ولكن ما لم ينتجوا منها زيادات صغيرة في كل يوم، فلن تكون خدمة العملاء إلا تملقاً

    ووعوداً كاذبة فحسب. إنها ستشبه لوحة الموناليزا بدون الابتسامة - مجهود طيب ولكن لا يختلف عن أي شىء، أو أي شخص آخر" .

    وما يجب عليك تذكره دائماً هو أن الأمور التي تحفزك من أجل الفوز بالأصدقاء نادراً ما تكون هي الأمور التي تحفز الآخرين للفوز بصداقتك.

    إن الأمور التي تعمل على تحفيزك يمكن تحقيقها من خلال ما يبديه الآخرون من ولاء، أو دعم، أو جهود تعاونية. إنك تشعر بالتحفيز عن طريق الصورة الكبيرة للترابط والتعاون -من خلال الطريق الذي يمكن أن تؤول إليه الأمور.

    وعلى النقيض من ذلك، فإن الأشخاص الذين تريد إقامة العلاقات والتعاون معهم، يرون الصور الصغيرة فقط من تجاربهم معك، إنهم يرون المعيار الحقيقى لما يحفزك عن طريق أدق المعلومات والإنجازات، إنهم يشعرون بالتحفيز من خلال الطريقة التي تسير الأمور بها.

    ودائماً ما يطرح الآخرون هذا السؤال عنك: " ما قيمة علاقتي بهذا الشخص؟".

    إن التساؤل القائل "ما الذي فعلته من أجلي مؤخراً؟"، لا يزال مستمراً في توجيه عقول عامة الناس، وربما بدرجة أكبر في الوقت الحالى وسط خلفية من ملايين الرسائل والمرسلين الذين يتنافسون من أجل الفوز بانتباه الآخرين. إن هذا لا يعنى - كما يعتقد البعض - أنه يتوجب عليك أن تتفوق على نفسك دائماً، أو أن تستعرض مهاراتك بشكل مسرحي، إن هذا يعنى ببساطة أن سر التقدم في التعامل مع الآخرين يتمثل في إضافة قيمة ملموسة، والقيام بذلك على نحو منتطم.

    ولكن للأسف، كما يقول "تونى روبينز"، مدرب الأداء الأسطورى في مقابلة أجريت معه مؤخرا: "لقد أصبحت عملية الفوز بالأصدقاء في هذا العصر الرقمى، تدور حول التسويق والظهور، واكتساب الأهمية". ويقول "روبينز" مفسراً: "هناك طريقتان لكي يصبح المرء مهمّاً: القيام بشيء ما بطريقة جيدة للغاية، أو القيام بشىء ما بطريقة سيئة للغاية. وللأسف، أصبحت الأعمال السيئة هي أسهل الطرق لكي يصبح المرء مشهوراً في الوقت الحالى، وتعطينا التكنولوجيا قوة هائلة للترابط مع الاخرين، وللتعلم منهم، وإضافة قيمة إليهم على مدار الساعة، وعلاوة على ذلك، فربما نزعج شخص ما، أونتصف بالحماقة، أوحتى نكتسب الأهمية على الفور. ومما يؤسف له أن الكثير من الناس يختارون هذا الطريق".

وعلاوة على التبعات الاجتماعية الواضحة لهذه الوجهة، فإن المشكلة الإستراتيجية هي وفرة المواد المستفزة التي تتم إذاعتها في هذا العصر الرقمى. وبين منافذ وسائل الإعلام، والحملات التسويقية، والأخلاق الرقمية التي  شعارها " أنا أولا"، تواجه منافستك على مسرح تعزيز المصالح والاهتمامات تحدداً هائلاً. وتصبح المكافآت القليلة العمق هي الوضع السائد.

يقول "روبينز" عن المفتاح الحقيقى للفوز بالأصدقاء والتأثير على الآخرين في الوقت الحالى: "إنه تحريك العلاقات من الاستغلال إلى الجدوى. والطريقة الوحيدة التي تمكنك من القيام بذلك هي عن طريق العمل المستمر على إضافة فائدة وقيمة".

هذا هو المقياس الذي يحكم على كل تفاعل من تفاعلاتك - أي كل مشاركة على المواقع الاجتماعية، وكل رسالة إلكترونية، وكل اتصال هاتفي، وكل لقاء شخصى ملموس، فما الجانب الذي يميل إليه مقياسك في كل لقاء - نحو مزيد أوقليل من القيمة؟ إلى أي جانب يتجه مقياسك مع مرور الوقت؟ ربما يكون هذا هو السؤال الأكثر أهمية لأننا جميعاً نرتكب الأخطاء، فنحن نمر بأوقات سيئة أيضاً، ومع ذلك، فربما تكون أخطاء التعامل مع الآخرين أكثر سرعة وقسوة من أي وقت مضى، ولهذا السبب بالذات، فمن الحكمة أن تقوم بكل ما في وسعك - عبر كل وسيلة ورسالة - لكي تترك الآخرين وهم أفضل حالاً، ورغم أننا نترك بالتأكيد فسحة للأخطاء، فإن الأمر أشبه بحجرة غسيل للملابس أكثر منها قاعة رقص كبرى. كم مرة تسببت فيها مجرد نظرة سريعة في قطع أواصر أية علاقة؟

    هناك معتقدات متنوعة تُحكى عن آلهة العدالة في الأزمان الغابرة. كان "ثيمس" أحد الجبابرة، وينظم الشئون الاجتماعية. وكان "دايك" إله العدالة يقوم بوزن الأعمال الصالحة والخاطئة، وكان الإله "جاستيتيا" الذي يمثل التجسيد الرومانى للعدالة، يُجبر على الصعود إلى السماء بسبب خطايا البشر الفانين، وكانت "معات" -الإلهة الفرعونية المصرية - تحافظ على نظام الكون.

ومن بين هذه الآلهة ظهر تجسيد حديث للعدالة، يتمثل في صورة امرأة معصوبة العينين تمسك بالسيف في يد، وتحمل الميزان في اليد الأخرى، ولقد ارتبطت هذه الصورة بالأنظمة القضائية الغربية، وتبعث هذه الصورة رسالة غاية في الوضوح: يجب وزن الحقيقة على أساس كل قضية على حدة حتى تسود الحقيقة.

وهناك رسالة ضمنية في هذا: من الممكن أن يؤثر أى شىء على الميزان. فليست هناك حجة مهملة أو حقيقة ليست لها صلة بالموضع في أية قضية. فموازين العدالة تزن كل شىء.

وما ينطبق في ساحات العدالة ينطبق أيضاً في مجال العلاقات البشرية. فليست هناك تعاملات حيادية، فانت تترك أي شخص إما في حال أفضل أو أسوأ بعض الشىء. كان "جوردان" يقيم طلاقه بعد عقد من وقوعه، في عشية حفل زفافه الثاني، فقد سأله أحد أصدقائه عن سبب فشل زيجته الأولى، فأجاب بأن ذلك يرجع إلى أنه تجاهل الموازين، فكان كل تفاعل مع زوجته يبعث بإحدى رسالتين -بأنها كانت أهم شخص لديه في العالم، أو أنها ليست كذلك، ولقد أفرط "جوردان" في توجيه الرسالة الثانية.

    ومما يبتعد عن درب الواقع أن يعتقد المرء أن كل تفاعل مع كل شخص سيؤدى إلى تغيير في مجرى الحياة؛ ولكن لا يزال ميزانك يميل بطريقة أو بأخرى في كل يوم، ويجب أن تعطيك هذه المعرفة أسباباً عديدة لكي تبدي الاهتمام بكل رسالة تبعثها، إن اعتبار إيثار الآخرين أولوية بالنسبة لك ووضعها في مكانة عالية سوف يجعلك في مكانة متميزة في هذا العصر الرقمى.

    كتب "ديفيد بروكس"، كاتب العمود الصحفي في صحيفة "نيويورك تايمز"، عمودا تحت عنوان "High-Five Nation" (أمة التحية باليد العالية المنبسطة) ، قارن فيه بين التواضع الذي ساد بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، مع ما نراه سائداً في الوقت الحالى. فكتب يقول: "في يوم الانتصار، كانت الفاشية تمثل العظمة، والتفاخر، والبهيمية، والحماسة، ولقد ساهمت مصانع دعاية الحلفاء أيضاً بنصيب معقول في هذا الإفراط في الجدل. وبحلول عام ١٩٤٥، سئم كل شخص من هذا، وكان هناك نهم جماعى لأسلوب عام يتسم بالتهوين، وإنكار الذات، والتواضع، والاقتصاد".

    إن التواضع، والإحساس بأن الآخرين يجب أن يشغلوا عقولنا على النحو الذي نقوم به، إن لم يكن أكثر، كان جزءاً من ثقافة ذلك العصر، ومع مرور الوقت، بدأت المشاعر في التغير، كما كتب "بروكس" : بدلاً من التواضع أمام الله والتاريخ، أصبح الخلاص المعنوي يكمن في العلاقة الحميمة للمرء مع نفسه ... وأصبح كشف الذات وحبها طريقين للفوز في منافسة جذب الاهتمام".

ولقد جذب بعض الأشخاص الانتباه بالفعل في الوقت الحالى - ربما يكون "سوء السمعة" كلمة أفضل هنا - عن طريق التفاخر بأنفسهم، وخلق ثقافة من الشهرة حولهم، ويجني البعض ملايين الدولارات جراء اتباع هذه الإستراتيجية، ولكن ما انطباعنا عن مثل هؤلاء الأشخاص؟ هل يؤثرون على الآخرين من أجل الخير؟ ربما بعد أن تركز عليهم الأضواء، نراهم يدلون الأخيرين إلى خير ثقافي، وهذا أفضل من لا شيء. ولكن مثل هؤلاء الأشخاص يعملون بشكل أساسى بأسلوب يثير الاستفزاز والغضب، إنهم يجهزون لنا ما يساعدنا على الهضم رغم عدم وجود شيء نتناوله في الأساس.

    ولكن هناك شيئا واحداً لم يتغير على مدار الألفية -شىء استنتجه الفلاسفة من كل الثقافات، إنه شيء قديم قدم التاريخ نفسه، إنه شيء علمه "زرادشت" لأتباعه في بلاد فارس منذ ٢٥٠٠ عام. إنه شىء بشر به "كونفوشيوس" في الصين منذ ٢٤٠٠ عام. وهو شيء علمه "لاوتسى" لمريديه في وادي هان في الصين. كما أنه شيء علمه "بوذا" على ضفاف نهر الجانج في الوقت نفسه تقريباً، إنه شيء لقنته جميع الكتب قبل ١٠٠٠ سنة من ذلك الوقت، لقد وصلوا جميعاً إلى الاستنتاج نفسه: لا تعامل الآخرين بما لا تحب أن يعاملوك به، ومنذ ألفي عام، دخل عليه تعديل بسيط هو: "عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به".

    هذه هي القاعدة الوحيدة في تاريخ البشرية التي نطلق عليها القاعدة الذهبية.

   وتكمن المفارقة في عصرنا الرقمى في أن العديد من - الناس يعتنقون مفهوم التفوق الذي يقدم إليك طريقة بسيطة لترك انطباع دائم: أظهر لهم بطريقة لطيفة أنهم على صواب، وهكذا تزداد احتمالات قيامهم برد الجميل كثيراً.

سأل "ونيستون تشرشل" الرئيس الأمريكي" دوايت أيزنهاور" قائلاً: هل تعلم سبب حبي لك، آيك ( لقب الرئيس) ؟” . وكان ”تشرشل” قد عمل -على نحومتناغم إلى حد ما- مع شخصيات قوية مثل "برنارد لومونتجمرى" ، و "تشارل ديجول"، و"فرانكلين ديلانوروزفلت". وقد أكمل "تشرشل" قائلاً: "لأنك لا تسعى وراء الشهرة والمجد".

عليك دائماً أن تترك الناس وهم في أفضل حال، وربما تصيبك الدهشة عندما تشعر بمدى العظمة التي يظهرك عليها هذا الأمر في نظر الآخرين، والمدى الذي يأخذك إليه.