لماذا يتغير المناخ؟

كثيرًا ما نقول: «إن كل شيء إنما يعتمد على الجو». ولكن فاتنا أن نعرف على أي شيء يعتمد الجو نفسه، أو لماذا يتقلب الجو على أية حال؟

ومن خلف أي جو تقاسى وطأته؟ من خلف أيام الصيف الحارة، أو أيام الشتاء الباردة، ومن خلف الرياح العاتية أو الأمطار الدافقة، ومن خلف العواصف الموج، من خلف كل هذه الظواهر تختبئ الشمس التي لا تعتبر بمثابة مصدر حياتنا جميعا فحسب بل ومصدر النشاط في جونا كذلك.

ولكي نفهم علة هذا الأمر علينا أولا وقبل كل شيء أن نكون فكرة صائبة عن كميات الحرارة العظمى التي ترسلها الشمس في جميع الاتجاهات إلى أعماق الفضاء فالشمس عظيمة الحرارة جدًا، ويقول لنا الفلكيون إن درجة الحرارة على سطحها الخارجي يلزم أن تقاس بآلاف الدرجات، أما في الداخل فلا سبيل إلى تقديرها إلا بملايين الدرجات، مما يفوق حد الوصف والخيال.

وإنه لمن حسن حظنا حقا أن وجودنا على بعد 150 مليون كيلو متر من الشمس، وصرنا لا نتعرض إلا لجزء يسير من الأشعة التي ترسلها. وكما يعرف كل فرد منا يدور كوكبنا حول هذه الشمس المرتفعة الحرارة جدًا بسرعة فائقة، كما أنه يتم دورة كاملة حول محوره كل ٢٤ ساعة، وبذلك يتعرض كل جزء من سطح الأرض للشمس ثم يبتعد عنها فنقول إن الشمس تشرق وتغرب، إلا أن حقيقة هذه الظاهرة أو علتها هي دوران الأرض حول محورها. وينجم عن هذا الدوران اختلاف درجات الحرارة ما بين الليل والنهار، أي إنه يسبب بعض ما نعاني من تغيرات يومية في الجو.

وهناك أيضا التغيرات التي تعرفها تحدث بين الفصول، وهي الشتاء والربيع والصيف والخريف، فكيف تتم هذه التغيرات كلها؟ هناك عاملان أساسيان التفسير هذه التغيرات، وبينها يرتبط العامل الأول منها مدار الأرض حول الشمس، نجد أن العامل الثاني إنما يرتبط بالطريقة أو الكيفية التي يميل بها محور دوران الأرض حول نفسها، فمسار الأرض حول الشمس ليس صادق الاستدارة، كما أن الشمس ذاتها ليست في مركز هذا المسار قامّا، مما جعل الأرض

عندما تقترب من الشمس في جزء معين من المسار تبتعد عنها في الجزء المقابل له.

ونحن قد يتبادر إلى أذهاننا أن اقتراب الأرض من الشمس لا يتم إلا في الصيف، إلا أن الأمر على النقيض من ذلك تماما، ومن المدهش حقا أن هذا الاقتراب لا يحدث بالنسبة إلينا (أي في نصف الكرة الشمالي مثلا) إلا في الشتاء.

فنحن عندما يحل بنا الشتاء نكون أقرب إلى الشمس أو أقل بعدا من بعدنا عنها خلال الصيف ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا إذاً لا نجد الشتاء عندنا أدفأ أو أشد حرا من الصيف؟

إن هذا الأمر كان يمكن أن يحدث لولا ميل محور الأرض، فليس من شك أنه لولا هذا الميل لكان جو الشتاء عندنا أكثر دفئاً من جو الصيف، والذي يحول دون حدوث هذه الظاهرة هو ميل المحور الذي تدور حوله الأرض.

فبينما يتجه قطبها الشمالي نحو الشمس خلال الصيف عندنا نجد أنه في الشتاء - عندما تكون الأرض في الجزء المقابل من المسار - يميل متباعدا عنها، وهكذا نجد أنه بالرغم من وجودنا على مسافة كبيرة نسبيا من الشمس خلال الصيف تتساقط أشعتها المباشرة فوق الرؤوس بوفرة وغزارة. أما في فصل الشتاء فتصلنا هذه الأشعة مائلة فلا تحدث من الأثر والتسخين ما تحدثه أشعة الصيف المتعامدة أو القريبة من التعامد.

أما في الربيع والخريف فلا يتجه أي قطب من قطبي الأرض (أو طرفي محور الدوران) نحو الشمس أو بعيداً عنها، ولكنها ميلان إلى جنب. وبذلك تحصل على كميات من طاقة الإشعاع الشمسي أكبر من تلك التي تحصل عليها خلال الشتاء وأقل مما نحصل عليه في الصيف. وهذا هو أساس اعتدال الجو عموما في فصلى الربيع والخريف كما هو معروف.

وثمة أمر آخر يحدث للأرض في أثناء سيحها في الفضاء، ذلك أن سطحها عندما ترتفع درجة حرارته نتيجة لامتصاص الإشعاع الشمسي ينشط ويبدأ بدوره في إرسال أو رد جزء من طاقته الحرارية إلى الفضاء على هيئة إشعاع حراري، وكذلك تكتسب طبقات الهواء السطحية جانبا من حرارة الأرض، وهكذا تبدأ سلسلة كاملة من الحوادث أو الظواهر الجوية، وعلى رأسها جميعا هبوب الرياح التي هي في الواقع من أظهر العناصر أثرًا. وسوف نرى أن أصل الرياح يرجع أساسه إلى تسخين سطح الأرض بفعل الإشعاع الشمسي.

ومهما يكن من شيء فإنه بطبيعة الحال لم تتح لأحد منا فرصة رؤية الرياح رأي العين، إلا أننا ولا شك نستطيع أن نشعر بها أو نلمس آثارها عندما تنساب بشدة مثلا، فنمسك بأطراف ملابسنا مخافة اقتلاعها. ونحن نستطيع كذلك أن نشاهد تأثيرها في الشجر عندما تهز أغصانه، وعلى البحر عندما تسوق أمواجه وتقف على شاطئه حذرين، وقد نستفيد من طاقة الرياح فنعمد إلى استغلالها باستعمال طواحين الهواء، أو نتركها تدفع السفن الشراعية. وعندما نبني البيوت العالية، أو نشيد الجسور «الكباريه الضخمة نحسب حساب دفع الهواء لها ولكننا برغم هذا كله لا نرى الهواء.

فما هو هذا الهواء إذن؟

وماهي تلك القوة الخفية التي يضغط بها على الأجسام ونسميها الرياح؟ إن التعريف العلمي للرياح هو الهواء المتحرك. وكلما زادت سرعة تحرك الهواء تضاعفت القوة التي يدفع بها الأجسام، ولكن ما الذي يحمل الهواء على التحرك الحق أن هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه باختصار في كلمة واحدة، أو حتى في جملة.

فنحن قد نستطيع البدء في الإجابة بقولنا: إن اليابس والماء ومن ثم الهواء الملاصق لهما، لا يتم تسخينها ولا تبر بدهيا بمعدل واحد. فسطح الأرض الياس سرعان مايبرد، وسرعان ما يسخن كذلك تحت تأثير عاملى التبريد والتسخين. أما الماء فهو على العكس من ذلك، لا يبرد ولا يسخن إلا ببطء. ومعنى

ذلك أن الشمس عندما ترسل أشعتها إلى سطح الأرض ترتفع حرارة اليابس وتصل إلى درجات أكبر بكثير من درجات حرارة الأسطح المائية، وبذلك يصير الهواء الذي يعلو اليابس أسخن بكثير من هواء البحر. والمعروف أن الهواء عندما يسخن يتمدد (أي يزداد حجمه) وتقل كثافته كثيرا بازدياد المسافات التي تفصل ما بين جزيئاته. أما الهواء البارد فهو كثيف نسبيا، إذ تتكدس جزيئاته بعضها جنب بعض، وهكذا يوجد فرق في توزيع الضغط الجوي"؛ إذ يصبح الهواء البارد أكبر ضغطا من الهواء الساخن، وتحت تأثير فروق الضغط هذه يندفع الهواء أو يتحرك في صورة رياح.

ويقول قانون الرياح فيها يقول: يحاول الهواء القريب من سطح الأرض الانطلاق من مناطق الضغط العالي إلى مناطق الضغط المنخفض، وهي مجرد محاولة، إذ أن هنالك عدة عوامل أخرى تفرض سلطانتها في توجيه هذه المحاولة فلا يأخذ الهواء مساراً مباشراً، ولكن مسارا لولبيا أو ملتوا كما سنرى فيها بعد.

ويعبر خبراء الطقس عن هذا القانون بقولهم: ينطلق الهواء من منطقة الضغط العالي ويدور حولها، كما يتدفق إلى منطقة الضغط المنخفض ويدور حولها.

ولعل أول الناس استفادة من هذه الظاهرة أهل السواحل. إنهم عندما يشتد هم قيظ الصيف بيت عليهم نسيم البحر العليل البليل خلال النهار حينها يكون هواء البحر باردا نسبيا إذا ما قورن بالهواء الذي على الأرض. والذي يحدث في مثل هذه الحالات عادة أن يصعد هواء الأرض الساخن إلى أعلى ويحل محله الهواء البارد من البحر.

وغالبًا يستمتع بنسيم البحر هؤلاء الناس الذين يعيشون داخل البلاد إلى مسافة 15 كيلومتراً من البحر. وقد تمتد هذه المسافة إلى ۳۰ أو ۵۰ كيلومتراً في كثير من الحالات.

ويحدث العكس تماماً في أثناء الليل عندما يبرد اليابس بمعدل أكبر من معدل برودة سطح الماء، ولذلك يهب تيار هوائي من الأرض إلى البحر خلال ساعات الليل أو في الصباح الباكر.

وتمثل قصة مماثلة على نطاق أوسع كذلك عندما ترتفع درجات الحرارة داخل القارات في الصيف وتصل إلى مستويات تفوق بكثير مستويات درجات الحرارة على المحيطات المجاورة، فينساب الهواء من البحر إلى الأرض، ويتم العكس تماما في فصل الشتاء، إذ يزحف هواء القارات البارد إلى البحار في الطبقات السطحية وهذا هو عين الذي يحدث في تكوين الرياح الموسمية، ومنها الرياح الموسمية التي تهب على آسيا، والتي تقبل في الصيف حارة رطبة تحمل معها أبخرة المحيط، وتخرج في الشتاء من داخل القارة باردة جافة.

والشمس هي مصدر الطاقات من وراء كل هذا. وتنشأ دورة الرياح بما تسبب من اختلاف في تسخين الماء واليابس، وكذلك لاعتبارات أخرى. وهكذا تتولد الرياح العامة التي تهب بانتظام فوق مساحات واسعة من سطح الأرض.

وتختلف الدورة العامة هذه بعض الشيء من موسم إلى آخر، وكذلك تلعب حركات الأرض الجبارة دورها في هذا الشأن. فالأرض عندما تسارع في مسارها بمعدل قدره ۲۸٫۸ كيلومتراً في الثانية، وكذلك عندما تدور حول محورها بسرعة تصل إلى ۱۹۰۰ كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء، يحدث أن تغير الشمس مسارها الظاهري - أو الدائرة التي ترسمها كل يوم - في السماء، ويتقلب جو الأرض أو هو يتحرّك نتيجة للتغيرات الحرارية الناجمة عن هذه الحركات، فتهب الرياح بلطف تارة وبعنف قد يصل إلى قوة العاصفة تارة أخرى ويصعد الهواء الساخن الذي يوجد في حزام درجات الحرارة العالية الذي من حول خط الاستواء، وذلك تحت دفع تجمع الأهوية الباردة نسبياً المقبلة من الشمال والجنوب على جانبي الحزام في صورة تيارات هوائية عظمى منتظمة هي الرياح التجارية.

وعلى مسافات نائية من خط الاستواء توجد أحزمة العربيات السائدة حيث تنساب الرياح تجاه الشرق وإلى القطبين. ويقع كثير من البلاد في مهب هذه الرياح، وهي تتميز بوفرة التقلبات الجوية واعتدال الجو إلى حد كبير.

وتأتي من بعد ذلك المناطق الباردة التي تحيط بالقطبين حيث يوجد الهواء الكثيف الثقيل الذي يخرج مندفعا صوب خط الاستواء في صورة تيارات باردة شرقية. وهكذا نرى أن جو الأرض يعاني أنواعا من الحركات المستمرة، وأن الهواء ينساب في دورات لا تنقطع.

وتنطلق الرياح من مناطق الضغط العالي إلى مناطق الضغط المنخفض محاولة أن تتخذ لنفسها خط سير مباشر، إلا أنها في الواقع تجبر على السير في منحنيات أي إنها على حد تعبيرنا تنحرف)، وذلك تحت تأثير دوران الأرض.

فالمعروف أن أي جسم حر الحركة عندما يندفع منطلقاً من نقطة صوب أخرى على سطح الأرض اتجاه الجنوب أو الشمال) لا يستطيع الوصول إلى هدفه، لأنه خلال الفترة التي يتحرك فيها الجسم تكون نقطة الهدف قد تحركت مسافة ما مع الأرض في دورانها. وهذا هو عين الذي يحدث للرياح. فهي عندما تتحرك تجاه خط الاستواء في نصف الكرة الشمالي تنحرف إلى يمينها ويحدث العكس في نصف الكرة الجنوبي - أي إنها تنحرف إلى اليسار - وعلى هذا الأساس نجد أن الرياح التجارية مثلا - لا يمكن أن تكون شالية أو جنوبية تماماً، وإنما شمالية شرقية في نصف الكرة الشمالي، أو جنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي، أي إنها تنحرف إلى يمينها في الحالة الأولى وإلى يسارها في الحالة الثانية.

ولكن هذا الذي قدمناه لا يعدو في جملته كونه جزءا من القصة، فالهواء لا يتحرك دائماً بالسرعة نفسها، وقد تشبه حركته بحركة سيلان الماء من مستوى إلى آخر. فكلما زاد الفرق بين المستويين زادت سرعة اندفاع الماء. ويحدث المثل مع الرياح؛ إذ نجد أنه كلما زاد الفرق بين الضغط العالي والضغط المنخفض انطلق الهواء بسرعة أكبر.

وهل في مقدورنا أن نقيس سرعة الرياح؟

نعم، وحتى يمكننا ذلك بدون استخدام أجهزة. وليس علينا إلا أن نستخدم بصرنا، لأن الهواء المتحرك إنما يضغط على الأجسام التي تعترض سبيله. ونحن تستفيد من هذه الظاهرة في إدارة طواحين الهواء ودفع السفن الشراعية، وفي تعيين اتجاه الرياح إذ تعمد إلى تثبيت دوارة الرياح أعلى المبنى أو على شاخص، وعندما تهب الرياح عليها يأخذ السهم اتجاها خاصًا مشيرا بذلك إلى الاتجاه الذي تقبل عنه الرياح ولا تقيس لنا دوارة الرياح السرعة بطبيعة الحال، ولكن لما كان الهواء المتحرك يضغط على الأجسام التي تعترض سبيله، فإنه في مستطاعنا أن نقيس سرعة الرياح على وجه التقريب باستخدام هذه الظاهرة، وكل الذي تتطلبه هو أن ننظر من خلال النافذة وترصد تأثير الرياح فيها يحيط بنا من أجسام على مسافات واسعة. وهناك مقياس يعيننا على تقدير السرعة، وكان أول ما استخدم هذا المقياس في أعمال الملاحة البحرية، ثم عمم استخدامه على الأرض، وفيما يلي صورة مبسطة له، وإنه لمن المستحسن أن تنقله وتحاول استخدامه عندما تخرج في رحلة أو نزهة مثلاً.