لقد أصبح معروفاً للجميع مدى أهمية الفيتامينات والمعادن للتمتع بصحة جيدة، ولكن كيف نتناول الكميات المناسبة منها لتحقيق ذلك؟، كان المفهوم السائد لزمن طويل هو (الكميات المسموح بها يوميا) وذلك طبقة التقديرات المجلس الأميركي للتغذية والتي تعتمد على كميات المكونات الغذائية التي يحتاجها معظم الناس للوقاية من أعراض نقص التغذية.

والحقيقة أن ذلك مفهوم معقد تماما فكل مكون غذائي له توصيات منفصلة اعتماداً على النوع والسن وعوامل أخرى، وبعد ذلك أصبح المصطلح الأكثر دقة في الاستعمال هو (الكميات القياسية اليومية)، ويجب ملاحظة أن الكميات القياسية اليومية تنطبق على الأطفال والبالغين من سن 4 سنوات فما فوق.

مشكلات تحديد الكميات القياسية للمكونات الغذائية:

توجد 3 مشكلات أساسية في تحديد الكميات القياسية اليومية اللازمة من المكونات الغذائية - تماما كما هو الحال بالنسبة لتحديد الكميات المسموح بها يومياً

المشكلة الأولى: هي أنه لا يمكننا الحصول على كل احتياجاتنا الغذائية من الطعام اليومي.

المشكلة الثانية: فإن الكميات القياسية اليومية ليست موضوعة للاحتياجات الفردية ولكنها موضوعة على أساس منع أمراض سوء التغذية.

أما المشكلة الثالثة: فهي أن الكميات القياسية اليومية لا تضع في اعتبارها الصحة المثلى أو منع الأمراض المستعصية.

هل يمكن الحصول على كل احتياجاتنا من الغذاء؟

في الواقع من المستحيل الحصول على الكميات القياسية اليومية المطلوبة من المكونات الغذائية من خلال الطعام المتاح لنا في هذه الأيام، ونظم الطعام المتوازن التي تشير لها كتب التغذية غالبا ما تكون غير عملية أو غير واقعية لأنها لا تضع في اعتبارها عدم صحة قوائم المكونات التي توضع على عبوات الأغذية أو فقدان هذه المكونات الغذائية أثناء عمليات التخزين أو النقل أو التصنيع أو حتى أثناء طهي الطعام.

ما مدى إمكانية تحقيق الطعام المتوازن؟

معظم الناس لا يتناولون الطعام المتوازن الذي يتكون من ۳۰٪ دهون، ۲۰٪ بروتين، ۳۰٪ كربوهيدرات مركبة (وتشمل الحبوب والخبز والخضروات النشوية)، ۱۰٪ كربوهيدرات بسيطة (وتشمل الأطعمة الغنية بالسكر مثل الحلويات والفواكه)، والحقيقة هي أن انشغالات الغالبية العظمى من الناس أو عدم درايتهم بكيفية تقدير المكونات الغذائية يحول دون تحقيقهم لمطلب (الطعام المتوازن)، وبالإضافة إلى ذلك فهناك مشكلة السعرات الحرارية فقد تم وضع الجداول الغذائية التي تلبي الاحتياجات أو الكميات القياسية اليومية لكي تقدم (۲۰۰۰ سعر حراري للسيدات، (۳۰۰۰ سعر حراري) للرجال، وهذه الكمية في الواقع تعادل ضعف الكمية المسموح بها في النظام المعتاد لإنقاص الوزن (الريجيم)، بل وحتى في حالة عدم اتباع نظام غذائي فإن معظمنا لا يمكنه استهلاك كل هذه السعرات، ويظل محتفظا في الوقت نفسه بالوزن الذي يرغبه.

ولقد وجد معظم الباحثين أن أشهر كتب الريجيم لم تحقق الكميات القياسية اليومية ل (۱۳) نوعاً من الفيتامينات والمعادن، ويبدو الأمر وكأنه يوجد كل عام (نظام غذائي خارق) إلا أن الجميع يقولون إنه لا بد من تناول القليل من الطعام مما يعني بالتالي الحصول على مكونات غذائية أقل، ويبدو الأمر أكثر وضوحا عندما نعرف أن المستويات المنخفضة من بعض المكونات الغذائية تعوق جهود إنقاص الوزن.

مشكلة فقدان المكونات الغذائية:

تشير الدلائل إلى أن قوائم الأغذية التي يفترض أنها تخبرنا بالمحتويات الغذائية للأطعمة التي نتناولها تعطي نسبة أعلى القيمة المكونات الغذائية، حيث أن المكونات الغذائية للأطعمة خاصة المعادن تتفاوت بشدة نتيجة اختلاف ظروف النمو للمحاصيل المختلفة، كما أن أغلب الخضروات والفواكه الطازجة التي تقوم بشرائها تكون قد مرت بمراحل كثيرة بدء من القطف ثم التخزين ثم الشحن ثم التخزين مرة أخرى ربما لأسابيع عديدة أو شهور، وبعد أن نقوم بشرائها فإننا نقوم بتخزينها أيضا لبعض الوقت وقد نقوم بطهيها أو تقطيعها لشرائح، وكل هذه المراحل تزيد من فقدان العناصر الغذائية للأطعمة الطازجة فما بالنا بالأطعمة المصنعة التي نشتريها معلبة ومحفوظة بمواد حافظة؟!.

صلاحية الكميات الغذائية القياسية لكل الأفراد

الحقيقة أن الكميات القياسية اليومية قد تم وضعها لتناسب الشخص السليم صحية تماماً، وليس احتياجات الأفراد الذين يختلفون في ظروفهم الصحية واستعدادهم الطبيعي، ومثال ذلك فإن الكميات القياسية اليومية لم تأخذ في اعتبارها العيوب الخلقية للتمثيل الغذائي والتي يمكن أن تزيد من احتياجات الفر إلى الفيتامينات من 10 مرات: ۱۰۰۰ مرة، وعلى سبيل المثال فإن اختلال التمثيل الغذائي للنحاس في مرض (ویلسون) - (وهو مرض وراثي يؤدي إلى اختلال التمثيل الغذائي) - يزيد من احتياج الجسم للزنك الضروري بدوره لتنظيم امتصاص النحاس، وقد أوضحت التجارب إمكانية وجود الكثير من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات التمثيل الغذائي المكونات غذائية معينة ربما لا يمكن تشخيص معظمها رغم أنه تسيء لهم صحية وربما تؤدى إلى إصابتهم مستقبة بأمراض خطيرة، كما أن الخريطة الجينية لكل فرد تؤثر بشكل كبير في هذا الصدد، هذا بالإضافة للمتغيرات التي تتعرض لها في حياتنا وظروف تلوث البيئة والضغوط العصبية والاضطرابات المرضية وتناول العقاقير وعوامل السن إلخ، فكل هذه العوامل لها القدرة على زيادة استهلاك أجسامنا لعناصر غذائية معينة أو تتداخل مع التمثيل الغذائي لعناصر أخرى أو تؤثر على احتياجاتنا الغذائية..