إن كل ثدييات المنطقة الجنوبية تعيش في البحر.

وهناك خمسة أنواع من عجول البحر من الفصيلة التي يغطي الشعر جلودها التي لا قيمة لها، كما أن لحمها لا يصلح إلا طعاماً للكلاب.

وعجل البحر من فصيلة «ويدل، أكثر عجول البحر شيوعاً، ويقطن سواحل المنطقة المتجمدة الجنوبية كلها أو بالقرب منها.

ويبلغ عجل البحر منها تسع أقدام طولا وتسعمائة رطل في الوزن. وتسكن تلك العجول في مستعمرات مدفونة في جوف الجليد، شأنها شأن باقي ثدييات هذه المنطقة وطيورها: لا تخاف الإنسان ولا تخشاه.

أما عجل البحر الأبيض، آكل سرطان البحر، فهو أنحف من ويدل وأكثر منه نشاطاً، ويندر أن ينتقل في جماعات، بل يعيش عيشة عزلة ووحدة على أطراف الجليد في عرض البحر، ومثله كمثل عجل البحر دروس، وهو أندر أنواع عجول البحر، يكاد لا يعرف عن طباعها شيء.

وعجل البحر ذو البطن الأخضر نوع آخر من الندوات النادرة. وإذا هوجم فإنه برد رأسه كله إلى داخل عنق سميك منتفخ.

ويقطن هذا النوع كثبان الثلج، ويندر أن يرى بعيداً عن الماء بأكثر من بضع أقدام، ويصدر عنه صوت سقسقة عالية شبيهة بما تصدره الطيور.

وفهد البحر من أشد الثدييات القاطنة بالمنطقة المتجمدة الجنوبية خطراً، وهو بحجمه الهائل ووزنه الثقيل يعتبر أشد خطراً من الحيوان البري الذي يحمل اسمه.

وهو من فصيلة عجول البحر وينمو حتى يبلغ طوله عشر أقدام، ومحيط جسمه خمس أقدام. وهو وإن كان يتغذى أكثر ما يتغذى على طائر البنجوين إلا أنه قادر على قتل عجول بحر أخرى أكبر منه، ويستطيع التنقل على الثلج الخشن أسرع من إنسان يجرى عليه.

ولقد عاد المستكشفون الأولون للمنطقة المتجمدة الجنوبية وفي جعبتهم كثير من الأنباء التي يقصونها عن وحشية هذا الحيوان، ولكن لم يحدث أبداً أن قنص فهد بحر وهو حي.

أما «جراميس، أو الحوت القاتل فيكثر ارتياده البحرى «روس»، «ويدل». ويتصف في المنطقة المتجمدة الجنوبية بنفس الشراسة والوحشية التي ينصف بهما في منطقة القطب الشمالى والحيتان الحقيقية التي تقطن المنطقة المتجمدة الجنوبية تنتمي إلى إحدى مجموعتين كبيرتين.

ويأتي في المرتبة الأولى من الأهمية الحوت ذو الزعنفة، والحوت الأزرق الذي يطلق عليه عادة اسم وقاع الكبريت، وهما من النوع الباليني لأن أفواههما مزودة بألواح مغطاة بالشعر والشوك تسمى البالين.

وتقنات هذه المخلوقات على حيوانات قشرية تشبه براغيث البحر وتسمى والكريل، وتطفو على سطح الماء.

ويفتح الحوت فيه الضخم وتتدفق فيه كميات هائلة من الماء المحتوى على آلاف من الكريل، ثم يطبق فكيه ويضغط الماء خلال لوحات البالين.

وتبقى براغيث البحر الدقيقة الحجم ليبتلعها الحوت العظيم بأجمعها.

وقاع الكبريت، هو أكبر الحيوانات التي ظهرت على وجه الأرض بما في ذلك الديناصور الذيطوف بها يوماً ما منذ ملايين السنين.

وأطول حوت صيد منها حتى الآن بلغ طوله ۱۱۱ قدماً، وشغل رأسه نصف طوله تقريبا، ولونه أشهب ضارب للزرقة، مع بقع بيضاء عند بطنه، ويقدر وزنه بمعدل طن لكل قدم من طوله.

وينافس الحوت ذو الزعنفة قاع الكبريت في الحجم ولكن ندر أن زاد طوله عن 40 قدماً وهو أنحف في البنية، ومن عاداته أنه لا يتخطى كثبان الثلج في تنقله نحو الجنوب.

أما المجموعة الثانية الهامة في الحيتان ذات الأسنان، وهذه ليست مزودة بألواح البالين، وإنما لها أسنان كالمشجب الصغير.

وأكبر أنواع هذه المجموعة هو الحوت الإسبرمي الذي قد يبلغ طوله 60 قدماً. وهو عملاق له رأس مربع، وفكان مربعان، ولونه أسود كالفحم.

وإذا طورد وقذف بالحراب فإن هذا الحوت يخوض المعركة في بطولة للذود عن حياته..

ويتراوح متوسط سرعته بين ۱۰، ۱۲ عقدة. وإن داخله الحروف يستطيع في يسر أن يزيد سرعته إلى عشرين عقدة، وهي سرعة مذهلة لوحش له مثل هذا الحجم.

أما المواطنون البارزون في المنطقة المتجمدة الجنوبية الخالية من البشر فهي طيور البنجوين التي يكون من السخف أن يقال إنها تبدو في هيئة الإنسان.

ومن بين أنواع البنجوين العديدة يمتاز والبنجوين الإمبراطور، الذي يبلغ ارتفاع قامته وهو منتصب أربع أقدام أو أكثر، كما أن وزنه قد بلغ ثمانين رطلا.

وتبدو هذه الطيور كأنها متشحة باردية سود تحتها صدار يميل للصفرة ولها مناقير مصبوغة باللون البرتقالي.

وتمشى قصيرة الحطو في تثاقل وأبهة، وينحني كل منها للآخر وتبدو وكأنها تلقي خطبا ذات شأن. وبين الفينة والفينة تنفس عن نفسها بإطلاق أصوات جماعية كأنها نوبة البروجي.

 ومنذ ملايين السنين التي مضت عند ما حل العصر الجليدي ضيفاً على المنطقة المتجمدة الجنوبية، فإن حيواناتها وطيورها إما أنها هاجرت منها أو وجدت طريقها للانقراض.

أما البنجوين فلم يكن في وسعه أن يطير، وكذلك لم يكن له دراية بالعوم المسافات طويلة، ومن ثم ظل حبيس مقبرة صنعت من الجليد.

ولما كان منحدراً من سلالة زواحف باردة الدم فقد أمكنه أن يتلاءم والطقس البطيء التغير.

وتبيض أني البنجوين الإمبراطور بيضتها الواحدة وتفقسها على الجليد في العراء، بلا عاصم يقيها من الريح، وقد تنخفض درجة الحرارة دون الصفر بمانين درجة.

وتحمي الأم فرخها الصغير الذي يتم فقسه حديثاً، بحمله في ثنية داخل جلدها ملأى بزغب الريش، تشبه إلى حد ما جيب حيوان الكنغر.

ويقوم كل من الأب والأم بنصيبه في رعاية الفرخ الصغير، ويحل أحدهما مكان الآخر عندما ينسحب لفترة قصيرة انتجاعاً للراحة ولتناول الطعام.

وما إن يتخطى الوليد طور التفريخ حتى يصبح من أشد المخلوقات الحية شراسة، فهو إذا هاجمه فهد البحر - عدوه اللدود - فإنه لا يستسلم مع كثرة ما يثخن به من جراح.   

وعلى الرغم مما يبدو على طائر البنجوين من قلة الرشاقة في الحركة، فإن سباحتيه الأماميتين قادرتان على إنزال ضربات سريعة وقوية تكفي لكسر ذراع الإنسان.

ولو أن البنجوين هو أشهر طائر معروف بالمنطقة المتجمدة الجنوبية، إلا أن هناك طيوراً أخرى تشبه إلى حد بعيد الصورة المرسومة في أذهاننا لم يجب أن تكون عليه الطيور، وأكثر هذه الطيور شيوعاً بدرجة كبيرة هو نورس الثلج «بترل».

وهذا الطائر بريشه الأبيض الناصع كالثلج، يكاد لا يرى وسط ما تحيطه به الطبيعة من ثلج وجليد، وعلى النقيض من ذلك تماماً سواد عينيه وسواد منقاره واقبه.

وتبي طيور البترل أعشاشها في المنطقة المتجمدة الجنوبية، ولكن عندما هل الشتاء فإنها تهاجر إلى نصف الكرة الشمالى، وتقطع أغلب المسافة طائرة فوق السطوح المائية حيث تبدو كأنها في وطنها تماماً..

وفي أثناء النهار، تنقض في سرعة وخفة حركة على الأمواج، أما في الليل فإنها تستقر على سطح الماء طلباً للراحة.

وخطاف البحر  تيرن، طائر آخر من الطيور البحرية الرحالة بالمنطقة المتجمدة الشمالية، وهذا الطائر البديع الشكل النحيف القد، يطير مهاجراً إلى مدى بعيد لا يصله أي طائر آخر من الطيور المعروفة.

في كل عام، يطير من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وهي مسافة تبلغ نحو ۱۲ ألف ميل، ويبدو أنه يتبع النور. 132فهو يهرب من شتاء المنطقة المتجمدة الشمالية ليستمتع بالصيف القصير المدى بالمنطقة المتجمدة الجنوبية، وما إن تبدو أول تباشير غروب الشمس فيها عند أواخر فبراير، حتى يولى خطاف البحر وجهه صوب الشمال.

والطائر الصخاب المتجول «الألباتروس، رحالة آخر مشهور، يطوف حول الأرض عند العروض الجنوبية القصية.

ويعتقد البحارة المتطيرون أن طائر والألباتروس» يجلب الحظ الوافر للسفينة، ولكن اللعنة وسوء الحظ يلازمان من يقتل طائرا منه، وتلاك عقي التعدي.

ويمتاز الألباتروس من بين أكبر الطيور التي تستطيع الطيران بأن طول جناحه وهو مشرع يتراوح بين عشر أقدام واثنتي عشرة قدماً، ويبدو وهو على اليابسة ثقيل الظل، ولكنه وهو منطلق في الهواء يكون أعجوبة في رشاقة الحركة.

ويطير طائر الألباتروس بسرعة 60 ميلا في الساعة في يسر تام، وإذا   كانت الريح رخاء فإن هذه السرعة قد تصل إلى مائة ميل في الساعة.

وأشد طيور المنطقة المتجمدة الجنوبية شراسة وقسوة هي (الاسكووا) قاطن القطب الجنوبي، وهو نوع من النورس يشبه الصقر ولون ريشه أسمر يشوبه سواد، ويزيد حجمه قليلا عن حجم الحمامة.

وما إن تطأ قدم الإنسان أرض المنطقة المكسوة بالجليد، حتى تتجمع حوله تلك الطيور الشرسة المتعطشة للدماء.

ولما كانت هذه الطيور خلقت للسطو بطبيعتها، فإنها تنقض من عل على تجمعات البنجوين في مستعمراتها، وتشيع القتل فيما يقف في طريقها.

أما إذا جرح عجل بحر فسرعان ما تمزق تلك الطيور جسده إربا بفعل مناقيرها الحادة ومخالبها.

وهذا الطائر الخبيث لا يروعه الإنسان ولا يفزعه.

وأشد الطيور جرأة وجسارة هو طائر الفلمار العملاق صاحب الأجنحة المشرعة، فهو مع متانة تكوينه له أجنحة يبلغ طولها سبع أقدام عندما يفردها، وقد يهاجم الإنسان بلا تردد ويعمل مخالبة في عينيه.

والمنطقة المتجمدة الجنوبية هي مهد طيور البترول الصحابة والتي يطلق عليها أحياناً اسم «فراخ الأم كاري، ولونها أسمر غامق وذيلها مربع الشكل، وهي فوق كل شيء طيور بحرية ولو أنها ترى أحياناً على اليابسة في أماكن تبعد عن البحر بمائة ميل، ولقد تتبع أسراب من هذه الطيور سفينة لأميال عدة

وأعجب الطيور المجنحة بالقطب الجنوبي هو طائر الحوت، وهذا الطائر الفريد في نوعه ينتسب لعائلة البترل ر طيور النوء، ويتميز بمصفاة من عظم الحوت أو البلين مدلاة من فكه العلوي.

وهذه المصفاة يحتجز بها الطير دقائق البلاكنون من ماء البحر وهي نفس الطريقة التي يتبعها الحوت العظيم. ولعلك ظننت أن البرد اللاذع في المنطقة المتجمدة الجنوبية لا يدع نبتة تنمو.

وفي الحقيقة هناك معين لا ينضب من النباتات البحرية، ولكن كثيرة منها تبلغ من الصغر حداً يستدعي استعمال أقوى الميكروسكوبات لدراستها.

ولم يتمكن أحد من توضيح كيفية استمرار تلك النباتات الميكروسكوبية في مياه البحار المتجمدة الجنوبية لمدة شهور الظلام الستة التي تخيم على القطب الجنوب في فصل شتائه.

ومع هذا فهي تظل حية، وبذلك تقدم نفسها غذاء لبعض من أكبر ثدييات العالم، فياه بحار المنطقة المتجمدة الجنوبية تبرع بقطعان الحيتان وخنازير البحر التي تسد جوعها بهذه النباتات الدقيقة الطافية، وإذا علمنا أن كلا من هذه المخلوقات يحتاج إلى طعام يرى يزيد عن الطن وزناً، أمكننا أن نكون فكرة عن الكميات الموجودة من هذه النباتات.

والمياه التي تزدهر بها هذه النباتات الميكروسكوبية تزخر هي نفسها بأسماك مختلف نوعها مثل نجمة البحر والأخطبوط والأسماك الهلامية.

كما أن هناك أخطبوطات صغيرة تطفو على السطح، ومساحات تقاس بالأفدنة تغطيها براغيث البحر ذات اللون البنفسجي أو الكريل الذي تدفعه التيارات معجلة. وهذه مدخرة لوجبة غذاء حوت عظيم من فصيلة قاع الكبريت يبتلعها لقمة مشبعة عندما يحين موعدها.