يجب أن يتضمن علاج الاكتتاب الأساليب الفعالة للوقاية وخطوات لحل المشكلة والخروج من أزمة الاكتتاب للأعداد الكبيرة من المرضى الذين يعانون بالفعل من هذا المرض، وكانت الصعوبة التي تواجه كل من يحاول وضع علاج ناجح لمشكلة الاكتتاب هي عدم توفر المعلومات حول الجوانب المختلفة للاكتئاب وهي حجم المشكلة وطبيعة المرض وكيفية حدوثه أما في الوقت الحالي فقد توفرت المعلومات بقدر كبير حول مرض الاكتئاب على مستوى العالم نتيجة للأبحاث والدراسات حول جوانبها المختلفة مما يعطي أملا في قرب التوصل إلى حل ملائم للسيطرة على انتشار الاكتئاب، والسؤال هنا هو من يقوم بالحل ومواجهة مشكلة الاكتئاب هل هم مرضى الاكتتاب ام الاطباء النفسيين ام مؤسسات المجتمع المختلفة .. والاجابة أن هناك دور للفرد، ودور الطبيب، ودور للمجتمع في مواجهة مشكلة الاكتئاب.

دور المرضى في علاج الاكتئاب :

يتحمل الفرد مسئولية الى حد ما في المحافظة على حالة الاتزان والصحة النفسية في مواجهة الحياة من حوله ومفهوم الصحة النفسية والاتزان النفسي هو تحقيق قدر معقول من الراحة البدنية والنفسية والاجتماعية والتوافق مع الحياة ليس فقط غياب اعراض المرض، وفي هذه الحالة فإن من المتوقع أن يشعر الإنسان بالرضا والقبول لنفسه وللحياة من حوله ويستطيع مواجهة مواقف الحياة المختلفة ولا يعني ذلك أن كل واحد منا يستطيع ان يعيش في حالة من السعادة الدائمة ولكن على الأقل يمكن لأي واحد منا أن يجد السعادة في بعض الأشياء من حوله او يبحث عنها في داخله ويركز على النواحي الإيجابية في نفسه وفي حياته بدلا من التركيز على الأمور السلبية فقط، ورغم أن هذا العصر يتسم بالصراعات والاحباطات التي تحيط بالانسان من كل جانب وضغوط الحياة المتنوعة والمشكلات المعقدة التي يفترض أن نواجهها كل يوم وفي كل مكان الا آن مواجهة هذه الأمور ممكنة بأن يهون الشخص على نفسه من أمور الحياة فيتحلى بقدر م ن اللامبالاة في مواجهة المواقف والضغوط ويحاول فهم حقيقة الصراعات والاحباطات التي تدور داخله ويلتزم دائما بإبراز الإيجابيات بدلا من الاستسلام للمشاعر السلبية لأن ذلك يؤدى الى التخلص من اليأس والتشاؤم ويشيع بدلا من ذلك روح الأمل والتفاؤل .

ومن اهم واجبات المريض حين يشعر ببوادر اعراض الاكتئاب أن يبادر الى السعي لوضع حل لهذه المشكلة من بدايتها، وكما رأينا موضع سابق فإن اكتر من 80 % من مرضى الاكتئاب لا يذهبون إلى العلاج وتؤثر معاناتهم على حياتهم الأسرية وعلى عملهم والوسيلة للتغلب على هذه المشكلة هي انتشار الوعي لدى الناس من مختلف فئات المجتمع بمرض الاكتئاب ومعرفة معلومات دقيقة حول كيفية التصرف عند بداية الشعور بمقدمات هذه الحالة وعدم الخجل من طلب العلاج بكل الوسائل الطبية الممكنة لأن ذلك يفيد في تلافى سنوات طويلة من المعاناة .

الطب النفسي في مواجهة الاكتئاب :

يطلب الناس من الأطباء النفسيين القيام بدورهم في مواجهة مثل هذه الاضطرابات النفسية طالما أن علاج المرض النفسي يدخل في دائرة اختصاصهم وبالنسبة لمرضى الاكتتاب النفسي فإن انتشاره الهائل في هذا العصر يجعل حل المشكلة بواسطة الأطباء النفسيين صعبة للغاية حيث لا يمكنهم مواجهة الأعداد الكبيرة والمتزايدة والتي تقدر بالملايين من حالات الاكتئاب في ظل الوضع الذي تحدثنا عنه من قبل وهو أن الغالبية العظمى من المرضى لا يعلمون شيئا عن اصابتهم بالاكتئاب ولا يذهبون إلى الأطباء النفسيين أو غيرهم من الأطباء .

وهنا نؤكد أن الطب النفسي دور كبير في مواجهة مرض الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية وفي تراثنا كان الناس يلقبون الطبيب بوصف " الحكيم " ويدل ذلك على استخدام الأطباء للحكمة مع العلم الطبي في التعامل م ع الحالات المرضية ومن الحكمة بالنسبة للأطباء النفسيين عند مواحبة الحالات النفسية ومنها الاكتئاب بان ينظر الطبيب الى مريضه نظره شاملة على انه انسان يعيش حالة من الالم والمعاناة، ولابد أن ياخذ الطبيب النفسي في الاعتبار كل جوانب حياة هذا الانسان وماضيه وصراعاته وكل ما تعرض له من مواقف ومشكلات وطموحاته ثم يحاول أن يتقهم محنته ويبدأ في مساعدته والوقوف الى جانبه حتى يتجاوز مراحل هذه الأزمة وهذا يختلف عن الطب الباطني وتخصصات الطب الاخرى التي يتم فيها التعامل مع اعراض ومظاهر المرض الهامة دون اعتبار ش خصية المريض والظروف المحيطة به وهذا هو الفرق بين تخصص الطب النفسي والتخصصات الطبية الأخرى .

ودور الطبيب النفسي في علاج مريض الاكتئاب يبدأ بالتخطيط لاسلوب العلاج والاختيار بين الوسائل العلاجية المختلفة وعليه أن يختار الدواء المناسب لكل مريض بين الأدوية المختلفة وهنا نذكر ملاحظة هامة وهي ان كل مريض يحتاج الى خطة علاجية تتناسب مع حالته ومع ظروفه، وعلى العكس من الطب الباطني على سبيل المثال حيث اننا يمكن أن نصف دواء واحد يناسب 10 حالات .من مرضى قرحة المعدة او المغص الكلوي يراهم في العيادة الباطنية فإن كل واحد من 10 من مرضى الاكتئاب يجب أن يتم تفصيل خطة علاجية له تختلف عن الاخر وهذه هي صعوبة التعامل مع الحالات النفسية التي يتطلب كل واحد منها عناية خاصة به، وبعد اختيار الدواء على الطبيب أن يحدد الفترة والأسلوب الذي يتم به تناول هذا الدواء ويشرح ذلك للمريض باسلوب مبسط مفهوم كما أن عليه أن يوضح الفوائد المتوقعة من العلاج وما يمكن أن يسببه من اثار جانبيه، وعلى الطبيب النفسي أيضا أن يستمر في متابعة مرضاه حتى يصل معهم الى حل يخفف من معاناتهم حتى يعود التوازن النفسي للمريض ويتوافق مع الحياة .

دور الأسرة والمجتمع في العلاج :

لا يقتصر علاج الاكتئاب النفسي على الدواء الذي يوصف للمريض بواسطة الأطباء في العيادة النفسية ولكن الخلفية الاسرية والاجتماعية المريض لها دور هام في نجاح العلاج والامراض النفسية في هذا تختلف عن الأمراض الاخرى حيث أن ظروف المريض ومدى مساندته من المحيطين من افراد اسرته واقاربه والرعاية التي يلقاها في المجتمع لها دور أساسي في مساندته للخروج من ازمته النفسية ونجاح العلاح وفي بعض الحالات لا يتوفر المريض الدعم والمساندة من جانب الاسرة كما تتراكم عليه مشكلات في العمل وتتدهور علاقاته الاجتماعية فيؤدي ذلك إلى تفاقم معاناته من الاكتئاب ويدفعه ذلك الى الانسحاب والعزلة، بينما تكون فرحة المرضى الذين يتمتعون بالمساندة الأسرية والاجتماعية افضل فی سرعة الاستجابة للعلاج والخروج من أزمة الاكتتاب .

وعند التفكير في البحث عن حل لمشكلة الاكتتاب يجب وضع برامج الوقاية تأخذ في الاعتبار الظروف الأسرية والعلاقات الاجتماعية والاعباء والمسئوليات المطلوبة من الشخص لأن هذه العوامل لها تأثير مباشر على الحالة النفسية للافراد كما أن المشكلات الاجتماعية العامة مثل العوامل الهدامة فى المجتمع كالفساد والتفكك والظلم الاجتماعي او تدهور الظروف الاقتصادية نتيجة للكوارث والحروب او التخلف الاقتصادي كلها عوامل تؤدي إلى زيادة حادة في انتشار الاضطرابات النفسية ومنها الاكتئاب، ويلزم لمواجهة مشكلة الاكتتاب على مستوى المجتمع أن يتم التعامل مع عوامل الإحباط والعلاقات غير السوية والمشكلات الأسرية والتربوية كل الظواهر الاجتماعية السلبية ضمانا للوقاية من الاكتئاب .

كيف يتم علاج الاكتئاب ؟

من الناحية العملية فإن علاج حالات الاكتئاب النفسي في العيادات النفسية يتم عن طريق عدة وسائل يمكن استخدام بعضها معا او اختيار المناسب منها لكل حالة من الحالات وهذه الوسائل هي :

  1. العلاج النفسي :

ويتضمن جلسات علاجية فردية أو جماعية، ويضم عدة أساليب منها استخدام الأيحاء، والمساندة، والتدعيم، اسلوب التحليل النفسي، والعلاج السلوكي ولكل هذه الأساليب فنيات دقيقة يقوم بها المعالجون النفسيون .

  1. العلاج البيئي :

ونعنی به ايجاد بيئة ملائمة يتعامل معها المريض بعيدا عن الضغوط والمواقف التي تسببت له في المرض ويتم ذلك بانتقال المريض الى وسط علاجی او في مكان للاستشفاء ومن وسائل هذا العلاج الترويح عن المريض وشغل فراغه في العمل وتأهيله حتى يندمج في بعض العلاقات التي تمهد الى عودته للحياة مرة اخرى .

  1. العلاج بالأدوية النفسية :

ويتضمن استخدام العقاقير المضادة للاكتئاب تحت اشراف الاطباء النفسيين، يقوم الطبيب باختيار الدواء المناسب ومتابعة المريض لفترة كافية حتى تتحسن حالته وسيتم عرض الأدوية المستخدمة لعلاج الاكتتاب في موضع لاحق بشئ من التفصيل.

  1. اساليب علاجية اخرى :

استخدام العلاج الكهربائي الذي يعمل على اعادة تنظيم ايقاع الجهاز العصبي أو استخدام بعض الوسائل مثل التنويم المغناطيسي Hypnosis، والوخر بالابر Acupuncture، واستخدام الدواء الخادع Placebo الذي يحقق نتائج في بعض الحالات .

ولقد ظل البحث عن وسائل ناجحة لعلاج الاكتتاب تشغل بال المرضى والاطباء والانسان بصفة عامة على مدى عصور زمنية طويلة ولقد تم استخدام وسائل كثيرة منها الطب الشعبي، والأعشاب، والتعاويذ، والكي، وطرق اخرى للتعامل مع السحر والأرواح الشريرة التي كان يعتقد عامة الناس انها السبب في الأمراض والاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان .

 

وبقي الحال كذلك إلى أن حدث التطور العلمي الهائل في فهم الظواهر النفسية فتطورت وسائل العلاج واصبح للطب الأن المبادرة في استخدام الأدوية والوسائل في مواجهة الأمراض المختلفة ومنها الاكتئاب، ويجب أن نؤكد هنا أن الكثير الذي تم التوصل اليه حتى يومنا هذا لا يكفي للانتصار على مرض الاكتئاب الذي زاد انتشاره في العالم اليوم مما يلقي بمسئولية كبيرة على الطب النفسي لإيجاد وسائل جديدة لمواجهة الحالات المتنوعة من الاكتئاب ومنها الحالات الشديدة والمتكررة والمستعصية وهنا يظل الباب مفتوحا للبحث عن العلاج الأمثل لمرض الاكتئاب .

ونحن دائمأ - كاطباء نفسيين - نقوم بتحديد الأهداف التي تريد الوصول اليها عند علاج مرضى الاكتئاب ومن اهمها سلامة المريض التي يجب ضمانها اثناء العلاج، وتقييم حالة المريض وتحديد شدتها والأسلوب الملائم لعلاجها، ولا يكون الهدف من العلاج فقط السيطرة على الأعراض التي يعاني منها المريض ولكن ضمان جودة حياة مناسبة له في المستقبل، ويجب أن نؤكد هنا أن النتائج التي تتحقق حاليا في علاج الاكتتاب تعتبر جيدة للغاية مقارنة ببعض الأمراض النفسية الأخرى مثل الفصام وبالنسبة للطبيب النفسي فإن علاج حالات الاكتئاب تكون في العادة أيسر وافضل في نتائجه من علاج مرضى الفصام، ويجب توضيح بعض الحقائق المريض واهله من البداية وهي أن فترة العلاج قد تطول واحتمالات عودة اعراض المرض قائمة في المستقبل غير ان العلاج لابد أن يتم في جو من التفاؤل حتى تتحقق النتائج المتوقعة منه .