هل هناك حياة على المريخ؟

هذا هو السؤال الذي حير الفلكيين خلال قرن كامل، فكم من مرة تغيرت نظرتهم إليه كلها جد كشف، وفي أواخر القرن الماضي نادي كثير من علماء الفلك بأن الكوكب تسكنه كائنات حية مفكرة؛ ولكن أغلب الفلكيين اليوم قد نبذوا هذا الرأي وطرحوه جانباً.

وفي كل مرة يقترب فيها المريخ من الأرض يكرس كثير من الفلكيين على الأرض أغلب وقتهم لدراسة هذا الكوكب الغامض.

وكما قدمنا يتكرر اقترابه من الأرض مرة كل سنتين وشهرين، فيلمع في كبد السماء كمصباح متوهج أحمر، ويثير اهتمام الناس حتى أولئك الذين قلما يوجهون أنظارهم إليه، ولقد جمع الفلكيون كثيراً من المعلومات عنه باستخدام المناظير المكبرة وغيرها من المعدات التي تلازمها، إلا أنهم في هذا العصر يتطلعون بشغف كبير إلى ذلك اليوم الذي فيه ترسو أول سفينة فضاء على سطحه، فهم يؤمنون أن أغلب المسائل التي تتعلق بهذا الكوكب لا سبيل إلى حلها إلا بزيارة فعلية.

ونحن عندما نستعرض نتائج ما توصل إليه الفلكيون باستخدام مناظيرهم المكبرة ومعداتهم المختلفة نجد أن المريخ يبعد عن الشمس بمسافة تعادل ۲۲۷ مليوناً من الكيلومترات على وجه التقريب، ويبلغ قطر الكوكب ۱۷۸۲ كيلومتراً، أي أكبر من نصف قطر الأرض بقليل، وهو يدور حول محوره في مدة قدرها 24 ساعة و37 دقيقة و۲۲ ثانية، كما يستغرق في قطع مساره حول الشمس مدة 187 يوماً.

ومعنى ذلك أن اليوم الواحد في المريخ لا يزيد إلا قليلا على اليوم في الأرض، إلا أن السنة المريخية هي على وجه التقريب ضعف سنة الأرض، وكذلك الحال مع كل فصل من فصول السنة.

وكيل محور الكوكب بالقدر نفسه الذي يميل به محور دوران الأرض تقريباً، أي بزاوية قدرها ۲۳٫5 درجة على وجه التقريب، وكذلك نجد أن قطبيه مسطوحان: قليلا كما هي الحال في قطبي الأرض. ونظرا لصغر حجمه فإن قوة جذبه تعادل ۳۸ في المائة فقط من قوة جذب الأرض.

وانت تستطيع أن تتحقق من جمال الكوكب إذا ما أمعنت النظر فيه خلال منظار فلكي صغير، فهو يبدو في مجموعة محمرا أو برتقالي اللون على أية حال، وفي وسطه حزام غير منتظم مظلم بعض الشيء يتعرج إلى مناطق لونها ما بين الأزرق والأخضر أو السنجابي. أما الطاقية القطبية الثلجية التي تغطي كلا من القطبين فيمكن تمييزها بسهولة باستخدام أصغر المناظير الفلكية.

ولقد اهتم العلماء بدراسة التغيرات الموسمية على المريخ، تلك التغيرات التي أوحت بوجود كائنات حية هناك. فبينا نجد أن المساحات الحمراء اللون قلما تتغير بتغير الفصول علىالمريخ، تكون التغيرات في المساحات المظلمة واضحة جلية، كما تخضع لدورات منتظمة على مر العام، وكأنما هي تتبع إلى حد كبير التغيرات التي تطرأ على كل من الطاقيتين القطبيتين. والمعتقد أن المساحات الحمراء اللون عبارة عن صحاري رملية أو صخرية.

فعندما يقترب الربيع في نصف الكرة الشمالي على المريخ، تبدأ الطاقية القطبية في الذوبان والاضمحلال شيئاً فشيئاً، وقد ينتهي بها الأمر إلى الاختفاء تماماً، وفي الوقت نفسه تظلم المساحات الخضراء في نصف الكرة الشمالي وتثير الاهتمام ويبدأ التغير في اللون أول الأمر بالقرب من القطب الشالي ثم يزحف تدريجيا تجاه خط الاستواء، وتظل هذه المساحات محتفظة بلونها طوال الصيف، إلا أنها تبدأ في التحول إلى اللون البني خلال الخريف، وفي الوقت نفسه تشرع الطاقية القطبية في النمو من جديد. وتحدث تغيرات مماثلة في نصف الكرة الجنوبي، إلا أن شتاء نصف الكرة الشمالي يقابله صيف في نصف الكرة الجنوبي والعكس بالعكس،" كما هي الحال على الأرض.

ومن السهل أن تتخيل وجود زراعة واسعة على المريخ إذا أنت راقبت هذه التغييرات الدورية، وعلى ذلك تجزم بأن المريخ من الكواكب المسكونة. وقد كانت هذه هي الفكرة السائدة في أواخر القرن التاسع عشر. وبالإضافة إلى تقسيم سطح الكوكب إلى مساحات حمراء وأخرى خضراء يلوح أنه تتوافر عليه علامات أخرى، غير أنه يصعب تمييزها حتى باستخدام أحسن المناظير الفلكية ولذلك كثر الجدل والنقاش من حولها.

وفي عام ۱۸۷۷ أعلن الفلكي الإيطالي ج. ف. شبابا ريلي بأنه استكشف شبكة من الخطوط المستقيمة الخلابة المنظر على سطح المريخ، وأطلق عليها اسم كانالي)، وهي اللفظ الإيطالي لكلمة «قنوات»، وحدث أن ترجمت هذه الكلمة : فعلا إلى سائر اللغات على أنها قنوات، أي حملت معنى مجاري المياه الصناعية، فقام الناس وقعدوا في شتى أرجاء الأرض وازداد اليقين بأن على الكوكب أحياء.

واعتقد الفلكي الأمريكي الجنس رسيفال لويل أن سطح الكوكب بأسره تغطية شبكة معقدة من القنوات التي كثيراً ما يتقاطع بعضها مع بعض مكونة ما أطلق عليه اسم ( الواحات)؛ وهكذا ساد الاعتقاد بأن تلك القنوات هي من صنع كائن ما يسكن المريخ، ولم يكن من العسير أن يتصور المرء أن أهل المريخ إنما يستخدمونها في أعمال الرى لتوصيل المياه العذبة الناجمة عن ذوبان ثلوج القطبين إلى مزارعهم وحقولهم.

ومهما يكن من شيء فإن كثيرا من الفلكيين في تلك الآونة لم يسلموا بتلك الخطوط المستقيمة الجميلة المنظر التي أدعى فريق مشاهدتها على سطح المريخ، ولم يتمخض رصدهم المتواصل للكواكب إلا عن بعض العلامات والرسومات المبهمة.

ويشك أكثر علماء الفلك في هذا العصر في أمر قنوات المريخ، برغم أنهم يسلمون بأن هنالك بعض الظواهر التي ترصد على سطحه على أية حال. وحدث أن اقترح بعضهم أن تلك العلامات ماهي في الواقع إلا آثار مجار مائية قديمة أو قيعان بحيرات جفت منذ زمن سحيق. ويدعي البعض أنها مجرد شقوق في سطح الكوكب.

وتحمل الدراسات الحديثة على الاعتقاد بأن احتمالات وجود كائنات حية مفكرة على المريخ هو احتمال لا مسوغ له بحال من الأحوال، وأن أقصى ما يمكن أن يوجد هناك هو حياة نباتية في أبسط صورها.

وتدل دراسات تحليل الطيف ونحوها على أن جو المريخ غير سميك، فقد الا يزيد ارتفاع الغلاف الهوائي هناك على ۱۰۰ كيلومتر. وأثبتت البحوث الحديثة آن جو المريخ يحتوي على كمية من بخار الماء تقل في مجموعها عن 5 في المائة من لكمية الموجودة في جو الأرض: أما غاز الأوكسجين فنسبته أقل من ذلك بكثير، إذ أنها لا تصل إلى في المائة من الأوكسجين الموجود في جو الأرض، والمعتقد أن كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون هناك تعادل ضعف كمياتها في جو الأرض.

ولقد اتضح من البيانات التي أرسلها مسبار الفضاء الذي أرسل إلى المريخ أن كثافة جوه لا تزيد على 1% من كثافة جو الأرض، ورصد العلماء نوعين للسحب هناك: السحب البيضاء التي تسبح في أعالي جو المريخ، وهي إما أن تكون بلورات ثلجية أو نوعاً من الضباب «الشابورة المائية الخفيفة، ثم سحباً صفراء اللون في طبقات الجو الدنيا، وهي غالباً ما تكون سحباً ترابية، أي من الغبار والأتربة التي تثيرها الرياح من الصحاري الحمراء.

وقيست درجات الحرارة على المريخ بأن ألحق بالمناظير نوع من الترمومترات يعمل بالكهرباء تقال لها (ترمومترات الازدواج الحراري). ودلت القياسات على أن درجة الحرارة في المساحات الخضراء في أثناء الظهر في الصيف ترتفع إلى حدود ۳۰ درجة مئوية، إلا أنها تعود فتهبط خلال الليل هبوطا ذريعا بسبب خفة الهواء هناك، فتصل إلى ۲۲ درجة عند الغروب، وإلى ۱۰۱ درجة تحت الصفر عند منتصف الليل، وهي درجة لا تستقيم معها الحياة كما نعلم.

ويدلل الفلكيون على أن الطاقية القطبية في المريخ ليست حقولا من الجليد السميك كما هو الشأن على الأرض، وإنما مجرد طبقات رقيقة من الثلج ربما لا يتعدى سمكها أو عمقها ما بين 5 - 7.5 سنتيمتر، من مشاهداتهم لتلك السرعة العجيبة التي تتكون بها الطاقية في الشتاء وتذوب بها في الصيف. '

ولقد عمد الدكتور جرالد - كبير مدير مرصدي يركس وماك دونالد – إلى دراسة الضوء المنعكس من المساحات الخضراء على سطح المريخ ومقارنته بالضوء المنعكس من سفوح الجبال المزروعة (الخضراء) على الأرض، واستنتج أن نباتات المريخ إنما تتكون فقط من أنواع بدائية مثل الطحالب وأعشاب البحر.

ويشعر فريق كبير من الفلكيين أن المريخ عالم يحتضر لأنه فقد أغلب ما في جوه من غازي الأوكسجين وبخار الماء، وأنه آخذ في الجفاف. أما السؤال الحقيقي فهو: هل سبق أن سكن هذا الكوكب كائن مفكر؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل بقي على قيد الحياة؟ ويرى البعض أن سكان المريخ ربما يعيشون في مدن تحت السطح، إلا أن الرد على هذه الأسئلة بطريقة قاطعة سوف يؤجل ريثما تحط إحدى سفن الفضاء رحالها على الكوكب الأحمر.