يعمل العقل من خلال عشرة عناصر، والتي يعمل بعضها تلقائياً بينما لابد من توجيه البعض الآخر من خلال جهد اختياري. والانضباط الذاتي هو الوسيلة الوحيدة للقيام بهذا التوجيه. وهذه العناصر العشرة هي:

1. الذكاء المطلق. هو مصدر قوة الفكر، والذي يعمل تلقائياً، ولكن يمكن تنظيمه وتوجيهه نحو تحقيق غايات محددة من خلال مبدأ الغاية المحددة.

   والذكاء المطلق يمكن تشبيهه بمصدر مياه عظيم يتدفق باستمرار، وفروعه تجرى في جداول صغيرة في كل اتجاه، فتمنح الحياة لكل النباتات والكائنات الحية. والجزء الذي يمنحنا الحياة من أحد هذه الجداول يمدنا بقوة الفكر أيضاً.

ويمكن تشبيه العقل بالصنبور، بينما المياه التي تجرى عبر هذا الصنبور تمثل الذكاء المطلق. والعقل لا يولد قوة الفكر؛ بل يستقبل تلك القوة وحسب من الذكاء المطلق ويطبقها لتحقيق أية غاية منشودة.

وتذكر أن امتياز التحكم في الفكر وتوجيهه هو الحق الوحيد الذي منح الفرد التحكم التام فيه. وقد يستخدم للبناء، وقد يستخدم للهدم، ويمكن للمرء أن يوجهه من خلال غاية محددة، أو قد يتجاهل المرء فعل هذا الأمر، بحسب اختياره

ولا ينال المرء هذا الامتياز العظيم إلا من خلال الانضباط الذاتي وحده.

2. العقل الواعي. يتكون عقل المرء من شقين. أما الأول فيعرف بالعقل الواعي، وأما الثاني فيعرف بالعقل الباطن. ويرى علماء النفس أن هذين القسمين أشبه بالجبل الجليدي؛ فالجزء الظاهر فوق سطح المياه يمثل العقل الواعي، بينما الجزء الخفي تحت المياه فيمثل العقل الباطن. ولهذا، من الواضح أن العقل الواعي - أي ذلك القسم الذي نُعْمِلُ به قوة الفكر بوعي وطواعية - ما هو إلا جزء صغير من كل، وهو لا يشكل أكثر من خمس قوة العقل المتاحة.

الانضباط الذاتي

والعقل الباطن يعمل تلقائياً، ويقوم بتنفيذ كل الوظائف الضرورية فيما يتعلق ببناء الجسم المادي والحفاظ عليه؛ فيبقي القلب نابضاً لينقل الدم؛ ويهضم الطعام من خلال نظام كيميائي كامل، وينقل الغذاء في صورة سائل إلى جميع أنحاء الجسد؛ ويزيل الخلايا التالفة ويستبدل بها خلايا جديدة؛ ويتخلص من البكتيريا الضارة بالصحة؛ ويكون كائنات حية جديدة بمزج خلايا البروتوبلازم (وهي المادة المكونة للأجنة الحيوانية) التي يسهم فيها الذكر والأنثى من الكائنات الحية.

وهذه الوظائف وغيرها من الوظائف الأساسية يؤديها العقل الباطن، وهو يعمل أيضاً كحلقة وصل بين العقل الواعي والذكاء المطلق.

ويمكن تشبيهه بصنبور للعقل الواعي، والذي من خلاله (ومن خلال التحكم فيه بالانضباط الذاتي) يمكن إعمال المزيد من قوة الفكر. أو يمكن تشبيهه ببقعة خصبة في الحديقة يمكن أن تزرع فيها بذور أية فكرة مرغوبة ومراعاتها.

  ويمكن تقدير أهمية العقل الباطن بإدراك حقيقة أنه الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها الاتصال طواعية بالذكاء المطلق؛ ولهذا فهو الوسط الذي تنقل من خلاله كل الدعوات وتستقبل تلبيتها. وهو الوسط الذي يحول الغاية الكبرى المحددة إلى معادلاتها المادية، وهي عملية تتكون بالكامل من توجيه الفرد إلى الاستخدام المناسب للوسائل الطبيعية لتحقيق رغباته.

والعقل الباطن يعمل على كل الدوافع الفكرية، وينفذ كل الأفكار التي يشكلها العقل الباطن ويحقق نتائجها المنطقية، ولكنه يعطي الأولوية للأفكار التي تلهمنا إياها العواطف، مثل عاطفة الخوف أو الإيمان؛ ومن ثم فهناك ضرورة للتمتع بالانضباط الذاتي لكونه وسيلة لإمداد العقل الباطن بالأفكار أو الرغبات التي تؤدي إلى نيل أية أمنيات.

ويعطي العقل الباطن الأولوية أيضاً للأفكار المهيمنة على العقل، وهي تلك الأفكار التي ينشئها المرء بتكراره لذكر هذه الأفكار أو الرغبات. وهذه الحقيقة توضح أهمية تبني غاية كبرى محددة وضرورة الثبات على هذه الغاية من خلال الانضباط الذاتي) كفكرة مهيمنة على العقل.

3. ملكة قوة الإرادة. إن قوة الإرادة هي "رئيس" قسمي العقل، ولها سلطة تعديل كل العادات الفكرية، أو تغييرها، أو موازنتها، وقرارات هذه القوة نهائية ولا رجوع فيها إلا بواسطتها هي. وهي القوة التي تتحكم في عواطف القلب، وتخضع للتوجيه بالانضباط الذاتي وحسب. وفيما يتعلق بهذا الأمر، يمكن تشبيهها برئيس مجلس الإدارة الذي تعد قراراته نهائية. وهي تتلقى الأوامر من العقل الواعي ولكنها لا تعترف بأية سلطة أخرى.

4. ملكة المنطق. هذا هو "الحَكَمُ المترئس المتربع" على عرش العقل الواعي، والذي يمكنه الحكم على كل الأفكار، والخطط، والرغبات، وسوف يؤدي هذا العمل إذا تم توجيهه بالانضباط الذاتي. ولكن قراراته يمكن أن تنحى جانباً بقوة الإرادة ، أو يمكن تعديلها بقوة العواطف عندما لا تتدخل الإرادة في ذلك. ودعنا نلاحظ هنا حقيقة أن كل التفكير الدقيق يتطلب تعاون قوة المنطق، رغم أنه متطلب لا يحترمه أكثر من شخص واحد من بين كل عشرة آلاف شخص. وهذا يوضح سبب وجود قلة من المفكرين الدقيقين.

  وأكثر ما يدعى تفكيراً يكون نتاج عواطف دون تأثير توجيهي من الانضباط الذاتي، ودون صلة بقوة الإرادة أو قوة المنطق.

5.ملكة العواطف. وهي مصدر معظم الأفعال الصادرة من العقل، أي الموضع الذي تنطلق منه معظم الأفكار من العقل الواعي، والعواطف خداعة، ولا يمكن الوثوق بها، وقد تكون شديدة الخطورة إذا لم يتم تعديلها بقوة المنطق وبتوجيه من قوة الإرادة.

ورغم هذا، لا يمكن إدانة قوة العواطف لكونها غير جديرة بالثقة؛ لأنها مصدر كل الحماس، والخيال، والرؤى الإبداعية، ويمكن توجيهها بالانضباط الذاتي نحو تحقيق تلك الإنجازات الفردية الأساسية. ويجري هذا التوجيه بتعديل العواطف من خلال قوتي الإرادة والمنطق.

 والتفكير الدقيق لا يكون ممكناً بدون امتلاك سيطرة تامة على العواطف. وتال هذه السيادة بوضع العواطف تحت سيطرة الإرادة، ومن ثم تعد للتوجه نحو تحقيق أية غايات تمليها الإرادة عليها، وتعدلها عند الضرورة بقوة المنطق.

الانضباط الذاتي

والمفكر الدقيق لا يتبنى آراء، ولا يتخذ أية قرارات لم تخضع لقوتي الإرادة والمنطق، وتصديقهما. وهو يستخدم عواطفه ليلهم بالأفكار الإبداعية من خلال خياله، ولكنه يعدل هذه الأفكار بإرادته ومنطقه قبل قبولها النهائي.

وهذا هو الانضباط الذاتي في أسمى درجاته. وهذه الخطوات بسيطة ولكنها ليست يسيرة الاتباع، ولا يتبعها إلا المفكرون الدقيقون الذين يواصلون اتباع مبادراتهم الشخصية.

وأهم ثروات الاثنتي عشرة ثروة - مثل (1) التوجه العقلي الإيجابي، و (2) انسجام العلاقات الإنسانية، و (3) التحرر من الخوف، و (4) الأمل في تحقيق الإنجازات، و (5) القدرة على التحلي بالإيمان، و (6) العقل المتفتح على كل الموضوعات، و (7) الصحة البدنية السليمة - يمكن نيلها فقط من خلال التوجيه الحازم لكل العواطف والتحكم فيها. وهذا لا يعني أنه ينبغي قمع هذه العواطف، بل يجب التحكم فيها وتوجيهها نحو غايات محددة.

ويمكن تشبيه هذه العواطف بالبخار المتصاعد من الغلاية، وهي قوة تتحكم في إطلاقها وتوجيهها آلية المحركات. والبخار الذي لا يتم التحكم فيه لا قوة له، ورغم أنه يمكن التحكم فيه، فإنه يجب إطلاقه من خلال منظم، وهو أداة ميكانيكية تناظر مع الانضباط الذاتي فيما يتعلق بالتحكم في القوى العاطفية وإطلاقها.

   والعواطف الأكثر أهمية وخطورة هي: (1) عاطفة الجنس، و (2) عاطفة الحب، و (3) عاطفة الخوف. وهذه هي العواطف التي تشكل الجزء الأكبر من الأنشطة الإنسانية، وعاطفتا الحب والجنس عاطفتان إبداعيتان، وعندما يجری التحكم فيهما وتوجيههما يلهمان المرء بخيال ورؤى إبداعية هائلة. وإذا لم يجر التحكم فيهما وتوجيههما، فقد يؤديان إلى ارتكاب حماقات مدمرة.

6.ملكة الخيال. إنها ورشة العمل التي تشكل فيها كل الرغبات، والأفكار، والخطط، والأهداف وتصاغ مع الوسائل التي تمكن من تحقيقها.

 ولكن ملكة الخيال - كملكة العواطف - خداعة ولا يمكن الوثوق بها إذا لم يتم التحكم فيها وتوجيهها بالانضباط الذاتي. وإذا لم يجر التحكم فيها، فعادة ما    ستبدد قوة الفكر في أنشطة عديمة النفع، وغير عملية، وهدامة، ولا يجدر بنا  ذكرها بالتفصيل هنا. والخيال غير المتحكم هو المادة التي تصنع منها أحلام اليقظة.

 

ويبدأ التحكم في الخيال بتبني غاية محددة مبنية على خطط معينة. ويصير التحكم تاماً بممارسة عادة الانضباط الذاتي الحازمة، والتي توجه بدقة ملكة العواطف؛ لأن قوة العواطف هي القوة التي تلهم الخيال أن يعمل.

7. ملكة الضمير، الضمير هو المرشد الأخلاقي للعقل، وغايته الأساسية هي تعديل أهداف الفرد وغاياته بحيث تكون متناغمة مع القوانين الأخلاقية الخاصة بالطبيعة والبشر، والضمير توءم ملكة المنطق؛ حيث إنه يبين الفروق ويقدم التوجيه للمنطق حينما يكون المنطق غارقاً في الشكوك.

   ويعمل الضمير کمرشد متعاون مادام ينال الاحترام ويتبع. وإذا تم تجاهله، أو رفض تفويضه، يصير في النهاية متآمراً بدلاً من أن يصير مرشداً، وغالباً ما يتطوع لتبرير أكثر عاداتنا تدميراً؛ ومن ثم فطبيعة الضمير المزدوجة تجعل من الضروري للمرء أن يوجهه من خلال الانضباط الذاتي الحازم.

8. الحاسة السادسة. هذه هي "المحطة الإذاعية" في العقل، والتي يرسل المرء ويستقبل من خلالها الذبذبات الفكرية المعروفة باسم التخاطر تلقائياً. وهي الوسط الذي تستقبل من خلاله كل الدوافع الفكرية المعروفة ب "الحدس". وهي وثيقة الاتصال بالعقل الباطن، أو ربما تكون جزءاً منه.

  والحاسة السادسة هي الوسط الذي تعمل الرؤى الإبداعية خلاله، وتتكشف فيه كل الأفكار الجديدة، وهي الممتلك الأساسي لدى أصحاب العقول المصنفين كـ"عباقرة"

9. الذاكرة. هذه هي "خزانة حفظ الملفات" في العقل، والتي تخزن فيها كل   الدوافع الفكرية، والخبرات، والأحاسيس التي تصل إلى العقل من خلال الحواس الخمس. وقد تكون الذاكرة "خزانة حفظ الملفات" لكل الدوافع الفكرية التي تصل إلى العقل من خلال الحواس الست، رغم أن كل علماء النفس لا يتفقون على هذا. والذاكرة خداعة ولا يمكن الاعتماد عليها ما لم يتم تنظيمها وتوجيهها بالانضباط

الذاتي

الانضباط الذاتي

۱۰. الحواس الخمس. هذه هي " الأذرع" الخمسة الخاصة بالعمل التي يتصل بها ويحصل من خلالها على المعلومات من العالم الخارجي. وهذه الحواس المادية لا يمكن الاعتماد عليها؛ ولهذا فهي تحتاج إلى انضباط ذاتي مستمر. فتحت وطأة أي نشاط عاطفي شديد، قد تصبح هذه الحواس حائرة وليست محلاً للثقة.

ويمكن خداع الحواس الخمس بأبسط أشكال خفة اليد، وهي تتعرض للخداع يوميا خلال الخبرات الحياتية الشائعة. وتحت وطأة عاطفة الخوف، عادة ما تنشئ الحواس الخمس "أشباحاً" مهولة لا وجود لها سوى في الخيال، وما من حقيقة في الحياة إلا وتبالغ فيها أو تشوهها عندما تطغى عاطفة الخوف.

وهكذا، وصفنا باختصار العناصر العشرة التي تدخل في كل الأنشطة العقلية للبشر. ولكننا قدمنا قدرا كافيا من المعلومات المتعلقة بائية العقل لنشير بوضوح إلى ضرورة التمتع بالانضباط الذاتي لاستخدامها والاستفادة بها.

ويحصل الانضباط الذاتي بالتحكم في العادات الفكرية، ومصطلح "الانضباط الذاتي" فيه إشارة إلى قوة الفكر وحسب؛ لأن الانضباط الذاتي لا بد أن يحدث في العقل، رغم أن آثاره قد تتعلق بوظائف الجسد المادي.