تختلف المراجع الطبية في ذكر نسبة حالات الإجهاض التلقائي اختلافا كبيراً فمنهم من يجعلها ۷۸ بالمئة من حالات الحمل (مجلة 47p، 1981 Medicine Jan Digest) ومنهم من يجعلها تتراوح ما بين 30 الى 40 بالمئة th 13, Merk Manual) (Edition P 949 ويعتبر الإجهاض التلقائي عملية طبيعية يقوم بها الرحم لطرد الجنين لا يمكن أن تكتمل له عناصر الحياة إذ وجد أن نسبة كبيرة من هذه الأجنة المجهضة تلقائياً مشوهة تشويهاً شديداً وبها إصابات بالغة في الكروموسومات (تتراوح النسبة ما بين ۷۰ إلى ٩٠ بالمئة).

ويقسم الاجهاض عادة إلى مرحلتين:

الأولى: ما قبل اثني عشر اسبوعاً وهذه تشمل أغلب حالات الإجهاض التلقائي.. بل أن كثيراً من المصادر الطبية تقول إن ما يقرب من خمسين بالمئة من حالات الإجهاض التلقائي تتم في مرحلة مبكرة جداً وقبل أن تعلم المرأة أنها حامل (أي بعد انغراز الكرة الجرثومية Blastula في الرحم وفي بعض الأحيان لا يحصل انغراز اصلاً..) ([1]).

والثانية: ما بعد اثني عشر أسبوعاً وهذه إن حصلت في الإجهاض التلقائي فتكون في الغالب سليمة العواقب. أما إن حدثت بفعل فاعل فإن مضاعفات ذلك الإجهاض كثيرة وتشمل النزيف الشديد، وتمزق الرحم أو انثقابه ولهذا فإن إخراج محتويات الرحم من المهبل لا ينصح بها بعد هذه المدة.. وإنما تستخدم عملية شق الرحم أو حقن السائل الأمنيوسي بمحلول ملح (۲). ولا يشكل الإجهاض بعد اثني عشر أسبوعاً سوی نسبة ضئيلة من جملة حالات الإجهاض التلقائي والمحدث.

 

أسباب الإجهاض التلقائي:

(1) خلل في البويضة الملقحة وأهمها خلل في الصبغيات (الكروموسومات).. ويعتبر هذا أهم سبب للإجهاض التلقائي إذ أنه يشكل ما بين ٦٠ إلى ٧٠ بالمئة من جميع حالات الإجهاض التلقائي. ولذا فإن الإجهاض يعتبر رحمة من الله بهذا الجنين المشوه تشويها شديداً.

(2) خلل في جهاز المرأة التناسلي نتيجة لأمراض في الرحم مثل عيوب الرحم الخلقية أو أورام الرحم الحميدة (الورم الليفي Fibromyoma) وانقلاب الرحم وأمراض عنق الرحم وتمزقاته.

(3) أمراض عامة في الأم: مثل مرض البول السكري وأمراض الكلى المزمنة والزهري وضغط الدم والحميات الشديدة وأمراض الغدة الدرقية.. والإصابة بفيروس الهربس والحصبة الألمانية.. وقد وجد أن التدخين وشرب الخمور يزيد من حالات الإجهاض كما يزيد من التشوهات الخلقية.

(4) إصابة الأم بضرب أو حادثة: وتعتبر هذه الأسباب قليلة التأثير على الرحم الطبيعي.. وإنما تؤثر على الأرحام التي بها بعض الخلل ... ولا يشكل سوى حالة من كل ألف حالة من حالات الإجهاض.

(5) الصدمة النفسية الشديدة: والغريب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم بغرة (20/1 من الدية أو وليد أو جارية) لمن أخاف امرأة فأسقطها) ... ([2]) والغرة قد حكم بها النبي r لا لمن أسقط حاملاً..

(6) نقص هرمون البروجسترون: ويعتبر مسؤولاً في بعض حالات الإجهاض المتكرر.

(7) الأدوية والعقاقير: وقد تعتبر هذه المجموعة ضمن أسباب الإجهاض المحدث Induced Abortion ولكنه قد ينتج عن غير قصد حيث تأخذ المرأة أدوية دون أن تعلم أنها حامل فيحدث لذلك الإجهاض، وقد اشتهرت الكينا والرصاص والكلوروكوين ومادة الأرجوت والمواد التي تعطى لمعالجة السرطان بتسبيب الإجهاض.. وأشهر المواد المختصة بتسبيب الإجهاض هي مادة الأوكسيتوسن Oxytocine والبروستاجلاندين Prostaglandin وهذه في الغالب تندرج تحت الإجهاض المحدث Induced Abortion وليس الإجهاض التلقائي.. و يعتبر النيكوتين في التبغ والكحول في الخمور وكثير من العقاقير مثل الثاليدوميد التي تسبب خللا في الكروموسومات من الأسباب الهامة للإجهاض في العصر الحديث.

ابن القيم يذكر أسباب الإجهاض التلقائي:

والغريب أن ابن القيم قد وصف أسباب الإجهاض التلقائي وصفا دقيقا في كتابه التبيان في أقسام القرآن حيث يقول:

الجنين في البطن بمنزلة الثمرة من الشجرة، وكل منهما له اتصال قوي بالأم ولهذا يصعب قطع الثمرة قبل كمالها من الشجرة، وتحتاج إلى قوة، فإذا بلغت الثمرة نهايتها سهل قطعها وربما سقطت بنفسها، وذلك لأن تلك الرباطات والعروق التي تمدها من الشجرة كانت في غاية القوة والغذاء، فلما رجع ذلك الغذاء الى تلك الشجرة ضعفت تلك الرطوبات والمجاري وساعدها ثقل الثمر فسهل أخذها. وكذلك الأمر في الجنين فإنه ما دام في البطن قبل استحكامه وكماله فإن رطوباته وأغشيته تكون مانعة له من السقوط فإذا تم وکمل ضعفت تلك الرطوبات (الهرمونات بالاسم الحديث) وانتهكت تلك الأغشية (انفجرت الأغشية Ruptured Membranes بالتعبير الحديث). واجتمعت تلك الرطوبات المزلقة فسقط الجنين. هذا هو الأمر الطبيعي الجاري على استقامة الطبيعة وسلامتها. وأما السقوط قبل ذلك:

فالفساد في الجنين (خلل في البويضة).

أو الفساد في طبيعة الأم: (أمراض الرحم وأمراض الأم).

أو ضعف الطبيعة (اضطرابات في الهرمونات مثل نقص هرمون البروجسترون).

كما تسقط الثمرة قبل إدراكها لفساد يعرض أو لضعف الأصل أو لفساد يعرض من خارج، کاسقاط الجنين من هذه الأسباب الثلاثة فالآفات التي تصيب الأجنة بمنزلة الآفات التي تصيب الثمار «.

وما أروع هذا التعبير وهو يصور الولادة الطبيعية وأسبابها ثم يتحول إلى الإجهاض والسقوط قبل التمام فيوضحه بالمقارنة مع الثمرة وسقوطها من الشجرة فلا يكاد يترك في ذلك شيئاً من الأسباب التي يذكرها الطب الحديث.

  1. أي أن الإسقاط يحصل بعد العلوي مباشرة أو أن العلوق يمنع فتخرج النطفة الأمشاج أو البويضة الملقحة وتطرد من الرحم قبل أن تعلق أو تنغرز فيه.. واللولب IUD الذي يستخدم لمنع الحمل يعمل بهذه الطريقة
  2. Merk Martual P 31.

(1) يعتبر هذا العامل قليل التأثير عموماً ، وهو يؤثر أساساً على الأجنة أو الأرحام التي بها بعض الخلل ،، وواقع قصة عمر أنه أرسل رسولاً إلى امرأة فخافت من عمر فأجهضت فاستشار الصحابة رضوان الله عليهم فأخبره الإمام علي بأن عليه غرة قنفذ عمر الحكم.