بدأ مشروع الفانجارد في صيف عام 1955، ففي شهر يوليو من ذلك العام أعلن البيت الأبيض أن التعليمات قد صدرت إلى معمل بحوث البحرية ليصمم صاروخاً يصلح لإطلاق ستة أقمار صناعية على الأقل. ووضع على رأس هذا المشروع الدكتور جون ب. هاجن من قادة المتخصصين في هذا الميدان.

تصميم صاروخ الفانغارد:

وتم تصميم صاروخ من ثلاث مراحل في شكل رصاصة البندقية. وبرغم أن طول هذا الصاروخ بلغ ۲۱.6 متراً لم يزد طول قطر قاعدته على ۱٫05 متر.

وتكونت المرحلة الأولى فيه من صاروخ محور من صواريخ الفيكنج التي تعمل بالوقود السائل المكون من زيت البترول والأوكسجين المسال.

وقد بلغ طول الصاروخ ۱۳٫۲ متراً، وكان الوقود يدفع إلى غرفة الاحتراق بواسطة مضخة يديرها (تر بين) يعمل بالبخار الذي يولده فوق أوكسيد الهدروجين.

وهناك أيضاً كرة مملوءة بغاز الهيليوم تمد المحرك بالضغط اللازم لتدفق الوقود إلى غرفة الاحتراق عند الابتداء.

ولم تكن للصاروخ أجنحة أو زعانف تحفظ توازنه أو تغير اتجاهه، وبدلا من ذلك صمم محرك المرحلة الأولى بحيث يكون حر الحركة طليقها، فيغير اتجاه انبثاق الغازات الملتهبة من المؤخرة بالقدر المطلوب.

وعلى هذا الأساس ركب هذا المحرك في قاعدة لفافة كما في الشكل التالي، فشد المحرك إلى محورين في حلقة لها محور متحرك، كما علقت الحلقة بدورها في محورين في الاتجاه المتعامد. وكانت أوضاع الحلقة والمحاور المتحركة كلها تحفظ بوساطة منظمات هدروليكية.

وهناك ثلاث احتمالات يمكن أن يغير معها الصاروخ خط سيره عن المدار المرسوم له. وتعرف هذه الاحتمالات الثلاثة باسم: الانحدار، والتعرج، والتدحرج. فحركة مقدمة الصاروخ إلى أعلى ثم إلى أسفل تسمى الانحدار، وحركته إلى اليمين، ثم إلى اليسار هي التعرج، أما التدحرج فيتضمن حركة المقدمة اللولبية حول محور الصاروخ، أو هي بمعنى أصح حركة اللف والدوران حول هذا المحور.

وينظم كل من التعرج والانحدار بإزاحة المحرك في محوره المتحرك، أما التدحرج أو اللف فينظم بوساطة البخار العادم الذي يولده (التربين). وينبثق هذا البخار من عدة مخارج حول قاعدة الصاروخ.

وبلغ طول المرحلة الثانية لصاروخ القانجارد 18.4 متراً، وهي مرحلة تسير بالوقود السائل المكون من الدايميثايل هيدرازين مع حامض الكبريتيك كعامل مؤكسد.

وثبت المحرك في محور متحرك كذلك، ولم يتطلب محرك هذه المرحلة مضخات ضخمة كما تطلبت المرحلة الأولى، وذلك بطبيعة الحال بسبب صغرها النسبي، واكتفى باستخدام الهيليوم المضغوط ليدفع الوقود السائل إلى غرفة الاحتراق، وهناك أيضاً عدد من المخارج الصغيرة التي يمكن أن ينبثق منها غاز البر وبين المضغوط في خزان خاص ليحول دون سيطرة عمليات اللف والتدحرج على الحركة المرسومة.

أما الصاروخ الثالث فقد صنع من أحد صواريخ الوقود الجاف الصغيرة، وبلغ طوله 90 سنتيمترا، وثبت داخل مقدمة المرحلة الثانية، على شيء أشبه بالمنضدة المتحركة أو منضدة الفونوغراف مثلا. وثبت القمر الصناعي في مقدمة هذا الصاروخ.

ووضع الحاسب الإلكتروني الذي يدبر حركة الفانجارد ويشرف عليها داخل المرحلة الثانية، خلف المرحلة الثالثة تمامًا. ويطلق على أهم أجزاء هذا الجهاز اسم «الجير والمرجع» ويتركب الجيروسكوب عادة من عجلة مجهزة بمحور متحرك بحيث يمكن إزاحتها في أي اتجاه. ويمثل الشكل التالي جهاز الجيروسكوب البسيط.

وبمجرد أن تعطي العجلة حركة دوران في أي مستوى معين، تظل العجلة محتفظة بهذا المستوى بصرف النظر عن حركة الأجزاء التي تحملها. ولهذا السبب نجد أن الجير والمرجع في صاروخ الفانجارد إنما يسجل أي انحراف يطرأ على مسار الصاروخ، ثم يصدر الأوامر الخاصة بتنظيم عمل المحركات وما يساعدها من نفاثات مساعدة جانبية.

وهكذا نرى أن نجاح الفانجارد في حمل القمر الصناعي ووضعه في المسار المرسوم له إنما يتوقف على إنجاز خطوات كثيرة ومعقدة يشرف عليها الحاسب الإلكتروني في الصاروخ. وعلى أية حال يمكن اختصار هذه الخطوات كما يلي: يقف الصاروخ منفردًا بعد أن يفرغ العلماء والمهندسون من اختباراتهم. تسمع التنبيهات التقليدية: «إلى جميع المحطات، ها هو ذا الفانجارد يتأهب للصعود بعد س - ۲ من الدقائق».

وبعد مضي دقيقة ينادي مكبر الصوت من جديد: «إلى جميع المحطات، ها هو ذا الفانجارد يتأهب للصعود بعد 60 ثانية». يبدأ عد الثواني واحدة بعد الأخرى: «خمس... أربع ... ثلاث ... اثنتان ... واحدة ... أطلق»

ويظهر وميض من الضوء الساطع الذي يفوق وميض البرق شدة وحدة ينتشر من قاعدة الصاروخ، ثم يسمع هدير محركات المرحلة الأولى. ويبدأ الصاروخ في الارتفاع ببطء على عمود من اللهب.

وكلما دار المحرك في محوره المتحرك تلوي اللهب المنبثق تماماً كما يتلوى أو يتثنى الثعبان الحي، فيرتفع الصاروخ رأسيا، إلا أنه بعد مضي عشر ثوان من لحظة الانطلاق يعمد جهاز الإشراف الذاتي إلى زحزحة محرك المرحلة الأولى فيميل الصاروخ منطلقاً إلى مداره المرسوم.

ويسبح الصاروخ في مسار انسيابي تجاه الجنوب الشرقي ليستقر في فلك يصنع زاوية قدرها 35 درجة مع خط الاستواء، إلا أنه يستمر في الصعود. وبعد مضى دقيقتين ونصف دقيقة من لحظة إطلاق الصاروخ من كيب كانافيرال يصير على بعد 48 كيلومتراً جنوبي فلوريدا وعلى ارتفاع 58 كيلومترا فوق سطح المحيط الأطلسي، كما تكون سرعته قد بلغت حدود 6400 من الكيلومترات في الساعة الواحدة. وتلك لحظة تكون عندها المرحلة الأولى قد استنفدت.. فيصدر الحاسب الإلكتروني الأمر إلى شحنة صغيرة من المفرقعات لتنفجر في الحال وتنفصل بذلك المرحلة الأولى عن المرحلة الثانية، وفي الوقت نفسه يصدر الأمر إلى محرك المرحلة الثانية ليبدأ العمل. وتستمر المرحلة الأولى في الارتفاع برهة من الزمن، ثم لا تلبث أن تتساقط إلى المحيط راسمة قوساً عظيمة، وتلتقي بالسطح على بعد 40 كيلومتراً من ساحل فلوريدا.

ويمكث وقود المرحلة الثانية يعمل مدة دقيقتين ونصف دقيقة، يحلق خلالها بالمجموعة إلى علو 240 كيلومتراً، ويرفع السرعة إلى حدود 18 ألف كيلومتر في الساعة الواحدة.

وبمجرد أن تبدأ المرحلة الثانية عملها يكون الصاروخ قد نفذ إلى طبقات الجو الرقيقة أو القليلة الكثافة، ولا تبقى هنالك فائدة لبقاء مقدمة الصاروخ المخروطية الشكل التي تدرأ عنه أصلا شر الاحتكاك مع طبقات الهواء الدنيا، فيصدر الحاسب الإلكتروني الأمر إليها بالانفصال، وسريعاً ما تهوى بدورها إلى المحيط. وتستمر المرحلة الثانية تحلق إلى أعلى حتى بعد نفاد وقودها.

وفي تلك الأثناء تبدأ أصعب العمليات وأشدها تعقيداً بالنسبة إلى الحاسب الإلكتروني الذي يتحتم عليه أن يستلهم الجيرو ليقود المرحلة الثانية إلى مسارها المطلوب، وتتم هذه العملية باستخدام (بزبوز) مساعد ينبثق فيه غاز الهيليوم الذي يستخدم أصلا في دفع الوقود السائل إلى غرفة الاحتراق.

وعند ذلك تكون المرحلة الثانية قد حلقت إلى ارتفاع ۸۰ كيلومتراً، وصارت على بعد 1120 كيلومتراً من ساحل فلوريدا، كما أنها تكون قد أخذت تسبح في مسار يوازي سطح الأرض. أما السرعة فتكون قد هبطت إلى حدود 1400 كيلومتراً في الساعة الواحدة، وبذلك تصبح الخطوة الأخيرة الباقية على إطلاق القمر الصناعي قد حل أوانها.

وتنطلق خمسة صواريخ لا يزيد طول الواحد منها على ۱۲٫5 سنتيمتراً تتصل أصلاً بالمرحلة الثالثة، فتبدأ هذه المرحلة الأخيرة عملية اللف حول محورها، وبطبيعة الحال يدور معها القمر الصناعي الذي يتصل بها؛ ثم تنفصل المرحلة الثانية، ويشرع محرك المرحلة الثالثة في العمل.

وفي الوقت نفسه تنطلق من مقدمة المرحلة الثانية عدة صواريخ صغيرة إضافية قد نطلق عليها اسم «صواريخ التأخير»، إذ أنها تكون بمثابة الفرامل التي تعوق حركة المرحلة الثانية لتتساقط سريعاً إلى المحيط، راسمة قوساً عظيمة تلتقي بالسطح على بعد 2400 كيلومتر من ساحل فلوريدا.

ولا تحتوي المرحلة الثالثة على أداة للتوجيه، لأن مجرد دورانها يحفظ لها دوام سبحها في مسارها، تماماً كما يحفظ دوران الرصاصة لها خط سيرها المرسوم.

 وفي ظرف ۳۰ ثانية من ابتداء عمل محرك المرحلة الثالثة، تكون سرعة هذه المرحلة قد وصلت إلى حدود ۲۸۸۰۰ كيلومتر في الساعة الواحدة، كما أنها تكون قد استنفدت وقودها. وفي تلك اللحظة تنفجر المفرقعات التي يشد إليها القمر الصناعي إلى المرحلة الثالثة، فينفصل، كما يقذف به إلى الفضاء زنبرك فيزيد سرعة تحركه بما يعادل ۹۰ سنتيمترا في الثانية الواحدة، ويصبح القمر حرا طليقاً.

وقد نجح إطلاق أول أقمار الفانجارد - المعروف باسم فانجارد رقم 1، في ۱۷ مارس عام 1958، وتم إطلاق صاروخ الفانجارد الذي حمله من كيب كانافيرال في تمام الساعة 7 والدقيقة 15، ولم يكن هذا الصاروخ بالذات مكتمل الحجم، بل إن قطره لم يزد على 16 سنتيمتراً، إلا أن القمر وصل إلى علو شاهق، بحيث كانت أدنى نقط مساره تعلو على سطح الأرض بمقدار 646 كيلومتراً.

أما أعلى نقط المسار فقد وصل ارتفاعها إلى 3945 كيلومتراً. ولهذا السبب توقع العلماء أن يمكث فانجارد رقم 1 في الفضاء مدة طويلة، ربما تربو على قرن آو قرنين.

مراحل صاروخ الفانغارد