إن دفع الناس إلى الاتفاق حول شيء واقعي هو أمر مستحيل من الناحية العملية. على سبيل المثال، "نيل آرمسترونج" سار على القمر في عام ٠١٩٦٩ هذا أمر يصدق ٧٥ % فقط من الناس في المملكة المتحدة أنه حدث. بينما تصدق نسبة ٩٤ % فقط من الأمريكيين أنه حدث٠ وفي بلاد مثل المكسيك، والصين، واندونيسيا، تعتقد نسبة أقل من ثلث المشاركين في إحدى الدراسات أن القاعدة لها علاقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في عام ٢٠٠١ والتي استهدفت مدينتي نيويورك وواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تعتقد نسبة ١٦ % من الأمريكيين أن متفجرات مزروعة وليست طائرات ركاب محترقة هي التي تسببت في تدمير برجي مركز التجارة العالمى. ويؤمن نصف المواطنين في الاتحاد الأوروبي بالدين.

ورغم ذلك، هناك شيء واحد يوحدنا بالفعل. فحسب الأكاديمية الأمريكية لطب الأسنان التجميلي، تعتقد نسبة ٧, ٩٩% من البالغين أن الابتسامة تعد ميزة اجتماعية مهمة. إنها إحصائية يصعب تفنيدهما، حتى لو لم ثكن ضمن العاملين على إجادة الابتسام.

إننا ننجذب نحو الابتسامة العريضة وصوت القهقهة. فكر في مقاطع الفيديو التي تُشاهد كثيراً طوال الوقت على موقع يوتيوب، إن أكثر مقطعين يحظيان بارتفاع نسبة المشاهدة يدوران حول الابتسام فحسب، وضمن المقاطع التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية من المملكة المتحدة هو مشهد ل ”هارى"، وهو صبى يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وأخيه "تشارلى" الذي يبلغ سنة واحدة، وهما يلعبان أمام الكاميرا، عندما يجذب "تشارلى" أحد أصابع "هارى" ويضعه في فمه، وبعد برهة من الوقت، يعض "تشارلى" إصبع "هارى" الذي يعوى في استياء ويسترد إصبعه. طوال هذا الوقت، كان "تشارلى" يبتسم. ولقد فاز الابتسام في النهاية، حيث عادت ل "هارى" ابتسامته، وتلتها ضحكاته. مقطع الفيديو الآخر من السويد، وفيه يبتسم طفل رضيع، ويقهقه، ويضحك ردا على الأصوات السخيفة التي يصدرها والداه. وعدد مشاهدات يصل مجموعها إلى نصف مليار مشاهدة يخبرنا بما نريد جميعا معرفته. إن الابتسامة تبعث إلينا رسالة نرغب في استقبالها. يقول "دانييل ماكنيل" مؤلف كتاب The Face A Natural History: "إن الابتسام شيء فطري". وكتب أيضاً: "تظهر بعض أنواع الابتسام لأول مرة بعد مرور ساعتين إلى اثنتي عشرة ساعة من الولادة". وليس هناك من يعرف ما إذا كانت هذه الابتسامات تحمل معنى أم لا -يشك "ماكنيل" في أنها لا تحمل معنى _ ولكن تظهر الدراسات أن الابتسام مهم من أجل إقامة الروابط بين البشر، ورغم ذلك، لا يوجد من يستطيع أن يشكك في قوة الابتسام، بغض النظر عن مصدره.

ويقول "ماكنيل" ملاحظاً: "رغم أن القضاة ينظرون إلى المبتسمين وغير المبتسمين على أنهم مذنبون على حد سواء، فإنهم يمنحون المبتسمين أحكاماً مخففة، وهي ظاهرة تسمى"تأثير الابتسام _ الرفق"

وتتسم الابتسامات أيضاً بتأثيرها المتنامي. ولقد نشر "نيكولاس كريستاكيس"، طبيب وإخصائي بعلم الاجتماع في جامعة هارفارد، و"جيمس فوللر"، عالم سياسي بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، يتمتع بخبرة خاصة بالشبكات الاجتماعية، ورقة بحثية في مجلة "ذا بريتش ميديكال جورنال"، في عام ٢٠٠٨ تحت عنوان "الانتشار الآلي للسعادة في أية شبكة اجتماعية ضخمة". إنهما يعرفان أن الانفعالات تستطيع الانتشار خلال فترات قصيرة من الوقت من شخص إلى آخر، في عملية تعرف باسم "العدوى الانفعالية". ولكن ما ارادا معرفته هو مدى اتساع واستمرار انتشار السعادة في الشبكات الاجتماعية.

فقام هذان الباحثان بتتبع ٤٧٣٩ شخصاً من عام ١٩٨٣ إلى ٢٠٠٣ وكان هؤلاء الأشخاص جزءا من شبكة أكبر تتضمن ١٢٠٦٧ شخصاً يتمتع كل واحد منهم بأحد عشر موقفاً للتواصل مع الآخرين في المتوسط (بما في ذلك العائلة، والأصدقاء، وزملاء العمل، الجيران). وكان الباحثان يقيسان مستوى سعادة هؤلاء الأشخاص باستخدام نظام قياسي.

ولقد أكدت نتائج الباحثين تأثير الشخص السعيد الذي تنتقل ابتسامته بشكل مباشر. ولقد استنتج الباحثان أن الشبكات الاجتماعية تتضمن مجموعات من الأشخاص السعداء والتعساء بداخلها، تنقسم إلى ثلاث طبقات منفصلة. فسعادة المرء ترتبط بسعادة أصدقائه، وأصدقاء أصدقائه، وأصدقاء أصدقاء أصدقائه _ وهذا يعنى ارتباطهم بأشخاص خارج نطاقهم الاجتماعي تماماً.

ولقد اكتشفنا أن الأشخاص السعداء يميلون إلى التواجد في مركز شبكاتهم الاجتماعي وسعل مجموعة كبيرة من السعداء، واكتشفنا أيضاً أن كل صديق سعيد إضافي يزيد من فرص شعور بالمرء بالسعادة بنسبة ٩% وعلى سبيل المقارنة، فإن الحصول على ٥٠٠٠ دولار أمريكي كزيادة في الدخل (في عام ١٩٨٤) كان يزيد من فرص شعور المرء بالسعادة بنسبة ٢ % تقريباً. وباختصار، فان السعادة ليست مجرد وظيفة للخبرات الشخصية، ولكنها ملكية خاصة للمجموعات البشرية أيضاً.

ولكن ماذا عن الحياة عن عام ٢٠٠٣؟ هل قامت الحوائط الرقمية البارزة والمتواجدة على الدوام بتصفية عواطفنا بدلاً من تشجيعها؟ هل مازالت السعادة تستطيع الانتشار في عالم الرقائق الإلكترونية؟ لقد اكتشف الباحثان الإجابة: "نعم"، إذا كان باستطاعتنا أن نرى الناس يبتسمون.

ولقد أتبع "كويستاكيس" و "فوللر" دراستهما الأولى بدراسة مجموعة تضم ١٧٠٠ طالب جامعي يتواصلون عن طريق موقع فيسبوك. لقد كانوا يستعرضون ملفاتهم الإلكترونية، ويحددون أصدقاءهم المقربين، وفي هذا الوقت، يتأملون صور الجميع، حيث يلاحظون الأشخاص الذين يبتسمون في صورهم، والذين لا يبتسمون، ثم يضعون خريطة للصور تبعاً لذلك. وكان يمثل لكل طالب بعقدة، وكان كل خط بين عقدتين يشير إلى أن الأفراد المتواصلين يرتبطون في صورة معاً. كان الطلاب المبتسمون (والمحاطون بأشخاص مبتسمين في شبكتهم) يلونون باللون الأصفر. وكان الطلاب العابسون (والمحاطون بأشخاص لهم الملامح نفسها) يلونون باللون الأزرق. وفي النهاية، كانت العقد الخضراء تشير إلى مزيج من الأصدقاء المبتسمين وغير المبتسمين.

ولقد أظهرت الخريطة بشكل واضح مدى قوة تجمع العقد الصفراء (الأشخاص المبتسمين)، والعقد الزرقاء (الأشخاص العابسين)، مع التأكيد على أن المجموعات الصفراء كانت أكبر حجماً وتعدادا من الزرقاء. علاوة على ذلك، كان يبدو أن غير المبتسمين” يقعون على هامش شبكاتهم الاجتماعية، بشكل أساسي على حافة الخريطة.

ولم يثر هذا دهشة "كريستاكيس" و"فوللر" اللذين أشارا قائلين:

إن التحليل الإحصائي للشبكة يظهر أن الأشخاص الذين يبتسمون يميلون إلى الفوز بعدد أكبر من الأصدقاء (حيث يعطيك الابتسام معدلاً متوسطاً يتمثل في صديق إضافي، وهذا معدل جيد جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الناس يحتفظون بستة أصدقاء مقربين فقط). ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، ولكن التحليلات الإحصائية تؤكد أن المبتسمين يمثلون محورا بالغ الأهمية بالنسبة لشبكاتهم الاجتماعية مقارنة بغير المبتسمين. بمعنى، أنك إذ ا ابتسمت، تقل احتمالات أن تصبح على هامش العالم الإلكتروني.

وفي فرضياتهما النهائية بعد ملاحظة العدد الكبير والدائم لمجموعات العقد التي تحيط بالمبتسمين، والعقد المتناثرة والبعيدة حول العابسين، فقد كتبا يقولان: "إن الحال تسير على هذا النحو: سواء كنت متصلا بشبكة الإنترنت أم لا، فإنك عندما تبتسم، يبتسم العالم معك.

وهناك سبب بسيط وراء هذه الظاهرة: عندما نبتسم، فإننا نتيح الفرصة أمام الآخرين لكي يعرفوا أننا نشعر بالسعادة في التواجد معهم، ولقائهم، والتفاعل معهم. وهم بدورهم يشعرون بمزيد من السعادة عند التعامل معنا، وبالنسبة لشخص رأى عشرات الأشخاص الذين يظهرون العبوس أو التجهم، أو يديرون وجوههم بعيداً، فإن ابتسامتك تكون مثل الشمس التي تخترق بأشعتها الذهبية السحاب، وكثيرا ما نكون ابتسامتك هي الرسالة الأولى التي تنبئ عن نقاء سريرتك.

وبالطبع فإننا لا نشعر دائماً بالرغبة في الابتسام، ولكن إذا بذلنا بعض الجهد، فلن تقتصر النتيجة على إحساس من حولنا بمزيد من السعادة، بل ستزداد درجة سعادتنا نحن أيضاً. ربما لا تكون شخنا منبسطاً، مفعماً بالمرح، ولكن ابتسامة صغيرة تستهلك القليل من الجهد، من الممكن أن تعود عليك بالخير الكثير.

وفي العقد الماضي، بينما حلت رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية محل التواصل الشفوي، فقد أغرانا المفهوم المضلل الذي يقول بأننا نعيش في جدب عاطفي. فيستطيع رجال الأعمال، وأصحاب المشروعات، والعديد من المهنيين متابعة العمل مع أقل عدد من التفاعلات الملموسة، وتتيح لنا الكثير من وسائل الإعلام الحديثة ثنائية الأبعاد، في أي وقت من الأوقات، أن ننسى أهمية الابتسام.

وتشبه الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني، في العديد من الطرق، رسائل التلغراف في العهد الغابر، والتي كانت تحظى بنصيبها من المشاكل. أبرق أحد المراسلين إلى الممثل "كارى جرانت" يسأله عن عمره. كانت الرسالة تقول؛ "?HOW OLD CARY GRANT" (التي يمكن ترجمتها إلى "ما عمر "كارى جرانت"؟" أو "كيف حال "كارى جرانت" العجوز؟"، وقد فهم "جرانت" المعنى الثاني).

فرد الممثل قائلا: ""كارى جرانت" العجوز بخير. كيف حالك أنت؟". ومن الواضح أن النزعة البشرية نحو سوء الفهم عالية جدّاً. استخدم مزيداً من التقنيات، وستزداد صعوبة تجنب هذا الأمر، وبينما كانت رسائل التلغراف موجودة في كل مكان فيما مضى، فإن التكنولوجيا من الممكن أن تجثم على أنفاس المرء في الوقت الحالي.

وفي عام ١٩٢٩، في أوج ازدهار الرسائل التلغرافية، أرسلت ٢٠٠ مليون رسالة، وفي إبريل من عام ٢٠١٠، كان يتم إرسال ما يقرب من ٣٠٠ مليار رسالة إلكترونية يومياً. اجمع الوابل اليومي العالمي من الرسائل النصية، والرسائل الفورية، والمشاركات على موقع فيسبوك، وسيثير انحدار العالم نحو الفوضى القليل من الدهشة.

    شكرا لله على الابتسام الذي يمكنه القيام بوظيفة توضيح رسائلنا بطريقة أفضل من أي شيء آخر -حتى عندما يأخذ شكل الأيقونات العاطفية التقليدية، والوجوه الصغيرة المكونة من الرموز العادية في لوحة المفاتيح، والمصممة لوضع إطار ضروري للغاية من أجل اتصالاتنا.

     ومع إدراك محدودية هذه الرموز، قامت الثلاث شركات اليابانية الكبرى في مجال الهواتف الخلوية - "إن تى تى دوكومو"، و"إيه يو" و"سوفت بانك موبايل" - بإبداع صور ملونة تعرض مجموعة كبيرة من العواطف والرموز، من أجل الحصول على محاكاة أفضل لخبرات التواصل الشخصية التي تتم وجهاً لوجه، ولقد قامت شركة جوجل باعتماد استخدام هذه الصور في منصة بريدها الإلكتروني، بل إن شركة "أبل" دمجتها سريعا في هاتفها iPhone (آى فون). ورغم أن هذه الرموز الصغيرة الماهرة محبوبة، إلا أنه من غير المحتمل أن تظهر داخل رسالتك الرقمية التالية إلى أحد أعضاء مجلس الإدارة، أو موظف مثير للمشكلات، أو عميل محتمل. إن الأيقونات العاطفية تستخدم بدرجة كبيرة في المحادثات العفوية، حيث تعمل بشكل جيد في مثل هذه الأطر. إذن، كيف نبتسم أمام كل وسائل الإعلام ونحافظ في وقت الضرورة، على مستوى معين من الاحترافية والمهنية خلال هذه العملية؟

    هناك قليل من الشكوك التي تدور حول أن إتاحة الفرصة أمام الآخرين لرؤية ابتسامتك تعتبر أسلوباً أكثر فاعلية ونجاحاً، ولكن بسبب ابتعاد الكثير من تفاعلاتنا في الوقت الحالي عن المواجهة المباشرة، فيجب عليك توجيه جهودك نحو التغلب على العقبات التي تقف أمام إظهار المودة والصداقة عبر الفضاء الرقمي، وربما يكون الأمر أكثر بساطة مما تعتقد.

     وبعيدا عن الأيقونات العاطفية (الصور العاطفية الملونة)، فهناك وسيلة واحدة فقط يمكنك من خلالها. لها إرسال ابتسامة رقمية -صوتك، سواء كان بطريقة مكتوبة أو مسموعة. إن طريقة كتابتك لرسالة إلكترونية، ونبرة الكلام التي تستخدمها، والكلمات التي تختارها تمثل أدوات مهمة للتعبير عن الصداقة، وإحداث تأثير لاحق، وتشبه الكلمات المكتوبة أركان فمك: فهي ترتفع، أو تظل مستقيمة، أو تنخفض، ويرتبط التأثير اللاحق -سواء جمعت الكلمات الصداقة والتأثير أم لا -بالمسار الخطى للعواطف التي تنقلها هذه الكلمات.

    ابتسم عبر كلماتك المكتوبة، وبذلك ترسل للآخرين رسالة مفادها أن سعادتهم أمر مهم بالنسبة إليك، وهكذا، سوف تحصل أنت ورسالتك على أفضل فرصة لاستقبالها، وإذا أطل العبوس من ثنايا كلماتك، فإن الآخرين سيعبسون بدورهم في وجه الرسالة ومرسلها.

    ولا تعتبر هذه الاستنتاجات بالتأكيد مسئولة عن المناسبات التي يجب فيها التحدث بنبرة أشد جدية. ومع ذلك، فإن القاعدة العامة الجيدة هنا هو التأكد من أن موضع الرسالة يسير بشكل إيجابي، وعليك دائما أن تبدأ وتنهي الرسالة بملاحظة إيجابية، وليس بملاحظة تشاؤمية أو منفصلة. ودائماً ما يكون هناك سبب للابتسام بين اثنين من الناس، فإذا لم تستطع أن ترى سبباً فربما يجب عليك الانتظار قبل أن تقرر ما إذا كنت ستكتب أم لا. ولكم كانت الملاحظات المتبلدة المتسرعة سبباً لهلاك العديد من العلاقات، مثلما فعلت الإهانات اللفظية أو كلمات التوبيخ.

    السبب بسيط: تتسم الكلمات المكتوبة وتأثيرها بالدوام والثبات بدرجة كبيرة، ورغم أنك قد تدافع عن النبرة السلبية أو الخرقاء في رسائلك الإلكترونية، فإن تأثيرها المدوي على المتلقي يجعل الصمت عليها أمرا يقترب من المستحيل. وفي الوقت الحالي، فإن التأثير من الممكن أن ينتشر بسرعة، مما يؤدى إلى إفساد العلاقات بين الموظفين، والإدارات، وحتى أنظمة بأكملها.

    وحسب عدد حديث من مجلة "فاست كومباني": "لقد أضافت الأبحاث الجديدة طعماً مميزاً بالنكهة التويترية (نسبة إلى موقع تويتر) إلى المثل القديم: "إن الطيور على أشكالها تقع"، حيث تشير هذه الأبحاث إلى أن المغردين السعداء عبر موقع تويتر يميلون إلى التجمع والتكتل". وتمضى المقالة إلى القول مفسرة: "علاوة على العديد من العوامل الأخرى التي تتسبب في تجميع الناس معاً، فإن الأشخاص الذين يشعرون بالحزن أو السعادة يميلون إلى التواصل مع أشخاص يحملون المشاعر نفسها”.

    ولقد قام فريق البحث _ الذي تضمن "يوهان بولين"، الأستاذ بجامعة إنديانا -بتحليل التدفقات على موقع تويتر من ١٠٢٠٠٠ مستخدم على مدار ستة أشهر، عن طريق فحص ١٢٩ مليون مشاركة على الموقع.

    وكان التحليل يستخدم أنظمة حسابية قياسية مستعارة من الأبحاث النفسية لتقييم "السعادة الشخصية" للمستخدم والناتجة عن المشاركات عبر موقع تويتر، عن طريق البحث عن الاتجاهات التي تظهر في الكلمات السلبية أو الإيجابية. ثم كانوا يبحثون عن اتجاهات التجمع والتكتل، واكتشفوا أن الأشخاص السعداء عادة ما تزيد درجة تكرار مشاركاتهم ورسائلهم على الموقع مع مستخدمي الموقع الآخرين الذين يتسمون بالسعادة أيضاً، وينطبق الأمر نفسه مع الأشخاص غير السعداء.

    ومن خلال هذه النتائج، يشير "بولين" إلى أن المشاركة عبر موقع تويتر أكثر انتشاراً مما ندرك و"أنها تساعد على نقل الإحساس بالبهجة أو الحزن بشكل فعال للغاية، وهكذا، فإن الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة، سوف يميلون (في العادة) إلى تفضيل مصادقة المشاركين الذين يشعرون بدرجة كبيرة من السعادة، لأنهم يمثلون صدى لأحاسيسهم الخاصة".

    وتظل الحقيقة قائمة _ إذ ا كان لا يمكنك بث القدر المناسب من العواطف الإيجابية في تعليق مكتوب، فمن الأفضل لك أن تترك الصفحة خالية، أو نشع صورا ملونة تعرض العواطف (على حساب سمعتك المهنية). وهذا يعنى أن هناك أشياء أسوأ من التفكير في افتقارك إلى الحس المهني قليلا. إن تجنب المشاعر السلبية في كلماتك المكتوبة تماماً هو الهدف المنشود، وهو هدف يمكن تحقيقه بدرجة كبيرة، وربما يكون قد حان الوقت من أجل إعادة التفكير في قيمة تلك المهارات الكتابية التي كان معلموك يصرون على أنها ستصبح ضرورية في يوم من الأيام. لقد كانوا على صواب تماماً في ذلك.

    وتتمثل الطريقة الأخرى التي يمكنك من خلالها نقل صوتك الرقمي في الكلمات المنطوقة التي تترك آثاراً هائلة أيضاً. إن طريقة حديثك، ونبرة صوتك، والكلمات التي تختارها كثيرا ما تعبر عما هو أكثر من الكلمات نفسها. لقد سمعت بلا شك الرد المهم: "إن أفعالك أبلغ من أقوالك لدرجة أنني لا أكاد أسمع كلمة مما تقول". ويمكن التأكيد بالدرجة نفسها على الآتي:’ "إن نبرة صوتك تتحدث بصوت عال لدرجة أنني لا أكاد أسمع كلمة مما تقول".

    إن التأكيد على أنك تشعر بالسعادة لمقابلة شخص ما على الهاتف الخلوي لا يعنى الكثير إذا قيل مع أدنى حركة من الوجه، وفي ظل غياب نبرة صوت إيجابية. وقد يفهم من هذا ببساطة أنك تشعر بالملل، أو أنك مشغول بشيء أكثر أهمية، أو الأسوأ من ذلك الرسالة العكسية تماما _ أن مقابلة هذا الشخص أمر مزعج، إن تجنب مثل هذه المواقف يبدأ بالطريقة نفسها التي يمكن أن تبدأ بها إذا كنت تقف أمام الشخص الآخر.

    ولقد أظهر العديد من الدراسات أن الفعل المادي للابتسام، حتى خلال التحدث في الهاتف الخلوي، يعمل بالفعل على تحسين نبرة الصوت التي تنتقل بها كلماتك. وليس من قبيل المصادفة أن تدور إحدى العقائد الأساسية التي يغرسها كل مدربي الخطابة، والغناء، والإذاعة في طلابهم حول أن الصوت يبدو أكثر. بهجة، وجاذبية، وإقناعاً، عند الابتسام، أي أن الابتسام ينتقل عبر الأسلاك، سواء كان الشخص الذي على الطرف الآخر يرى وجهك أم لا.

    وعند البحث عن التأثير الذي يؤدى إلى التغيير الإيجابي، ليس هناك مهرب من اللجوء إلى باب العلاقات البشرية الصحية، فالابتسامة تفتح هذا الباب؛ سواءً كانت تلك الابتسامة مرئية، أم مكتوبة، أم ملفوظة.

    "روزاليند بيكار" هي أستاذة جامعية بمعمل وسائل الإعلام في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهي معروفة على المستوى الدولي بكتابها Affective Computing الذي يدور حول إضفاء الصفات العاطفية على الوسائل التكنولوجية من أجل مساعدة الناس على التواصل بطريقة أكثر فاعلية. وكانت التحسينات التي أبرزتها أشياء تثير كثيراً من الدهشة -آلات لها "وجوه" يمكنها التجاوب بشكل مناسب مع التأنيب أو المدح أو التشجيع أو التوبيخ.

    وبطبيعة الحال، فإن استجابات هذه الآلات تقتصر على الأوامر التي تتم برمجتها عليها مسبقاً ، مثلما تستجيب شاشة الحاسب الآلي لضغطة مفتاح في لوحة المفاتيح، حيث تقوم هذه الآلات بتقليد الإشارات الجسدية، والكلمات، ونبرة الصوت، رغم أنها لا تشعر بأي شيء، والجدير بالذكر أن البشر يستطيعون برمجة مثل هذه التكنلوجيا، وتكفي هذه الحقيقة تماماً في تقديم دليل دامغ على درجة معرفتنا الجيدة بالاستجابات المناسبة على إشارات الآخرين وكلماتهم ونبرات أصواتهم، إننا نترابط بالطريقة نفسها التي تترابط بها تقنياتنا، بالإضافة إلى المشاعر التي نتميز بها.

    كتب الخبير الإعلامي "كريس بروجان" على إحدى المدونات: "هناك نوعان من الناس:

هؤلاء الذين يرون أن الحاسب الآلي/شبكة الإنترنت/الأزرار متصلة بالبشر، والمشاعر البشرية، وهؤلاء الذين يعتقدون أن الأمور عبارة عن تواصل إلكتروني فقط، وأنها لا تمت بصلة إلى المشاعر البشرية، وهذا يشبه القول إن الهاتف هو مجرد شيء نتحدث من خلاله ولا إحساس فيه، إنه مجرد شبكة للاتصالات فحسب، إن الناس يحملون بالفعل مشاعر يربطونها بهؤلاء الذين يوجدون في أماكن "بعيدة" عنهم.

نعم، إن الناس قد يبالغون في ردود أفعالهم. إننا نتفق على هذه النقطة. ولكن استبعاد العواطف بسبب الوسيلة سيوجب بالتالي استبعاد الخطابات، والهواتف، والصور، إلخ، إن الكثير من الأشياء تحدث عن بعد، ولكن تنتقل نتائجها إلى أماكن أخرى رغم ذلك.

وأنا أعتقد أن هناك نوعين مميزين تماماً من العقليات في العمل، وأنه عن طريق إدراك ما سبق، فإن هذا يصف/يحدد الكثير من المرات التي يشعر فيها جانب أو آخر بسوء الفهم، إن تذكره ذه المعلومة فحسب، وإدراك أي طرف من الطرفين تتعامل معه [والطرف الذي يدرك الآخرون أنك تمثله]، ربما يؤدى إلى تحسن الأشياء.

ويبدو أن العواطف هي منح و (أعباء) لا نهاية لها يحملها البشر، ومن الممكن أن يسبب هذا الأمر أيّاً من الإحباط أو التشجيع، وهكذا، فإن فمك لديه الكثير ليقوله عن اختيارك.

وقد قال أحد الأشخاص ذات مرة:

إن الابتسام لا يكلف شيئاً، ولكنه يعطى الكثير. إنه يثرى الذين يأخذون، دون أن يفقر الذين يعطون، إنه لا يستغرق سوى لحظات، ولكن ذكراه تدوم إلى الأبد في بعض الأحيان. وليس هناك شخص بلغ غاية الثراء أو القوة لدرجة أنه استطاع تحقيق النجاح بدون الابتسام، وليس من بلغ غاية الفقر لدرجة عجزت معها الابتسامة على أن تغنيه. ورغم ذلك، ليس هناك من يستطيع شراء الابتسامة أو تسولها، أو استعارتها، أو سرقتها؛ فالابتسامة شيء لا قيمة له لأي شخص إذا لم يتم منحها عن طيب نفس، وهناك بعض الأشخاص الذين يشعرون بالتعب الشديد لدرجة أنهم لا يستطيعون منحك ابتسامة. لذا، عليك بالتبسم في وجوههم، فليس هناك من هو أكثر احتياجاً للابتسامة من شخص لم يعد يملك تلك الابتسامة ليمنحها للآخرين".

ابتسم؛ فهذا يزيد من قيمة وجهك.