يتعلق بهذا

فهرس

 

طبقات الفضاء:

هناك من فوق رؤوسنا تماماً توجد المتناقضات العجيبة والمخيفة في الوقت نفسية؛ ففي أعالي جو الأرض وما يليه من الفراغ الكوني ينتشر الزمهرير الذي يفوق في حدته زمهرير المناطق المتجمدة التي نعرفها على الأرض، كما توجد درجات الحرارة العالية التي تربو معدلاتها على ما تألف في صحاري المدارين. كل ذلك جنباً إلى جنب مع تلك الأشعة الفتاكة التي تقتل الأحياء ويفوق خطرها أخطار القنابل الذرية، وكذلك تيارات الشهب التي تتحرك بسرعة 64 كيلومتراً في الثانية وتهوى بلا هوادة كالمطر المتواصل.

وبطبيعة الحال على العلماء أن يدرسوا تلك المناطق قبل أن يلجها الرُكاب في أسفارهم الكونية؛ وعند ذلك فقط يصبح في مقدورهم تسيير سفن الفضاء إلى ما وراء مناطق الفجر القطبي، وأنوار الشمال المتلألئة، ودفعها إلى الفضاء الكوني الحالك الظلام..

فنحن إنما نعيش في قاع محيط من الهواء؛ إذ يعتبر جو الأرض بمثابة البحر العظيم، وعندما تطلق سفينة صاروخية إلى القمر مثلا، تبدأ السفينة رحلتها خلال هذا المحيط، كما تنتهي لنفس الرحلة عند الأوربية، فعلينا إذاً أن نتعلم سبل الملاحة خلاله قبل أن نلم بما بعده.

علينا مثلا أن نعرف المزيد عن تياراته العليا، ودرجات حرارة طبقاته المختلفة وكثافاتها، وكذلك تحديد خواص تلك الطبقات الكهربية والكيماوية.

ونحن إلى جانب ذلك مرغمون على جمع معلومات أوفي عن إشعاعات الشمس فوق البنفسجية، والأشعة الكونية، وأمطار الشهب المستمرة. أما على سطح الأرض فإننا نعيش في مأمن من هذه الأهوال والأخطار في ظل حماية طبقات الغلاف الجوي السفلى السميكة، تلك الحماية التي نفقدها عندما نخرج إلى الفضاء الكوني.

ولا تقتصر الفائدة التي تعود علينا من دراسات الجو العلوي على أسفار الفضاء فحسب، بل تجدنا نستخدم تلك الدراسات في أعمال التنبؤ الجوي، أو التكهن بما سيكون عليه الجو خلال فترة معينة، وقد يأتي اليوم الذي نستغلها بحيث يصبح في الإمكان التنبؤ بتقلبات الجو لمدة عام كامل.

وكذلك سوف يمكن تحسين أعمال الراديو والتليفزيون عندما تريد معرفتنا بالطرق التي ترتد بها أمواج: الأثير من طبقات الجو العلوي المتأين. ومن يدري؟ فربما نكشف اللثام عن بعض أسرار أنوار الشمال ونجمع عنها من المعلومات ما يعيننا على إنارة مدننا ومنازلنا بطرق أحدث وأسهل من طرقنا التي نستخدمها اليوم.

وفي الواقع بدأ الكشف عن جو الأرض سريعاً عقب اختراع البالونات عام ۱۷۸۳، ففي عام 1804 أطلق بالون كاشف، صعد إلى علو زاد قليلاً على ست كيلومترات لقياس درجات حرارة الهواء وضغطه ورطوبته. وفي أوائل هذا القرن استخدمت الطائرات للحصول على أرصاد مماثلة.

وسبق أن استخدمت الطائرات في مستهل هذا القرن للحصول على مثل هذه الأرصاد. وفي عام ۱۹۳5 صعد الكولونيل ألبرت ستيفنز والاجور و. ا. أندرش إلى علو يقرب من ۲۲ كيلومترا، داخل بالون أعد للتحليق في طبقة الستراتوسفير، وفي عام 1954 ارتفع الضابط إيفان كنشلوي إلى ما يقرب من ۳۸ كيلومتراً في طائرة من نوع بل س - ۲.

أما البالونات التي أطلقت تحمل أجهزة الرصد والتسجيل الذاتي دون أن يكون فيها ركاب من البشر فقد حلق بعضها على ارتفاع يقرب من 45 كيلومترا.

وكان للصواريخ حظ أوفر، فقد حملت أجهزة الرصد إلى ارتفاعات أربت على ۱۹۰ كيلومتراً، واليوم تجمع الأقمار الصناعية - أو الأقمار التي يصنعها البشر - المزيد من المعلومات على أبعاد أكبر من ذلك بكثير.

ولقد أصبح من المألوف أن تستخدم البالونات والصواريخ والأقمار الصناعية في رصد ثمانية عناصر هامة هي: تركيب الغلاف الهوائي على الارتفاعات المختلفة، ودرجة الحرارة، وكثافة الهواء ومعامل توصيله الكهربي، ومجال الأرض المغناطيسي، وتلك الأشعة الفعالة غير المرئية، وهي الأشعة فوق البنفسجية التي ترسلها الشمس، والأشعة الكونية، ثم الشهب. وتستخدم الصواريخ أيضاً في عمليات تصوير سطح الأرض على أبعاد شاهقة.

وفي العادة يقسم العلماء جو الأرض إلى خمس طبقات بعضها فوق بعض، ويطلقون على كل طبقة منها اسمًا معيناً على النحو الآتي:

  • طبقة التروبوسفير
  • طبقة الستراتوسفير
  • طبقة الأوزونوسفير
  • طبقة الأيونوسفير 
  • طبقة الأكسو سفير

طبقة التروبوسفير:

نحن نعيش في طبقة التروبوسفير التي تمتد إلى علو يبلغ في المتوسط نحو ۱۱ كيلومتراً فوق سطح البحر، وهي طبقة عدم الاستقرار وموطن التقلبات الجوية حيث تثار السحب وتتولد العواصف المختلفة. وبرغم أن طبقة التروبوسفير غير سميكة نسبيًا، نجدها تتضمن أكبر نسبة من الهواء؛ إذ تحتوي على أكثر من 75% من غازات الغلاف الجوي بأسره.

وأنت عندما تتسلق جبلا من الجبال الشاهقة تجد أنه يضيق صدرك ويصبح من: الصعب عليك التنفس بسهولة قرب قمته، كما تجد أن أغلب الجبال العالية إنما تكسو قممها الثلوج طوال العام.

كل ذلك بسبب خلخلة الهواء أو نقص كثافته، وكذلك انخفاض درجة حرارته كلما صعدنا قدماً في طبقة التروبوسفير، والمعروف أن معدل انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع في هذه الطبقة يبلغ نحو درجة واحدة مئوية كل ۱۹۲ متراً، وأن متوسط درجة الحرارة عند قمتها هو نحو ۱۷ درجة تحت الصفر.

طبقة الستراتوسفير:

ويلي التروبوسفير من أعلى طبقة الستراتوسفير، التي يبلغ سمكها نحو ۳۰ كيلومترا. وهي طبقة تحتاج إليها الرياح العاتية؛ إذ ينساب في قاعدتها نهران من الهواء يجريان حول معظم الأرض، ويعرفان باسم مجاري الرياح المتدفقة (أو الجيت)، إذ يتدفق أحدهما من الغرب إلى الشرق في الطبقة الواقعة بين المناطق المتجمدة وخط الاستواء، ويفيض الآخر من الشرق إلى الغرب في الطبقات الواقعة بين المناطق المعتدلة وخط الاستواء.

ويتغير موضع النهرين وسرعة اندفاع الهواء فيها من يوم إلى آخر، وقد تصل سرعة الرياح حدود ۸۰۰ من الكيلومترات في الساعة داخل هذه المجاري أحياناً.

ولم يتم الكشف عنها إلا في الحرب العالمية الثانية، عندما انطلق الطيارون الأمريكيون بقاذفات القنابل اب - ۲۹ داخل طبقة الستراتوسفير التي تنخفض فيها درجة الحرارة إلى حدود ۸۰ درجة تحت الصفر على ارتفاع نحو ۲۰ كيلومتراً.

طبقة الأوزونوسفير:

وتتداخل الطبقة الثالثة - وهي الأوزونوسفير - بعض الشيء مع طبقة الستراتوسفير وتختلط بها، إذ تمتد من ارتفاع نحو ۲۰ كيلومتراً إلى ارتفاع نحو 50 كيلومتراً. 

وأطلق عليها هذا الاسم لأنها تحتوي على كميات وفيرة نسبيًا من نوع غاز الأوكسجين يعرف باسم الأوزون. ولعله ليس من العجيب في شيء أن نجد طبقة الأزونوسفير ساخنة ترتفع فيها درجة الحرارة إلى حدود درجة واحدة تحت الصفر المئوي، ذلك لأن الأوزون إنما يتص جانباً كبيراً من الأشعة فوق البنفسجية التي ترسلها الشمس، وتتحول هذه الطاقة الممتصة إلى حرارة ترفع درجة حرارة تلك الطبقات من الهواء.

طبقة الأيونوسفير :

أما الطبقة الرابعة فهي الأيونوسفير، بأرجائها الغامضة العجيبة، ومناطقها النائية الشبيهة بالفراغ، والتي تتلألأ منها أضواء الشمال. وبرغم أن طبقة الأيونوسفير تبدأ من ارتفاع نحو 50 كيلومتراً فوق سطح الأرض، فإنه لا يعرف أحد تماماً مدى امتدادها من أعلى، فقد تصل إلى علو نحو ۸۰۰ كيلومتر أو أكثر. ولقد درس العلماء كثيرا من خصائص طبقاتها الدنيا، تلك الطبقات التي تمتد إلى علو ۳۰۰ كيلو متر، أما الباقي فلا يزال غامضا إلى حد كبير.

ويتحتم على مرتادي الأيونوسفير حماية أنفسهم من أشعة الشمس فوق البنفسجية، ومن الأشعة الكونية الفتاكة التي تقبل من الفضاء الخارجي، وكذلك من أمطار الشهب القاتلة. ولم تكن الحياة ممكنة على سطح الأرض إلا لأن قاع المحيط الهوائي هو أكبر أجزاء هذا المحيط كثافة.

وينجم عن ازدياد كثافة الهواء ازدياد معامل أحتكاك الشهب به، ومن ثم إمكان احتراقها قبل أن تصل إلى سطح الأرض، كما أن كميات ضئيلة جدًا من أشعة الشمس فوق البنفسجية ومن الأشعة الكونية يمكنها اختراق طبقات الجو السفلى بسبب كبر كثافة هذه الطبقات.

وتتضمن الأيونوسفير عدداً من الطبقات المشحونة بالكهربية والتي يطلق عليها اسم طبقات التأين. وما هذه الطبقات في الواقع سوى الأسقف التي تنعكس منها أمواج الراديو مرتدة إلى سطح الأرض بعد أن ترسلها محطات الإذاعة، ومرة أخرى تنخفض درجة الحرارة داخل الأيونوسفير فتصل إلى حدود ۹۷ درجة تحت الصفر على ارتفاع ۸۰۰ كيلومتراً، إلا أنها ترتفع بعد ذلك بشكل غريب؛ فتصل إلى قيم عجيبة مثل ۲۸۷ درجة مئوية فوق الصفر على ارتفاع ۱۹۰ كيلومترا.

طبقة الأكسو سفير:

وأخيراً تأتي الطبقة الخامسة وهي الأكسو سفير، حيث ينعدم الغلاف الجوي تدريجيا حتى يصل إلى درجة الفراغ. ولم يجمع العلماء إلا اليسير من المعلومات عن هذه الطبقة

وفي كل يوم تهوى ملايين الشهب إلى جو الأرض، ولا يزيد حجم معظمها على حجم رأس الدبوس، أما تلك التي تضاهي حجم حبيبات «الزلط» المألوفة فلا يتعدى عددها الآلاف، وعندما تدخل هذه الشهب جو الأرض تحتك به فتلتهب وتخلف من ورائها ذيولاً مضيئة كثيراً ما نُطلق عليها اسم «النجوم الهاوية».

رسم توضيحي لطبقات الفضاء