الانتحار هو قتل النفس بطريقة متعمدة وهذا هو التعريف الذي تتضمنه مراجع الطب النفسي، وهناك مصطلح اخر مقابل كلمة الانتحار Suicide هو الفعل المدروس لايذاء النفس "DSH ) Deliberate Self Harm )" وقد يكون مجرد محاولة للانتحار لم تتم أو قتل للنفس، وتشير احصائيات منظمة الصحة العالمية في أواخر التسعينيات إلى أن عدد حالات الانتحار في انحاء العالم يبلغ 800 الف حالة سنويا، ويعتبر الاكتئاب النفسي هو السبب الرئيسي في 80 % من حالات الانتحار والذي يتتبع الأخبار ويطالع صفحات الحوادث في الصحف يجد أن اخبار حالات الانتحار تكاد تكون ثابتة بصفة يومية، وهناك فرق بين الازمات النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى التفكير في الانتحار كحل للهروب من هذه الأزمات وبين الاضطرابات النفسية التي تؤدي الى الانتحار في مقدمتها الاكتئاب وهنا في هذا الفصل نقدم بعض التفاصيل والارقام حول قتل النفس أو الانتحار والعلاقة الوثيقة للاقدام على ذلك مع مرض الاكتئاب .

الافكار الانتحارية في مرضى الاكتئاب :

من خلال متابعة حالات الاكتئاب نجد أن التفكير في التخلص من الحياة كحل لوضع حد لمعاناة الاكتئاب من الاعراض الرئيسية المتكررة في معظم حالات الاكتئاب وهناك عوامل كثيرة تتدخل في هذا التفكير منها ش دة حالة الاكتئاب وطبيعة المشكلات التي يعاني منها المريض في حياته وارتباطه باسرته ومعتقداته الدينية والفكرية، وقد تسهم كل هذه العوامل في أن يسيطر المريض على فكرة ايذاء النفس أو الانتحار او على العكس من ذلك قد تدفعه إلى الاقدام على الانتحار حيث لا يجد اي دعم او مساندة من المحيطين به أو يفقد الأمل تماما في الخروج من الحالة التي يعاني منها، وهناك مؤشرات تدل على ان احتمال اقدام المريض على الانتحار قائم ويمكن للأطباء الاستدلال على ذلك من خ لال توجيه بعض الأسئلة إلى المريض بالتأكد من مدى عمق فكرة الانتحار في راسه وامكانية اقدامه على تنفيذها وهنا تقدم قائمة من الأسئلة التي يمكن من خلالها استكشاف الميول الانتحارية لدى مرضى الاكتئاب، وجدير بالذكر أننا في العيادة النفسية يجب أن تناقش مع المريض ما يدور برأسه من افكار انتحارية على عكس وجهة النظر التي تقول انه يجب تجنب الحديث عن الانتحار حتى لا نعطى المريض الفكرة حول موضوع الانتحار، ومن الأفضل أن يقوم الطبيب النفسي في الحديث طرحه مع مريض الاكتئاب ومناقشته في هذه الافكار دون تجنب المواجهة لأن ذلك يكشف ما يدور بعقل المريض حتى يمكن تفادي تزايد هذه الأفكار واقدامه علی الانتحار فيما بعد .

وهذه المجموعة من الأسئلة يمكن أن تكشف عن تفكير مريض الاكتئاب في ايذاء نفسه أو الانتحار :

  1. هل فكرت قبل ذلك أو تفكر الآن في التخلص من هذه المعاناة بإيذاء نفسك؟
  2. هل تدور بعقلك بعض الافكار حول التخلص من الحياة ؟
  3. هل تفكر في وسيلة لايذاء نفسك والهروب من مشكلتك بالانتحار ؟
  4. هل قمت قبل ذلك بأي محاولة لايذاء نفسك ؟ وكيف تم ذلك ؟
  5. هل قمت بكتابة بعض الأوراق او الرسائل حول فكرة أن تتخلص من حياتك ؟
  6. هل هناك ما يمنعك في التفكير في الانتحار ؟
  7. هل تعيش بمفردك الآن وتبتعد عن اسرتك واقاربك ؟
  8. هل تعاني من بعض الصعوبات النفسية التي لا يمكنك أحتمالها ؟

ومن خلال اجابة مريض الاكتئاب عن هذه الأسئلة يمكن الاستدلال علی مدى تفكيره في ايذاء نفسه للانتحار .

الاقدام على الانتحار

هناك بعض العلامات التي يستدل بها الأطباء النفسيين على ان بعض مرضى الاكتئاب لديهم دافع قوي على الاقدام على الانتحار ومن هذه العلامات

  1. تزيد معدلات الانتحار مع تقدم السن، تزيد معدلات الانتحار بعد سن 45 سنة في السيدات وبعد سن 55 سنة في الرجال، كما تزيد فرص نجاح اتمام الانتحار كلما تقدم السن، وتصل معدلات الانتحار في كبار السن الی 25 % من مجموع حالات الانتحار رغم انهم يمثلون نسبة 10 % فقط من مجموع السكان .
  1. تزيد معدلات الانتحار في غير المتزوجين وخصوصا الأرامل والمطلقين حيث أن الزواج وانجاب الأطفال يعتبر من العوامل التي تحد من الاقدام علی الانتحار .
  2. تزيد معدلات الانتحار في الأشخاص الذين قاموا قبل ذلك بمحاولات لايذاء النفس سواء كانت بطريقة جادة او لمجرد لفت الانتباه وفي الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية، أو الذين اقدم احد افراد الأسرة من اقاربهم على الانتحار .
  3. هناك بعض المهن ترتبط بمعدلات عالية من الانتحار، وتزيد معدلات الانتحار في العاطلين عن العمل في الأشخاص الذين ينتمون الى الطبقات الراقية، وتزيد معدلات الانتحار في الأطباء بمعدل 3 مرات أكثر من الفئات الأخرى، ومن بين التخصصات يأتي في المقدمة بالنسبة لزيادة احتمالات الانتحار الأطباء النفسيين واطباء العيون ثم اطباء التخدير، ومن المهن الأخرى التي يقدم أصحابها على الانتحار بمعدلات عالية الموسيقيون واطباء الاسنان والمحامين .
  4. ترتبط معدلات الانتحار ببعض فصول السنة حيث سجلت زيادة في حالات الانتحار في فصل الربيع والشتاء في بعض المناطق، وترتبط حالات الانتحار بالإصابة ببعض الحالات النفسية مثل الاكتئاب والإيمان، كما تقل معدلات الانتحار في فترات الحروب وفترات الانتعاش الاقتصادي بينما تزيد في الفترات التي يحدث فيها كساد اقتصادی عام وزيادة في معدلات البطالة .

حول الانتحار في الشرق والغرب :

هناك بعض حوادث الانتحار تبدو غير مفهوم ويحيط بها الغموض ومن امثلتها بعض الحوادث التي تطالعنا بها الصحف بين الحين والاخر ومنها على سبيل المثال :

  1. أب يقتل زوجته واطفاله الصغار ثم ينتحر .
  2. أم تلقی باطفالها الثلاثة في النيل ثم تحاول الانتحار بعد ذلك .
  3. انتحار جماعي لمجموعة من الحيتان والدلافين على شاطئ البحر .

وتفسير هذه الحوادث من وجهة النظر النفسية انها من انواع الانتحار الذي يطلق عليه أحيانا الانتحار الممتد Extended Suicide ويعني أن يقوم بالتخلص من حياته وفي نفس الوقت يقرر قتل جميع الأشخاص الذين يرتبط بهم بعلاقة انسانية قوية والدافع الى ذلك هو انه يريد ان يتخلص من معاناته للاكتتاب وفی نفس الوقت يريد ان يخلص الاشخاص الذين يعتبرهم امتدادا له من معاناة الحزن بعد رحيله، أما دافع الانتحار الجماعي للحيوانات فمن الصعب تفسيره وربما يكو السبب هو حالة اكتئاب عامة تصيب هذه الحيوانات مما يدفعها الى الاصرار علي التخلص من حياتها على هذا النحو.

ونظرا لأن مشكلة الانتحار تمثل أحد الأولويات في المجتمعات الغربية فقد تم تأسيس جمعيات كثيرة في كل المدن تعرف بجمعيات الإنقاذ او جمعيات مساعدة الراغبين في الانتحار ويمكن لأي شخص يفكر في الانتحار ان يتصل تليفونيا باحدى هذه الجمعيات التي تعمل على مدار الساعة ويبلغهم بانه ينكر أو ينوى الاقدام على الانتحار فيتجه اليه المتطوعون من اعضاء هذه الجمعيات ليقدموا له المساعدة وفي معظم الأحيان تنجح الجهود في التفاهم مع الشخص الذي يفكر فی الانتحار ويمكن الحوار معه فيتراجع عن عزمه في الاقدام على الانتحار، ورغم زيادة خدمات الصحة النفسية في الدول الغربية الا ان معدلات الانتحار تظل عالية بالمقارنة الى الدول العربية والإسلامية .

وفي ختام هذا الفصل نذكر بعض الحقائق الهامة من وجهة نظر الاطباء النفسيين حول موضوع الانتحار في مقدمة هذه الحقائق نشير الى أهمية مناقشة كل مرضى الاكتئاب بصفة عامة عن موضوع الانتحار بطريقة مباشرة دون تردد وتوجيه الأسئلة لهم حول التفكير في الانتحار ورغبتهم في التخلص من الحياة حيث يمكن في 8 من كل 10 منهم الاستدلال على نية المريض بالنسبة للاقدام علی الانتحار ويجيب ، 50 % من المرضى على ذلك بابداء رغبتهم صراحة في الموت، وقد يفضي بعضهم إلى الطبيب بان لديه خطة جاهزة للتخلص من حياته.

ونؤكد هنا على أن أي تهديد من جانب المريض بانه يفكر في الانتحار يجب أن يؤخذ بجدية من جانب اسرته وأقاربه والاطباء المعالجين، وهنا نضع بعض العلامات التي يمكن من خلالها الاستدلال على احتمالات الانتحار حتى تؤخذ فی الاعتبار من جانب كل المحيطين بالمرضى النفسيين بصفة عامة ومرضى الاكتتاب خصوصا، وهذه العلامات هي ظهور القلق والاجهاد على المريض وترديد عبارات حول التخلص من الحياة ومعاناة ازمة مادية أو عاطفية او عائلية، أو الأشخاص الذين تبدو عليهم مظاهر التشاؤم الشديد وفقدان الأمل في كل كل شئ، ومن خلال الخبرة في مجال الطب النفسي فإن اهتمامنا يتزايد ببعض الحالات التي تعلم باتجاهها الى التفكير في ايذاء النفس أو التخلص من الحياة مثل الرجال بعد س ن الأربعين، ومدمنى الكحول، والذين يعانون من أمراض مزمنة أو مستعصية، أو الذين فقدوا شخصا عزيزا لديهم، أو الذين يواجهون صعوبات في اعمالهم، والعاطلون، والذين مدموا بخسارة مادية هائلة، وهنا نؤكد ان الغالبية العظمى من حالات الانتحار يمكن الوقاية منها ومساعدة هؤلاء الأشخاص باكتشاف نواياهم مبكرا وتقدم العون لهم قبل ان يتخذوا قرارهم النهائي بالاقدام على التخلص من الحياة .