إن مجتمع الأعمال يميل إلى دعم المهارات الاجتماعية -التي تنادى بها مبادئ اكارنيجي دائمًا -كما لو أنه يستنتج أنها مكملة للمهارات الغنية في أفضل الأحوال، وهذا يمثل عودة إلى الوراء، فإن أية نقلة نوعية مستمرة هي أمر ضروري إذ ا كنت ترغب في تحقيق أقصى استفادة من التفاعلات الخاصة بك، ناهيك عن هذا الكتاب.

فإن المهارات الاجتماعية مثل الشفقة والتعاطف هي التي تحفز المهارات الفنية مثل البرمجة، والعمليات التنفيذية، والتصميم لتحقيق فاعلية نادرة. فكيف هذا؟ إن المهارات الاجتماعية تربط المهارات الفنية بالإنتاجية التشغيلية، وتضافر الجهود التنظيمية، والأهمية التجارية؛ لأن كل هذه الأشياء تتطلب التزامًا إنسانيًا سليمًا، فهل المدير الذي يتمنع بالمهارات الفنية، والذي يجلس بأسلوب متغطرس يملى أوامره على مرؤوسيه يتفوق على المدير الذي يتمتع بالمهارات الغنية الذي يمشى بين موظفيه، وهو معروف بينهم ويرونه دائمًا ويحترمونه؟ بينما قد يحصل المدير الأول على بعض النجاح من خلال فرض سطوته لبعض الوقت، فإن تأثيره يعد عيباً قاتلاً لأن قوته لا تمنح له من قبل موظفيه، وما تأثيره إلا مظهر خادع من النفوذ بعمر افتراضي قصير.

في كتابه الذي بعنوانDerailed ، يسرد خبير علم النفس المؤسسي "تيم إيروين" تفاصيل سقوط ستة رؤساء تنفيذيين من المستوى الرفيع على مدار العقد الماضي، وقد جاء كل سقوط نتيجة عجز المدير التنفيذي عن التواصل مع الموظفين على مستوى ملموس وذي مغزى، وبعبارة أخرى، كان كل خروج عن المسار يأتي نتيجة وجود فيض من المهارة الفنية مقرون بنقص حاد في مهارة اجتماعية معينة _ أي البراعة المؤسسية منزوع منها التأثير المقنع. ومثل هذه الإخفاقات لا تقل عن إخفاقاتنا، فإخفاقاتهم كانت علنية، ولكن إخفاقاتنا في الغالب تكون واضحة وملموسة.

فإننا نخسر إيمان الأصدقاء بنا وكذلك إيمان أفراد الأسرة، وغيرهم عندما نتبع خطوات نجاح العلاقات دون تغذية جوهر تلك العلاقات -ألا وهو قياس الاحتياجات البشرية والوفاء بها.

ما الذي يجعل الكثير من الأشخاص ذوي النوايا الحسنة يرتكبون هذا الخطأ؟ ربما تقودنا الطبيعة الغامضة للمهارات الاجتماعية إلى الضلال. ومن الممكن أن نركن بشكل متحيز إلى أي شيء قابل للقياس.

إن المهارات الغنية يمكن اختبارها وتدريسها ونقلها للآخرين. ويتم تأليف معظم الكتب التجارية مع وضع هذه الحقيقة في الاعتبار، لأننا نستطيع تحديد مدى التقدم في أية مهارة فنية_على المستويين الفردي والمؤسسي _من خلال الرسوم البيانية والقياسات والتقارير.

ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمهارات الاجتماعية، فإنه من الممكن أن يصعب تقليلها إلى خطوات، حيث إنها غالبا ما تكون في حالة من الفوضى ومن الصعوبة بمكان قياسها على المستوى الكمي إلا من خلال استجابات أفضل وعلاقات أحسن. ولكن، أليست هذه هي أفضل المقاييس على الإطلاق؟ وما هو الجيد في قائمة طويلة من الإنجازات إذا كانت تؤدى إلى التراجع في العلاقات؟ عندما يتم إحراز أي تقدم من خلال الدعم الذاتي والانغماس في حب الذات، فإنه لن يستمر.

وعلى نطاق أصغر، هل نحتفظ بالأصدقاء الذين تثبت تصرفاتهم بانتظام أن هذه العلاقة تدور حولهم فقط؟ عندما نعرف أن سلوك أي شخص وراءه دافع خفي، فإنه يحدث فينا تأثيرا أقل من ذلك التأثير الذي يحدثه شخص كنا قد التقينا به ولو لمرة واحدة فقط، وهذه العلاقة محكوم عليها بالفشل ما لم يعترف ويتغير، وحتى في تلك الحالة، فإن هناك بقايا من الشك ستظل قائمة.

وعلى نطاق واسع، هل نفلل مخلصين للعلامات التجارية التي تثبت بانتظام إما عدم القدرة أو عدم الرغبة في تبنى احتياجاتنا ورغباتنا؟ لقد ولت تلك الأيام التي كانت فيها أغلبية الشركات تخبر المستهلكين بما يحتاجون إليه." إننا نعيش في يوم أصبح المستهلكون يتمتعون فيه بالقدرة على اتخاذ معظم قرارات التصنيع، والتصميم، والتسويق، لقد كانت حملة الحفاظ على البيئة" ذات يوم حملة اعلانية صغيرة ذات هدف طيب لعدد قليل من المنتجات؛ ولكن الأغلبية الجماعية من المستهلكين جعلت منها شعارا تسويقيًا إلزاميًا.

ويجدر القول إن الأفراد والشركات غير الحساسة للنجاح في المهارات الاجتماعية تضل طريقها اليوم.

ويصر البعض على أنك لا تستطيع تعليم غرائز المهارات الاجتماعية. وهذا الرأي يصح إذا كنت تتعامل مع المهارات الاجتماعية بمنهجية المهارات الفنية. ولم يرتكب "اكارنيجي” هذا الخطأ، فقد اكتشف أن الغرائز الإيثارية تطفو على السطح ليس من خلال استراتيجية بارعة مفصلة خطوة بخطوة ولكن من خلال ممارسة الرغبات الأساسية، بمعنى أننا عندما نتصرف بطرق تمد يد العون للآخرين وتؤثر فيهم بشكل إيجابي، فسوف نصل إلى بئر أعمق من الإلهام، والمعنى، وسعة الحيلة.

فإننا جميعًا مجبولون على الرغبة الصادقة في التواصل _ أي فهم الآخرين وافهامهم. والأكثر من ذلك أننا مجبولون على الارتباط الصادق -أي أن نكون معروفين، ومقبولين، وذوي قيمة لدى الآخرين، بل والأكثر من هذا وذاك هو أننا مجبولون على التعاون الناجح _ أي العمل معًا نحو تحقيق إنجاز ذي مغزى سواء كان ذلك الإنجاز يمثل نجاحًا تجاريًا، أو انتصارًا مؤسسيًا، أو امتدادا للعلاقات. ويكمن الجوهر المتوج للنجاح بشكل أساسي في طيف يربط بين العلاقة البشرية الصادقة (كسب الأصدقاء)، وإحداث تأثير متصاعد ذي مغزى (التأثير في الناس). ويخلص الطيار والكاتب الفرنسي” أنطوان دو سانت إكسوبيرى" إلى النتيجة التالية قائلاً:

" ليس هناك أمل في الشعور بالبهجة إلا من خلال العلاقات الإنسانية".4

فكيف يحصل المرء على هذه المهارات العاطفية التي تعزز التواصل الفعال، والارتباط المفيد، والتعاون المثمر؟

يجب علينا أولا أن نتذكر أن النجاحات الناتجة عن العلاقات اليوم لا تقاس على مقياس وسائل الإعلام _أي الوسائل التي يمكن استخدامها وعدد الأصدقاء، أو المعجبين، أو الأتباع الذين يمكن للمرء أن يحشدهم بجانبه، إنها تقاس على مقياس الفائدة، فإذا أصبحت ذا فائدة في تفاعلاتك الخاصة، فإن الطريق إلى النجاح في أي مسعى سيصبح أبسط بل وأكثر استمرارا. فما السبب في ذلك؟ السبب هو أن الناس يلاحظونك، ويتذكرونك. كما أنهم يتحفزون عندما تتركهم تفاعلاتهم معك وهم في حالة أفضل قليلا دائمًا.

فإن الفائدة تحكم فاعلية كل وسيلة تستخدمها، وبمجرد أن يكون لديك شيء مفيد تعرضه للآخرين، فإنك عندئذ تستطيع اختيار الوسيلة الأكثر فائدة بالنسبة للمسعى الذي تنشده، ومع ذلك، عندما تقدم الوسيلة على الفائدة، فإن رسالتك تعاني خطورة أن تصبح -على حد تعبير شكسبير على لسان "ماكبث" _ "قصة يحكيها أي شخص أحمق، مليئة بالصخب والعنف، ولا تترك أي أثر". وبينما أدى ظهور مواقع التغريدات وتحديث الحالة إلى توفير سبل ملائمة للإبقاء على الأسرة والأصدقاء والزملاء في حالة من التواصل، فإنه أدى في الوقت نفسه إلى ظهور مثل هذه الهجمة من الصخب والغضب. ولكن ليس فقط الرسائل النصية التي تصدر فيما لا يزيد على ١٤٠ حرفًا أو أقل هي التي تعاني خطورة تقديم أي شيء مفيد، فإن أية وسيلة تحمل رسالة تفتقر إلى المعنى سوف تخفق في تحديد هدفها: وهذا الأمر ينطبق على أي إعلان تليفزيوني، أو مذكرة صادرة من أحد الأقسام، أو عميل للبريد الإلكتروني، أو حتى بطاقة تهنئة بعيد ميلاد.

ورغم قلة وسائل الإعلام بشكل لافت في زمانه، فإن "اكارنيجي" لم يكن بحاجة إلى التطرق بشكل متعمق لكلا طرفي هذه المعادلة، فقد كان بإمكانه التركيز على كيفية تحقيق الفائدة في التواصل الشخصي، أو عبر الهاتف، أو من خلال الرسائل. واليوم، فإننا يجب أن ننظر بدقة إلى كل من المعاني والوسائل التي نستخدمها لنقل رسائلنا.