تستلزم رحلات الفضاء البعيدة وجود محطات في الطريق، تنتهي عندها مرحلة من مراحل الرحلة وتبدأ مرحلة أخرى، حيث أن قوة دفع الصاروخ لا تمكنه من قطع المسافات البعيدة خارج المجموعة الشمسية.

وتدور حول الأرض الآن محطات فضاء تجريبية يعيش فيها العلماء والخبراء عدة شهور، وهم يقومون بإجراء البحوث العلمية والتكنولوجية.

محطة الفضاء :

محطة الفضاء مركبة ضخمة تحتوي على أماكن للمعيشة، ومعامل للبحوث العلمية وورش، ويمكن أن يصل عدد ركابها إلى عدة عشرات من الأشخاص.

ويتم إنشاء وحدات المحطة على الأرض ثم تنقل هذه الوحدات الواحدة تلو الأخرى لتدور في مدار حول الأرض. وفي المدار تضم كل وحدة إلى الأخرى بحيث تلتحم بها وتدور الوحدات الملتحمة كأنها مركبة واحدة..

ولقد بدأت تجارب الالتحام ضمن برنامج الاستعدادات للمرحلة القمرية وأرسلت الولايات المتحدة الأمريكية «معملاً سماويًا» (سكاي لاب) لإجراء البحوث في الفضاء في السنوات السبعينية.

كما تعاونت مع الاتحاد السوفيتي، حيث التحمت سفينة فضاء أمريكية مع أخرى سوفيتية في الفضاء، وتدور الآن في عام ۱۹۸۸ محطة فضاء سوفيتية حول الأرض حاملة مجموعة من العلماء والخبراء ظلوا فيها بضعة أشهر. ومن أبرز سمات محطة الفضاء أن الظروف فيها تحاكي الظروف الأرضية.

فنحن نعلم أن المركبة الدائرة في مدار حول الأرض تنشأ فيها حالة «انعدام الوزن»، وفي هذه الحالة لا يستطيع الركاب السير على الأقدام لعدم وجود قوة تجذبهم نحو أرضية المركبة.

فنحن نسير على الأرض لأن قوة الجاذبية الأرضية تشدنا نحو الأرض. كما أن جميع الأشياء تسبح في الفضاء، فأنت إذا تركت شيئا - من يدك لا يسقط كما تفعل الأشياء على الأرض، بل يظل سابحا في مكانه في الفضاء ما لم يعترض سبيله ما يوقف حركته. ولقد تغلب العلماء على هذه الحالة بجعل المركبة تدور حول نفسها، بالإضافة إلى سيرها في مدارها حول الأرض.

فدورات المركبة حول نفسها يحدث، كما نعلم من دروس الميكانيكا، قوة طاردة مركزية تشد الأجسام نحو الجدران أي بدلاً من الجاذبية الأرضية.

وإذا دارت المركبة بمعدل ثلاث دورات ونصف الدورة في الدقيقة فإن هذه القوة الطاردة المركزية تحاكي قوة الجاذبية الأرضية مع وجود اختلاف واحد، وهو أن الشخص يستطيع المشي على الأرضية والجدران على السواء. والسبب في ذلك أن قوة الجاذبية الأرضية تجذب الأشياء نحو مركز الأرض دائماً، أما القوة الطاردة المركزية تدفع الأشياء نحو الجدران.

وفي الواقع إذا نحن أمعنا في الأمر نجد أنه لا يوجد اختلاف على الإطلاق. فسكان القطب الجنوبي يمشون مقلوبين بالنسبة السكان القطب الشمالي فأقدام كلا الفئتين متجهة نحو مركز الأرض، ولكننا لا نلاحظ ذلك لضخامة الكرة الأرضية.

ويختلف الجر داخل محطة الفضاء عنه على سطح الأرض في أن جو الأرض يتكون من النتروجين بنسبة ۷۸٪ والأكسيجين بنسبة ۲۱٪ وغازات أخرى كالأرجون وغيره بنسبة 1% تقريباً. أما في محطة الفضاء فتزيد نسبة الأكسيجين إلى الضعف تقريباً ويخلط به النتروجين والهيليوم.

وصف محطة الفضاء :

محطة الفضاء الحالية غرفة أسطوانية في حجم المقطورة التي تستخدم في الرحلات الخلوية ملتحمة مع كبسولة فضاء عادية. ويظل ملاحو الفضاء في الكبسولة إلى أن تستقر محطة الفضاء في مدارها، وعندئذ يغادر الملاحون الكبسولة إلى معملهم في المحطة لإجراء البحوث المناط بهم إجراؤها.

وتوجد أفكار مختلفة بشأن التصميم النهائي لمحطة الفضاء. ومن أفضل الأفكار التي اقترحت، تلك التي تقدم بها الدكتور فيرنر فون براون، وتبدو المحطة التي اقترحها على شكل حلقة كبيرة جوفاء مكونة من قطاعات ملتحمة بعضها مع بعض وفي مركز الحلقة غرفة تتصل بحافتها ممرات نصف قطرية.

وهذه الغرفة هي مدخل محطة الفضاء، فيدخل منها ملاحو الفضاء، ويأخذون طريقهم إلى حافة الحلقة خلال الممرات، حيث يقيمون ويعملون. وتدور هذه الحلقة حول محورها، لإحداث قوة طاردة مركزية تحاكي قوة الجاذبية الأرضية، وهكذا تهيئ ظروفاً مماثلة للظروف الأرضية، فلا يشعر الركاب بانعدام الوزن.

أما المدخل في مركز الحلقة، فينعدم فيه الوزن. | وتستخدم محطات الفضاء والمعامل السماوية التي تدور الأن حول الأرض لإجراء الأرصاد الأرضية والفلكية.

فمنها يمكن مراقبة ما يجري على سطح الأرض، حيث تكشف أجزاء كبيرة من سطح الأرض في أوقات معينة، وترى منها كل بقعة من بقاع الأرض مرة كل أربع وعشرين ساعة على الأقل، فتكشف عن جبال الجليد التي تعترض مسار السفن وعن العواصف البرية (الهاركين) قبل هبوبها على المناطق المعمورة، كما تكشف عن المنشآت الجديدة والتجمعات العسكرية، وهكذا يستطيع العلماء العاملون فيها إنذار من يهمهم الأمر قبل التعرض لأخطار هذه الأحداث.

ولقد حقق معمل الفضاء لعلماء الفلك أمنية طالما تاقوا إليها وهي النظر إلى السماء دون أن تعوقهم الغشاوة الجوية. فالهواء الجوي المحيط بالأرض يعمل، حجاب يحجب الرؤية الواضحة بالإضافة إلى ما يحدثه من تشويهات وأخطار في أوصادهم، والسماء فوق معمل الفضاء صافية خالية من الهواء والشوائب، وهكذا تخلو أرصادهم من الأخطاء وتمدهم بالمعلومات الصادقة وهم بعض العلماء أيضاً أن يجروا تجارب علمية عن ظروف الفضاء وانعدام الوزن، ويتيح لهم معمل الفضاء ظروفاً ممتازة لإجراء هذه التجارب.

أما محطات الفضاء الكبيرة، فسوف تضم بالإضافة إلى المعمل العلمي «ورشا» التركيب مركبات الفضاء المتجهة إلى الأجرام السماوية البعيدة. فترسل إليها قطع هذه المركبات من الأرض، وتجمع هذه القطع في محطة الفضاء، ومنها تطلق المركبات إلى هدفها المرسوم.

كيف تنقل الأشياء والمؤن إلى محطات الفضاء؟

كانت الإجابة عن هذا السؤال هي ما اهتم به العلماء والمهندسون قبل إرسال «المعمل الساري» إلى الفضاء ليدور في مداره حول الأرض. فصنعوا «مكوك الفضاء» ليكون وسيلة النقل من الأرض إلى محطة الفضاء والعودة إلى الأرض ثانية.

وملاحو الفضاء المناط بهم قيادة هذا «المكوك» مدربون تدريباً خاصاً، فعليهم أن يتقنوا عملين مهمين بالإضافة إلى أعمالهم الأخرى. وهذان العملان هما، الاهتداء إلى هدفهم في الفضاء والوصول إليه، ثم العمل على التحام مركبتهم بالهدف، (محطة فضاء أو مركبة أخرى) بطريقة سلسة دون اصطدام. والرادار هو الوسيلة لتحديد موقع الهدف، أما الالتحام، فعملية دقيقة تتطلب حذقا ومهارة. فعندما يرى الملاح هدفه يغير من سرعة مركبته حتى يدور في المدار نفسه الذي يدور فيه الهدف. وفي هذه الحالة تتساوي سرعتاهما.

ثم يحاول الملاح الاقتراب من الهدف بتغيير سرعته قليلا وذلك بإطلاق تيار من الهواء المضغوط خلال فتحات خاصة، أو إطلاق صواريخ صغيرة، وتتم هذه العملية بدقة شديدة إلى أن تتماس المركبتان عندئذ يحكم وثاقهما ويدوران جسم واحد. وبالطريقة نفسها يمكن فصل المركبتين كل منها عن الأخرى وإخراج «المكوك» من المدار وإعادته إلى الأرض ثانية.

ومكوك الفضاء هو في الحقيقة «طائرة فضائية» شبيهة بالطائرة النفاثة وها ثلاث محركات صاروخية، ويعزز قوة الدفع عند إطلاقها من قاعدة الإطلاق صاروخان ينفصلان منها عندما تصل إلى ارتفاع 43 كيلومتراً من سطح الأرض، ولا يحترق هذان الصاروخان في الجو كما كان يحدث في الصواريخ السابقة ولكنها يعودان إلى الأرض سالمين إذ يهبطان في المحيط باستخدام «الباراشوت» وتلتقطها سفينة معدة لذلك.

أما طائرة القضاء فتستمر في صعودها إلى أن تصل إلى مدارها وقبل وصولها إلى المدار بقليل تتخلص من مستودع الوقود الذي " يغذي محركاتها الصاروخية، فيحترق في الجو في أثناء هبوطه، وقد تسقط بعض أجزائه في المحيط.

وبعد أن تؤدي «الطائرة الفضائية» (المكوك) مهمتها، بأن تظل في مدارها عدة أيام وعلى متنها «المعمل السماوي»، أو تسلم المؤن لمركبة أخرى تقلل من سرعتها، بإطلاق صواريخ رجوع صغيرة، فتخرج من مدارها وتنحدر هابطة بدون محركات حتى تصل إلى قاعدتها سالمة، وترتفع درجة حرارة مقدمتها وبعض أجزائها إلى الاحمرار تقريباً بسبب الاحتكاك بجزيئات الهواء، ولكن وجود طبقة عازلة قوية على السطح يحمى ما بداخلها من الحرارة.

. وميزة مكوك الفضاء هي إمكان إعادة استخدامها واستخدام الصواريخ المعززة مرات عديدة أخرى، وهذا على عكس الصواريخ السابقة التي تستخدم مرة واحدة ثم تحترق في الهواء، وبهذه الطريقة أمكن خفض تكاليف رحلات الفضاء كثيراً عن ذي قبل تؤدى محطة الفضاء ثلاث فوائد هي:

اتخاذها بمثابة الحوض الذي تبنى فيه سفن الفضاء، وجعلها المرفأ الذي يمكن أن تهبط عليه هذه السفن عند عودتها من القمر أو المريخ، حيث يركب الناس الصواريخ التي تنقلهم إلى سطح الأرض.

أما الفائدة الثالثة التي تجني من وراء - بناء محطة الفضاء فهي فائدة علمية، فهي سوف تمد بالمناظير الفلكية المكبرة وعدادات جيجر وغيرها من الأجهزة والمعدات اللازمة لدراسة الشمس والنجوم والأشعة الكونية وغيرها من عجائب الكون وآياته.