فلتركز على ما تسهم به

" عندما ننسى أنفسنا في خضم العطاء، نكتشف سبب حياتنا ".

كاتب مجهول

مبدأ الخدمة

لقد قطعنا كل هذا الطريق حتى ندرك شيئاً أساسياً واحداً: أننا بدأنا نكتشف من نكون حقاً، أي ذاتنا الحقيقية، عبر نوعية المساهمات التي نقدمها. هذا هو مبدأ الخدمة، وهو مفهوم بالغ البساطة وبالغ العمق. يعمل العقل الباطن دائما وأبدا على الإبداع ليبدي المزيد منه. إنه يبدع من خلال تناوله " للحقائق " التي قدمها له العقل الواعي وتحويلها إلى " أشياء" مادية. والمساهمات بطبيعة الحال هي ما نقدمه ونعرضه على الآخرين. والعروض هي تلك الأشياء التي نعطيها حتى يتلقاها آخرون. وكما يتكرر في كتب الحكمة القديمة " من زرع حصد ".

قد تتساءل عن تلك المساهمات التي تعد ذات شأن ويجزينا عليها الله، على اعتقاد منك أن تلك الأمور الصغيرة لا يعتد بها بطبيعة الحال. لكنك تكون على خطا، لأن الحقيقة أن كل شيء يعتد به انعم، كل شيء. الأم التي تحب أبناءها وتحدب عليهم وتحميهم وتوفر لهم الجو المنزل والرعاية. الأب الذي يؤدي عمله ليطعم أسرته ويكسوهم. الفلاح الذي بدر البذور ويجمع الغلال ليوفر الغذاء للناس. رجل الدين الذي يبشر بالخير وينذر من الشر ويدعو نحو الصلاح والفلاح. مندوب المبيعات الذي يلبي احتياجات الناس من خلال ما يعرضه عليهم من منتجات وخدمات. كل تلك الأمور وكل تلك الخدمات هي مساهمات ترى أول الأمر كصور في الذهن ثم تتجلى في الحياة الواقعية.

وكل من يقدم خدمة الآخرين، فهو سبب لأن يجري قضاء الله وقدره على الأرض، من خلال جهود هذا الشخص أو ذاك. والمكافآت على تلك المساهمات لا تعد ولا تحصى. بعض الناس يعلمون أن الآخرين يحتاجون إليهم لذلك ويضيفون اختلافاً، فإنهم يساهمون من أجل المكافآت العاطفية والروحية فقط، لا أكثر ولا أقل. تلك المكافآت قد

إن تركيز المرء على

المساهمة الخارجية في عالم

لهي علامة لا لبس فيها

على وجوده الإنساني

الفعال.

 

بيتر دراکر"

الأب الروحي لمدرسة

الإدارة الأمريكية

 

لا تكون ملموسة ومادية، لكنها غالبا ما تكون ذات مغزى كبير، وخيرا وأبقى. فأي ثمن قد يدفع لقاء مثل تلك المشاعر مثل الشعور بالإنجاز والرضا والفخر -لقاء معرفتنا | بأننا منحنا الآخرين الحب والخدمة والرعاية والاهتمام؟ ما من ثمن لذلك، إنهم يخدمون كذلك، هؤلاء الذين يساهمون في السلامة الاقتصادية للمدن والبلدات التي نعيش فيها. تتميز البنية الاجتماعية الحديثة لنا بأنها حالة من الاعتماد التبادل. تكاد تكون تامة، بحيث يعتمد كل منا على الآخر من أجل الكثير من الاحتياجات ووسائل الراحة في حياتنا. فقليلون فقط هم الجاهزون للحصول على كل ما يريدون ويحتاجون من أشياء دون استخدام نقود. إن مبادلة النقود بالبضائع والخدمات هي طريقة للحياة. إن سلامتنا، بل واستمرارنا في الحياة نفسه، يقوم على هذا.

إن مبدأ الخدمة قد يبدو نظریاَ نوعا ما في أعين البعض. قد تقول: " كلام لطيف. لكنها كلها ترهات مبتذلة. لا شيء من هذا له علاقة بالعلم الحقيقي". ولكن. مرة أخرى أنت على خطأ. إن مبدأ الخدمة لهو أساس مجتمعنا الرأسمالي الحديث. ويمكن تلخيصه في العبارة التالية: " أعط. ولسوف تعطي بالمثل". إنه انعكاس لقانون السبب والنتيجة. فإن لكل فعل رد فعل مساويا له ومضادا له. عندما تتوصل للمعنى الجذري للنجاح في عالم الأعمال التجارية، نجد أنه ببساطة تقديم الخدمة، وكلما قدمنا المزيد من الخدمة لقينا نجاحا أكثر.

وفقا ل " هنری فورد ": " إن النجاح هو أن تقدم للعالم أكثر مما قدم العالم لك". إنها لعبارة سامية حقا من رأسمال شهير، وكذلك فقد طبق هذه العقيدة نفسها في أعماله التجارية، وأضفى عليها مصداقية لنجاحه الهائل الذي حققه على مدار عمره. إن الثروة الباقية لهذا العالم يكتسبها بجدارة هؤلاء ممن يقدمون خدمة متميزة. وهؤلاء المحاطون بالخير الدائم لا يمكنهم إلا أن يثروا العالم كله عبر جهودهم.

ولكي نضع هذا في المنظور الصحيح، دعنا ننظر إلى المخطط التالي الذي أسميته مختلط | مصفوفة المساهمة.

 

 

أحد أجمل المكافآت

التعويضية لهذه الحياة

أنه ما من شخص يحاول

مخلصا مساعدة شخص آخر

دون أن يساعد نفسه في

نفس الوقت.

 

رالف والدو إيمرسون"

فيلسوف وشاعر وكاتب مقال أمريكي

(1803-1882)

 

 

 

إنني لا أحب أن أعمل۔

ولا أحد غيري يحب العمل.

ولكنني أحب ما يوجد

في العمل. فرصة أن

يعشر المرء على نفسه.

إنه واقعك الخاص.

بالنسبة لك، وليس

بالنسبة للآخرين.

ما لا يستطيع الاطلاع عليه

أي شخص آخر.

 

جوزيف كونراد

رواني إنجليزي

(1857_1924)

 

 

من اليسير نسبياً أن تجد سبيلاً إلى المعرفة المضبوطة حتى تصير متفوقاً في مجال عملك المختار: الكتب، المنتديات، البرامج المسجلة على أشرطة، مقالات، محادثات وخطب لأشخاص ذوي علم. ولكن من غير اليسير اكتساب المعرفة المضبوطة من أجل اكتساب القناعات المضبوطة بشأن أنفسنا، فمن غير الممكن أن نجد تلك القناعات بشأن أنفسنا إلا بعد أن نستطيع أن نبحث بحثا مستميتة عن المعرفة المضبوطة، وأن نستوعبها ونطبقها فيما يخص مجالنا المهني.

أولا وقبل كل شيء، فإن كل من هو فرد قد اكتسب مجموعة من القناعات، والقيم والسمات الشخصية، وكل هذا نحمله معنا أينما ذهبنا. إننا نأخذ أنفسنا معنا إلى المكتب، وإلى الاجتماعات، وإلى مائدة العائلة، وبما أنه من الضروري أن ينسجم سلوكنا مع ذاتنا، لكي نكفل سعادتنا وكفاءتنا وإنتاجيتنا. فإننا بحاجة لأن نعرف من نكون، وإلى أين نمضي ولماذا؟ قبل أنه نستطيع أن نكون فعالين في أي مقدرة مهنية.

لقد عدنا إلى نقطة سالفة: ينبغي علينا أن نكون من أجل أن نفعل، من أجل أن نمتلك، لكن أشخاصاً كثيرين يريدون أن يمتلكوا من أجل أن يفعلوا، من أجل أن يكونوا؛ فهم يسعون لكسب المال في حين ينبغي عليهم في الحقيقة أن يسعوا لتقديم الخدمة للآخرين. إنه لإغراء شديد الرغبة في المال من أجل شراء الكثير من الأشياء التي نعلم أن المال يمكنه شراؤها: البيوت الفخمة؛ السيارات الفارهة، الملابس الثمينة، الرحلات إلى أماكن عجيبة، والمسكن الريفي الصغير. وهكذا يتساءل الرجل العصري: " كيف لي أن أمتلك تلك الأشياء؟ " وسرعان ما يجيب: " بالمال! إنني بحاجة لكسب المال حتى أمتلك تلك الأشياء".

 

صنع المال. الشخص الوحيد الذي " بصنع " المال حرفيا هو الذي يعمل في سك النقود الذي يدار من قبل الحكومة. أما بقيتنا فإنهم يكسبونها. إننا نكسبها عن طريق أن نقدم للآخرين ما يحتاجون ويريدون من بضائع وخدمات، وهم يفعلون الشيء نفسه معنا، وعلى هذا يكون اسم هذه اللعبة هو تبادل البضائع والخدمات، وبما أنه لم يعد من السهل دائما أن ندفع ثمن ما نريده من منزل أو سيارة بدفع منتج أو خدمة نقدمها مقابلها، فلقد صنعت النقود لتسهيل التبادل، وعلى هذا فالنقود لا تمثل شيئا أكثر من القيمة التي يعطيها المجتمع للمساهمات المتنوعة، بما في ذلك ما تقدمه أنت نفسك. ويمثل تراكمها مدى نجاحنا في تلبية احتياجات الآخرين -العملاء، في خضم المنافسة مع مزودين آخرين.

إن موضوع مراكمة المال محل خلاف بالنسبة لبعض الناس؛ فهم يعتقدون أنه من المسموح به أن يمتلك المرء من المال ما يكفيه ليتدبر أموره وحسب، ولكن أن يمتلك الكثير منه، أو على الأقل أكثر مما لدى معظم الآخرين، فلابد أن يكون هذا على

تستطيع أن تجعل من عقلك

مغناطيسا يجذب النقود

إذا ما وضعت في عقلك ذلك السلك

الممغنط المتمثل

في المبدأ التالي: تطلع فيما حولك

وابحث عن السبل التي يمكنك

بها أن تصنع شيئا سينتفع به الآخرون،

شيئا سيساعد الإنسانية على

الارتقاء ويقلل معاناتها ويرفع من

بهجتها، ثم اطلب من عقلك الباطن

أن يرشدك إلى العمل الذي يعينك على

التوصل لهذا الهدف المغناطيسي.

وحين تكتشف ماذا يكون،

تستطيع أن تصير ثريا وشهيراً

من خلال هذا الاكتشاف المغناطيسي.

نورفل

من كتاب THINK YOURSELF RICH

 

حساب بقية الناس، لكن الحال ليس كذلك، ما المال إلا مقياس له شأنه على مدى نجاحنا في المساهمة بالخدمة، وفي تلبية احتياجات الآخرين. فإننا نتلقى المال عن طيب خاطر، وندفعه للآخرين أيضا عن طيب خاطر، ما دام الأمر كله باسم الخدمة. وبلا شك، إنه كلما زاد ما لدينا من مال استطعنا المساهمة في رخاء الآخرين لأننا نستطيع الآن أن نشترى منهم ما يعرضون من أشياء نحتاج إليها.

إن هؤلاء الذين يسعون وراء المال كهدف لذاته وغاية في حد ذاته فلا شك في إصابتهم بخيبة الأمل ؛ لأن تركيز هؤلاء لا يكون على ما يستطيعون تقديمه، وما يستطيعون منحة، أو ما يستطيعون المساهمة به لتلبية احتياجات الآخرين ، بل يكون تركيزهم على ما يستطيعون الحصول عليه بتقديم أقل القليل من أجل إرضاء دوافعهم الأنانية وكل هؤلاء الأشخاص ينالون ما يستحقون تماما في الوقت المناسب؛ لأن قانون الأخذ والعطاء المتبادلين لا يخطئ على الإطلاق، فالشخص الذي يعتمد في نجاحه على فرضية " الأخذ " من الآخرين ينتهي إلى أن يأخذ من نفسه وحسب. فلكي تأخذ لابد عليك أن تعطى. فأولئك الذين يساهمون في الإفقار لابد أن يذوقوا الفقر المدقع بدورهم، وأولئك الذين في الرخاء يجلبون رخاء الحال لأنفسهم.

ولأجل هؤلاء ممن قد يتشككون في هذا، فالأمر يتطلب أن "نحسن العمل "، سواء مادية أو عاطفية. نتائج الأبحاث لا يمكن إنكارها. لقد أوضح كل من " توم بيترز " و "روبرت واترمان " في كتابهما الذي حقق أفضل المبيعات In Search of Excellence أنه من بين عوامل ثمانية أساسية، كانت خدمة العملاء هي العامل الحاسم الذي يعتمد عليه النجاح الهائل لعدد من الشركات التي أجريا عليها أبحاثهما. يقاس النجاح في سوق العمل بمقدار ونوعية الخدمات المقدمة، والمال ما هو إلا واحد من المعايير الأساسية القياس هذه الخدمة.

وعلى هذا فإن المال ليس هدفاً على الإطلاق أو حتى وسيلة نحو هدف ما. إنه باعتباره وسيطاً للتبادل، يمثل الخدمة وحسب، وتنتجه الخدمة. لا يمكننا منع المال من المجيء إلينا عندما نقدم خدمة بأي قدر مما لو استطعنا جلبه عندما لا نقدم أي خدمة. ما الخدمة إلا تجسيد لقدرتنا الإبداعية، وأصالتنا، واستعدادنا وقدرتنا على إشباع احتياجات ورغبات الآخرين.

إن مجتمعنا الرأسمالي يعمل تحت مظلة مبدأ بسيط: أوجد حاجة وأشبعها بصورة أفضل من المنافسين. والنتيجة هي التبادل الحر للبضائع والخدمات وفقا للاحتياجات والرغبات الشخصية. إننا نعيش من خلال ما تقدم من خدمات، ومن خلال تقديم الخدمات فقط نستطيع أن نأمل في الرخاء والنمو، وبالفعل يضع هذا النظام التزامات كبرى على عاتق من ينخرطون به؛ فقد يقول البعض إنه نظام قاس، لكنه يزود أكبر.

لا أستطيع أن أصدق

أن الغاية في الحياة أن نكون

سعداء لا أكثر ولا أقل.

أعتقد أن الغاية من الحياة أن

نكون نافعين، ومسئولين،

وأن نكون شرفاء، ورحماء.

إن غايتها قبل كل شيء

أن نهتم وننشغل،

أن نخلص لشيء ما،

الإدخال شيء من الاختلاف

عليها يبقى إلى الأبد.

 

ليو روستن

 

                                                         

عدد ممكن من الأشخاص بأقصى العوائد والفوائد، وكما لاحظ " وينستون تشرشل ": " إن الشر المتضمن في الرأسمالية هو التقاسم غير المتساوي لمباهجها، بينما الخير المتضمن في الاشتراكية هو التقاسم المتساوي لبؤسها ".

فلتتأمل كيف تطورت الرأسمالية إلى ما هي عليه اليوم. في مرحلتها الأولية تماما، كان المرء يستهلك ما ينتجه بالضبط؛ فإن الطعام الذي تجمع ثماره، والملابس التي ترتديها، والأسلحة التي تهيئها تكون كلها نتيجة جهدك الخاص، وبعد أن نضج المجتمع، وبدأت العائلات تنتج أشياء لتتبادلها فيما بينها، صار المرء يستبدل بما يريده الآخرون منه ما يريده هو منهم. ومن الواضح أنه كلما زاد ما أنتجت مما يريده الآخرون زاد ما تكتسبه مما تحتاج إليه. إن رفاهيتك نتيجة مباشرة لجهدك ولقدرتك على إشباع احتياجات ورغبات الآخرين بالمقارنة مع المنافسين الآخرين. هذا هو حجر الأساس النظام التجارة الحرة المعاصرة، وليس معنى أن التجارة حرة أنها مجانية وبلا ثمن! بل تعني فقط حريتك في الانخراط في التجارة والسمسرة والمضاربة. في حقيقة الأمر، إننا في حالة عمل تجارى من أجل أنفسنا، سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه. كل منا هو رئيس الشركة الخدمات الشخصية بداخله، نعرض خدماتنا حتى أعلى مساومة. بصرف النظر عما إذا كنا نعمل في شركة IBM، أو في الحكومة أو نعمل الصالح أنفسنا، فإننا مسئولون عن الجوانب الأساسية جميعا والضرورية لنجاح أي عمل تجاري: البحث والتنمية، الإنتاج، الترويج، المبيعات، خدمة العملاء. إننا نولي أنفسنا السلطة عندما نتحمل المسئولية التامة عمن نكون على الصعيدين الفردي والمهني، ومسئولية جودة ما نقدمه من مساهمات.