الموت هو النهاية الحتمية لكل حي، أما العلاقة بين الموت والشيخوخة فهي أن نقدم السن يحمل ضمنيا زيادة احتمال الموت، أو ربما لارتباط الشيخوخة بالمرض الذي ارتبط في الأذهان بأنه يفضي إلى الموت، وهذا هو سبب القلق الذي يمتلك الناس بصفة عامة حين يصيبهم المرض ويدفعهم لزيارة الأطباء، بل لعل ذلك هو السبب الذي دفع الإنسان إلى ايجاد مهنة الطب وتطويرها باستمرار، لكن يبقى الموت حقيقة تراها أمامنا كل يوم لا يمكن للطب او غيره أن يتدخل فيها حين يكون المرض هو الحلقة الأخيرة التي ينتهي بعدها عهد الإنسان بالحياة، ويصف ذلك الشاعر بقوله : " والموت أخر عله يعلها البدن العليل" .

احتمال الموت ونهاية العمر:

رغم أن احتمال الموت قائم في كل لحظة من حياة الانسان منذ نشاته حين يبعث حيا داخل رحم أمه وفي ولادته، وأثناء سنوات عمره الأولى وفي الطفولة والمراهقة والشباب وحتى الشيخوخة، إلا أن احتمال الموت يكون أقل ما يمكن في سنوات المراهقة ويزيد إلى ذروته في السن المتقدم، وفی احصائيات الوفيات بالمملكة المتحدة ثبت أن حوالي 80 % من الوفيات تكون فيمن تزيد أعمارهم على 65 عاما، وأهم أسباب الوفاة تبعا للإحصائيات هي أمراض القلب، تليها في المرتبة الثانية امراض الجهاز التنفسي، ثم انسداد شرايين المخ، والأورام السرطانية، ويلی تلك الحوادث المختلفة، وتكون نسبة الوفيات في الرجال أكثر منها في المراة بصنة عامة، فمن بين كل 1000 من الرجال يموت سنويا نسبة 12.5 ، بينما يموت 11 من كل 1000 من النساء، أما في كبار السن فإن نسبة الوفيات تصل إلى 125 فی کل 1000 فيمن هم بعد سن 75، وتتضاعف لتصل إلى 225 من كل 1000 فوق سن 80 سنة.

وإذا كان الموت آت لا محالة، ولا سبيل إلى التدخل في هذه المسألة فإن الاهتمام يجب أن يتجه إلى المرحلة التي تسبق الموت مباشرة وهي ايام العمر الأخيرة، وهذه قد لا تكون مجرد ایام بل قد تطول الفترة التي يعاني فيها الإنسان من مرض الموت إلى شهور أو سنوات بما يجعل منها عبئا ثقيلا عليه في هذا السن المتقدم، وعلى أهله وأصدقائه والقائمين على رعايته، واصعب ما في هذه الفترة هي فقد المريض السيطرة على جسده وتدهور عقله وعجزه الذي يجعله عالة على الآخرين، لكن يفترض أن أي فرد حين يتقدم به السن فإن ذلك يكون مدعاة لتهيئته ليتقبل فكرة الموت، غير أن سبب القلق والخوف الذي يساور الانسان في الشيخوخة وهو يفكر في النهاية هو ما يدور بذهنه عن الطريقة التي ستحدث بها الوفاة واحتمال أن تطوى هذه العملية على أمور "مزعجة" !

الأيام الأخيرة .. ودور الأطباء والأهل :

ويبقى دور الأطباء على درجة من الأهمية في أيام العشر الأخيرة رغم تاكدهم من أن المريض في حالة ميئوس منها بالمقاييس الطبية وان مرضه الحالي سيقضي به إلى وفاة قريبة، إن دور الطبيب في هذه الحالة يجب أن يكون مساندة المريض وأهله لذا يجب أن يكون على إدراك باحتياجات هذا الموقف ليمهد طريق الميل الأخير في حياة امتدت لألاف الأميال، وربما كان مرض الموت الذي ينظر إليه على أنه موقف صعب على المريض ومن حوله لا يخلو من ميزة اعداد الجميع نفسيا لتحمل موقف الوفاة، وذلك مقارنة بالموت المفاجئ للأصحاء من الناس والذي يكون بمثابة مفاجأة مذهلة تثير الانفعالات لأنها تمت دون إعداد مسبق، ولما كان مرض الموت يتضمن كربا هائلا للمريض ومن يقوم على رعايته فإن على الطبيب أن يعمل على تخفيف الموقف بالبحث عن مصادر الازعاج ومحاولة التعامل معها بما يجعل الأيام الأخيرة محتملة إلى أن ينتهي الموقف بعد أن تسير الأمور بهدوء.

ومن دواعی کرب المريض في مرض الموت ما قد يشعر به من الام نتيجة لمرضه، وعدم قدرته على النوم، ورقاده دون أن يستطيع الحركة، وعدم تحكمه في وظائف جسمه بما فيها الإخراج، وكل ذلك ينعكس على القائمين علي رعايته حين يجدون أنفسهم في قيد تكبل نشاطهم الاجتماعي نتيجة لالتزامهم بمهمة مصاحبة مريضهم في هذه المرحلة الحرجة، وهنا يكون تدخل الطبيب بتوفير الرعاية التمريضية المناسبة إن لم يكن بالمنزل فينقل المريض إلى المستشفي، مع مراعاة قواعد عامة هي الحفاظ على راحة المريض والحرص على تخفيف معاناته، وعدم الالتزام بتعليمات عقيمة قد تزعج المريض في أيامه الأخيرة بل ندعه يعيش بحرية دون تضييق الخناق عليه، والاهتمام بنظافة المريض وملابسه وفراشه والحرص على توفير صحبة مناسبة له وعدم تركه وحيدا في هذه الظروف .

تساؤلات على فراش الموت:

هل أنا على وشك الموت ؟ يظل هذا السؤال يتردد في فكر المريض لعدة أسابيع أو ربما شهور قبل أن يعبر عنه صراحة في كلمات، وقد ينتهز فرصة زيارة الطبيب له وهو على فراش المرض ليبوح له به، ويجد الطبيب نفسه في موقف صعب وبعض الأطباء لا يستطيع التصرف بالاسلوب السليم عند مواجهة سؤال كهذا، والواقع أن تجلب الإجابة تحرجا من تأثيرها على المريض لا يعد تصرفا مثاليا، كما أن الإجابة بطريقة ساخرة او بعبارات عامة ليست من الصواب، والأمر المرفوض أيضاهو الكنب لو نكر أشياء غير حقيقية، إن الأجدى من وجهة النظر النفسية أن ندع المريض يتحدث ونتحاور معه في ما يشعر به من متاعب وما يساوره من قلق، وإذا أصر علی إجابة معدة لسؤاله فعلينا كأطباء أن نخبره بوضوح وباسلوب مبسط بحقيقة مرضه مع ترك مساحة للأمل والرجاء في الشفاء، وإبداء تعاطفنا وتأكيد أننا س نكون بجانبه وأن ما يشكو منه سوف يزول، ونحن في ذلك على حق !

إن القلق هو سيد الموقف في هذه المرحلة الحرجة، قلق المريض، وقلق من يقوم على رعايته، وقلق طبيه ايضا، وهناك أسباب عديدة للقلق، فاهل المريض يعتقدون أن التشخيص والعلاج ربما لا يكون سليما، وقد يزيد من قلقهم أن حالة المريض لا تستجيب للعلاج وتستمر معاناته، وهل يجب أن يعالج بالمستشفى أم أن الاهتمام والرعاية أفضل في المنزل ؟، وكثير من المشاعر المتضاربة لدى المريض وذويه مثل الرغبة في معرفة حقيقة العرض والخوف من ما تعنيه هذه الحقيقة، وعلى الأطباء اخذ كل ذلك في الاعتبار والتخفيف من قلق الجميع.

لحظات النهاية :

ثم تأتي بعد ذلك لحظات النهاية، ويقولون إن الإنسان حين يموت يمر بمخيلته شريط كامل بكل أحداث حياته، وقد يشعر بالرضا وهو يسترجع هذا الشريط، أو يندم على بعض من مواقف حياته، ويصف علم النفس خمس مراحل يمر بها رد الفعل الواقعة الموت الأولى هي عدم التصديق حيث يرفض المقربين من الفقيد التسليم بأنهم فقدوا عزيزا عليهم ولا يبدو عليهم تاثر بالصدمة، يلي ذلك مرحلة احتجاج وغضب وغالبا ما يوجد بها الاتهام إلى الأطباء بالتقصير في علاج الفقيد، ثم وعد بان يتغير الحال إذا كانت هناك فرصة اخرى وعاد الزمن إلى الوراء، وبعد ذلك التيقن من أن شيئا من ذلك لن يحدث والحزن على ما فقد ولن يعود، وفي النهاية مرحلة التسليم بالأمر الواقع والعودة إلى الحياة من جديد حيث لا يبقى من الذي ذهب سوى ذكرى تتخذ لها مكانا داخل النفس .

وإذا كان الوصف الذي أوردناه هو لما يمكن أن يكون الوضع الطبيعي بالنسبة للشخص الذي يفارق الحياة، وحال من حوله الذي يعتبر رد فعل طبیعی لخسارة عزيز لديهم، فإن الأمور أحيانا لا تسير على هذا النحو بل قد يكون رد الفعل مبالغ فيه، ويحدث ذلك بكثرة في الزوجة التي تفقد زوجها بعد رحلة طويلة وحياة مشتركة حافلة، أو حين يفقد الزوج شريكة حياته التي تربطه بها وشائج اكثر من المودة، قد يطول وقت الحزن أو يكون أشد من المتوقع كلما كانت العلاقة قوية أو حين لا يكون للإنسان في شيخوخته سند أو أنيس سوى شريك حياته الذي خطفه منه الموت، والحل لهذا الموقف هو توفير رفيق يساند هؤلاء البؤساء حتى يمكن للزمن أن يداوي أحزانهم، وتوفير رعاية طبية لأن تجربة الخسارة الأليمة وما يتبعها من آثار نفسية قد تؤدي إلى مضاعفات تصل إلى اعتلال الصحة وزيادة احتمال الوفاة، وقد ذكرنا في موضع سابق أن الرجال أقل أحتمالا ل هذه التجربة الأليمة واكثر تأثرا من السيدات بعد الترمل .