مشروع أوربيتر الصاروخي:

في المؤتمر الذي عقد في أكسفورد خلال شهر أغسطس عام 1953 اقترح أحد العلماء الأمريكيين إضافة أعضاء جدد لأفراد المجموعة الشمسية، وكان ذلك العالم هو الدكتور س. فريد سنجر خبير الصواريخ بجامعة ماريلاند.

وفي الواقع سبقت ذلك المؤتمر مناقشات عديدة في شأن إطلاق صواريخ إلى أعالي الجو بحيث تتم دورة كاملة حول الأرض، وكذلك في شأن بناء محطة فضاء، إلا أن اقتراح الدكتور سنجر كان الأول من نوعه الذي نادى بوجوب إرسال قمر صناعي لا يحمل بشرا ليجمع المعلومات العلمية اللازمة عن أعالي جو الأرض والفضاء الكوني الذي يليه، وتلخص اقتراحه في إطلاق قمر في حجم كرة السلة، وأطلق على هذا القمر اسم «أصغر أقمار الأرض الصناعية التي لا تحمل بشراً»

وتلخصت الفكرة في تعبئة القمر الصناعي بأجهزة علمية تحاكي تلك التي تحمل في مقدمات الصواريخ، بالإضافة إلى محطة إذاعة لاسلكية ترسل من تلقاء ذاتها قراءات تلك الأجهزة إلى سطح الأرض.

وبدا أن ذلك القمر سوف يتيح للعلماء فرصة جمع معلومات أوفي وأشمل من تلك التي كانوا يحصلون عليها باستخدام الصواريخ وحدها، لأن فترة تحليق الصاروخ في الجو لا تتعدى دقائق معدودات، أما القمر الصناعي فيمكنه أن يبقى سابحاً في الفضاء عدة أسابيع، بل ربما عدة شهور.

وفي صيف عام 1954 اجتمع نفر من خبراء الصواريخ مع بعض أقطاب ضباط الجيش والبحرية في واشنطون، وحضر الاجتماع كل من الدكتور سنجر والدكتور فرنر فون براون.

وأكد الدكتور فون براون للمجتمعين أن صاروخ ردستون الذي كان الجيش قد أتم اختباره بنجاح، يمكن أن يستخدم كمرحلة أولى في بناء صاروخ متعدد - المراحل يعد لإطلاق قمر صناعي يزن نحو كيلو جرامين.

وكان صاروخ ردستون هذا صاروخاً حربياً بني على غرار الصاروخ في ۲ بمعرفة الدكتور فون براون ومعاونيه في معمل القذائف التابع للجيش في هنسفيل بألاباما. وبلغت زنة مقدمته المحشوة بالمفرقعات خمسة أطنان، فاقترح دون براون أن تبدل هذه المقدمة بمجموعة من صواريخ الوقود الجاف.

وأطلق على المشروع كله اسم «مشروع أوربيتر»، ورئى أن يبادر الجيش ببناء الصاروخ في حين يوكل أمر تجهيز المقدمة إلى معمل البحوث التابع للبحرية. وبعد مضي عدة شهور تقدمت لجنة خاصة بالسنة العالمية الطبيعيات الأرض من أجل اشتراك دول الأرض وتعاونها في أرصاد الأقمار الصناعية خلال السنة العالمية الطبيعيات الأرض.

وود الجيش أن يمضي قدما في مشروع أوربيتر، كما أبدى السلاح البحري رغبته في بناء صاروخ من مراحل ثلاث على أن يستخدم الفايكنج في المرحلة الأولى، وعمدت مصلحة الدفاع الأمريكية إلى تشكيل لجنة من تسعة علماء بقصد دراسة هذه المقترحات، فجاءت الأصوات المؤيدة لمشروع البحرية ۷ أصوات ضد ۲.

وفي ۲۹ من يوليو عام 1955 أعلن البيت الأبيض أن مشروع القمر الصناعي قد وكل أمره إلى البحرية وأطلق عليه اسم مشروع الفانجارد.

وكان المفروض حسب الجدول أن يطلق القمر الأول في نوفمبر عام 1957، على أن يكون قمراً صغيراً لا يعدو قطرة 15 سنتيمتراً. أما أول أقمار الفانجارد كاملة الحجم فقد اتفق على إطلاقها في مارس عام 1958

وفي 4 من أكتوبر عام 1957 أطلق الروس أول أقمارهم الصناعية المسمى (سبوتنك)، فاهتز الرأي العام في أمريكا واستاء الناس لسماعهم خبر نجاح الروس وسبقهم في هذا المضمار. ونوقش الأمر طويلاً في الكنجرس وعلى صفحات الجرائد، مما حدا بمصلحة الدفاع إلى أن تكلف الجيش بالمضي قدما في سبيل تنفيذ مشروع أوربيتر.

وفي السادس من ديسمبر عام 1957 عملت محاولة لإطلاق أحد صواريخ الفانجارد في كيب كانا فيرال بفلوريدا، إلا أن الصاروخ ارتفع عدة أمتار ثم انفجر.

وخلال الأسبوع الذي انتهى في 19 من يناير عام 1958 عملت محاولة أخرى من أجل إطلاق أحد صواريخ الفانجارد مرة ثانية، إلا أن أحوال الجو السيئة عاقت تلك العملية عدة أيام، ثم ظهر عطب بخزان الوقود الذي يدفع صاروخ المرحلة الثانية، وكان لزامًا بطبيعة الحال إصلاح ذلك العطب.

وفي تلك الأثناء كان خبراء الجيش بإشراف فون براون وأقرانه قد أقاموا صاروخهم في كيب كانافيرال، ثم نجحوا في إرساله إلى عنان السماء يوم ۳۱ من يناير عام 1958، وبذلك تم إطلاق أول قمر صناعي أمريكي. وكان قوام ذلك الصاروخ أربع مراحل، كل مرحلة عبارة عن صاروخ جو بيتر سي. وبلغ ارتفاع المجموعة 20٫55 متراً.

صاروخ جوبيتر سي - 1985

وصنعت المرحلة الأولى من أحد صواريخ ردستون التي تعمل بالوقود السائل، وبلغ طول هذا الصاروخ ۱۹ , ۸ متراً، كما ركبت فيه خزانات مستطيلة لنوع | خاص من الوقود يقال له هيدين بالإضافة إلى الأوكسجين المسال.

أما الأنف في نهاية المقدمة فكان قابلا للانفصال، وقد ثبتت فيها المراحل الأخرى والقمر: الصناعي، فبلغ طوله ۳٫۷۵ مترا. وجاء مكان الجيروسكوب وآلات المراقبة الخاصة بتوجيه الصاروخ في الفضاء في مقدمة الصاروخ الأول الذي كون المرحلة الأولى، وضمت المرحلتين الثانية والثالثة أسطوانة على شكل حزمة كبيرة ركبت على محور بحيث يمكن أن تدار بوساطة محرك كهربي في الطرف الأمامي للصاروخ الأول.

وتكونت المرحلة الثانية من مجموعة ضمت ۱۱ صاروخاً من صواريخ الوقود اللجان التي بلغ قطر كل صاروخ منها 15 سنتيمتراً وطوله متراً واحداً. وفي الحقيقة كانت المرحلة الثالثة جزءاً من المرحلة الثانية، فتكونت بدورها من ثلاثة صواريخ مشابهة في مركز المجموعة. وثبتت المرحلة الرابعة التي صنعت من صاروخ مماثل أيضاً في رأس المجموعة، أما القمر الصناعي فبدا على شكل قذيفة أو رصاصة تتصل بالمرحلة الرابعة، ويبين الشكل المرسوم قدر المستطاع تركيب أجزاء الصاروخ «جوبيتريسي» ويوضحها.

وتم بناء المراحل الثلاث الأخيرة وكذلك القمر الصناعي في معمل جيت بروبلشن بمعهد الفنون بكاليفورنيا، وبدأت الاستعدادات تجرى لإطلاق جوبيتر سي ظهر يوم 31 من يناير عام 1958، وفي فترة المساء وخلال الليل تم اختبار معداته كافة، وفي تمام الساعة 9 والدقيقة ۲۰ أخلى المكان وظهر الصاروخ وحده واقفاً على قاعدة الإطلاق، وسلطت عليه الأنوار الكاشفة.

وفي تمام الساعة 10 والدقيقة ۲۰ بدأت المرحلة العليا للصاروخ حركة دورانها، وفي الساعة 10 والدقيقة 35 شرع الصاروخ يرسل إشاراته اللاسلكية، وفي تمام الساعة 10 والدقيقة 48 ضغط أحد العلماء المكلف بإطلاق الصاروخ على زر الإطلاق، وعندها تتابعت سلسلة من العمليات السريعة انتهت بتضاغط الوقود في خزانات الصاروخ، ومن ثم بدء الحركة.

وظهر وميض أو بريق خاطف في قاعدة الصاروخ بعد مضي ۱۰ ثانية من لحظة الضغط على زر الإطلاق، ثم إندفع اللهب في لون برتقالي، وبدأ الصاروخ الجبار يعلو في الجو ببطء حتى بدا كأنما يحفظ توازنه على عمود من النيران الذهبية اللون، ولم يلبث أن ازدادت سرعة تحركه فمرق فوق الرءوس وسط أمواج الأزيز والصخيب.

واستهلكت المرحلة الأولى وقودها بعد مضي دقيقتين ونصف دقيقة، حاملة الصاروخ إلى علو 96 كيلو متراً حيث انفصلت عن المقدمة وعن غيرها من المراحل وتساقطت إلى المحيط راسمة قوساً عظيمة.

واستمرت مقدمة المرحلة الأولى، التي تحمل المراحل الباقية والقمر الصناعي، في الارتفاع حتى حلقت على علو ۳۲۰ كيلومتراً بعد مضي أربع دقائق من لحظة الانفصال.

وخلال هذه الفترة من الزمان عملت آلات التوجيه الإلكترونية على تغيير اتجاه خط السير، أو بمعنى أصح أمالت خط سير المجموعة، حتى أصبح موازيًا لسطح الأرض، وتمت هذه العملية بوساطة عدة مخارج حول قاعدة المقدمة اندفع منها هواء مضغوط داخل خزان فيها حسب المقادير الكافية أو اللازمة.

وتتبعت أربع محطات إلكترونية في كيب كانافيرال مسار الصاروخ بكل دقة. وكانت اثنتان منها تعملان بالرادار، واثنتان تعملان بأمواج اللاسلكي. وقد أمكن تحديد اللحظة التي وصل فيها مسار المجموعة إلى القمة، أو اللحظة التي تحركت فيها المجموعة بمحاذاة سطح الأرض، وعندها ضغط الدكتور أرنست شتو كنجر زراً خاصاً مرسلاً إشارة لاسلكية أو أمراً إلى المجموعة.

وأطلق هذا الأمر المرحلة الثانية من عقالها، واشتعل وقود الأحد عشر صاروخاً، في حين تساقطت مقدمة المرحلة الأولى. واستمر وقود المرحلة الثانية يحترق خلال ست ثوان عاملا على زيادة السرعة بطبيعة الحال. وفي نهاية هذه الفترة بدأت المرحلة الثالثة عملها في الحال في حين تساقط حطام المرحلة الثانية.

واستغرق عمل المرحلة الثالثة ست ثوان أيضاً ازدادت خلالها السرعة زيادة كبيرة. وأخيراً انطلقت المرحلة الرابعة بعد أن انفردت عن المجموعة، واستمرت تعمل حتى استهلكت وقودها في ست ثوان؛ ووصلت السرعة في نهاية هذه المدة إلى ما يربو على ۲۹ ألف كيلومتر في الساعة الواحدة، وبقي حطام المرحلة الرابعة متصلا بالقمر الصناعي في أثناء سبحة حول الأرض.

وهكذا وصل القمر الصناعي مداره المرسوم له. بعد مضى 6 دقائق و48 ثانية من لحظة إطلاق الصاروخ جوبيتر - سي، وكان هذا المدار يميل على خط استواء الأرض بزاوية قدرها 34، وصار القمر يحلق في أدنى نقط المسار على علو ۳۰۰ كيلو متر فوق سطح الأرض، ثم يرتفع إلى علو 2540 كيلومتر في أعلى نقط المسار، بحيث يتم دورة كاملة حول الأرض كل 114 دقيقة.

وأطلقت مصلحة الدفاع الأمريكية على هذا القمر اسم «المستكشف». ونظراً للارتفاع العظيم الذي وصل إليه اعتقد كثير من العلماء أنه سوف يظل يدور حول الأرض عاماً كاملاً قبل أن تسبب عوامل المقاومة التي يلقاها عندما يقترب من سطح الأرض سقوطه.

وبلغ طول المستكشف متراً واحداً، وكان قطره 15 سنتيمتراً، وهو حجم أنبوبة المرحلة الرابعة نفسها التي ظلت تلازمه في أثناء سبحة حول الأرض، وبلغ وزن المجموعة ۱۳٫۷ كيلوجراماً.

أما الأجهزة التي حملها القمر فكانت قد صممت من أجل قياس شدة الأشعة الكونية، ومجاري الشهب، وكذلك التغيرات في درجة حرارة القمر الصناعي، وكانت الأشعة الكونية تقاس بعداد جيجر، واستخدم مكبر الصوت مع حظائر خارج القمر الصناعي من أجل رصد كميات الشهب الهاطلة، وكانت درجة حرارة القمر الصناعي تقاس بوساطة ترمومترات المقاومة الكهربية، وكانت هذه المعلومات كلها ترسل إلى الأرض أولاً فأولا بوساطة محطتى إذاعة لاسلكيتين في القمر الصناعى تعملان على ذبذبتين قدرهما ۱۰۸، ۱۰۸٫۰۳ ميجاهرتز.

وفي 5 من مارس عام 1958 حاول الجيش أن يطلق قمراً باستخدام الصاروخ جو بيتر-سي، وكان ذلك في تمام الساعة الواحدة والدقيقة ۲۸ صباحاً، فوصل الصاروخ إلى علو ۳۲۰ كيلومترا، إلا أن المرحلة الرابعة لم تنطلق من عقالهاء وبذلك لم يكتسب القمر السرعة الكافية أو اللازمة لحمله إلى مساره المرسوم، فاحترق كما تحترق الشهب بمجرد دخولها طبقات الجو السميكة، وسمي هذا القمر الثاني المستكشف رقم۲.

وأطلق المستكشف الثالث في ۲۹ من مارس عام 1908 باستخدام الصاروخ جو بيتر سي، إلا أن زاوية إطلاقه كانت من الرداءة بحيث أصبحت أدنى نقط مسار القمر لا تبعد عن سطح الأرض بأكثر من 160 كيلومتراً، في حين ارتفعت أعلى نقط المسار إلى علو ۳۲۰۰ كيلومتر وبطبيعة الحال نجم عن اقتراب القمر الصناعي ودخوله طبقات الجو الدنيا السميكة في هذا المسار عدم بقائه طويلاً.