الاكتئاب في العالم اليوم 

شهدت الفترة الأخيرة من النصف الثاني من القرن العشرين زيادة هائلة في انتشار مرض الاكتئاب في كل أنحاء العالم، وتقول أخر الإحصائيات التي صدرت عن منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 7 % - 10 % من سكان العالم يعانون من الاكتئاب، وهذا يعني وجود مئات الملايين من البشر في معاناة نتيجة للإصابة بهذا المرض، ويكفي ذلك كدليل أخر على أن العالم اليوم يعيش عصر الاكتئاب، ولعل أبلغ تعبير عن هذه الحقيقة هو قول " ميلان كلاين " أحد علماء النفس بان المعاناة التي تسببت للإنسانية من اثار الاكتئاب النفسي تفوق تلك التي نتجت عن بقية الأمراض الأخرى مجتمعة.

وهناك دليل آخر على أن العالم اليوم يعيش عصر الاكتئاب، وهو ما ورد في احصائيات منظمة الصحة العالمية حول عدد الأشخاص الذين يقدمون علی الانتحار كل عام، ويصل هذا الرقم 800 ألف شخص في العالم سنوية، وهذا يمثل العبء الأساسي لمرض الاكتتاب لان الانتحار يحدث كنتيجة مباشرة للإصابة بمرض الاكتئاب حين يصل الشخص الى مرحلة اليأس القائل، وهناك ما يدفع على الاعتقاد بأن انتشار الاكتئاب يفوق كثيرا كل الارقام التي تذكرها الجهات الصحية المختلفة، فهناك حقيقة ثابتة بان مقابل كل حالة حادة أو متوسطة من الاكتئاب يتم تشخيصها والتعرف عليها يوجد العديد من الحالات الأخرى تظل مجهولة لا يعلم عنها أحد شيئا، وقد ثبت ذلك من خلال دراسات ميدانية اكد بعضها أن ما يقرب من 80 % من مرضى الاكتئاب لا يذهبون إلى الأطباء، ولا يتم اكتشاف حالتهم رغم معاناتهم من حالة الاكتئاب .

أعباء مرض الاكتئاب

هناك اعباء اقتصادية واجتماعية وصحية لمرض الاكتئاب بالاضافة الى المعاناة النفسية، و اليأس القاتل الذي يكلف الإنسان حياته في بعض الأحيان حين يفكر في التخلص من هذه المعاناة بأن يضع نهاية لحياته بالانتحار، ومرض الاكتئاب يعتبر من أكثر الحالات التي تؤثر على الإنتاجية في العمل واستهلاك الخدمات الطبية، كما أن مريض الاكتئاب يؤثر سلبيا على افراد اسرته، ويمتد تأثيره الى المحيطين به من زملاء العمل والأصدقاء، وتمثل العناية بمرض الاكتئاب مشكلة حقيقية للمريض ولاهله، وللطبيب المعالج، وللمجتمع بصفة عامة .

ويرتبط مرض الاكتئاب بسلسلة من المشكلات الأخرى، فمن الناحية الصحية ثبت علاقة مرض الاكتئاب بالتأثير السلبي على مناعة الجسم مما يمهد الطريق للإصابة بأمراض اخرى مثل السرطان، وامراض القلب والشرابین، ومجموعة أخرى من امراض العصر المعروفة، ومن الناحية الاقتصادية فاين تثير الاكتئاب على حياة المريض بمنعه عن ممارسة عمله المعتاد أو كسب العيش ويؤدي إلى مشكلات اسرية تؤثر في المريض ومن حوله، ومن الناحية الاجتماعية فإن العزلة التي يفرضها مرض الاكتئاب تؤدي الى قطع الصلة بين المريض وبين المحيطين به، وعدم مشاركته في الحياة الاجتماعية، ويعتبره الجميع عبئا عليهم حيث لا يستطيع مساعدة نفسه أو من يقوم برعايتهم، وكل هذه تمثل التكلفة التي تتشا عن الاصابة بمرض الاكتئاب، علاوة على المعاناة ومشاعر اليأس القاتل التي تمثل عبئا هائلا لا يمكن أن يتصوره احد الا من يمر بهذه التجربة بالفعل .

ومن علامات وصف هذا العصر الحالي الذي يعيشه العالم اليوم بانه " عصر الإكتئاب " وجود اسباب تدفع إلى التنبؤ بزيادة أعداد مرضى الاكتتاب مع مرور الوقت في ظل التطورات الحضارية السريعة، والبيئة الاجتماعية المتغيرة والصراعات والحروب التي تسود في أماكن كثيرة من العالم .. إن ذلك من ش أنه أن يؤدي إلى فقدان الاستقرار وانعدام شعور الأمن والتفكك الاجتماعي، وكل هذا يمهد الطريق الى مزيد من حالات الاكتئاب النفسي بما يؤدي الى تفاقم مشكلة الاكتئاب مع الوقت رغم كل الجهود التي تبذل لمواجهة هذه المشكلة والتي لم تفلح حتى الآن في احتوائها حيث لم تفلح وسائل التقدم الحضاري وتقدم وسائل الرعاية الصحية وابتكار الأدوية الحديثة الا في زيادة متوسط العمر للإنسان، لكن كل ذلك لم يسهم في الحد من تزاید انتشار مرض الاكتئاب النفسي في هذا العصر .