كان ذلك في منتصف احدى ليالي الصيف حينما استدعيت على عجل المناظرة احدى حالات الطوارئ النفسية، وكانت الحالة لفتاة ف ي العشرين من عمرها تقريبا ترتدي ملابس رثة ممزقة وفي حالة هياج شديد ونوبات من البكاء والصراخ والضحك الهستيري، ورغم أن هذه الحالات تصادفنا في العادة بين الحين والآخر ولا يعتبر مظهرها غريبا أو نادرة الا ان ما لفت انتباهي ما وجدته من اصابات بجروح وكدمات لا يخلو منها اي مكان في جسدها، فلما استفسرت من ذويها عن سبب هذه الاصابات اجابني احدهم بعد قليل من التردد بانهم حين لاحظوا عليها الحالة العقلية الشديدة التي لم يكن بوسعهم السيطرة عليها ذهبوا بها الى الحد الأطباء المشعوذين فاكد لهم انها قد أصابها مس من الجن، وان عليه أن يخرج الجن خارج جسدها حتى تشفي، وبدا على الفور فوقها بالحبال وراح يتلو بعض التعاويذ لكن ذلك لم يكن كافية ليصل الى ما يريد فقد استعصى عليه اقناع العفريت بالخروج وهنا بدا باسلوب آخر فلجا الى ضربها في كل مكان في جسدها معتقدا أنه بذلك يطارد الجن حتى يضطره الى الخروج لكن عبثا ! فلما اوسعها ضربا وخشي أن يودي بحياتها اشار عليهم بنقلها الى العيادة النفسية لأن هذا العفريت العنيد أبي ان يستجيب للحيلة أو العنف !

والحقيقة أن هذه الحالة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة ممارسات الوسائل العلاجية غير الطبية التي ينجم عنها ايذاء بدني شديد، فقد راينا من هؤلاء المعالجين من يسرف في الكي بالنار ايضا، ومن يستخدم مواد طبيعية وكيماوية ضارة في وصفات غير مقننة، هذا اضافة الى استهلاك الوقت والجهد في العلاج بطرق غير مجدية تتسبب في تأخر ذهاب المرضى الى العلاج الطبي فتتفاقم حالتهم وتضحي اكثر صعوبة .

وإضافة إلى ذلك فإن هناك دلائل عديدة على أن الكثير من الممارسات غير الأخلاقية ترتكب من خلال ما يقوم به ادعياء تحت ستار التداوي والتطبيب، ناهيك عما نسمع عنه من ابتزاز مادي للضحايا الذين ينساقون بتأثير طلب الشفاء (كمن يتعلق بقشة وهو يغرق ) ويدفعهم حطهم الى براثن هؤلاء المشعوذين وعليهم تلبية طلباتهم المبالغ فيها، وللحقيقة فإن هؤلاء يشكلون تحديا خطيرا للخدمات الصحية النفسية ويستفيدون بالوصمة التي تحيط بالتردد على العيادات النفسية والتي لا زلنا نعاني منها، وصراحة فإنهم يلقون قبولا اجتماعيا لما تتصف به أساليبهم من قوة الإيحاء التي تضفي عليها تأثيرا نفسيا لا نستطيع انكاره يسهم في شفاء بعض الحالات بالفعل!