يسكُن القطاع الجنوبي الشرق من ألاسكا قبائل تلنجت الهندية والتسميشيان وحفنة من الهيداس، أما الأثابسكان - وهم من الفخاخين وصائدي حيوان الكاريبو - فيقطنون في الجزء الداخلي.

ولم يبق اليوم من الثقافة الهندية القديمة إلا آثار دارسة، والهنود والاسكيمو ينحدرون من سلالة واحدة، ويمكن أن يقال إنهم أول أبناء عم في شجرة النسب.

فلهم نفس الجلد النحاسي، وعظام الخدود البارزة، والشعر الأسود المستقيم، والعيون السود المنحرفة قليلا، ولكن الإسكيمو على العكس من الهندي لا يزال حريصاً على كثير من عاداته القديمة.

وأغلب العلماء يعتقدون أن هؤلاء القوم قد نزحوا من أواسط آسيا إلى أمريكا من نحو ألفي سنة، ذلك بأنهم عبروا مضيق برنج، وانتشروا على سواحل ألاسكا وكندا الواقعة في المنطقة المتجمدة الشمالية، واجتاز بعضهم البحر المتجمد وجدوا في السير حتى ألقوا عصا التيار في جرينلند، على أن البعض اتجه جنوباً داخل الأراضي الكندية حتى وصل إلى لابرادور.

وعلى الرغم من وجود أرض صخرية يبلغ طولها ستة آلاف ميل تفصل ما بين الإسكيمو الذين يقطنون ألاسكا ومن يسكن منهم جرينلند، فإنه لا يزال هناك تشابه ملحوظ في اللغة والعادات.

ويبلغ تعداد الإسكيمو اليوم أربعين ألفاً يسكن نحو النصف منهم في ألاسكا، ويلي هؤلاء في الأهمية نحو 16 ألفاً يسكنون جرينلند.

ويخضع جميعهم لحكم أربع حكومات مختلفة هي: الولايات المتحدة. وكندا، والدانمارك، والاتحاد السوفييت.

ولقد عود المواطنون الإسكيمو الأول أنفسهم في سرعة العيش في البرد والجليد والثلج. واعتمدوا على الصيد وحده تقريباً ليكون مصدر رزقهم وعلى الأخص صيد البحر.

ولم يكن للخضر وجود فيما عدا الطحالب والتوت الذي ينبت صيفاً.

ولما لم يكن لديهم أي معدن مهما كان نوعه. فقد قنع الاسكيمو بصنع أسلحة من العظام أو بقايا قطع الخشب الطافية على سطح الماء. واتخذوا لحرفهم الواهية جلوداً تشد على إطارات من عظم الحوت وتخاط بأوتار من الجلد.

وكان ملبسهم المثالي جلود الحيوانات ذات الفراء، وبنوا مساكن لهم من الحجارة والطين ومن جلود الأنعام أو الثلج، والتمسوا الدفء والوقود من شحم الثدييات البحرية الأن زيت عجل البحر أو الحوت يشتعل تماه) كما يشتعل الكير وسين.

وكان هؤلاء المستوطنون الأوائل بطبيعة الحال أجلافا يمتازون بالحذق وسعة الحيلة. وبمرور القرون تعودوا شظف العيش وتعلموا أن يتقبلوا الفشل كجزء

من حياتهم اليومية، وكانوا إذا أدهم الخطب واشتد الألم وعضهم الجوع بنابه، فزعوا إلى نكتة أو بسمة تخفف كرمهم.

ولا يزال الإسكيمو في عصرنا الحاضر محتفظاً بكثير من هذه الصفات، فهو دائما بشوش الوجه. ثم إنه ميكانيكي موهوب، فقبل أن يغزو الرجل الأبيض موطنه كان قد اخترع رافع الأثقال الذي استخدمه في جذب فرس البحر مع كبر وزنه إلى الشاطئ، وسحبه على الجليد توطئة لذبحه.

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية طالما تعجب المهندسون من البراعة الي كان يستبدل بها الاسكيمو قطعة آلة مكسورة بأخرى صنعوها من العاج.

والاسكيمو جواب آفاق بطبعه ولا يملك من دنياه إلا حيث يحط رحاله والأدوات التي هي عدته، أما الحقول التي تنصب فيها الفخاخ وأرض الصيد، فهي مشاع بين الجميع، ولأي إنسان يرغب في الصيد أن يمارسه حيث يشاء.

ودستور جنسهم الذي لم تكتب بنوده، يجبر كل رجل وامرأة على العمل، ولذا فعدد الرجال الكسالى قليل.

والإسكيمو مثل الهندي، والد فطر على العطف، فهو لا يعاقب الطفل ولا يؤنبه، ونظريته في ذلك أن الصغير ستمتلئ حياته بالمتاعب بعد قليل، وأزمن الطفولة خصص للهو واللعب.

ومرافقة البنين لآبائهم عندما يسعون بعيداً على جليد البحر المتجمد تكسبهم خبرة الصيد في سن مبكرة.

أما البنات فبمحاكاتهن أمهاتهن يكتسبن في سرعة المهارات اللازمة لمجابهة الحياة القاسية التي تحياها المرأة الإسكيمو.

وفي مدننا يكون الناس معرضين لكل أنواع الأمراض، الأمر الذي يعطيهم فرصة اكتساب مقاومة للمرض.

وكان الإسكيمو يتمتعون بصحة فائقة قبل مجيء الرجل الأبيض إليهم، ولم تكن هناك جراثيم تلوث الجو البارد في الشمال الأقصى، ومن ثم لم يكن لدى الإسكيمو مناعة ضد الأمراض التي جاءت في ركاب صيادي الحيتان الأول كالحصبة والسل ونزلات البرد العادية، ففتحت هذه الأمراض بالآلاف من الإسكيمو.

ونظراً لقلة النسبية للخضر التي تتخذ طعاماً، فإن الإسكيمو بحكم الضرورة أصبحوا من كبار أكلة اللحوم، وهم يستهلكون كميات ضخمة من لحم عجل البحر والشحم.

ويستعمل الإسكيمو سكين سلخ يفصل بها قطعة كبيرة من اللحم. ويزدردها نيئة أو شبه مطهية، ويكمل هذا الغذاء بوجبة من شحم متجمد ودمن وهي مواد غنية بالفيتامينات على الرغم من أن ذلك يبدو منفراً..

وقد أثبت كل من «نانسن» و "ستيفانسن"، أن الرجل الأبيض نفسه في مقدوره أن يعيش في المنطقة المتجمدة ويحظى بصحة جيدة لفترات طويلة من الزمن ولا غذاء له سوى اللحم فقط.

الكلاب لدى شعب الإسكيمو:

ويسمى الإسكيمو كلبه المسكي ذا الصوت الأجش "كنجمات"..

والمسكى كلب مهجن انحدر من سلالات مختلفة، ويعتقد بعض الناس أنه يمت للذئب القطى بصلة، لأنه كالذئب يعوى ولا ينبح.

ولكن المسك العادي بأذنيه المنتصبتين وذيله الذي يشبه الريش والمثنى على ظهره يكون أقرب شبهاً بسلالات الكلاب من طراز «شاو» و «نبوفوندلند» ولبرادور» أو «سبتز».

وتولد الكلاب في أي فصل من فصول السنة. ويكون الجرو أعمى عند ولادته. ويغطى الشعر جسمه. وفي اليوم السابع أو الثامن تنفح عيناه. ومن جراء تحرش الكلاب الكبيرة به، وزج أمه به في دنيا تزخر بالبرد، تعلم بسرعة كيف يرعى شئونه بنفسه.

وهو دائم الجوع، ولذا فإنه ينقض على كل ما من شأنه أن يؤكل، كقفاز من جلد عجل البحر، أو سوط من جلد فرس البحر، أو قطعة من لحام. وهذه يزدردها في شراهة وبأسرع ما يمكن. قبل أن يختطفها منه كلب أكبر منه.

وتنام كلاب الهسكي في العراء حتى ولو بلغت درجة الحرارة 60 تحت الصفر، وترقد مدفونة في الثلج الذي يعمل كعازل ضد البرد. وفي الشتاء عند ما تجد جماعة الكلاب عملا. فإن الغذاء يقدم لها يوم ابعد يوم، فإذا أهل الصيف فلا يقدم لها من الطعام شيء في حقيقة الأمر، ولذا فالكلاب التي تولد صيفاً لا تجد ما يقيم أودها في يسر، ولذا فهي تخشى

الشواطيء بحثا عن المخلفات التي قد تقذف بها الأمواج. إن الإسكيمو ليعتبر إطعام كليه مشكلة من كبرى مشاكله، ذلك لأن الكلب يأكل بقدر ما يأكل الرجل، وكثيراً ما تقع قافلة من الصيادين في مثنى.

ويسمى هذا التشكيل بسرج الولاية. أما في أقاليم خليج هدسن وكذناك في جرينلند. فإن الكلاب تسرج على هيئة المروحة، ويتراوح عدد أفراد الفرقة الواحدة ما بين سبعة إلى أربعة عشر كلباً.

وكلب الطليعة شخصيته لها حصانة ويدخل مع سائر الكلاب في عراك للاحتفاظ بمركزه، ولكن إذا أساء السلوك وألهب سيده ظهره بالسوط فإنه يعوى وكأنه يموت موتة بطيئاً..

ويبلغ طول الزحافة نفسها عادة عشر أقدام أو اثنتي عشرة قدما، كما يبلغ اتساعها ثلاث أقدام، مركبة على جوار عالية ومتينة ومزودة بمقابض من الخلف لمعاونة السائق في قيادة الزحافة.

وكلب المسكي صياد بالسليقة، ويستعين بحاسة شمه الحادة على أن يستكشف مكان قطيع من حيوان الكاريبو على بعد عدة أميال..

وعند صيد عجول البحر فإن الإسكيمو بطلق كلابه لتطوف وفق مشيئتها ولأن هذه الكلاب تعرف أن عثورها على صيد معناه تناولها وجبة، فهي تتلهف على الفوز بحصيلة طيبة من الصيد تلهف أصحابها.

فهي تتسابق عبر جليد الماء الملح، وتدس أنوفها في الشقوق، ويرسل صاحبها فرقعة السوط المصنوع من جلد فرس البحر فوق آذانها.

وهذه الكلاب عون قوى لصاحبها عند صيد الثعالب، فخطوط الفخاخ في حاجة إلى زيارات دورية منتظمة، لأن الذئاب تفترس الثعالب عادة بمجرد أن تمسكها الفخاخ.

كما أن الغربان اعتادت السطو على الطعن وإذا هبت عاصفة ثلجية وطمرت الفخاخ تحت الثلج على عمق عدة أقدام فإن حاسة الشم الحادة للهسكي هي التي تدل العائد على مكانها.

وإن الإسكيمو الذي يكون قد نصب حباله وبها مائة فخ أو تزيد يحتاج إلى كل معونة تقدمها له كلابه الوفية. وقد يورد كلب الهسكي نفسه مورد التهلكة عند ما يقف وجها لوجه أمام دب قطبي.

مجرد شم فريق الكلاب رائحة نانوك والدب القطبي، تمتلئ قلوبها جميعاً بالغيظ.

وفي أثناء اشتداد الملحمة قد يغامر كلب بالاقتراب أكثر من اللازم من مخلب الدب الأمامي، وفي هذه الحالة يدفع حياته عقابا له على جرأته. ذلك لأن الموت يكمن في ضربات الدب الي يهوي بها في سرعة البرق.

وإذا هاجمته الكلاب من ناحية مؤخرته المغطاة بالفرو الخشن فإن الدب يقف موقف المدافع، أما إذا استدارت وكرت على الدب تريد أن تعمل أسنانها في رقبته أو أذنيه فإنها تكون قد جرت على نفسها المصائب وأوردت نفسها موارد التهلكة.

ولا يوجد بين فصائل الكلاب ما يبز المسكي في تجلده، فإذا اتسمت الرحلة بالقسوة والخشونة، وشح الزاد أو انعدم فإن كلب المسكي يستمر في مواصلة سحب الزحافة حتى تخور قواه ويرتمي أرضاً.

ولولا هذه الفصيلة العجيبة من الكلاب المهجنة لانقرض جنس الإسكيمو من الشمال منذ زمن بعيد.