يعتبر الاغتصاب سبباً موجبا للإجهاض إذا نتج عنه حمل في قوانين كثير من الدول التي تمنع الاجهاض لأسباب غير طبية، متى رغبت المعتدى عليها في الإجهاض.

وقد أباح الإمام السبكي إجهاض حمل الزني ما دام نطفة أو علقة (أي قبل مرور 80 يوما لأن النطفة عندهم أربعين والعلقة أربعين) ([1]).

كما أباح الإمام الرملي (2) من الشافعية قبل نفخ الروح. وكذلك بعض علماء الأحناف والحنابلة كما تقدم ولم يشرطوا الإباحة يكون ذلك الحل من نكاح صحيح أو غيره ...

وقد عقد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي فضلاً للإجهاض من حمل سفاح في كتابه مسألة تحديد النسب ([2]) وأورد حججه في عدم جواز الاسقاط من حمل سفاح رغم أنه يميل إلى إباحة الاجهاض إذا كان من حمل نتج عن نكاح..

قال: فأما إسقاط الحمل الذي ينشأ بسبب الزنا فيختلف حكمه عن كل ما قد ذكرناه ، ... ثم يقول: «وبقطع النظر عن الإطلاق الوارد (في إباحة الإجهاض) في كلام كثير من الفقهاء في هذه المسألة وعن القاعدة الأصولية التي تصرف المطلق الى فرده الكامل فإن بين أيدينا جملة من الأدلة الناصعة التي تحرم المرأة التي حملت من زنى من حق الإجهاض أياً كان ميقاته وسواء نفخت الروح في الجنين أم لم تنفخ فيه. الروح بعده.

ويورد الدكتور البوطي خمسة أدلة على حرمان الزانية من حق الإجهاض فلخصها فيما يلي:

۱) قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى الإسراء 16 .. ولا مسوغ في الشرع للتضحية بحياة بريء من أجل ذنب اقترفته أمه.

۲) حديث المرأة الغامدية الذي رواه مسلم .. وقد كانت حاملاً فأمرها الرسول أن يدرأ عنها الحد حتى تلد.. فلما ولدت أمرها بإرضاعه حتى تفطمه فلما فطمته جاءت به وفي يده كسرة خبز للتدليل على أنه قد فطم فأمر برجمها حينئذ.  وقد قال الإمام النووي ([3]) في شرحه لهذا الحديث: لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنى أو غيره. وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها. وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع.

 

۳) إن الحكم بجواز الإسقاط خلال أربعين يوما من بدء الحمل المتكون بنكاح صحيح إنما هو رخصة وتقضي القاعدة الفقهية المتفق عليها عند جماهير الفقهاء (ما عدا الاحناف) بأن لا تناط الرخص بالمعاصي.

 ٤) بما أن الإجهاض لا يمكن أن يسمح به إلا بموافقة الأب مع موافقة الأم فإن الأب ها هنا (أي في الزنا) مفقود ... لأن الأب في الشرع لا يطلق إلا على من استولد امرأة بنکاح صحيح فإن كان من زنا فلا يدعى أباً.

وها هنا يقوم الحاكم مقام الأب.. وليس للحاكم أن يعفو عن القصاص لأن ذلك خلاف المصلحة بينما من حق ولي المقتول أن يعفو إذا شاء.. وكذلك فليس من حق الحاكم أن يأذن بالإجهاض في حالة الحمل من زنى إلا للضرورة التي سيأتي ذكرها.

ه) أن السماح للزانية بإسقاط حملها تشجيع للزنا ومناقضة صريحة لما تقتضيه قاعدة سد الذرائع.

وأما حالات الضرورة التي تبيح الاجهاض رغم كونه نتج عن حمل من سفاح فهي كما يذكرها الدكتور البوطي:

١) امرأة لم يثبت أمام القضاء زناها ولم تستوجب بالتالي حداً وإن كانت هي عالمة بحقيقة ما صدر منها، وهي مطالبة بأن تستر نفسها وأن تكتفي بالتوبة الصادقة تعقدها مع الله عز وجل. فإذا الجأتها الضرورة والحالة هذه إلى الإجهاض كان لها ذلك ضمن القيود والشروط التي مر ذكرها (أي قبل نفخ الروح في الجنين).

۲) امرأة ثبت أنها أكرهت على الفاحشة (وهو ما يسمى حاليا بالاغتصاب).. فيعتبر ذلك ضرورة ولها حق الاجهاض متى كان ذلك قبل نفخ الروح.

 

۳) امرأة ثبت زناها ولم تكن محصنة أي متزوجة فهي تتمتع عندئذ بسائر الأحكام التي تتعلق بالحامل من نکاح صحيح عندما تحيق بها الضرورة الملجئة إلى الإجهاض كان تتعرض حياتها للخطر أو هناك أسباب

طبية تدعو إلى الإجهاض.

وهذا الكلام الذي أورده الدكتور البوطي منطقي، ودليله قوي.

(1) عبد الرحمن المشهور: غاية تلخيص المراد من فتاوی زیاد ص247.

(2) نهاية المحتاج ج 8/ 416.

(1) صفحة 135-153.

(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج 11/201.