الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله ومن والاه.

أما بعد فإن الإجهاض أمر قد شاع وانتشر في كثير من بقاع العالم في العصر الحديث نتيجة انتشار الزنا.. واضطراب القيم.. وحياة القلق والكآبة التي زادت مع حضارة القرن العشرين الزائفة..

وقد ذكرت مجلة Medicine Digest (مارس ۱۹۸۱) أن التقديرات الطبية تدل على أن 13.700.000 حالة اجهاض جنائي تتم سنوياً في البلاد النامية ([1])... وفي شبه الجزيرة الايربية (اسبانيا والبرتغال) أكثر من مليون حالة إجهاض جنائي سنوياً، وفي بقية دول أوروبا الغربية أكثر من مليون. ومنذ أباحت المحكمة العليا عام ۱۹۷۳ (في الولايات المتحدة) الإجهاض فقد تم إجهاض أكثر من 15 مليون حالة إجهاض (حتى عام ۱۹۸۳) كما ذكر ذلك الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في مقاله الذي نشرته مجلة هيومان لایف.

ويعتبر الاتحاد السوفيتي أول دولة في العالم أباحت الإجهاض بمجرد طلب الحامل حتى مع عدم وجود أي سبب طبي (عام ۱۹۲۰) بعد قيام الثورة البلشفية التي قادها لينين..

و قد أدى ذلك إلى انتشار الإجهاض بدرجة مريعة جعلت السلطات السوفيتية تتراجع عن قرارها في عام 1936 عندما أصدرت السلطات قانوناً يحدد الإجهاض بالأسباب الطبية.

وعندما انتشرت موجة الإجهاض مرة أخرى قام الاتحاد السوفيتي عام 1955 بإباحة الإجهاض.. وتبلغ حالات الإجهاض الجنائي حاليا ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين حالة سنوياً هناك.

وتعتبر اليابان أول دولة آسيوية تبيح الإجهاض حسب الطلب وتبلغ حالات الإجهاض هناك ثلاثة ملايين حالة سنوياً.

 

وفي الستينات أباحت الدول الاسكندنافية الإجهاض وتبعتها بريطانيا.. ورغم أن الدول التي تدين بالكاثوليكية لا تزال تحرم الإجهاض إلا أن الإجهاض الجنائي هناك منتشر أيضا وإن كان يتم بصورة غير علنية وغير قانونية.. ففي إسبانيا والبرتغال ينتشر الإجهاض وكذلك في أمريكا اللاتينية.. وجميع هذه البلدان تحرم الإجهاض قانونياً وتبيحه فعلياً.

وخلاصة الأمر أن حالات الإجهاض الجنائي تبلغ أكثر من ٢٥ مليون حالة سنوياً حسب تقرير منظمة الصحة العالمية سنة ١٩٧٦ وتذكر مجلة التايم الأمريكية (٦ أغسطس ١٩٨٤) أن حالات الإجهاض قد زادت الى خمسين مليوناً في كل عام.

ومع هذا تجد أجهزة الإعلام تقيم الدنيا وتقعدها من أجل طفل الأنبوب..

وأي مسخ لهذه الحضارة التي تنفق مئات الملايين من أجل أن تحمل امرأة عاقر في الوقت الذي تقوم فيه بقتل خمسين مليون طفل سنوياً.. وأي إهدار لحرية النفس البشرية التي تجعل الإجهاض حسب الطلب!! والله سبحانه وتعالى يقول: ) ومن أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً (..

 

وفي هذا البحث الذي بين يديك ذكرنا تعريف الإجهاض في الطب والفقه.

 

ثم ذكرنا أنواع الإجهاض التلقائي والجنائي وأسبابهما.. ثم انتقلنا إلى الإجهاض العلاجي.. ومتى يعتبر الإجهاض من الوجهة الطبية مطلوباً.. ثم انتقلنا إلى أقوال العلماء والفقهاء في الإجهاض وأسبابه ودواعيه.

ومتى يباح ومتى يحرم؟. واختلاف المذاهب في ذلك.. ثم على من تقع مسؤولية الإجهاض إذا تم؟. وما هي دية الجنين؟ ومن يتحملها الى غير ذلك من المباحث الفقهية المتعلقة بالإجهاض.

ولعل هذا البحث يوضح أبعاد مشكلة الإجهاض من النواحي الطبية والفقهية كما يلمس الجوانب الاجتماعية للإجهاض لمساً سريعاً. وبما أن موضوع الإجهاض من المواضيع الحياتية فإن الحاجة إلى معرفة أسبابه ودواعيه وفهم أقوال الأطباء وأقوال الفقهاء فيه أمر يحتاج إليه الطبيب والفقيه كما تحتاج له كثير من الأسر.

والله أسأل أن ينفع به کاتبه وقارئه، وأن يكون ذلك فاتحة المزيد من الأبحاث في هذا الموضوع الدقيق الشائك. والله ولي التوفيق لا معبود غيره ولا رب سواه.

(1) وذكرت مجلة التايم الأمريكية في 6 أغسطس 1984 أن عدد حالات الإجهاض في العالم تزيد عن خمسين مليوناً.. أكثر من نصفها في البلاد النامية.