القوة الداخلية

   لا ينبغي أن يثير دهشتنا عندئذ أن قلة منا يعتبرون أنفسهم قوة إيجابية في عالم تحكمه السلبية، رغم أننا جميعا قادرون على اتخاذ هذا الاختيار إذا ما اكتسبنا البصيرة، والشجاعة، وتصميم العزم لكي نمضي في هذا السبيل الذي لم يقطعه الكثيرون، ونحن نعرف أننا ندين بهذا لأنفسنا وللآخرين؛ لكي نقدم المساهمة المتوافقة مع كياننا الحقيقي، ومع مواهبنا وقدراتنا الطبيعية.

أحب هذا الاقتباس من -أوليفر وندل هولمز ": " ليس لكل ما يكمن وراء ظهورنا، أو يكمن بين أيدينا إلا أهمية هامشية مقارنة بما يكمن بداخلنا ". وهذا تعليق ثاقب. قليلون منا لديهم أدنى فكرة عن الطاقة الهائلة لعقولنا، تلك الآلة العجيبة التي تحدد لنا من نحن، وأي عالم نعيشه، ونادرا ما نستخدم عقولنا بفاعلية لنحصل على ما ننشد. والأكثر غالبية، أننا نستخدمها لتحقيق النقيض بالضبط -أي لنحصل على ما لا تنشد!

الجزء الأعظم من عقولنا يعمل أسفل مستوى وعينا، ويعرف بالعقل الباطن. هذا هو مصدرنا الحقيقي للقوة، لأن هذا العقل هو جزء لا يتجزأ من عقل أعظم بكثير. والذي سندعوه بالعقل الكوني. والعقل الكوني ينطوي على الطاقة، والقوة، وله نطاق يبلغ من السعة ما لا نستطيع تخمينه في كليته. إنه طاقة، وذكاء من بالعديد من الأنبياء على مدار التاريخ -القوة، والمنبع، والنور، والقدرة -ويعتبر داخليا، وليس محدودا، وكلي القدرة، وكلى المعرفة، وتعرفه كل رسالات التوحيد الكبرى في العالم باسم الله، وبصرف النظر عن أسمائه الحسنى العديدة، فالمهم هو أن بوسعنا اللجوء إلى قدرته المطلقة وسلطانه التين، من أجل بلوغ فهم أكبر لأنفسنا، وللعالم الذي نعيشه.

 

أن نرى عالا في حبة

رمل، وفردوساً في زهرة برية،

وأن نقبض على اللانهائي

في راحة اليد،

وعلى الأبد في ساعة من الزمن.

" وليام بليك –

شاعر ونحات إنجليزي

(۱۸۲۷,۱۷۵۷ (

 

هذا لعقل-إن جاز هذا الوصف. هو الحي الذي لا يموت، والذي لا ينفصل عن الإنسان أدنى انفصال، فهو أقرب إليه من حبل الوريد، إنه الوعي الذي تعرفه وأعرفه، ويعرفه سائر الكائنات والمخلوقات. لا تظهر قدرته في شكل واحد، ولكن في كل الأشكال كما تبدو لنا عبر بدائعه الباهرة، وصنعته السامية.

هذا الذكاء الأعظم، والقوة الأسمی موجود بما لا يدع مجالا للشك، وتشهد بذلك جميع الأديان العظمي في العالم. صحيح أن الإنسان يتباهى بنفسه على منجزاته العديدة، من الأبراج ناطحة السحاب، إلى الطائرات فائقة السرعة، والحاسبات الخارقة، لكن الكائن الإنساني لم يخلق أبدا شيئا من عدم، ولو حبة رمل، أو جناح ذبابة، أو عود نبات، أو ورقة شجر! وبالطبع كل تلك الكائنات موجودة. إنها قدرة فائقة لحدود البشر، فلا تقارن بمن أنشأها إنشاء، ولم " يخلق" الإنسان حتی فکرة واحدة؛ فالأفكار ترد لنا لكننا لا نخلقها.

ونحن ككائنات حية في مرحلتنا الحالية من التطور، مازلنا محدودين بالعديد من الحدود، فنحن جميعا أكثر ميلا للضعف والغضب، للتفاهة، والتشكك في الذات. ولكن حين نعرف كيف نلجأ إلى هذا الذكاء الأعظم، وتلك القوة القادرة على كل شيء، ستتلاشى الحدود العقيدة لنا من أمام أعيننا؛ فإن عقولنا هي أكثر الآلات المبدعة فعالية وقوة، والعقل الكوني يمتد في كل زمن ويحوى كل المعرفة، وكل الحكمة التي وجدت، أو ستوجد أبدا.

وقد خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، ومنحه قدرات على التأمل، والتخيل، والإبداع، وباللجوء لهذه القدرات، يمكننا أن نكتشف من نحن حقا وما مغزى وجودنا هنا على الأرض. وفي هذا الإطار، يمكننا أن نجد المعنى، والاتجاه، والإشباع، والسعادة في حياتنا.

وهكذا لنتابع على هذا الأساس: العقل الإنساني لا حدود أمامه. ما من قيود عليه، ولكننا بحاجة لأن ننفع أنفسنا، ونوسع مداركنا إذا كان لنا ذات يوم أن نكتشف من نحن حقا، ويم جبلنا -إذا كان لنا ذات يوم أن نطلق سراح القوة الكامنة فينا!

 

تحول الإدراك:

النظر إلى الحياة على نحو ما

يمكن لها أن تكون، وليس

على نحو ما هي عليه الآن.

" والتر ستابلس"