محتويات

الدب الأبيض القطبي:

(نانوك) هو الاسم الذي يُطلقة الإسكيمو على الدب الأبيض القطي، وهذا الحيوان هو ملك الأقطار الشمالية بلا منازع، وحينما تتجمع عجول البحر على كتل الثلج فإن نانوك، يسعى وراءها للظفر بها.

والدب القطبي يعتبر فعلا من الثدييات البحرية، وقل إن يبتعد عن بر الجليد، وخلال الجزء الأكبر من السنة يكون نانوك دائب الحركة.

وعند إحدى الطرق الرئيسية التي يسلكها في جزيرة الملك شارل وجرينلند إلى سبتسبرجن، ولكنه يغشى أيضا كل مكان في المنطقة المتجمدة الشمالية يزخر بعدد وافر من عجول البحر.

ومن عادة ونانوك، أن يتخذ النور قبلته؛ في الخريف يتجه جنوبا، ثم يتم شطر الشمال إذا جاء الربيع.

ولقد رئي في بعض الأحايين في أماكن تقع شمالا حتى خط عرض ۸۰ في منطقة الحوض القطبي الأوسط.

ويعتبر الدب القطبي سباحة فائق القوة، في وسعه أن يسبح عدة مئات من الأميال إذا لزم الأمر.

وعلى الرغم من أنه يزن ما يقرب من ألف رطل عند تمام بلوغه فإن هذا الحيوان المتبلد المظهر يمتاز باليقظة وخفة الحركة.

ولنانوك مهارة فائقة في تتبع فريسته، ولا نهاية لصبره عندما ينتوي الصيد، وإنه ليسير بوصة بوصة ثم يريح جسمه الضخم على الجليد وهو في طريقه نحو عجل بحر أخذته سنة من النوم، وكثيراً ما يغطي طرف أنفه الأسود بكف يده البيضاء، وبذلك يصبح من العسير تمييزه من الجليد الأبيض الذي يغطي كل ما حوله. وعندما يصبح عجل البحر في متناول يده فإنه يلقي بنفسه إلى الأمام ويبادر فريسته بضربة واحدة تهشم جمجمته.

والدب القطبي حيوان يحب العزلة، ولا يرى الذكر والأن معاً إلا في فصل الربيع. وتم ولادة الأشبال في أواخر الشتاء، وتتخذ من حفرة في باطن الجليد مأوى لها. ولا يكاد يختلف الشبل في ساعة مولده عن فأر اكتمل نموه، ويكون أعمى لا فراء له تقريباً.

وأم الدب أم مضحية تكرس وقتها لأشباها، فهي التي تطعمهم وتقيهم شر الريح والعاصفة، وتظل الأشبال لصيقة أمهاتهن مدة السنتين الأوليين من سني حياتهم، ثم لكل وجهة هو موليها في جولاته وحيداً.

ويتجنب الدب القطبي الإنسان عادة، ولكن ليست هذه شيمته دواماً، فالأني في سبيل حماية أشباها تنقلب إلى خطر محقق.. ويسعى الاسكيمو لصيد الدب بلا هوادة ابتغاء لحومها وفرانها.

وكل جزء في جسد الدب سائغ أكله ما عدا الكبد فهي سامة. ويأخذ الإسكيمو كل حيطة للتخلص منه عندما يفلحون في قتل الدب حتى لا تصاب كلاهم بالتسمم إذا أكلته.

الثعلب القطبي الصغير المحتال:

ويتبع الثعلب القطبي المحتال الدب القطبي، ولكنه يحافظ دائماً على أن يكون بعيداً عن متناول مخالبة الباطشة، لكي يلتهم بقايا الطعام مهما كان نوعه التي تتخلف عن هذا الحيوان الذي يفوقه حجما.

وهناك نوعان من هذا الحيوان الصغير: أولهما ما يطلق عليه اسم الثعلب الأزرق - وإن كان لا يمت لون فرائه للزرقة بصلة إطلاقاً بل له لون أشهب دخاني ظريف. وثانيهما هو الثعلب الفطي الحقيقي الذي يتحول لون فروته= من الأصفر المبرقش المشوب بسمرة في الصيف إلى أبيض ناصع كالثلج إذا جاء الشتاء.

وتتوقف معيشة الوطنيين الذين يسكنون شرق المنطقة المتجمدة الشمالية على الثعلب الأبيض؛ ذلك لأن حصيلة بيع جلود الثعالب لشركة خليج هدسن هي مصدر أغلب المال الذي ينتفع به طول العام المقبل.

ويكثر طلب الجلود البيضاء كالثلج في أسواق الفراء في العالم كله.

وكثيراً ما يرى الثعلب الصغير المحتال بعيداً عن اليابسة بمئات الأميال يدب في خفة ورشاقة على كتل الجليد، أما في الصيف فإنه يسطو على أعشاش الطيور، حيث يجد فيها بغيته من لحم الطير وبيضه.

وللعاب أعداؤه وعلى رأسهم الإنسان، فإنه ليطارده في غير رحمة طمعاً في فرائه الشتوي الظريف، ولقد بلغ ما صيد منه حداً أقفرت معه بعض المناطق منه وعلى الأخص في ستسبرجن، حيث يكاد لا يسمع لنباحه صوت.

ثور المسك:

وإذا اعتبرنا الثعلب من أذكى حيوانات المنطقة المتجمدة الشمالية، فإن ثور المسك يعتبر من أشدها غفلة وغباوة، ومع هذا فهو من أشد حيوانات العالم جسارة واحتمالا، ولعله انحدر إلينا من سلالة حيوان منقرض يطلق عليه العلماء اسم وافيبوس، ومعناه البقرة الشاة، وله من هذا الاسم نصيب، فهو نوع من البقر له كساء من الصوف، ومعرفة من الشعر وأسنان شاة، ولسان بقرة مع قرون ثقيلة.

وفي وسع ثور المسك أن يقاوم أي درجة حرارة مرتفعة كانت أو منخفضة، ويقتات على الأشجار الضئيلة العيدان كليلة الفروع وعلى الحشائش. وفي الشتاء يزيح طبقة الثلج بحوافره حتى يصل إلى مكان غذائه.

ولقد انتهج ثور المسك طريقة دفاعية كاملة ضد هجمات ذئب المنطقة المتجمدة الشمالية، فعندما يهاجمها فإنها تتجمع على هيئة دائرة يتصدى له فيها أقواها من الخارج وتصطف متكاتفة مطأطئة رؤوسها، ورب ضربة قوية بقرونها أو حوافرها تذيق الذئب كأس المنون، وتورده حتفه.

وأعظم درع في هذه الثيران هي الصوف الكثيف المحيط بأعناقها، لأنه يملاً في الذئب فيمنعه من أن يغرز أسنانه في رقابها وتنجو من أذاه. ويبلغ لحم ثور المسك في جودته لحم البقر من الطراز الأول، ولهذا السبب بعينه ذبح صائدو الحيتان في القرن التاسع عشر آلافا منها، ولقد قدر العدد الباقي منها الآن ببضع مئات فقط تعيش في شمال البلاد الأمريكية، ونحو۳۰ ألفا مبعثرة على طول الشاطئ الشرق بلجرينلند وبعض الجزر الواقعة في المنطقة المتجمدة الشمالية.

ولقد انقرضت ثيران المسك من أوروبا وآسيا، وابتسم لها الحظ عند ما حرم القانون صيدها، ولم يبق لها أعداء سوى الذئب. وذئب المنطقة المتجمدة حيوان له لون أصفر فاتح مشرب بحمرة مع بعض الشعر القليل الغامق النابت على امتداد ظهره.

ولقد وقر في أذهان الاسكيمو أن الذئاب ذات اللون الفاتح هي ذئاب عجائز، ولو أن بعض إناث الذئاب القاتمة اللون رؤيت أحياناً وهي محتضنة أشبالا بيضا تماماً..

ويتمتع ذئب المنطقة المتجمدة الشمالية بسوء السمعة المتصف بها جميع الذئاب، وهذا الحيوان المخاتل يسطو على الكاريبو أو الرنة وعلى الحيوانات الأصغر منها، وحتى الطيور لا تنجو من شره. وهو بلاء مقيم للقانصين في الشمال لأنه يسرق ما تمسكه فخاخهم ما وجد لذلك سبيلا، ويندر أن يقع هو في الفخ.

وهو عدو مبين لكلب الزحافة، وله من قوته ما يجعله قادراً على أن يخطف كلباً يدانيه في الوزن ليأكله.

وعلى الرغم من أن الذئب لا مثيل له في العدو، بين الحيوانات الأخرى التي تسكن شمالا. فإن ذئب المنطقة المتجمدة غاية في الحرص. فأي رائحة غريبة كرائحة إنسان مثلا تدفعه لأن يولى الأدبار فوراً.

وعلى خلاف العقيدة الشائعة. فإن الذئاب لا ترتحل على هيئة قطيع وندر أن رفي أكثر من ستة أو ثمانية منها تسير مجتمعة، وفي أغلب الحالات تخرج للصيد فرادي أو أزواجاً.

وباستثناء الدب القطب الذي تحرص الذئاب على ألا تعترض طريقه، فإنها عملية تتخذ من أي شيء طعامًا.

وطعامها الشهي المفضل هو الأرنب الأبيض الذي يسكن المنطقة المتجمدة الشمالية.

الأرنب الأبيض في القطب الشمالي:

وهذا الأرنب يكثر وجوده في شمال كندا وفي جرينلند. ويبلغ حجم الحيوان الجميل الصغير حجم كلب صغير، وله عينان سمراوان صافيتان، ويقتات عادة من أوراق الشجر الصغيرة والقمم النامية للنباتات، وحينما أعشبت الأرض فإن الأرانب تعيش في قطعان كبيرة. وكانت سرعة الأرنب الهائلة هي وقايته قبل أن تعرف الأسلحة النارية.

وجلد الأرنب هش جداً، ولذا يستعمل عند ما لا يوجد ما يفوقه متانة، ويستعمله الإسكيمو أحياناً في تبطين أحذيهم.

واللامنج الصغير حيوان أصغر بكثير من الأرنب، وهو أشبه ما يكون بابن عرس. ويقضي فترة سبات الشتاء نائماً في جحور عميقة بحفرها في الثلج، وألد أعدائه الصقور والبوم، ويعتبر صيده أمراً متعذراً. ويمتاز جلده الجميل بأنه رقيق، ويصعب أن يوجد ما يضاهيه، ولذا فإن مصممي الأزياء في المدن الكبرى في العالم لم يحاولوا إدخاله في «الموضات، الحديثة.

حيوان الكاريبو:

ولنترك جانباً اللامنج أصغر حيوان يقطن المنطقة المتجمدة الشمالية، ونولي وجهنا إلى واحد من أكبرها وهو حيوان الكاريبو، الذي يشبه إلى حد بعيد الموظ أو الوعل الأمريكي من حيث الحجم واللون، إلا أن قرون الكاريبو المتشعبة أكبر بمراحل. وللذكر والأنثى قرون على حد سواء وتتساقط مرة كل عام.

وفي الربيع قبل أن ينصهر الثلج الذي يكسو الأرض، تخرج قطعان الكاريبو من الغابات التي قضت بها فترة الشتاء مولية وجهها صوب الشمال خلال التندرا المجدية.

وتستأنف الإناث والصغار، الذين يبلغ عمر الواحد منها عاماً، السعي أولا، ثم تلحق بها الذكور بعد أن تكون قد قضت يوما أو يومين جوبت فيهما هنا وهناك.

ويستمر القطيع متجها شمالا خلال مياه الأنهار والبحيرات مع حث الخطى حتى يصل إلى شواطئ البحر القطبي نفسه، وهناك تولد العجول الصغار. وفي هذا الوقت يكون جلدها قد نحل من الشعر وكثرت به لدغات الذباب لأنه يوافق موسم تساقط الشعر، وموسم بلاء الذباب المدلهم، وعلى الأخص الذبابة الطنانة التي تنغص على الكاريبو حياته..

وحالما يشتد عود العجول وتصبح قادرة على تحمل مشقة السفر، يعود القطيع أدراجه، متئداً في سيره، ميمماً شطر الغابات في أقصى الجنوب.

وتسير الذكور في الطليعة لتحمي صغارها من الذئاب حتى يصل القطيع إلى مشارف الغابات في أوائل نوفمبر فيدخل صومعته من جديد ويتحصن بها.

ويستحق حيوان الكاريبو عن جدارة أن تطبع صورة تمثله على ظهر قطعة النقود الكندية ذات الخمس والعشرين سنتاً، فلولا هذا الحيوان لظلت مساحات متسعة في الشمال غير مأهولة.

ولقد أطلق عليه يوما ما اسم «مخزن التموين المتحرك»، ذلك لأنه يصنع من وبره الأردية «وأشولة، النوم والأحذية والأغطية، كما يتخذ من جلده الممشط مقاود للكلاب، وخيام وجرادل وقوارب الصيد (كاياك) في لغة الاسكيمو.

ويجعلون من عضلات لحمه كرابيج وخيوطاً وحبالا تربط بها حرابهم، ومن العظام والقرون أدوات كالمدى والسهام والكستبانات والإبر، ومن نخاع عظامه ودهنه وقوداً.

وفوق ذلك فكل ما في الحيوان يؤكل. ابتداء من العينين اللتين يعتبرها الاسكيمو رمز الكرم عند الضيافة، حتى الحشائش التي لم يتم هضمها في معدته والي يطلقون عليها وسلاطة ان تندرا». وأحياناً، ولأسباب نجهلها، تغير قطعان الكاريبو خط سيرها عند هجرتها السنوية، وعند ما يحدث ذلك، يجابه الناس الذين يعتمدون على هذا الحيوان المين اعتماداً كلياً، مجاعة تصيبهم.

ومن حسن الطالع أن الحكومة قد سنت لوائح تحمي حيوان الكاريبو الآن إلى حد ما، ولكن بعد فوات الأوان. فلقد ذبح منه في السنوات السابقة أعداد كبيرة.

في ذات مرة. قدر دافيدتومسون أحد الرحالة المشهورين المنتمين لشركة والشمال الغربي، عدد أفراد قطيع واحد منها بثلاثة ملايين ونصف مليون 3.500.000 حيوان. أما اليوم فالمعتقد أن جملة ما يوجد من حيوان الكاريبو لا يتجاوز 750 ألفاً.

ويعتبر حيوان الرنة نوعا من الكاريبو المستأنس. وهو المصدر الوحيد الذي يمد سكان "أكلافيك"، الواقعة في دلتا نهر ماكينزي باللحوم الطازجة.

وإذا قادتك قدماك يوماً إلى هذا المكان فإنك ستدفع ريالا وستين سنتا ثمناً لوجبة من لحم الرنة المشوى.

حيوان الرنة:

وتوجد الآن ستة قطعان من الرنة في قطاع كندا الواقع في المنطقة المتجمدة الشمالية، ولوجود هذه القطعان في هذا المكان قصة من قصص الشمال يتناقلها الناس.

وتبدأ القصة في عام 1935 عند ما اشترت الحكومة الكندية 3195 رأساً من حيوان الرنة من ألاسكا. وكان هناك سبب دفع الحكومة لاتخاذ هذا الإجراء ذلك لأن المغالاة في استعمال الأسلحة النارية سبب هبوط محصول الفراء الذي يتجر فيه السكان الوطنيون إلى درجة خطيرة شعرت معها الحكومة أن وجود حيوان الرنة يمكنه أن يساعد على حل تلك المشكلة.

وعهدت الحكومة إلى رجل مسن من سكان لا بلاند يسمى وأندرو بار، ومعه بضعة من المساعدين بعمل يتسم بالبطولة، وهو قيادة هذا القطيع عبر المرتفعات حتى الموطن الحديد الذي حدد له. وكان المنتظر أن تتم تلك المهمة في مدى سنة ونصف سنة ولكنها لم تتم إلا بعد مرور ستة فصول من الشتاء القاسي، ولم يصل سالماً سوى عدد ضئيل من أفراد القطيع الأصلي الذي بدأ الرحلة من ألاسكا.

في أول شتاء شاعت الفوضى في القطيع وانسلخ منه مئات فرت هاربة إلى أماكن مجهولة، وكانت فصول الشتاء التالية من أقسى ما مر على الشمال، فلقد كان الترمومتر ينخفض زئبقه أحياناً إلى ۷۰ مئوية تحت الصفر، وما كان البار ورجاله أن يبحثوا عن مأوى يلجأون إليه؛ إذ كان واجبهم يلح عليهم أن يظلوا قائمين على شئون القطيع وإلا فقدوه ولا يبقى منه شيء. فلقد كانت الذئاب دائمة التسكع بجوار أطراف القطيع لتسطو على أي فرد منه أجهده السير فتخاذل.

وذات مرة هبت عاصفة هوجاء فبعثرت خمسمائة من الرنة وانقضت ستة شهور في إعادة الضالة إلى حظيرة القطيع ثانية.

وعند ما التي التقطيع عصا التسيار لم يكن قد بني منه سوى ۲۳۰۰ حيوان ولد أغلبها في أثناء الرحلة.

وتتولى بعض عائلات الاسكيمو أمر العناية بنحو ۸۰۰۰ رأس من حيوانات الرنة في قطاع كندا الواقع في المنطقة المتجمدة الشمالية، كما يوجد بعض القطعان ذات العدد الوفير نوعا في ألاسكا.

وأفلح سكان لابلاند أيضا في استئناس حيوان الرنة، وتعتبر قطعانهم جزءاً هاماً من اقتصادهم القوي.

فأر المسك:

وأكلافيك بكندا تعتبر أرضها أكبر ميدان لصيد فأر المسك، في البرك التي لا يحصي عددها والمنتشرة في الدلتا الغنية بالمستنقعات ذات البقايا النباتية تعيش

أسراب هذه الحيوانات الصغيرة وتعد بمئات الألوف ويصيدها التلاميذ بفخاخهم الخاصة وهم في طريقهم إلى مدرسة المبشرين.

وفي سنة 1950 شحن جلد ۳۰۰ ألف فأر مسك، بيع كل منها بما يقرب من ريالين.

وما جاء عام 1954 حتى كان قد بطل استعمال فرو فأر المسك في الأزياء الحديثة في المدن الكبرى، وهبط تبعاً لذلك ثمن الجلد الواحد بمقدار خمسين سنتاً.

ويبدو أن الصائد يواجه اليوم قلة الإقبال المستمر على هذا الخلد، في الأسواق، ويعلل النفس بأن الموضات، قد تتغير يوماً ما ويقبل الناس على فراء فأر المسك من أجل معاطف السيدات وتزيينها.