في الربيع تهاجر طوائف مختلفة من الطيور إلى المنطقة المتجمدة الشمالية، وقد يصل البعض منها إلى أماكن تبعد نحو أربعمائة ميل من القطب الشمالي، ولو أردنا إنشاء جداول بأسماء هذه الطيور كلها أو أغلبها لملأت عدة صفحات.

والطيور البرية في المنطقة المتجمدة الشمالية أقل عدداً من تلك التي تنتزع غذاءها من البحر.

إن «بنتنج، طائر الثلج الصغير هو أول طائر يظهر على المسرح، ويقع موعد وروده في آخر الشتاء أكثر منه في أوائل الربيع. وهذا الطائر هو الطائر الصداح، الأوحد في المنطقة المتجمدة الشمالية.

وباستثناء هذا الطائر فإن الطيور البحرية يكون موعد قدومها سابقا بكثير لقدوم الطيور البرية، وسرعان ما تموج قمر النجاد الشامخة والصخور التي ترتفع من البحر بألاف لا يحصيها العد من الطيور التي تتخذ منها أكناناً.

أما سواحل التندرا فهي ملجأ الوز والبط من كل نوع ومن بينها "البرانت الأسود"، والبتيل، ور المارد، والتيل، أخضر الجناحين.

وأجمل وز ألاسكا هو الطائر المسمى (الامبراطور، الذي يتخذ مصيفه في أرض المد في برنج، ويقضى الشتاء في جزائر الألوشيان.

وأكبر الطيور البحرية في شمال أمريكا هو البجع البواق (ترميتر سوان)، الذي يقضي الشتاء في جنوب شرق ألاسكا، وتتناقص أعداده سريعاً في هذه الأيام.

وفي أواخر شهر مايو تقدم أسراب ضخمة من الوز الأزرق من خليج جيمس ومصب نهر المسيسبي حيث تكون قد قضت فترة الشتاء هناك.

وينافس الوز الكندي الأقل عدداً وخوخته الغريبة صيحات كراكي التلال الرملية التي تشبه صوت الأبواق، وتنوح الطيور آكلة الأسماك ذات الرقبة الحمراء بصيحات حزينة من حواف البحيرة الآ خذ جليدها في الذوبان.

وينعق بوم الجليد نعيقاً متصلاً أجوف يشبه العويل، يسمع على بعد ستة أميال أو سبعة.

أما الكركر طويل الذنب (وهو نوع من النورس الذي يشبه الصقر) فيصدر صرخاته على نعمة موزونة وإرور إرور، وكأنه يرى أن كل شيء في الدنيا يتجه وجهة خاطئة، كما يحلق البجع الصافر في السماء مطلقاً صيحته "وبو وبوأ".

فكل طائر يستطيع أن ينعق أو يصرخ أو بوخوخ له أن يطلق صيحته المميزة له، فالقبرة ذات القرون، هورند لارك، تطلق صفيرها في شجاعة، ويطغى هذا الصفير على الهرج والمرج اللذين يشبعهما زملاؤها من الطير.

وهكذا لن يكون هناك شيء صامت في فصل الربيع فيا يطلق عليه بالشمال الصامت الهادي.

على أن الطيور لا ترى إلا لماما فوق كتل الجليد البعيدة عن اليابسة، نظراً لشح ما تقتات به، ومع ذلك فطائر الفلمار، وهو نوع من البترول في حجم النورس، يتخذ من حواف هذه الكتل وطنا حبيباً إلى قلبه.

وتنطلق طيور الأوك محلقة فوق ماء البحر كما تشاء، وكذلك طيور الجيموت السوداء، والبفن، والنورس العاجي، والكيتيواك.

أما طائر الكركر طويل الذيل فيشيع الذعر بين الطيور الأصغر حجماً، وإنه لمنظر مألوف أن يشاهد كركر من فصيلة النورس الذي يشبه الصقر، وهو يطارد طائراً آخر هو واللايلاند لونجسيير» في كبد السماء، ويخمشه بمنقاره وينتف ذيله وهو معلق بين الأرض والسماء، ثم يتبعه إلى الأرض حيث يلتهمه في بضع لقيمات.

وأمر الطيور المائية التي يستهدفها الصيادون هو بط الأيدر، وفيما مضى كانت تجمع كل عام كميات كبيرة من بيضه وريش صدره في سيتسبرجن وجرينلند.

ويعلق الإسكيمو أهمية خاصة على جلد بط الأيدر لصنعه ملابس تمتاز بالخفة والدفء، ولقد نقص عدد هذا النوع من البط نقصاً ملحوظا. ولقد قدر العدد الذي كان يصاد منه لخمسين سنة مضت بنحو عشرين ألف بطة، يضاف إلى ذلك الاستيلاء على نحو ۳۰۰ ألف بيضة من جرينلند الهولندية، كما أن وزن الريش المصدر سنوياً لمدة سنوات كان يزن نحو طن ونصف. أما اليوم فما يصدر منه قليل؛ لأن بط الأيدر يحرم القانون صيده.

إن طائر الخطاف البحرى «ترن، الذي يسكن المنطقة المتجمدة الشمالية يعتبر أكثر الطيور المهاجرة لفتاً للنظر، فمدي طيرانه يمتد من المنطقة المتجمدة الشمالية إلى المنطقة المتجمدة الجنوبية، ثم يقفل راجعاً.

ويبدو أن هذا الطائر يتابع النور، فهو يبرح الأراضي الشمالية عندما تلوح أولى بوادر الشتاء مخترقة المحيط الهادي الفسيح، ليصل إلى قارة المنطقة المتجمدة الجنوبية في أوائل فصل الصيف هناك.

إن سبعة شهور من كل سنة يستغرقها هذا الطائر الصغير محلقاً في الجو، فهو يطير آلافا وآلافاً من الأميال كل عام، وأشعة الشمس تغمر أجنحته الرقيقة.

وعندما يتأهب للصيد، يبدو الخطاف البحري جميلا عند مراقبته، فهو يخفض منقاره الأحمر إلى أسفل ويضم جناحيه إلى جسمه استعداداً الغوصة سريعة، ثم يغوص في الماء كالسهم ليخطف سمكة شراكة «ستكل باك، ويبتلعها في أثناء عودته إلى الجو.

وهذا الطائر رشيق أيضا، فلون ظهره أشهب لؤلؤي، وعرفه أسود لامع. وينافس أبو فصادة الذهبي الباسفيكي طائر الخطاف البحرى في شهرته. وأبو فصادة من الخواضات ولا يزيد حجمه عن عصفور الروبن.

 ويمضي الصيف في جزائر الألوشيان. وعندما يهل الشتاء ترى أسراباً صغيرة منه لايزيد عمر كثرة من طيورها عن ثلاثة شهور أو أربعة. تقفز فوق الأرض في محاولتها للطيران قصير المدى.

ثم فجأة تدفعها غريزتها الأصيلة إلى الطيران في الهواء، حيث تسارع إلى ارتقائه طبقة بعد طبقة حتى تختفي عن الأنظار ميممة شطر الجنوب فوق المحيط الذي تكتسح سطحه الريح العاصف. وتمر أربعون ساعة ثم تهبط بعدها هذه الطيور في جزائر هاواي. إنه طيران مستمر بلا توقف يبلغ مداه أكثر من ألفي ميل.

وكثرة من الطيور تطير إلى نيوزيلند. وتتوقف وهي في طريقها طلباً للراحة عند بعض الجزر المرجانية المتناثرة في المنطقة الوسطى للمحيط الباسفيكي.

وتبدو هذه الجزر عند مشاهدتها من الجو كقطع ميكروسكوبية متناهية في الصغر من المرجان. وتحديد مكانها يعتبر عملا يستدعي إتمامه أن يعهد به إلى طيار مزودة قمرته بأجهزة الملاحة الجوية يبلغ ثمنها 10 آلاف دولار.

أما كيف يستطيع أبو فصادة الذهبي الصغير أن يقوم بهذا العمل الفذ، فسر لا يعرفه سواه.

وما إن ينتصف شهر يونيو حتى تكون كل طيور المنطقة المتجمدة الشمالية قد أقامت أعشاشها ووضعت بيضها في إقليم التندرا المجدب المتقلب الطقس.

ويتم فقس البيض سريعاً وتأخذ الصغار في تدريب أجنحتها على الطيران.

وتكون فراخ الطير التي ينبت ريشها وتفلت بحياتها من أعدائها بالطبيعة كالصقور والبوم والثعالب وبنات عرس، في صدد استجماع قوتها استعداداً للهجرة الطويلة الجنوبية التي تبدأ في سبتمبر.

ولا يهاجر طائر الطرمشان «بتارميجان، وهو نوع من الحجل وواحد من أهم الطيور البرية في الشمال، ولقد حبته الطبيعة بكساء من الريش المرقش بخليط من الأسمر والأبيض والأشهب، وهي تعمية تامة للطائر تتلاءم وبيئة المنطقة المتجمدة التي تحيط به، ويبدو لكل من يراه كقطعة من طفو الثلج المستقرة بين عشب أسمر اللون وصخر أشهب.

ومن السهل أن يخطىء الإنسان في التفرقة بين عرفه الأحمر الصغير وعنقود من التوت، ويكسو الريش ساقيه وقدميه حتى منبت مخالبة.

وهو بهذا الوصف يحظى برداء سحري للتخفي دون أي طائر آخر في المنطقة المتجمدة الشمالية.

وعدوه الألد هو السنقر والجرفالكون ه ذو النظر الحاد.

ولربما أحس طائر الطرمشان اعتماداً على دقة تخفيه بثقة كبيرة بنفسه.

وإذا اقترب منه الإنسان فإنه يجري ولكنه لا يطير. ومن ثم فإن الاسكيمو يستطيعون صيد عدد وفير منه بشبكة عادية من شباك صيد السمك.

إن جماعة الغربان والسنافر والطرمشانات واليوم هي الطيور البرية الوحيدة التي تعيش في المنطقة المتجمدة الشمالية على مدار السنة، وأما ما عداها من الطيور البرية أو المائية فتهاجر بمجرد غروب الشمس في الشمال.

وبرحيلها ينسدل ستار من الصمت الرهيب على متاهات الشمال الأقصى.