انتقال العدوى وانتشارها

يعتبر الجماع الوسيلة الرئيسية في نقل عدوى أ م ج، ولا يشترط فيه إيلاج العضو الذكرى، فيكفي التلامس بين الأعضاء للنقل، وقد تتم العدوى بوسائل أخرى نادرة الحدوث سوف نذكر بعضها في حينه. يؤمن الاتصال الجنسي انتقالا مباشرا للميكروب من عائل لآخر دون التعرض للظروف البيئية التي قد تدمره بسبب ضعف تكوينه. ترتبط احتمالات الإصابة بالسلوك الجنسي للشخص وتتناسب طرديا مع عدد مرات التعرض.

 

السلوكيات التي تدعم انتشار العدوى

تؤثر أنماط السلوك على سرعة انتشار العدوى داخل المجموعات الأكثر عرضة ويقال إن الأمـراض المنقولة جنسيا من الأمراض (السلوكية) فماذا تعنى تلك العبارة؟ أثبتت الملاحظات والدراسات الاجتماعية والنفسية أن معظم المصابين تجمعهم سمات مشتركة، فهم غالبا من المستهترين الذين لا يتبصرون العواقب فيتورطون في علاقات جنسية غير مشروعة وينتقلون من علاقة لأخرى على فترات متقاربة وأحيانا متزامنة، فإذا أصابهم المرض تأخروا في البحث عن العلاج وإن عولجوا لا يلتزمون بالخطة العلاجية مما يساعد على كمون المرض. بالإضافة إلى ذلك فإن المريض (والمجتمع أيضا) ينظر إلى المرض نظرة سلبية ويعتبره وصمه عار؛ لذا كثيرا ما يتردد في طلب العون الطبي والعلاج في الوقت المناسب مما يزيد من فرص نقل العدوى سواء بين أقران السوء داخل المجموعات الأكثر عرضة أو بين الأبرياء (الزوجة على سبيل المثال أو مواليد السيدات المصابات). ولشرح هذا الموضوع دعنا نسترشد بنتائج بعض البحوث المنشورة مؤخرا والتي تميل إلى إقامة علاقات عابرة متنوعة خلال فترات زمنية قصيرة من أكثر الناس خطورة في نشر العدوى، فلو مارس الشخص (أ) العلاقة الجنسية مع (س) اليوم ثم مع (ص) بعد أيام ثم مع (ط) ثم يعود إلى (س) ثم يغير إلى (هـ) خلال فترة أسابيع، فإذا تصادف أن (ص) كانت مصابة بأحد الأمراض الجنسية ونقلت العدوى إلى (أ) فسوف ينقلها بدوره لكل من (س) و(ط) و(هـ) وهكذا تتسع دائرة الانتشار.

أما النمط الثاني من السلوك الخطر فهو إقامة عدة علاقات متزامنة، فإقامة علاقة جنسية بأكثر من فرد خلال نفس الفترة الزمنية تساعد على انتقال المرض داخل المجموعات الخطرة وخارجها أيضا. وعلى سبيل المثال: إنسان متزوج كون علاقة بأخرى (أو آخر) تنتمي أو ينتمي إلى المجموعات الأكثر عرضة (عاهر أو مثلى أو مدمن مخدرات) سوف يصاب ثم ينقل المرض إلى زوجته، وقد تكون الزوجة حاملا فتنتقل العدوى بدورها إلى الجنين وهكذا.

أجريت عدة دراسات ركزت على التعرف على العلاقة بين معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا ومعدل إقامة علاقات متزامنة وقد تم إجراء البحث في مجتمعات وثقافات مختلفة وتبين أن المعدلات في البلاد الأفريقية أعلى منها في المجتمعات الصناعية الأكثر تطورا وكانت الظاهرة أكثر انتشارا في الرجال عنها في النساء. ويمكن أن نستنتج من تلك الدراسة الكثير من المعلومات التي تفسر الزيادة الكبيرة في معدلات الإصابة كذا سرعة انتشار أ.م.ج في البلاد الأفريقية خصوصا الإيدز والتي باتت تهددها بالفناء والدمار الاقتصادي وتحصد عافية وأرواح من هم في المرحلة العمرية القادرة على العمل والإنتاج، مهددة بخراب اقتصادي وشيك.

 

العلاقة بين أنماط السلوك الجنسي وسرعة انتشار أ.م.ج

للسلوك الجنسي أثر مباشر على التقاط العدوى ومن ثم نقلها للآخرين، وينقسم السلوك الجنسي للبشر حسب توجه رغبتهم الجنسية إلى ثلاث فئات وهي:

-        الطبيعيون الذين يفضلون الجنس الآخر فقط.

-        والمثليون وهم من يفضلون إقامة العلاقات الجنسية مع مثيلهم (رجل مع رجل أو أنثى مع أنثى) فقط.

-        ومزدوجو النشاط الذين يمكنهم الممارسة مع مثيلهم أحياناً أو مع الجنس الآخر أحياناً أخرى.

ولا توجد إحصائيات دقيقة تبين نسب الفئات الثلاث في معظم المجتمعات بسبب الصعوبات التنفيذية التي تكتنف إجراء تلك النوعية من الدراسات أهمها الحاجة إلى دراسة عينة كبيرة من البشر تمثل المجتمع ككل كي تعطى نتائج يعتد بها، بجانب حساسية الموضوع قيد البحث وما قد تثيره الأسئلة التي يطرحها الاستـبيان من ردود أفعال قد تمنع الكثيرين من المشاركة أو تدفعهم للإدلاء ببيانات غير دقيقة أو إخفاء بعض الحقائق مما يؤثر في مصداقية نتائج البحث.

وفي الغالبية العظمى من المجتمعات لا يمكن إجراء هذا النوع من البحث العلمي؛ ولذا تعتمد المراجع على نتائج البحوث التي أجريت في المجتمعات الأمريكية والأوروبية حيث تسمح الثقافة السائدة فيهما بتلك النوعية من الدراسات، وبناء على نتائجهم يمكن تقدير نسبة الطبيعيين بـ (90-93%) والمثليين (5-8%)، والمزدوجين (2-5%). ولا بد من الأخذ في الاعتبار أن تلك الإحصائيات لا يمكن أن تنسحب على جميع المجتمعات البشرية فهناك على سبيل المثال مجتمعات لا تعرف المثلية بينما تنتشر في مجتمعات أخرى، ولا ينظر إليها المجتمع كسلوك معيب (المجتمعات المغلقة مثل إحدى الواحات في الصحراء الغربية).

(المجموعات الخطرة) أو (المجموعات الأكثر عرضة للإصابة)

هي المجموعات البشرية التي ترتفع بينما نسب انتشار الأمراض المنقولة جنسيا وتشمل على سبيل المثال:

-        محترفات ومحترفي البغاء.

-        مرتادي مناطق البغاء.

-        اللوطيين (المثليين من الرجال).

-        مدمني المخدرات (خاصة التي تؤخذ عن طريق الحقن).

-        مجموعات العمال الأجانب الذين لا يصطحبون أسرهم.

-        أصحاب المهن التي تتطلب كثرة الترحال (البحارة، بعض رجال الأعمال).

-        كثيري التغيير وهم من يقيمون علاقات جنسية متعددة وينتقلون من علاقة لعلاقة وهم عادة يعانون من مراهقة متأخرة.

عادة ما تبدأ أوبئة أ.م.ج داخل المجموعات الخطرة حيث تنتشر بينهم بسرعة مقارنة بسرعة انتشارها داخل أفراد المجتمع ككل كما أن نسبة الإصابة بينهم أعلى من معدلاتها في المجتمع، ويعتمد ذلك بصورة أساسية على السلوكيات الجنسية لتلك الفئات الأكثر عرضة، ومن ثم تنتقل العدوى من المجموعات الأكثر عرضه (الخطرة) إلى باقي المجتمع أي أن الوباء يحدث على مرحلتين. تصيب أوبئة أ م ج الأفراد الذين ينتمون لفترة عمرية معينة (15-45) والذين يطلق عليهم: (النشطاء جنسيا). وسوف نناقش في الصفحات التالية خصائص السلوك الجنسي لكل فئة من الفئات الأكثر عرضة للإصابة والأكثر فعالية في نشر العدوى.

المِثــلِيـُون

اكتنف تعريف المثلية بعض الصعوبات فكانت تعرف في الماضي على أنها إقامة علاقة جنسية كاملة مع نفس نوعه، ثم تبين وجود بعض الأفراد لا يشتهون الجنس الآخر وميولهم الجنسية موجهة إلى نفس النوع سواء في أحلامهم أو خيالاتهم الجنسية ولكنهم لا يمارسون علاقات جنسية؛ ولذا اتسع التعريف ليشملهم. ويعرف المثلى حاليا أنه ((من تنحصر اهتماماته الجنسية في نفس نوعه)) (من هم مثله ومن هنا جاءت التسمية).

وقد بينت البحوث أن ثلث المثليين من الذكور تتم بينهم علاقات جنسية كاملة بينما تقتصر العلاقة في الباقين على مداعبات متبادلة ذات طابع جنسي. وعادة ما يتبادل الفردان الأدوار، بينما تفضل نسبة قليلة القيام بالدور الإيجابي أو السلبي فقط. وتقتصر الممارسات المثلية في الإناث على المداعبات المتبادلة، وبالتالي يقل خطر انتقال أ.م.ج بينهن على عكس المثليين الذكور.

يعتبر المثليون الذكور من الفئات الأكثر عرضة للإصابة وترتفع معدلات أ.م.ج بينهم، ولا يسبقهم في ذلك المضمار سوى محترفات الدعارة. ويرجع ذلك لعدة أسباب أظهرتها نتائج البحوث التي درست سلوكيات تلك الفئة. يتمتع المثليون الذكور (اللوطيون) بمعدل أعلى من النشاط الجنسي مقارنة بالطبيعيين (معدل مرتين إلى ثلاث في الأسبوع مقارنة بمرة إلى مرتين في الأسبوع في الآخرين)، كذا تتسم علاقاتهم بعدم الاستقرار وكثرة التغيير والتبديل والانتقال من علاقة لأخرى، وفي بعض الأحيان يكون المثلى على علاقة بأكثر من شخص في نفس الفترة الزمنية، ويساعد على ذلك طبيعة مجتمع المثليين حيث توجد أماكن معينة معروفة لهم يتجمعون فيها مثل بعض البارات والمقاهي والسينمات والحمامات الشعبية حيث يتم التعارف بينهم وتكوين الصداقات والعلاقات. وفي إحدى الدراسات تبين أن نسبة لا بأس بها من المثليين تقيم علاقات مع أشخاص لم يمضِ على التعرف بينهم ساعات قليلة لدرجة أن يجهل أحيانا كل منهم الاسم الحقيقي للآخر وقد لا يهتم بمعرفته أصلاً. وإلى جانب أماكن تجمع المثليين توجد الآن مواقع على الإنترنت يتعرف المثليون من خلالها على بعضهم البعض. ويختلف المثليون في سلوكهم هذا عن المرأة المتحررة التي تميل عادة إلى إنشاء نوع من العلاقة العاطفية قبل الانغماس في علاقة جنسية كاملة.

ومن الظواهر الجديدة في مصر لجوء البعض منهم (خاصة الأجانب الوافدين وكبار السن) إلى إنشاء علاقات مع الشباب مقابل مبالغ مالية، ومع الانكماش الاقتصادي والبطالة وسوء الأحوال المعيشية نشأت "مهنة" جديدة قوامها شباب ضربه الفقر والعوز وانهيار المثل والأخلاق، (يطلق على أفراد تلك الفئة اسم "الخرتى" وتجمع على "خرتية" ولم أجد لهذا التسمية الشعبية مصدراً). يتولى "الخرتى" تقديم الخدمات مقابل مبالغ مالية، وتشمل تلك الخدمات شراء المخدرات والخمور والتصدي للأمور المشبوهة نيابة عن "السيد" وإحضار الفتيات له وقد تصل إلى المعاشرة الجنسية المثلية معه، ولكل خدمة ثمنها. وعادة ما يكون "السيد" أحد الوافدين للسياحة أو بعض المستهترين المحليين وبالطبع ينتقل "الخرتى" من خدمة شخص لآخر خلال فترات زمنية قصيرة مما يجعله وسيله فعالة لنشر أ.م.ج.

وهكذا نجد أن طبيعة وأسلوب الممارسات الجنسية داخل مجموعات المثليين تجعلهم أكثر عرضة للإصابة كما أنها تزيد من سرعة انتشار أ.م.ج بينهم، ولا ننسي أن أولى حالات الإيدز تم رصدها بين المثليين في سان فرانسسكو عندما لوحظ ظهور أعراض نقص المناعة بينهم، وكان تزايد تلك الحالات بصورة وبائية لافتا لنظر العلماء والسلطات الصحية.