إن الفرق الملحوظ بين المنطقة المتجمدة الشمالية والمنطقة المتجمدة الجنوبية كالفرق بين الحياة والموت. ذلك لأن القطب الجنون محاط بأرض شاسعة جرداء هامدة تكاد تخلو من الحياة، وتبلغ مساحة هذه القارة الجنوبية ضعف مساحة الولايات المتحدة.

ويكاد يكون لها شكل دائري، ويبرز منها شبه جزيرة ضيقة تتجه شمالا في اتجاه أمريكا الجنوبية.

ويبلغ متوسط ارتفاع داخلها 7500 قدم فوق سطح البحر، ويتوسطها القطب الجنوبي، ومن هذا المكان يكون كل اتجاه مشيراً نحو الشمال.

ولا يوجد مكان في العالم يبارى المنطقة المتجمدة الجنوبية في بردها، ففيها تنخفض درجة الحرارة دائما إلى 85 مئوية تحت الصفر، وتكتسحها رياح قد تبلغ مساحتها 200 ميل في الساعة، وبصك الآذان عواؤها طول ليل الشتاء الدائم.

ويحتفظ القطب الجنوني بدرجة حرارة تقرب من الصفر طوال العام، وحتى في منتصف الصيف يندر أن ترتفع درجة الحرارة في المنطقة المتجمدة الجنوبية فوق درجة تجمد الماء.

ويبلغ متوسطها خلال العام أقل من درجة حرارة القطب الشمالي بعدة درجات، ذلك لأن المنطقة المتجمدة الجنوبية كتلة من اليابسة يحيط بها الماء، على حين أن حوض القطب الشمالى قوامه الماء، ونحن نعلم أن الماء يمتص أي مقدار من الحرارة كبر أو صغر، ويحتفظ به أو يشعه ثانية.

والتيارات البحرية الدافئة تقصر عن الوصول إلى المياه المحيطة بالقطب الجنوبي، كما أنه محروم من هبوب رياح معتدلة نحو الجنوب، ولذا فالشتاء قاس إلى درجة لا تصدق.

وتتجمد رطوبة هذه القارة دائماً، ومن ثم فالمطر لا يعرف طريقه إليها كما أن تساقط الثلج خفيف نسبياً، ولا ينبت في تربة هذه الفيافي المقفرة إلا الألحى والمص وأنواع من الطحالب، والليشن، وتكمن في الأخيرة منها حفنة من حشرات لا أجنحة لها تكافح إبقاء على حياتها في أيام الصيف.

وتعتبر القارة البيضاء التي يقع بها القطب الجنوب من الناحية الجغرافية أوسع الأصقاع التي ما زالت مجهولة، ولو أنه لقرون مضت، كافح الرواد في سبيل كشف هذه الرقعة من الأرض وزيادة المعلومات عنها.

وإنا لنعرف أن هذه الأصقاع لم تكن دواماً صحاري جليدية، فلقد كشف العلماء الفحم بالقرب من ثلاجة وبيردمور، واستنتجوا من ذلك أنه في أزمنة سحيقة قد تعود إلى مائة مليون سنة مضت، كانت المنطقة القطبية الجنوبية أرضاً تزخر بالغابات والمستنقعات. التي خاضت مياهها الديناصورات والثدييات الأولية في بطء وتثاقل.

ولكن المقطوع به أنه لم تقع عين إنسان على هذه الصورة الخلابة التي أوردناها لتلك الأصقاع، لأنها كانت هكذا قبل ظهور أول إنسان بزمن طويل. وعند أول نشوء للإنسان كانت المنطقة المتجمدة الجنوبية قد غطى سطحها بطبقات من الجليد والثلج.

وكان العلماء يعتقدون بوجود هذه القارة الجنوبية منذ مائي سنة، كما اعتقدوا أنها مأهولة بالملايين من البشر.

ولكن لم يزرها أحد ليجلو حقيقها. حتى كانت سنة ۱۷۹۸ عند ما أرسلت الأميرالية الإنجليزية الملازم أول وجيمس كوك، في رحلة استكشافية إلى هذه الأصقاع، وكان الأمل أن يأتي عنها بخبر يقين يضع الأمور في نصابها بصفة قاطعة، مع الاستيلاء عليها باسم ملاك إنكلترا إذا عثر فعلا على تلك القارة البيضاء.

ولقد جاء ضمن أمر التكليف ما نصه: «وعليك أن تفحص تربة الأرض وما تنتجه. وأن تعرف الحيوان والطير الذي يعيش هناك، وفي حالة عثورك على مناجم أو معادن أو أحجار كريمة من أي نوع. فعليك أن تأتي بعينات منها معك..... واستطاع كوك أن يمعن في البحار جنوباً أكثر من أي إنسان قبله ليصل خط عرض ۷۱ جنوبا.

ولكنه بعد شهور كلها تعب اضطر إلى هجر هذا السعي، ومع زمهرير البرد والعواصف الثلجية العاتية اقتنع بأنه على فرض وجود قارة جنوبية، فإنه من المستحيل أن يسكنها أحد من بني البشر.

وبعد مضي نصف قرن من الزمان قام شاب سنة إحدى وعشرون سنة واسمه: نائنيل بالمر، بالإبحار في المياه القطبية الجنوبية على ظهر سفينة شراعية يملكها طولها 47 قدماً، وبرفقته خمسة من الملاحين من مسقط رأسه واستنجن» بولاية كنكتيكت.

وكان هدف هذا الربان الأمريكي الشاب هو البحث عن عجول البحر، ولكنه بدل أن يعثر عليها فإنه كشف جزءاً من القارة المجهولة يتمثل في امتداد طويل ضيق من الأرض أطلق عليها اسم شبه جزيرة بالمر ورسم الأمريكي الشاب خريطة للأرض التي كشفها ثم أقلع عائدة إلى وطنه.

ولحقت به في طريق العودة سفينة حربية ترفع العلم الملكي الروسي ويقودها أمير البحر «بلنجشاوزن، الذي كان قد قضى سنتين في رحلة ارتياد. سار فيها في محاذاة الكثبان الجليدية لعله يعثر على أرض يمتلكها باسم قيصر روسيا.

وتصفح القائد الروسي خريطة بالمر واقتنع بأن الشاب الأمريكي كان أول من استكشف هذا الامتداد من الأرض وأقر بلنجشاوزن مرغماً بأنه قد وصل بعد فوات الأوان.

وإذا تصفحت خريطة حديثة للمنطقة المتجمدة الجنوبية لوجدت مساحة كبيرة يطلق عليها، ولكزلاند، تقع في مواجهة أستراليا وتطل على المحيط الهندي.

ولقد سميت باسم الملازم وتشارلس ولكن، أحد ضباط البحرية الأمريكية في خمس سفن تابعة للأسطول تحت قيادته، لعمل خريطة الأقصى البقاع الجنوبية في العالم. وتعاقبت الأسابيع وأصبحت شهوراً. وتكاتفت العواصف والأمواج التي كالجبال على مناوأة السفن الخمس، وساد ملاحيها مرض سوء التغذية والأسقربوطه وكان الشتاء القطبى المرير على الأبواب.

وكان ولكن رجلا مشاكساً على غير وفاق مع ضباط سفنه، وهدد ملاحوه بالثورة. فاضطر مرغماً تحت وطأة الظروف التي أحاطت به من كل جانب أي يصدر أمره بالعودة إلى الوطن، ولكنه قبل أن يفعل «ولكز» كان قد كشف قارة القطب الجنوبي الأصلية، وأطلق على جزء منها اسم «آديلى، تكريماً لزوجته. وفي السنة التاليه أبحرت بعثة بريطانية تحت رئاسة السير «جيمس كلارك روس» وجدت في السفر بحراً نحو الجنوب حتى وصلت بحر روس، الذي سمي باسمه حتى اليوم.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي كشفت فيها سلسلة الجبال الشامخة التي تقع على الساحل الغربي. من قرن من الزمان ظلت فيه المنطقة المتجمدة الجنوبية أرض أشباح لم تعد لتثير اهتمام العالم الخارجي.

ومن هذه التخطيطات المبدئية تشكلت صورة واضحة للمنطقة المتجمدة الجنوبية.

وإنه لمن الصعب أن يتخيل الإنسان قارة جرداء محلة كهذه، فابتداء من الضواحي المغطاة بالثلج المحيطة بالساحل، ترتفع الأرض تدريجياً حتى تصل إلى هضبة ارتفاعها عشرة آلاف قدم تحيط بالقطب الجنوبي.

وتطوق الشعاب والصخور العالية بحر روس ثم تليها جبال ترتفع قممها في أجواز الفضاء سلسلة أعلى من سلسلة.

فجبال. مركهامز» التي تقع على حافة سلسبلة الملكة مود يزيد ارتفاعها عن 15 ألف قدم، وجبل «كيرك باتريك، الذي يقع في نفس السلسلة يرتفع إلى علو قدره 146۲4 قدماً، وبذلك فهو أعلى من جبل «هويتي بالولايات المتحدة. أما جبل اليستر، المحلق في الفضاء أعلى بحر روس، فيبلغ ارتفاعه ۱۳۳5۰ قدماً، وبجواره بركان وأر بوس، الثائر. وأربوس نفسه يبلغ ارتفاعه أكثر من 13 ألف قدم.

وينحدر من الهضبة المرتفعة المحيطة بالقطب الجنوبي. ثلاجات هائلة إلى كل واد. وتقع ثلاجة «بيردمور، عند قمم الجبال المتوجة لبحر روس، حيث استكشف الفحم لأول مرة.

ويبلغ عرض هذه الثلاجة والنهر الثلجي، ۲۰ ميلا عند قمنها، وثمانية أميال عند القاعدة، كما يبلغ طولها على وجه التقريب مائة ميل.

وهناك ثلاجات أخرى لا تقل إثارة عن هذه. تنحدر من قمة الهضبة العالية التي تحيط بحر روس.

ويغطى أغلب بحر روس قلنسوة من الجليد على هيئة صفحة شاسعة منه، تتحرك في بطء وتسمى «رف روس الجليدي،

وهذا الرف الذي تبلغ مساحته - على وجه التقريب - مساحة فرنسا، عبارة عن امتداد عائم للقارة الجنوبية المتجمدة تغذيه الثلاجات، ويمتد للأمام بمعدل 5۰۰ قدم كل عام، وبذلك يغلف سطح المحيط لعدة مئات من الأميال. وسمك الطاقية يبلغ نحو ۱5۰۰ قدم، وله سطح أملس نسبياً.

وعند مكان التحام الطاقية الثلجية بالمنحدر القاري، يوجد حاجز جليدي مملوء بالشقوق المخيفة، والبعض منها ظاهر للعيان، والبعض الآخر مخبوء كلية تحت قشرة من الثلج، ولرب دقة بالقدم تحسر القناع عن هاوية فاغرة فاها وعمقها مئات من الأقدام.

ويعتبر هذا الحاجز أعظم عقبة كأداء خطيرة تعو ق تقدم المستكشفين في أيامنا الحديثة، ولعل الخطر الناتج عن نقل معدات ثقيلة فوق مساحة كهذه قد تجلى أخيراً في الحادث المحزن التالى: عهد إلى أعضاء من رجال الجيش والأسطول الأمريكي بمحاولة الكشف عن طريق يؤدي من رف جليد روس المنبسط حيث شيد الأدميرال بيرد مدينة وأمريكا الصغرى، إلى هضبة روكفلر القائمه في الأرض التي يطلق عليها اسم ماري بيرد، وأخذ الثلج ينهار عند مؤخرة جرار من الحرارات الضخمة من طراز د - ۸ ثم غاص الحرار من ناحية المؤخرة في شق عميق وسحق سائق الجرار الذي حبس داخل قمرته.

وإذا نظر إلى هذه الشقوق من الجو فإنها ترى ممتدة في اتجاهات متوازية وكأنها أمواج متحركة نحو الشاطئ، وكل موجة لها قمة وينحصر القاع المناظر بين كل قمتين، ولذا فإن المستكشفين عند ما يريدون أن يبحثوا عن طريق يسلكونها في هذا الإقليم الغادر، فإنهم يتخذون من قمم الشقوق دروبا يسيرون فوقها.

وعلى الرغم من مخاطر رف روس الجليدي فإنه أصلح طريق يؤدي إلى القطب الجنوبي. وفي فصل الصيف يمكن للسفن أن تمخر عباب ماء بحر روس حتى تصل إن الرف وتكون المسافة بين حافته من ناحية البحر حتى القطب الجنوبي عبر الرف والأرض الأصلية ثمانمائة ميل.