بمجرد أن يعط رواد الفضاء الشجعان رحالهم على القمر يصبح هدفهم التالي كوكب المريخ، ذلك الكوكب الذي أثار اهتمام البشر وشغل بالهم أكثر من غيره من بين سائر أفراد المجموعة الشمسية.

وقد يحدث أن يلمع المريخ في كبد السماء ويبدو كمصباح أحمر في ظلام الليل، وعندها يهرع الفلكيون في شتى أنحاء الأرض مسرعين إلى رصده؛ إذ يقترب من الأرض، وتكون الفرصة سانحة لحل مشكلة خطوطه الغامضة. ويتكرر هذا الوضع مرة كل سنتين وشهرين.

وكما هو معروف تبعد الأرض عن الشمس بمسافة متوسطها 150 مليون كيلومتر، وهي تستغرق 310.20 يوما لتتم دورة كاملة من حول الشمس. أما المريخ فيبعد عن الشمس بمسافة متوسطها 307 مليوناً من الكيلومترات، وهو يستغرق 187 يوماً ليتم دورة كاملة من حولها. ويتغير البعد بين الأرض والمريخ من يوم إلى آخر، نظراً لسبحها حول الشمس بمعدلات مختلفة: فعندما يكونان في طرفين متقابلين على جانبي الشمس تبلغ المسافة بينها أقصاها، أما إذا وجدا في طرف واحد وعلى استقامة واحدة مع الشمس فإن البعد بينها يكون أقل ما يمكن.

ويتكرر هذا الوضع الأخير مرة كل عامين وشهرين، ويطلق الفلكيون عليه اسم «التضاد»، ولما كانت مسارات الكواكب السيارة غير صادقة الاستدارة، وإنما هي قطاعات ناقصة فإننا نجد أن البعد الحقيقي بين الأرض والمريخ إنما يختلف في حالات التضاد هذه من وضع إلى آخر، فنجده يزداد إلى حدود ۱۰۰ مليون من الكيلومترات تارة، ثم يعود فيتناقص إلى حدود ۸ مليوناً من الكيلومترات تارة أخرى، بحيث يبلغ المتوسط نحو ۷۷ مليونا من الكيلومترات.

وربما يثير دهشتك أن تعلم أن ملاحي الفضاء لن يبدءوا رحلاتهم إلى المريخ في اللحظة التي يبلغ فيها هذا الكوكب أقل بعد له عن الأرض، فإن مثل هذه الرحلة تتطلب كميات من الوقود أكبر من طاقة حمل سفينة الفضاء عندما نفترض أنها ستسير في خط مستقيم من الأرض إلى المريخ، والطريقة المثلى هي وضع سفينة الفضاء في المسار اللائق، ثم تركها تسبح حتى تقترب من المريخ وتدخل نطاق جذبه.

وقد صمم نفر من خبراء الصواريخ، من بينهم فيرنر فون براون سفن الفضاء المريخية باستخدام الوقود السائل مثل الهيدرازين وحامض الأزوتيك. وبطبيعة الحال سوف يتم بناء مثل هذه السفن بعيداً عن سطح الأرض، في إحدى محطات الفضاء، وسوف لا تقل كتلة السفينة عن نحو ۱۷۰۰ طن، إلا أن أغلب هذ الوزن يتركز في الوقود والمحركات بحيث لا تتسع السفينة لحمل أكثر من ستة أو ثمانية أشخاص.

وبما أن سفينة الفضاء المريخية سوف تبني في الفضاء، فإنها بطبيعة الحال سوف تدور حول الأرض بالمعدل نفسه الذي تدور به المحطة، ولا يبقى على قائد السفينة إلا أن يسير محركاتها الصاروخية بالقدر الكافي لزيادة السرعة إلى نحو ۲۰ ألفا من الأميال في الساعة، وهي السرعة اللازمة للنفاذ من قبضة الأرض أو جاذبيتها.

وبمجرد أن تخرج السفينة من قبضة الأرض تصبح كوكباً صغيراً يسبح حول الشمس، تماماً كما تسبح الأرض نفسها أو كما يدور المريخ حول الشمس، ويبقي على قائد السفينة أن يضبط سرعة انطلاقها في الفضاء بحيث يصبح مسارها قطعاً ناقصاً، وتكون أدنى نقطة محطة الفضاء التي أقلع منها، وأعلى نقطة تقطع مسار المريخ أو فلكه.

وبهذه الطريقة يكون على سفينة الفضاء أن تقطع نصف مسارها حول الشمس لتلتقي بمدار المريخ، إلا أن الرحلة يجب أن ترسم خطوطها بدقة وعناية بحيث يتم التلاقي بين السفينة وكوكب المريخ، وأقرب فترة لذلك بعد مسيرة ٢٦ يوماً.

وعندما تدنو السفينة من مجال جذب المريخ يكون على الربان أن يدخل بها في مسار من حول الكوكب لتسبح في الفضاء القريب منه كتابع له، على ارتفاع نحو ۱۰۰۰ كيلومتر مثلا.

ولن يحاول الربان الهبوط بسفينته على سطح الكوكب الاستحالة هذا الأمر، بل إن الهبوط سوف يتم بوساطة مركبة تحملها سفينة الفضاء، هذه المركبة هي في الواقع سفينة صاروخية صغيرة لها أجنحة تمكنها من التحليق في جو المريخ والهبوط على سطحه ثم العودة من جديد إلى سفينة الفضاء بسلام.

وبعد كل ذلك يبقى على سفينة الفضاء أن تنتظر اللحظة الملائمة للإقلاع والرجوع إلى الأرض، ولسوف تستغرق الرحلة الكاملة على هذا النحو زهاء عامين ونصف عام.

ويرى الكثيرون من العلماء أن استخدام الطاقة الذرية سوف يكون أكثر نجاحاً وأعم فلاحاً من استخدام الوقود السائل في تسيير سفن الفضاء المريخية ودفعها في الفراغ الكوفي، وهم يعتقدون أن سفينة الفضاء الذرية سوف تكون ولا شك أصغر حجماً وأقل تكلفة وأسهل قيادة.

ولقد صمم الدكتور إرنست شتولنجر، أحد خبراء مركز الصواريخ الأمريكي في هتنر فيل بولاية ألاباما، سفينة فضاء ذرية بدهشك منظرها ويثير اهتمامك: فهي أولا وقبل كل شيء لا تبدو على هيئة الصاروخ، ولا هي تأخذ شكل الطائرة، كما أنها لا تشبه أي سفينة فضاء تم تصميمها من قبل أو سبق لك أن

رأيتها، وإنما هي على شكل مظلة يابانية كبرى، يبلغ قطرها عند فتحها 250 قدماً، أما عصى المظلة فهي في صورة عمود طوله 250 قدماً أيضاً.

ويقدر وزن هذه السفينة التي تشبه المظلة بنحو ۷۳۰ طناً. ويثبت المفاعل الذري في قاعدة العمود حيث يد المظلة تماماً. أما الأجزاء المعدة لإيواء الركاب والملاحين وثومهم فقوامها مجموعة من الغرف الدائرية في القمة.

وهناك حاجز من الرصاص السميك أعلى المفاعل الذري يحول دون تسرب الإشعاعات الذرية منه إلى الركاب بطريقة مباشرة. وتستخدم الجرارات العالية التي يولدها المفاعل في تحويل سائل معدني (من زيت السليكون) إلى غاز أو بخار.

ويصعد هذا البخار داخل أنبوبة تجري على طول عصى المظلة ويستخدم في تحريك (تربين) أسفل قمة المظلة، ويتصل (بالتر بين مولد كهربي. وهكذا تستخدم الطاقة الذرية في توليد القوى الكهربية.

وأنت عندما تمعن النظر في الشكل المرسوم تجد أن قمة المظلة أشبه شيء بالوعاء الضخم المفرغ وعندما يمر البخار في أطراف هذا الوعاء يبرد ثم يتكاثف سريعاً إلى سائل يتدفق إلى حيث المفاعل الذرى ليعيد الدورة من جديد. ويثبت المحرك النفاث أو المحرك الصاروخي الذي يدفع السفينة في الفضاء أسفل (التربين)، وهو يختلف عن سائر المحركات العادية.

فبينما تقذف محركات الصواريخ التي تستخدم الوقود الجاف أو السائل كميات وفيرة ومتواصلة من الغازات الساخنة، نجد هذا المحرك بمثابة النافورة أو الينبوع الذي تنطلق منه بصفة مستمرة جسيمات مشحونة بالكهرباء.

ويتكون المحرك من جزأين: فهناك خزان يملأ معدن قاعدي مثل السيزيوم، وعند ما يسخن هذا الخزان إلى درجة تكفي لتحويل المعدن إلى بخار، ويسحب البخار إلى غرفة خلال شبكة من البلاتين الساخن، نجد أن بخار السيزيوم هذا يتاين، أو يتحول إلى مركباته الكهربية. ويستخدم التيار الكهربي الذي يولده (التربين) في إكساب هذه الذرات المشحونة (أو الأيونات) سرعة كبيرة.

وهكذا سوف تنطلق سفينة الفضاء لتسبح في خضم الفراغ الكوفي الفسيح باستخدام سيل من الجسيمات المشحونة بالكهرباء وجدير بالذكر أن الطرق الملاحية التي تتبع في سفن الفضاء الذرية سوف تختلف بعض الشيء عن الطرق التي تستخدم (أو المقترح استخدامها في سفن الوقود السائل: فمحرك السفينة الذرية يمكن أن يعمل باستمرار طوال مدة الرحلة؛ إلا أن السفينة الذرية لن تكتسب سرعتها الكاملة إلا بعد مضي مدة طويلة من ابتداء عمل محركاتها. ولهذا السبب الأخير نجد أن سفن الفضاء الذرية سوف تستغرق في رحلاتها أزمنة أكبر من غيرها من السفن.

وعند ما تترك سفينة الفضاء الذرية محطة الفضاء التي تقلع منها نجدها تسير أولاً في مسار لولبي من حول الأرض، وتظل تضيف سرعة إلى سرعتها باستمرار عمل محركاتها حتى تصل هذه السرعة إلى المعدل الذي يكفى لخروجها من قبضة جذب الأرض، والمقدر أنه بعد مضي ساعتين على السفر من محطة الفضاء لا تكون سفينة الفضاء الذرية قد ابتعدت بأكثر من 30 كيلومتراً، ولكن بعد مضي ۱۰۰ يوم تقضيها في الحركة اللولبية المنتظمة تكون قد قطعت نصف المسافة إلى القمر، وبعد هذه الفترة بأيام معدودات تكون سرعتها قد وصلت إلى القدر الذي يكفي للخروج من نطاق جذب الأرض وقبضتها، فتنطلق مسرعة إلى المريخ.

وعندما تقترب السفينة من المريخ وتدنو منه يعمد قائدها إلى تغيير خط سيرها لتدور حول الكوكب كتابع له، ولن يحاول القائد النزول بها إلى سطح الكوكب، فتلك عملية لا سبيل له إليها. وسوف تحمل السفينة معها مركبة صاروخية يدفعها الوقود السائل، تجهز بالأجنحة والمعدات اللازمة للتحليق في جو المريخ والنزول على سطحه ثم العودة منه إلى السفينة الذرية.

ويكاد خبراء الصواريخ يجمعون على أنه ليس من الحكمة ولا من اللائق أن تنطلق سفينة واحدة من أي نوع من أنواع سفن الفضاء بمفردها إلى المريخ.

بل: الواجب أن تسير سفينتان معاً على الأقل، وربما خمس أو ست دفعة واحدة. وبهذه الوسيلة يمكن أن تحد من أخطار أسفار الفضاء، ولا تعظم الخسارة إذا ما أصاب سفينة من السفن عطب، أو نزل بها سوء وسط خضم الفضاء وعندما تنطلق سفينتان في الفضاء جنباً إلى جنب يكون من الميسور لركابها: التنقل من سفينة إلى أخرى عبر الفضاء بشرط أن يلبسوا حلته، كما أن تسيير أسطول كامل من السنن سوف يكن مجموعة ضخمة من العلماء والمهندسين من كشف معالم كوكب المريخ.