عجول البحر:

لا يوجد بالمنطقة المتجمدة الشمالية مكان يزخر بالحياة بكثرة راجحة مثل البحر، وعجول البحر أشهرها، وربما كان مرد ذلك أنها تسد إلى حد بعيد أغلب حاجيات سكان الشمال الأقصى.

ولحم عجل البحر مصدر أساسي للغذاء، أما الزيت الناتج من شحمه أو دهنه فيتخذ وقوداً. وهذا الزيت إذا أشعل يعطى طيباً مستقراً، وتصنع من جلده الأحذية وبعض أصناف الملابس، كما تصنع من الجلد الناعم العجل البحر ذي اللحية أسمك نعال الأحذية.

أما عظامه فتتخذ آلات وأدوات منزلية، وهكذا لا يضيع جزء من الحيوان سلى.

ويختلف عدد عجول البحر اختلافاً كبيراً في الأماكن المتعددة بالمنطقة المتجمدة الشمالية، وحينما توجد تيارات بحرية قوية تحمل على تفتيت الجليد، يكون عدد عجول البحر وفيراً، وبندر وجودها حيث الخليد سميك وماسك، لأن هذه الظروف لاتهيئ الفرص المواتية لعجول البحر للصعود من الماء لاستنشاق حاجها من الهواء.

وعجول البحر في مياه المنطقة المتجمدة متعددة الأشكال، ويسود نوعان منها في الحوض القطبي وهما: عجل البحر الملتحي، وعجل البحر المطوق.

أما المطوق -- وقد سمي هكذا لوجود علامات به - فيفضل العيش بالقرب من اليابسة حيث يتفتت الجليد مبكراً في فصل الربيع، ويطمئن إلى كثرة الطعام من الرنجة والكد والحارات، وتحتفظ عجول البحر المطوقة خلال فصل الشتاء كله بفتحات تحدها في الجليد لتتنفس منها.

وفي المعتاد يكون لكل منها سلسلة من أربع أو خمس فتحات تبعد كل منها عن الأخرى بنحو ميل. وعند هذه المواقع الممتازة يتربص الصائد، وبيده رمحه أو بندقيته. ولعجل البحر أعداء آخرون بالإضافة إلى الإنسان، فالدببة القطبية. وأسماك القرش، والحيتان القاتلة، ترقبه دائماً..

أما عجل البحر الملتحي - فقد وصف بهذا الاسم لوجود أشواك خشنة نابتة من خطمه وهو أكبر حجماً من الطوق، ويبلغ وزنه في المتوسط نحو خمسمائة أو ستمائة رطل، ويبلغ طوله تسع أقدام أو عشراً، وليس من طبعه أن يتنفس من خلال فتحات في الجليد في أثناء الشتاء وإنما يفضل الطرق المائية المكشوفة.

ويعتبر الاسكيمو لحم هذا العجل يخاصة طعاماً شهياً، وعلى عكس ما يعتقده البعض فإن لحم عجل البحر ليس له نكهة السمك، بل له في الحقيقة مذاق اللحم البقري الذي نطعمه وإن كان أكثر قتمة في اللون.

وهناك نوع واحد من عجول البحر تراه في كل مكان بالمنطقة المتجمدة الشمالية قاطبة والذي يطلق عليه اسم عجل البحر الأشعر، ولقد شوهد حتى في جوار القطب الشمالى، وهو أصغر بكثير من عجل البحر الملتحى، ويبلغ وزنه في المتوسط مائة وخمسين رطلا.

وصيد عجل البحر الذي يعيش في المنطقة المتجمدة الشمالية صناعة رائجة منذ أوائل القرن القرن التاسع عشر، ويعتبر حتى اليوم مصدر ربح مادي ومالي.

في كل عام تصاد من عجول البحر أكثر من خمسمائة ألف يقتلها الصيادون في أماكن تجمعها الرئيسية، وهي كتل الجليد في شرق جرينلند، والمياه العاصفة شرق نبوفوندلاند ولابرادور.

وتقدر الحصيلة السنوية لفرائها وجلودها وشحمها وزينها بعدة ملايين من الدولارات.

وعجل البحر الأشعر هو أساس هذه الصناعة في جرينلند. فالعجل الوليد اختص بأثمن أنواع الفراء، ولونه أبيض أو أسود مشرب بزرقة، ويحتفظ جلده بفرائه المدة الثانية أو العشرة الأيام الأولى من يوم ميلاده، ولذا يسمي دوبر ثابت، وإنه لمن الضروري أن يصل الصيادون إلى مكان تربية العجول المولودة في هذا الوقت، لأن هؤلاء الصغار لا تعرف السباحة وترقد على سطح الجليد لا حول لها ولا قوة، فتقع فريسة سهلة للصيادين الذين يستطيعون أحيانا قتل الآلاف منها في اليوم الواحد.

وتعتبر جزائر "بريبيلوف"، التي اشتريت مع جزيرة ألاسكا المهد الأسطوري العجول البحر ذات الفراء، وتختلف هذه الحيوانات عن نظائرها التي يكسوها الشعر في أن بهاء فرونها لا يستقل به مودم معلوم.

وتقدر أسراب عجول البحر بالملايين في جزائر بريبيلوف، التي كشفها مرة سنة ۱۷۸6 ملاح روسي اسمه (جيراسمين بريبيلوف، فقد سمع بأسطورة قديمة للإسكيمو عن جزيرة صخرية تقع في شمال الأليوشيان حيث قيل إن أعداداً كبيرة من عجول البحر ذات الفراء تتجمع هناك كل صيف، ولاعتقاده أن كل أسطورة لا بد أن يكون لها أساس من الصحة، فقد قرر بحث هذا الموضوع بنفسه. وبطريق المصادفة البحتة عثر على سرب من هذه العجول في أثناء هجرتها وتبعها إلى حيث تلد صغارها وتقوم على تربيتها.

واتضح له أن ما ذهبت إليه هذه الأسطورة لم يكن سوى حقيقة واقعة. ومنذ هذا الوقت وأثمان الفراء التي جمعت من هاته الجزر الجرداء ذات الجو الزمهرير قد فاقت أضعافا مضاعفة الثمن الأساسي الذي دفع ثمنا لألاسكا، إذ أن عدد ما يؤخذ من جلودها يبلغ سبعين ألفاً كل عام.

وسرعان ما تسلخ هذه الحيوانات وتؤخذ جلودها حتى يستخلص الزيت من شحومها. أما لحمها فهو الطعام المفضل للسكان الوطنيين.

وتسحق عظامها لإعداد وجبة طعام للدواجن والحيوانات، وتجهز الجلود في عناية ثم تحزم وتشحن بالسفن إلى شركة في مدينة سانت لويس في مقاطعة ميسوري تملك حق بيع الجلود في مزاد علني بالنيابة عن الحكومة.

وتدر هذه الجلود بمفردها دخلا يقدر في المتوسط بأربعة ملايين دولار.

فرس البحر:

أما فرس البحر فكان من بين الثدييات الأولى التي عاشت بالمنطقة المتجمدة الشمالية وعرفت في أوروبا.

وبالإضافة إلى عظم حجمه، فإن فرس البحر يختلف عن عجل البحر في أن له زوجاً من الأنياب العاجية المتصلة بفكه العلوي، ويبلغ طول كل ناب عادة قدمين، ويستعملهما في حفر طين قعر البحر بحثاً عن المحارات وبلح البحر.

ولا يقتات فرس البحر على الأسماك مخالفاً في ذلك باقي أفراد عائلة عجول البحر.

وفرس البحر تراه إذا ما سبح في الماء خفيف الحركة على الرغم من ضخامة جسمه وعدم تناسقه، ولكنه على اليابسة يكون بطيء الحركة ثقيل الظل.

وتجمع أسراب أفراس البحر في تكتلات متلاحمة على ساحل البحر، وبذلك تقع غنيمة باردة للصيادين.

وإذا أثخن هذا الحيوان بالجراح، استغل نابيه في إحداث آثار سريعة ورهيبة، وله في أثناء النزال خوار مرعب سماعه.

ويؤخذ من شحم فرس البحر كميات ضخمة من الزيت، ولكن العاج الجميل لنابيه هو أهم ما يقدر هذا الحيوان من أجله، كما أن جلده المتين له سوق رائجة، في مدن العالم الكبرى يصنع من جلده بعض من أجمل وأغلى المتاع.

أما الإسكيمو فيستعملون جلده في جملة أغراض أهمها كساء قواربهم المسماة وأمياكس، من الخارج بهذا الجلد.

الحيتان في المنطقة الشمالية:

وفي وقت ما كانت مياه المنطقة المتجمدة الشمالية تزخر بكثرة ما بها من أفراس البحر، ولكنها مثل الحيتان الكبيرة قد أعمل فيها الصيادون القتل في غير هوادة وبذلك انخفض عددها اليوم بدرجة كبيرة.

وتوجد أنواع متعددة من الحيتان في مياه المنطقة المتجمدة الشمالية، فالحوت المستقيم الذي يقطن مياه جرينلند هو حوت بليي، أو من النوع الذي له عظم حوتي، وهو من الثدييات الحية التي تعيش في الجليد.

ونظراً إلى أن انحناء رأسه يشبه القوس في تحدبها، فقد أطلق عليه صائدو الحيتان قديماً اسم «الرأس المقوس».

ويشغل رأسه المائل ثلث طول جسمه الذي قد يبلغ أحياناً 15 قدماً. ولونه أسود به بقع بيضاء. ويعيش الحوت ذو الرأس المقوس في بحر المنطقة المتجمدة وفي خليج هدسن، وفي مياه جرينلند، وفي بحري برنج وأوختسك.

ولقد تخلخلت أعداد الحيتان إلى درجة كبيرة على مر السنوات. وكان الهدف الرئيسي من صيده هو عظمه الذي يمتاز بالرقة وقابليته للثنى، ويبطن هذا العظم في الحوت ويستعمله كمصفاة لتصفية طعامه المستمد من البحر. وفي أثناء القرن الأخير كان أهم ما بستغل فيه عظم الحوت هو صناعة أسواط كرابيج العربات. وكذلك المشدات التي تلبسها النساء.

أما في أيامنا هذه فيباع الرطل منه بخمسة دولارات، فإذا علمنا أن الحوت الكبير قد يؤخذ منه ثلاثة آلاف رطل من عظمه والبلين» أمكن أن نعرف أي ربح محقق يستولى عليه صائد الحوت الأمريكي.

ثم حدث في بعض الزمن أن اخترع ما يسمى بالعظم الريشي واستعمل بديلا من عظم الحوت في صناعة الأسواط والكرابيج، والمشدات، وبذلك لم يعد تجهيز رحلات كثيرة النفقات لصيد الحوت أمراً مربحة.

والحوت الأبيض أو «البلوجا، أقل حجماً بكثير من الرأس المقوس، فإن طوله قلما يجاوز عشرين قدماً.

ويكثر وجود هذا الحوت على امتداد سواحل ألاسكا، وعلى الأخص في بحر برنج وفي المحيط المتجمد الشمالى، ولقد عرف أنه يصعد في مياه نهر اليوكون المسافة بعيدة.

ويقوم الاسكيمو أحياناً بصيد عدد كبير من الحيتان البيضاء، وذلك بدفعها إلى دخول مياه ضحلة فتصبح لا حول لها ولا قوة.

والمشهور عن الحوت الأبيض أنه إذا قتل وهو في مياه عميقة فإنه يرسب إلى القعر كما يفعل الحجر.

وتوجد خنازير البحر والبر بوزات، والدلفينات في جميع المحيطات، وتمت كلها فعلا بالصلة لعائلة الحيتان ذوات الأسنان. وكلها حيوانات رشيقة، وتحب الألفة على ما يبدو لأن تجمعاتها تمضي ساعات في قفز ومرح تحت مقدمة السفينة.

ولكن لا مرح إذا تناولنا أكبر أفراد عائلة البربوزات وهو والحوت القاتل» وهو من بين أشد مخلوقات الله شراسة.

ولقد يبلغ متوسط طول الواحد منها 25 قدماً، كما يصل وزنه إلى ۲۰ طناً. أما الفكان العلوي والسفلى لكل منها فزودان بصفين من أسنان طويلة خبيثة، يستطيع معها الحوت أن يشطر عجل بحر أو رجلا إلى جزئين بقضمة واحدة.

ويمكن تمييز هذه الحيتان من مسافات طويلة بزعنفة ظهرية يبلغ ارتفاعها ست أقدام.

وعندما تقوم هذه الحيتان بالصيد جماعات فإنها تندفع داخل الماء كأنها طوربيدات حية، ولن ينجو أي مخلوق يسبح في الماء من مهاجمتها، وتتخذ من كل محبطات العالم ابتداء من المحيط المتجمد الشمالى حتى المحيط المتجمد الجنوبي ميداناً لها.

وأشد الثدييات التي تعيش في البحر المتجمد الشمالى إثارة للدهشة كركدن البحر والنارهوال»، وهو وإن كان أحد أفراد عائلة خنازير البحر ليس في الحقيقة سوى حوت صغير، وفي صغره يكون له لون الأردواز، ويقتم لونه كلما كبر في السن حتى يصبح أسود مرقشا.

وحدت النارهوال له نابان مثل فرس البحر، إلا أن أحدهما فقط هو الظاهر، وهو عبارة عن حلزون من العاج يبلغ طوله عادة ثماني أقدام. ولا يدري أحد كيف يستعمله الحوت ولا في أي غرض يستخدمه.

ويعتقد بعض الناس أن أسطورة الحصان الخرافي (يونيكورن) الذي إله قرن بارز من جبهته، قد نبتت جذورها بطريقة ما من هذا الحيوان الثدي البحري الغريب.

وعلى الرغم من أن حيتان النار هوال نظرها ضعيف فإنه من الصعب صيدها لحدة سمعها المتناهية، فالصوت الخافت للمجداف في الماء أو الخطو الخفيف على الجليد كلاهما كاف لأن يجعلها تولى الأدبار.

ويجب أكل لحم هذا النوع من الحيتان عقب صيدها مباشرة، لأن اللحم سرعان ما يصبح ساا.

ولقد يعجب الإنسان كيف أصبح ميسوراً أن تحتوي البحار القطبية غذاء كافياً ليطع هذا العدد الوفير من المخلوقات الهائلة الحجم.

حيوانات بحرية أخري:

وواقع الأمر أن البحار الشمالية تموج بعدد لا يحصى من الكائنات الحية، والبعض منها حيوانات قشرية كالحارات والسرطانات البحرية والقواقع، كما أن منها كائنات نباتية من ذوات الخلية الواحدة تسمى الدياتومات، وكثير منها يبلغ من الدقة حداً لا يرى معه إلا خلال الميكروسكوب، والبلانكتون هو الاسم الجامع لهذا النوع من الكائنات البحرية التي توجد بكميات تفوق حد التصور.

والبلانكتون لا يملك قدرة على الحركة وإنما يتحرك تلقائيا في الماء بقوة دفع التيارات البحرية له. وتبلغ كمياته حداً من الضخامة يفقد الماء لونه الأزرقالمعتاد ويكسبه غلالة من لون أخضر أو أسمر مشرب بحمرة.

واستكشف الصائدون الأول للحيتان في سرعة أن الحيتان ترتاد الأماكن التي يكثر البلانكتون بها، واستنتجوا أن عائلة الحيتان والدلفينات لا بد وأنها تتخذ البلانكتون غذاء رئيسياً لها.

ويعلق الإسكيمو دائما أهمية بالغة على السمك مثل الكدوالهالييت في البحر والسالمون في الأنهار والبحيرات.

ولقد درج سكان جرينلند على صيد سمك القرش. كلب البخر، منذ قرون مضت، وعلى الرغم من أن سمك القرش الذي يقطن المنطقة المتجمدة الشمالية قد يبلغ في الطول نحو ثماني عشرة قدماً فإنها لا تهاجم الإنسان، بل تتجمع حول جثة حوت أو عجل بحر ميت وتملأ جوفها بشراهة حتى لتكاد صبح غير قادرة على السباحة. وأهمية سمك القرش تكمن في كبده التي يستخلص منها زيت غني بالفيتامينات.

والشار الأحمر نوع من السالمون يكثر وجوده في قطاع كندا الواقع في المنطقة المتجمدة الشمالية وفي جرينلند وسيتسبرجن ونوفايا زمليا (بالاتحاد السوفييى).