تتبع أمراض.منقولة.جنسياً عبر التاريخ.

من المفيد علميا معرفة تاريخ الأمراض: متى ظهرت وفي أي المجتمعات انتشرت ونظرة أفراد المجتمع للمرض آنذاك ومعتقداتهم فيما يتعلق بأسبابه وكيف كان يتم التعامل معه.

يتم تتبع تاريخ الأمراض عامة بثلاث طرق هي:

  1. تأويل النصوص التاريخية.
  2. فحص البقايا البشرية مثل العظام والمومياوات التي تنتمي لعصور معينة قيد البحث.
  3. تحليل البصمة الوراثية.   

يعتمد المؤرخون الطبيون على دراسة النصوص المكتوبة على الحجر أو الطين المجفف أو جلد الحيوانات أو أوراق البردى لمعرفة متى ذكر هذا المرض لأول مرة في أحد النصوص ، أو أنه لم يذكر ولم يكن معروفا وقت كتابة النص، ومن الطبيعي أن المرض لا يذكر باسمه المتعارف عليه في الوقت الحالي، بل تذكر أوصاف وأعراض يؤول الباحثون ومن ثم يستنتجون منها ماهية المرض الذى جاء ذكره في النص ، وعلى سبيل المثال : لو ذكر في أحد النصوص أن جيشا من الجيوش عاد أفراده من الحرب وقد أصابتهم قرح وطفح جلدي وتضخم بالغدد اللمفاوية مع أعراض أخرى انتهت بالوفاة ، فمن الممكن تأويل تلك الأعراض  على أنها كانت بسبب الإصابة بالزهري أو الجذام أو الطاعون أو الليشمانيا. ولا نتوقع أن تذكر أوصاف الأمراض بالدقة العلمية المعتادة في الطب الإكلينيكي المعاصر، لذا اختلفت التفسيرات من مؤرخ لآخر حسب رؤية كل منهم وبالتالي فإن المعلومات المستقاة من تلك المصادر تكون بعيدة عن درجة اليقين العلمي المنشود، ورغم ذلك لا يمكن إهمالها انتظارا لما سوف تسفر عنه أبحاث أخرى في المستقبل تلقى الضوء على ما جاء في النص وتيسر تأويله التأويل الصحيح.

وتعطى الطريقة الثانية نتائج أكثر مصداقية وتعتمد على فحص البقايا البشرية مثل الهياكل العظمية والأسنان وأنسجة المومياوات للتعرف على الآثار التي تتركها بعض الأمراض عليها، وعلى سبيل المثال فإن من المعروف أن مرض الزهري يحدث تغيرات محددة في العظام أو الأسنان، فإذا تبين وجود بعض المرض قيد البحث في الحقبة التاريخية التي تنتمي إليها البقايا البشرية التي تم فحصها.

أما الطريقة الثالثة هي حديثة نسبيا على تقنية تحليل الحامض النووي (د ن ا) (DNA)وتحديد تتابعاته ومقارنتها بتتابعات (د ن ا) المميزة للمسبب. وال (د ن ا) لا يبلى ويمكن أن يبقى ألوف السنين دون أن تتغير خواصه، فإذا استطاع العلم التعرف على تتابعات (د ن ا) ميكروب معين (الزهري مثلا) في إحدى البقايا البشرية يصبح ذلك دليلا أكيدا على وجود المرض في ذلك العصر، غير أن بعض الصعوبات التقنية التي تكتنف تلك الطريقة إضافة إلى التكاليف المادية الكبيرة لا تزال تعوق استخدام تحليل ال د ن ا أو ما يطلق عليه البصمة الوراثية التي يمكن تطبيقها على الميكروبات كما تطبق حاليا على الإنسان. وأذكر في هذا السياق مشروعا بحثيا اقترح على البروفسير الألماني هوفمان أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بجامعة فرانكفورت ولم يتح له أن يرى النور لأسباب بعيدة عن العلم، وملخص فكرة الأستاذ هوفمان أن نحاول أن نبحث عن ميكروب الكلاميديا في مومياء الملك رمسيس الثاني على أساس أن الفحص بأشعة إكس بين إصابته بمرض بالعمود الفقري قد يتسبب عن الإصابة بميكروب الكلاميديا خاصة أن الاتصال الجنسي مع الكثيرات يزيد فرصة الإصابة به، وتذكر المصادر التاريخية أن الملك رمسيس الثاني كانت له ثلاث وتسعون زوجة (بخلاف المحظيات طبعا).

 

 تاريخ اكتشاف مسببات الأمراض المنقولة جنسيا

ظلت معرفة كُنه وأسباب الأمراض بصفة عامة وتفسير حدوثها لغزا للبشرية امتد منذ ظهور الإنسان العاقل (Homo sapiens) منذ مئات الآلاف من السنين حتى العصر الحديث. وكانت تعزى لغضب الآلهة أو تلبس جسد المريض بالأرواح الشريرة ثم جاءت نظرية الأخلاط الأربعة التي تقول إن الأمراض تأتى نتيجة اختلال التوازن بينهم. تباينت أيضا وسائل العلاج ما بين تقديم القرابين لاسترضاء الآلهة وقرع الطبول وحرق البخور وضرب المريض ضربا مبرحا لطرد الأرواح واستعمال الأعشاب وبعض أنواع الطعام لاستعادة التوازن بين الأخلاط. تغيرت الصورة في عصر العلم ففي عام 1879 استطاع العالم نايسر اكتشاف الميكروب المسبب للسيلان وبعد ستة وعشرين عاما استطاع العالمان الألمان شاودين وهوفمان عام 1905 مشاهدة الميكروب اللولبي المسبب للزهري باستخدام تقنية ميكروسكوبية جديدة. وكان لهذين الاكتشافين دوى علمي، كما جسما نقطة خلاف كانت سائدة بين علماء الطب حين انقسموا إلى فريقين يناصر الفريق الأول رأيا مجمله أن كلا من الزهري والسيلان ما هما إلا مرض واحد نفس المسبب، بينما يعتقد الفريق الثاني أنهما مرضان منفصلان وإن اشتركا في طريقة العدوى. 

وأدى اكتشاف المسبب الميكروبي للأمراض إلى تحفيز العلماء لتوجيه أبحاثهم لمحاولة اكتشاف العقاقير التي تقتل الميكروبات دون أن يكون لها أثر ضار على جسم المصاب وأعلن العالم الألماني إريخ عن نجاحه في التوصل إلى عقار من مشتقات معدن الزرنيخ أطلق علية عقار 606 وقد أعطاه هذا الاسم لأن مادة "السلفرسان " كانت المركب السادس بعد الستمائة مركب أجرى عليهم تجاربه قبل التوصل إليه، وبذلك بدأ عهد جديد في العلاج الطبي: عقار يقتل ميكروبا محددا داخل الجسم المصاب دون أن يقتل الجسم نفسه. وبعد سنوات قليلة طورت الأبحاث مركب سلفرسان وأنتجت نيو سلفرسان الذي تميز عن سابقة بقلة أعراضه الجانبية، وتربع هذا العقار على عرش علاج الزهري لمدة تقارب الأربعين عاما حتى تم اكتشاف البنسلين أول المضادات الحيوية عام 1943 وثبتت فاعليته الكبيرة في علاج كل من الزهري والسيلان.