الفكر والإيمان يخلقان الشكل

 وبتعبير آخر، إننا نبدى على الدوام في تجربتنا ما نقتنع به؛ فمن خلال قناعاتنا ومعتقداتنا تتحول أفكارنا إلى " أشياء " مجسدة، فكل شيء ممكن بالنسبة لهؤلاء الذين يستشرفون أولا صورة ما يرغبون به في عقولهم، ويتوحدون معه بعاطفتهم، ويؤمنون إيمانا راسخا بحدوثه. تقول الحكمة المأثورة: " إذا استطعت أن تؤمن، فكل الأشياء ممكنة للمؤمنين "، وإليك مثالا أولا:

تذكر قصة ميل الدقائق الأربع: فعلى مدى آلاف الأعوام، لم يصدق أحد أنه من الممكن لكائن بشري أن يقطع مسافة ميل عدوا في وقت أقل من أربع دقائق، ولكن في 1 مايو 1954، أثبت " روجر بانستر " أن المستحيل ممكن. كيف قام بهذا؟ لقد قرر أولا أن هذا ممكن القيام به، وأنه هو يمكنه ذلك. بدأ يتخيل بشكل ثابت هذا الحدث يتحقق بنجاح مرارا وتكرارا في عقله. كان " يرى " نفسه يحطم حاجز الدقائق الأربع مئات ومئات المرات حرفيا، خالقا صورا واضحة ومقنعة لنفسه وهو يحرز هدفه، وكانت هذه الصورة مصحوبة بالكثير جدا من التوهج العاطفي الذي برمجه عقله الباطن وجهازه العصبي ليضطلعا بتنفيذه.

 

حفز نجاحه بالطبع آخرين ليغيروا نظامهم الاعتقادي، وفي غضون فترة الثمانية عشر شهرا التالية، أقدم أربعة وعشرون عداء آخرون على تحطيم حاجز الأربع دقائق لقطع الميل، وفي العقد التالي، أنجز عدة مئات آخرون التحدي ذاته، واليوم فإن كل العدائين في ذلك السباق يحطمون علامة الأربع دقائق على نحو ثابت. لقد اتضح أن الحاجز كان عقليا، وليس ماديا. هذا مثال أولى للطريقة التي يخلق بها الفكر والإيمان شکلاً ملموسا، بعد أن عرفنا الآن من أين يجب أن نبدأ، مع أفكارنا وخبراتنا الفردية، فلننطلق من هنا.

ما نحن إلا أفكارنا

لنستكشف هذا المفهوم: ما نحن إلا أفكارنا، وما أفكارنا إلا نحن. سئلت مؤخرا في أحد اللقاءات: ما أكثر الأشياء التي لا تصدق التي تعلمتها من حياتي، فأجبت:

إنها حقيقة أننا نصير إلى ما نفكر بشأنه تفكيرا واعيا أغلب الوقت، وأن بوسعنا التحكم بهذه العملية عن طريق اختيار الأفكار التي نسمح لها بالولوج إلى عقلنا لننشغل بها. إننا نمضي جميعا صوب أفكارنا الحالية الغالية علينا، وكيف نرى أنفسنا في علاقتنا بالعالم الذي نعيشه. وللإيضاح، اسأل نفسك: ما الذي يفكر فيه الأشخاص الناجحون أغلب الوقت؟ حسنا، بفكر الناجحون في الفرص، ورخاء العيش، والتحديات والتغير؛

 

سنكون قد بلغنا أرفع المراقى الممكنة

في ثقافتنا الأخلاقية حين ندرك

أننا قادرون على أن نهيمن

على أفكارنا

شارلز دارون"

 عالم طبيعة إنجليزي

(۱۸۸۲.۱۸۰۹)

 

إنهم يفكرون في النجاح! فما الذي يفكر فيه غير الناجحين أغلب الوقت؟ إنهم ينكرون في المشكلات، والفقر، والعقبات، والقصور والقيود. يفكرون في الفشل. والحق يقال، إن كل ما بنكر فيه كل من الفريقين ... ينتهي لأن يصير حقيقيا!

لقد توصل أشخاص كثيرون إلى هذا الاكتشاف الثاقب " النظر عبر التاريخ "، فعلى سبيل المثال، فإن أفلاطون والذي توفي في عام 347 ق.م عن عمر يناهز ثمانين عاما قال: " إننا نصیر ما نفكر فيه ونتأمله "، وتقول الحكمة المأثورة: " كما يفكر المرء في فؤاده يكون ". وبعد ذلك في فترة لاحقة أبان " الإيرل نایتناجل " في عمله الكلاسيكي " The strangest secrets " أننا نتحول إلى ما ننكر به.

وإذا ما عرفت ما تفكر به سأعرف من أنت، وإلى أين ستمضي في حياتك. إنها أفكارنا التي تحدد من نحن، ونحن جميعا نصنع غذا بناء على ما نفكر بشأنه اليوم. وهكذا فعن طريق تغيير أفكارنا ببساطة يمكننا أن نغير من نحن، وأن نغير عندئذ كل أوجه حياتنا.

الأفكار الواعية تهيمن

يكافح الإنسان دائما للإمساك بزمام السيطرة على ما يفكر بشأنه، وعلى أكثر أفكاره ومشاعره عمقا. نريد جميعا أن نعرف كيف ندير عقلنا بفاعلية أكبر لنحصل على المزيد مما ننشد، غالبا ما يقال لنا إننا في موضع المسئولية، فنحن مسئولون عن جميع قراراتنا وأفعالنا -مسئولون في الحقيقة عن حياتنا. لكننا نادرا ما يقال لنا كيف نمارس هذه المسئولية، وهذا ما يقدمه البرنامج الذي بين يديك -إنه برنامج للنظام الإنساني؛ إنه دليل استعمال للعقل.

إنه لمن المحزن العدد الكبير من الأشخاص الذين يطفئون بأيديهم أضواء حياتهم في يومنا هذا، وبصورة مطردة، يلجأ الناس إلى العقاقير المنشطة، أو الكحول لتضاء هذه الأنوار، مستعينين بالوسائل الاصطناعية للوصول إلى حالة عقلية عالية، وتستهلك أمريكا الشمالية خمسين بالمائة من إجمالي استهلاك الكوكايين سنويا في العالم، لكن ثمة بديل رائع يمكننا استخدامه لتحقيق الأهداف ذاتها، بل وأفضل كثيرا. وهوان نسمو بالأفكار التي نختار أن نفكر بها حول أنفسنا! بوسعنا الدخول إلى عالم جديد بالكامل من صنعنا باستخدام خيالنا الذي يفوق الوصف، ومثابرتنا وجهدنا المكثف.

 

ليس بمقدورك ممارسة حقك

في التغيير إلا إذا

 مارست حقك في الاختيار.

شاد هلمستير"

مؤلف (CHOICES)

 

يمتلئ العالم بالمشكلات، والكوارث، ومظاهر الإخفاق الإنساني، والحق أن وسائل الإعلام الإخبارية -من صحف، وتلفاز، ومجلات. تتأكد من أننا نعلم بهذه الأخبار جملة وتفصيلا، ويبدو أن کتاب تلك المؤسسات يعتقدون أن هذه هي مهمتهم في الحياة، ينبغي ألا نندهش إذن حين نجد أننا. أغلبنا مشحونون بالأفكار السلبية خلال القدر الأعظم من حياتنا.

المشكلة التي تنجم عن هذا هائلة الحجم، ومدمرة الأثر، فالناس المستهلكون للأفكار السلبية ليس بوسعهم رؤية ما وراءها. يكتفون بالجانب الآمن، ولا يجربون أشياء جديدة. هذا الشيء المسمى " بالنجاح " غريب عن تفكيرهم ليس بمقدورهم تخيل الأمور الطيبة تحدث لهم، وبهذه العقلية لا تحدث لهم الأمور الطيبة بطبيعة الحال، والنتيجة هي الإحباط في أحسن الأحوال؛ وفي أسوئها الاكتئاب، والشعور الحاد باليأس.

 

والمطلوب لكسر هذه الحلقة المفرغة من السقوط عملية تنطلق بالسماح للمزيد من الأفكار الإيجابية لكي تهيمن على نظامه اليوم، وليس معنى هذا أن نقضي قضاء تاما على كل الأفكار السلبية في حياتنا، لكنه يعني أن علينا ممارسة المزيد من التحكم إذا أردنا التغيير. وكما تلحظ، فلسنا مسئولين عن كل فكرة ترد على عقولنا-لكننا مسئولون عن كل فكرة نسمح لها بالمكوث في عقولنا!

 

نستطيع تغير أفكارنا

الكتابة مثال أولى على ذلك. تقرر إحدى الكاتبات العمل على مسالة محددة، أو موضوع ما تود أن تسبر غوره، تبدأ في السماح لأفكار ورؤى من نطاق واسع بالدخول إلى وعيها من أجل الحكم عليها. يرد لعقلها بعض الأفكار وكأنها تلبية للدعوة، والحق أنها ترد من تلقاء نفسها، واحدة بعد أخرى ولله الحمد. تلك الأفكار التي تروقها تدونها، وتتخلص من تلك التي لا تروقها، ثم تمضي في ترتيب الأفكار كلها المتبقية داخل کیان متوافق مع مقاربتها الأساسية. وسوف يتطلب الأمر الكثير من إعادة الترتيب، وإعادة الكتابة لتحقيق كل الدقة المطلوبة والحفاظ على التباينات الطفيفة. يمكن لكاتبة كهذه أن تتخير مائة ألف كلمة حتى تنجز كتابا من مائتين وخمسين صفحة. وغالبا ما ترفض ملايين الكلمات الأخرى في هذه العملية، وبصرف النظر عن النتيجة فإن الكاتبة مسئولة عن الكلمات، والأفكار التي انتقتها في النهاية، إنها مسئولة عما سمحت له " بالمكوث هناك ".

الأفكار:

 لا تتخير منها إلا تلك التي

 تتوافق مع مقصدك الأسمى، ودع

الأفكار الأخرى جميعها

 تمر بك مرور الكرام.

 

والتر ستابلس"

 

فمعنى أن نفكر، ليس فقط أن نمتلك أفكارا، بل أن ننكر يعني أن نختار أفكارنا من نطاق واسع متاح لنا بما يتوافق مع غرض بعينه.

في إدراكنا أننا نستطيع ممارسة التحكم بأفكارنا التي نمتلكها وهو الأمر الأهم، وهي الخطوة الأولى الحاسمة في عملية التعزيز الشخصي التي تمنحنا بعض البدائل للتفكير المعتاد الهدام الذي يمارسه أغلبنا في حياتنا اليومية.

ولتأخذ المثال البسيط على ما الذي يحدد نمط اليوم الذي سوف تستقبله؟ والآن يستيقظ بعض الناس صباحا، وهم يأملون أن تمضي أمورهم بالشكل المرضى لهم تماما، وأن يقضوا يوما طيبا، يأملون أن تكون الشمس مشرقة، وأن يكون الناس لطفاء معهم، وأن يحالفهم الحظ، وهكذا فإنهم يتنازلون عن التحكم في سلامتهم وخيرهم، وعلى هذا المنوال يعيشون كل يوم من حياتهم.

وآخرون يقربون عندما يستيقظون صباحا نمط اليوم الذي سيقضونه. إنهم يتخذون خيارات، بل قرارا في الحقيقة بأن يعيشوا يوما مثمرا وله مغزى، بصرف النظر عن أي شيء؛ فلا يهم حال الطقس، وما إذا كان الناس لطفاء معهم أم لا، أو حالفهم الحظ أم لا؛ فهم يعرفون نمط اليوم الذي يريدون، وسوف يحصلون عليه هكذا بهذه البساطة. يعيشون بإيمانهم أنهم مهيمنون على حياتهم.

تأمل هذه الحكاية. شيل ذات مرة رجل بلغ من العمر ۱۰۲ من الأعوام في لقاء معه عن سبب طول عمره، فقال إنه يعتقد أن طول عمره يرجع إلى مزاجه المعتدل، وطبيعته الشخصية المتسامحة. ومضى في شرحه قائلا: إنه عند نهوضه من فراشه کل صباح، يعرف أن لديه خيارا عليه اتخاذه: أن يكون سعيدا، أو لا يكون. قال إنه قد قرر منذ زمن بعيد أن يكون خياره على الدوام هو أن يكون سعيدا، ويعلم أن هذا جعل حياته أكثر إثارة وإمتاعا بكثير.

المفهوم المرتبط بنقطة ارتكازنا أو مرجعتينا يعرف بمركز التحكم؛ فسواء حظينا بعدسة تركيز داخلي (مرتكز للتحكم داخلي)، أو مرتكز خارجي للتحكم، فالوضع الذي نعتمد عليه في تركيزنا له أهمية في طرق رؤيتنا لأنفسنا، وكيف نتصرف ونستجيب بينما نسعى لتحقيق أهدافنا.

 

كل الوسائل والأدوات

عديمة الفائدة

إذا لم يكن وراءها

روح إنسانية حية.

 

آلبرت آینشتاین

فيزيائي ولد بألمانيا

(۱۹۵۵.۱۸۷۹)