المحتويات

كيف اكتشف الفضاء؟

منذ سنوات (معدودات) بزغ فجر عصر جديد مثير في تاريخ العالم، يبشر بظهور الآيات والأعاجيب أكثر من أي عصر مضى، ألا وهو: عصر الفضاء.

ففي الأجيال الماضية قام نفر من الرواد الشجعان بعبور المحيطات، وارتياد الصحاري والقفار، وتسلق قمم الجبال الشامخة على الأرض، فوصلوا في مغامراتهم إلى القطبين الشمالي والجنوبي، وصعدوا إلى قمة جبل إفرست، كما توغلوا داخل الغابات الكثيفة، وارتفعوا إلى طبقة الستراتوسفير في أعالي الجو داخل الطائرات والمناطيد، وغاصوا إلى أعماق المحيطات في ثياب الغوص الخاصة.

واليوم يعدّ البشر عدتهم لإنجاز أكبر المغامرات خطراً، وأعظمها أثراً في ميدان. الكشف، ألا وهي: غزو الفضاء، وتتجه الأفكار أول ما تتجه إلى المريخ والزهرة بعد أن تم الوصول إلى القمر.

ونحن نستطيع أن نقرر أن العلماء قد فرغوا من رسم الخطط اللازمة لبناء سفن الفضاء المعدة لقطع تلك المسافات الشاسعة التي تفصل أرضنا عن الكواكب وفي مقدمتها تلك الكواكب القريبة منا مثل الزهرة التي تغطي سهاؤها بأنواع مختلفة من السحب، ومثل المريخ ذلك الكوكب الأحمر.

ولقد أنجزت بعض هذه الخطط على فرض أن تدفع سفن الفضاء باستخدام نفس أنواع الوقود التي تستخدم الآن في إطلاق الصواريخ، إلا أن كثيراً من العلماء اتجهوا أخيراً إلى تصميم طائفة جديدة من سفن الفضاء التي يمكن أن تستغل الطاقة الذرية في دفعها.

أول خطوات غزو الفضاء: 

ومن الوجهة التاريخية تمت أول خطوة في سبيل غزو الفضاء عام 1949، عندما حلق صاروخ من مرحلتين على ارتفاع 400 كيلومتر أطلقته القوات المسلحة الأمريكية.

أما المرحلتان فكان قوامها صاروخا كبيرا من نوع ف ۲ بلغ طوله ۱۲ متراً ووزنه 14 طنا، وآخر صغيراً نسبيا طوله 4.8 متراً، كان يعرف باسم واك كور بورال، ثبت في مقدمة الصاروخ في ۲. واندفعت المجموعة تصعد إلى عنان السماء تحت تأثير قوى الدفع العظيمة التي ولدها الصاروخ ف ۲ عند إطلاقه. وعلى ارتفاع ۳۲ كيلومترا من سطح الأرض.

تم إطلاق الصاروخ واك كوربورال بطريقة آلية، وفي الوقت نفسه، تم انفصاله عن مقدمة الصاروخ في ۲ وبهذه الطريقة (طريقة تعدد المراحل استطاع الصاروخ الصغير أن يتحرك بسرعة ۸۰۰۰ كيلومتر في الساعة، وأن يحلق إلى علو 400 كيلومتر كذلك، كل ذلك بفضل السرعة الابتدائية التي أكسبها إياه الصاروخ فيF۲.

وعندما بلغ قمة المسار كان قد خلف وراءه أكثر من 99٪ من الغلاف الهوائي، أي إنه كان من وجهة النظر العملية قد دخل فعلا في نطاق ما قد نسميه الفراغ، أو الفضاء الكوني.

فعلى علو 400 كيلومتر تصل رقة الجو درجة يصبح معها العدد القليل من جزيئات الهواء الموجودة في حيز ما مماثلا للعدد الضئيل الذي يتبقى داخل أنابيب الراديو والتليفزيون المفرغة.

وعندما نشرت الجرائد أخبار تحليق واك كورورال إلى مشارف الفراغ الكوني، لم يقابل الجمهور ذلك الخبر باهتمام يذكر، ومر عليه مر الكرام؛ فقد كان الشعور السائد أن أسفار الفضاء مازالت ضئيلة الاحتمال بعيدة المنال، إلا أن هذه الفكرة تغيرت تماماً عندما نجحت الخطوة الثانية في سبيل غزو الفضاء، فقد قام العالم وقعد بمجرد نشر أخبارها التي كانت في الواقع أول نبأ مثير منذ تفجير القنبلة الذرية إبان الحرب العالمية الثانية.

أول قمر صناعي روسي:

وتمت الخطوة الثانية هذه في الرابع من أكتوبر عام 1957، عندما نجحت روسيا في إطلاق أول قمر صناعي على هيئة كرة معدنية قطرها نحو 58 سنتيمتراً ووزنها ۸۳٫۹ كيلوجرام.

وسرعان ما عرف البشر في شتى أرجاء الأرض اسمه الروسي «سبوتنك». والحق أنه لم يسبق أن اشتهر اسم في زمن قصير بحيث ألفه الناس سريعاً مثل «سبوتنك»، الذي كان جهازه اللاسلكي يذيع إشارات معينة، دأب العلماء والهواة على التقاطها والاستماع إلى ما حوت من نغمات الـ «بيب بيب» وفي 3 من نوفمبر عام 1957 أحرز الروس نجاحاً آخر أعظم أثراً وأشد إثارة، عندما أطلقوا «سبوتنك» الثاني الذي كان يحمل كلياً كراكب فيه.

أول الاقمار الصناعية الأمريكية:

في 31 من يناير عام ۱۹۰۸ نجحت قوات الولايات المتحدة الأمريكية المسلحة في إرسال أول أقمارها الصناعية، الذي أطلق من «كيب كانا فيرال» في فلوريدا، بوساطة صاروخ جويتر محور ومعد من أربع مراحل. ولقد أطلقت مصلحة الدفاع على هذا القمر اسم «إكسبلورر» أي «المستكشف»..

وفي ۲۷ يوليو عام 1969 حمل الصاروخ "أبولو ۱۱" ثلاثة من ملاحي الفضاء في أول رحلة بشرية إلى القمر. واستغرقت الرحلة ثلاثة أيام، وهبط اثنان منهم على سطح القمر في ۲۰ يوليو عام 1969، وظل الثالث ينتظرهما في مركبة القيادة وهي في مدارها حول القمر إلى أن أتما مهمتها وعادا إليه، ثم قفل ثلاثتهم عائدين إلى الأرض سالمين.

ولقد سبق هذه الرحلة دراسات عديدة، ورحلات تمهيدية كثيرة، لاستكشاف الطريق، وتأمين سلامة الملاحين، وتحديد موقع هبوط مركبة الفضاء على سطح القمر.

ولم يكن الوصول إلى القمر هو الهدف النهائي لطموح العلماء والجنس البشري عامة، ولكنه كان خطوة حاسمة على الطريق نحو غزو الفضاء وزيارة الكواكب الأخرى، وقد تكون الخطوة الثانية هي زيارة المريخ، ولو أنه ليس أقرب الكواكب إلى الأرض.

فالزهرة أقرب الكواكب إلى الأرض، ولكنها الظروف السائدة فيها، وفقاً لما حصلنا عليه من معلومات أتت بها مسابير الفضاء لا تشجع على المخاطرة بزيارة الإنسان لها قبل أن يتمكن من السيطرة الكاملة على تلك الظروف.

ولن يمضي وقت طويل حتى يستطيع الإنسان السيطرة على الفضاء وتنظيم رحلات فضائية إلى القمر وغيره من الكواكب، كما سيطر على جو الأرض من قبل وسخره في تنقلاته.