اختلف الفقهاء في أحكام غسل السقط والصلاة عليه.. وقال العبدري (نقلاً عن المجموع للإمام النووي ج ٢٠٦ / ٥) وإن كان له دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف يعني الإجماع. وإن كان أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء. وقال أحمد وداود رحمهما الله: يصلی عليه..

قال الإمام الشيرازي في المهذب:

«إذا استهل السقط أو تحرك ثم مات غُسِلَ وصُلى عليه، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي r قال: (إذا استهل السقط غسل وصلى عليه وَوُرِثَ ووُرَث». ولأنه قد ثبت له حكم الدنيا في الإسلام والميراث والدية فَغُسل وصُلي عليه كغيره. وإن لم يستهل (أي يصرخ) ولم يتحرك، فإن لم يكن له أربعة أشهر، کُفِنّ بخرقة ودفن.

وإن تم له أربعة أشهر ففيه قولان: قال في القديم يصلى عليه لأنه نفخ فيه الروح فصار من استهل (أي صرخ) وقال في الأم: لا يصلى عليه وهو الأصح لأنه لم يثبت له حكم الدنيا في الإرث وغيره فلم يصلَّ عليه ... فإن قلنا يصلى عليه غسل كغير السقط، وإن قلنا لا يصلى عليه ففي غسله قولان. قال في البويطي: لا يغسل لأنه لا يصلي عليه فلا يغسل کالشهيد. وقال في الأم: يغّسل لأن الغسل قد ينفرد عن الصلاة كما نقول في الكافر.

قال الإمام النووي في الشرح: حديث ابن عباس من رواية ابن عباس غريب.. وإنما هو معروف من رواية جابر (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي) وإسناده ضعيف وبعض رواياته موقوف على جابر (وقال الترمذي والنسائي الموقوف أولى بالصواب) وقد فصل الإمام النووي في المجموع حكم المسألة فذكر الآتي (ملخصاً).

١) إذا استهل السقط صارخاً فيجب غسله والصلاة عليه بلا خلاف. (والجدير بالذكر أن الأطباء لا يطلقون على المولود الذي أتم ستة أشهر سقط، بل يسمون ذلك ولادة قبل الميعاد فإذا استهل صارخا فهو مولود فإن مات بعد ذلك فيسمى موت بعد الولادة Perinatal Death وأما إذا نزل ميتا بعد ستة أشهر فيسمى الولادة الساكنة Stillbirth).

۲) أن يتحرك السقط حركة تدل على الحياة ولا يستهل صارخاً أو يختلج ففيه قولان: أحدهما يُغَسل ويصلى عليه ... وهو قول الإمام الشيرازي والعراقيون. والقول الثاني لا يصلي عليه وحكاه بعض الخراسانيين ثم اختلفوا في غسله فإن لم يبلغ أربعة أشهر فلا يصلى عليه ولا يغسل.. وقال بعضهم يغسل إذا ظهرت فيه خلقة آدمي.

۳) إذا بلغ السقط أربعة أشهر ففيه ثلاثة أقوال:

الأول: وهو المنصوص عليه في الأم ومعظم كتب الشافعي يجب غسله ولا تجب الصلاة عليه بل ولا تجوز أيضاً والثاني: لا يصلى عليه ولا يغسل.

والثالث: يُصلى عليه ويُغّسل كما حكاه الشيرازي عن الشافعي في مذهبه القديم ... وقد أنكر أبو حامد وصاحب الحاوي والامام النووي كونه في القديم.

فإذا وجبت الصلاة في أي حالة من هذه الحالات فقد وجب الكفن التام.. وأما الدفن فيجب سواء وجبت الصلاة والغسل أم لم تجب عند بعضهم وقال إمام الحرمين والغزالي في البسيط: «وإذا ألقت المرأة مضغة لا يثبت بها حكم الاستيلاء ووجوب الغرة (أي قبل التخليق) ولا غسل ولا تكفين ولا صلاة فلا يجب الدفن. والأولى أن تواری». وإذا لم يجب الدفن فهل يجوز استخدام السقط في التجارب العلمية؟

وهذه النقطة الأخيرة قد أثارت زوبعة في أوربا والولايات المتحدة.. فهل يجوز إجراء التجارب لمعرفة العيوب الخلقية في الأجنة؟ والى متى يجوز ذلك؟ وخاصة أن إخصاب البويضات يتم في المختبر (فيما يسمى طفل الأنبوب) بحيوانات منوية..

وقد أقرت اللجنة المختصة المكونة في بريطانيا للنظر في هذه القضية عام 1984 السماح للأطباء والعلماء بإجراء التجارب على هذه الأجنة حتى اليوم الرابع عشر ثم أمرت بإيقاف كل تجربة بعد ذلك وترك الجنين يموت.. لأنها اعتبرت اليوم الرابع عشر بداية تكون الشريط الأولي Primitive Streak الذي عنه ينشأ بداية الجهاز العصبي.. وإن كان قد ثبت أن الجنين لا يشعر بأي ألم قبل مرور ٤٢ يوماً.

وقال الإمام البغوي: «إذا ألقت علقة أو مضغة لم يظهر فيها شيء من خلق الآدمي فليس لها غسل ولا تكفين وتواری كما يواری دم الرجل إذا افتصد أو احتجم». كما ينقله عنه الإمام النووي في المجموع.

وأما الرافعي فقال: ما يظهر فيه خلقة آدمي تكفي فيه المواراة.

وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ذكر ما يلي (باختصار) ([1]):

(1) الشافعية: قالوا إن السقط النازل قبل عدة تمام الحمل وهي ستة أشهر ولحظتان إما أن تعلم حياته فيكون كالكبير في افتراض غسله (والصلاة عليه، وإما أن لا تعلم حياته، وفي هذه الحالة إما أن يكون قد ظهر خلقه فيجب غسله دون الصلاة عليه، وأما ألا يظهر خلقه فلا يفترض غسله.

وأما السقط النازل بعد المدة المذكورة (ستة أشهر) فإنه يفترض غسله وإن نزل ميتا وعلى كل حال يسن تسميته بشرط أن يكون قد نفخت فيه الروح (أي جاوز أربعة أشهر).

(2) الحنفية: قالوا إن السقط إذا نزل حيا سواء قبل تمام مدة الحمل أو بعده فإنه يغسل وإذا نزل ميتا فإن كان تام الخلق فإنه يغسل كذلك. وإن لم يكن تام الخلق بل ظهر بعض خلقه فإنه لا يغسل الغسل المعروف وإنما يصب عليه الماء ويلف في خرقة ويسمى لأنه يحشر يوم القيامة.. ولكنه لا يصلى عليه بخلاف السقط الذي نزل حية واستهل صارخة فإنه يصلي عليه.

(3) الحنابلة: إذا أتم السقط في بطن أمه أربعة أشهر كاملة ثم نزل وجب غسله وأما إذا لم يتمها فلا يجب غسله.. ويصلي على السقط إذا أتم أربعة أشهر فما فوقها وهذا أيضا هو رأي الظاهرية ([2]).

(4) المالكية: لا يغسل إلا إذا كان السقط محقق الحياة بعد نزوله بعلامة تدل على ذلك كالصراخ والرضاع وإلا كره.. وعند مالك لا يصلي عليه الا أن يختلج ويتحرك ويطول ذلك عليه (2).

وتجب الصلاة على السقط إذا كان غسله واجبأ وإلا فلا صلاة عليه.

وجاء في منهاج الطالبين للإمام النووي: والسقط إن استهل أو بکی ككبير (أي حكمه حكم الكبير من حيث وجوب غسله وتكفينه والصلاة عليه) وإلا فإن ظهرت أمارة الحياة کاختلاج صلي عليه في الأظهر. وإن لم تظهر (أي علامات الاختلاج) ولم يبلغ أربعة أشهر لم يصل عليه، وكذا إن بلغها (أي أربعة أشهر في الأظهر.

وفي مغني المحتاج للخطيب الشربيني ([3]) (وهو يشرح ألفاظ منهاج الطالبين للنووي) ذكر أن السقط إذا نزل حية واستهل ثم مات فلا خلاف في وجوب غسله وتكفينه والصلاة عليه.. أما إن لم يستهل صارخا ولكن ظهرت عليه أمارات الحياة كاختلاج فالأظهر الصلاة عليه لاحتمال الحياة.. ويجب غسله ودفنه قطعاً..

وإن لم تظهر عليه أمارات الحياة ولم يبلغ أربعة أشهر لم يصل عليه ولم يغسل بل يسن ستره بخرقة ويدفن.

أما إذا بلغ مائة وعشرين يوما (أي أربعة أشهر) لا يصلى عليه لا وجوباً ولا جوازاً في الأظهر ويجب غسله وتكفينه ودفنه ... بدليل أن الذمي يغسل ولا يصلي عليه.

وخلاصة القول: أن الأئمة مجمعون على الصلاة على السقط إذا نزل حية واستهل صارخاً.. ويتفقون أيضا أنه لا صلاة ولا غسل على من كان دون أربعة أشهر ويختلفون بعد ذلك فيما بين ذلك.

فالأمام أحمد وداود (الظاهرية) يريان غسل السقط والصلاة عليه إذا بلغ أربعة أشهر.. والأخرون على أنه لا يغسل ولا يصلي عليه الا الشافعية فإنهم يرون أنه يغسل ولكنه لا يصلى عليه إلا إذا ظهرت عليه أمارات الحياة.

وصلاة الجنازة من فروض الكفاية وإذا قام بها جماعة (ثلاثة) وقيل ولو واحد سقطت عن الكل.. وتصلى قبل الدفن ويجوز صلاتها بعد الدفن ولو كان الميت غائباً. كما تصلى جماعة أو فرادى وهي أربع تكبيرات بلا رکوع ولا سجود ويقرأ المصلي الفاتحة في الأولى والصلاة على النبي في الثانية والدعاء للميت في الثالثة لوالديه في الطفل والسقط الذي يصلى عليه. ويقول في الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر اللهم لنا وله.

(1) الفقه على المذاهب الأربعة مجلد ١/٥٠٣و ٥٢٢.

(1) المجموع ج 5/206.

(2) المجموع للإمام النووي ج5/206.

(1) مغني المحتاج للشربيني 1/349.