تأكل الثعابين الثعابين الأخرى. ولكن هل هذه الثعابين هي كل أعدائها وإذا تركنا أعداءها من الثعابين بعيداً فإن لها أعداء بين الثدييات والزواحف والطيور والأسماك وحتى بين الحشرات.

وفي المناطق الدافئة من الدنيا تفترس الثدييات الصغيرة الثعابين غالبا. حتى الظربان تبحث عن أعشاش الثعابين لتغذى بيضها، والثعابين تتغذى من بين ما تتغذى بالثعالب وعرسة الماء والفأر والكبسي والراكون، كما أن الجرذان نيد كثيراً من الثعابين. والقنفذ في أوربا عدو مهم للثعابين. حتى إن له مناعة ضد سم الأفعى الشائعة.

كما أن النمس من بين الثدييات الصغيرة أشهر قاتل لها. ولو أنه ليس للنمو مناعة ضد السم، إلا أنها تهاجم الثعابين السامة وغير السامة. وهناك حكايات كثيرة عن معارك عديدة دارت بين الكوبرا والنمس، ويبالغ في هذه الحكايات كثيرة ولو أن المنتصر ليس دائما هو النمس. وعندما كنت في جزر الهند الغربية وجدت نموا كثيرة. وقد أحضرت هذه الحيوانات إلى الجزر للقضاء على الثعابين السامة والفئران.

ولسوء الحظ انقرض عدد من أنواع الثعابين غير السامة وأصبحت النموس وباء. وفي جاميكا كانت النموس كثيرة جدا لدرجة أنني كنت أراها في تجوالي غالبا تجرى عبر الطريق كما تفعل الأرانب هنا. ومن بين الطيور طائر السكرتير الأفريقي الكبير، وهو عدو كبير للثعابين، إذ يقتل الثعابين بأقدامه القوية.

وتنقض طيور الصيد أحيانا على الشعبان وتعلق به في الجو ثم تسقطه فوق صخرة ليلقى حتفه وتلتهمه. وهناك طيور كثيرة أخرى تقتل الثعابين بمناقيرها الحادة، كما أن طيور البحر تأكل ثعابين البحر.

وكذلك التماسيح الأفريقية والأمريكية وبعض العظاءات و السحالي، بل حتى بعض الضفادع تفترس كلها الثعابين. كما أن أسماك القرش والأسماك الكبيرة الأخرى تأكل ثعابين البحر وهكذا تفعل بعض الحيتان، وفي النها

ية الأخرى من دنيا الحيوان تقتل العناكب الثعابين وتمتص عصارتها. ولكن من وجهة نظر الثعبان فإن عدوه رقم واحد هو الإنسان. فهو يقتل ملايين الثعابين كل عام. وهو يصطادها من أجل جلدها. وهو يقتلها بالديناميت في جحورها، وقد يقتلها لمجرد قتلها، وقد يستأصلها في كثير من الأماكن. أما سيارته فهي خطر يهدد الثعابين وعلى وجه الخصوص في الغسق.

وذلك لأن الثعابين يجذبها أسفلت الطرق الساخن عندما يقترب الليل ويصبح باردة. وقد أحصى أحد العلماء ما تقتله السيارات في كل عام بعشرة آلاف ثعبان في منطقة سان ديجو بكاليفورنيا.

وليس للثعابين دفاع ضد الإنسان في الغالب إلا سمها. أما ضد سيارات الإنسان وديناميته فليس لها وسيلة دفاع ما. أما ضد أعدائها الآخرين فقد كون كثير من الثعابين تدابير وعادات وقائية، وفيما يلي نذكر بعضا منها.

وأبسط هذه التدابير أن شكل الثعبان فيه الحماية الكافية غالبا، فألوان الثعابين وأشكالها تختلط مع لون الوسط الذي تعيش فيه فيصبح من الصعب رؤيتها، ويسمى العلماء هذه الطريقة في التعمية و الحماية بالتلون.. ومن الأمثلة لهذا نحاسي الرأس الذي تشبه ألوانه الأوراق المتساقطة على أرضية الغابة، ومثال آخر لذلك هو الثعبان الأخضر الذي يشبه لون أوراق الشجر.

كما أن كثيراً من ثعابين الصحراء ألوانها فاتحة تشبه الرمل الذي تعيش عليه. وتحتمي بعض الثعابين السامة بألوانها الزاهية جدا التي تتكلم نيابة عن الثعبان قائلة: (احذر، أنا مخلوق خطر)، ويسمى هذا و تلونا للتحذير، ومن أحسن الأمثلة لهذا ثعبان المرجان. وهذه الثعابين حيوانات حفارة مختفية ولكنها ملونة: بحلقات عرضية حمر سود وصفر، وحذر هذه الألوان الزاهية أعداء مثل الطيور فلا تقربها وتركها وشأنها.

وقد تشبه بعض الثعابين غير الضارة الثعابين الخطرة غالبا في ألوانها ونقوشها. وهذا تركيب للحماية تم تكوينه على ملايين السنين. فالثعبان غير السام، من غير أن تعرفه، يماثل لون الثعبان السام فتخافه الأعداء وتترك هذا وذاك. وهكذا ينجو ثعبان اللبن في الجنوب من الموت، لأنه يشبه ثعبان المرجان، أما في الشمال حيث لا يوجد ثعبان المرجان، فإن ثعبان اللين لا يشبه هذا الشعبان مطلقا.

كما أن بعض الثعابين تستغل ألوانها الزاهية في إلقاء الرعب في قلوب أعدائها كالثعبان ذي الطوق مثلا الذي إذا هدده خطر أظهر بسرعة البرق ألوانه الزاهية الحمراء والبرتقالية والصفراء الموجودة تحت ذيله.

والإجراء الأول الذي يلجأ إليه كثير من الثعابين في الدفاع عن نفسها هو الهرب. ولا تفعل كل الثعابين هذا عندما يقترب علو منها، بل من الثعابين من بلف نفسه ككرة صغيرة ويخي رأسه في وسطها، وبهذا يجعل نفسه صعب الرؤية. كما أن بعض الثعابين يخلي رأسه تحت هذه اللفات. وعندما يفعل ذلك ثعبان كريت السام فقد بلور وبعض الحيوان الذي يتهور ويحاول أن يمسكه.

وثمة إجراء دفاعي آخر وهو أن يصدر الثعبان صوتا، فبعض الثعابين تصدر فحيحا ويجعلها هذا الفحيح أكثر توعداً. وتستطيع أن تسمع فحيح الكوبرا على بعد خمسة وعشرين متراً تقريبا. وهناك صوت مخيف آخر هو صليل أجراس الذيول، وكثير من الثعابين غير الضارة تهز ذيولها فتضرب بها الأرض. فالثعبان الأسود الشائع يعمل هذا دائما، وعندئذ تسمع ضجيجا عظيما بين أوراق الشجر الجافة قد تحسبه ثعبانا ذا جرس بالقرب منك.

ولكن ذا الحرس بالطبع هو أحسن من يقوم بهذا الإجراء , وبجانب الفحيح فإن لبعض الثعابين حيلا إضافية أخرى تخيف بها أعداءها، فالكوبرا مثلا تنشر درقتها. والثعبان ذو أنف الخنزير ينفخ نفسه بملء رئتيه بالهواء، وإذا لم يكن لهذا تأثير ما فهو يوسع ويفلطح جسمه حتى يظهر كأنه أكبر حجما. وإذا وجد أن كل هذا لا يخيف عدوه انقلب على ظهره فتح فيه وتدلى لسانه ويظهر كأنه ثعبان ميت.

وعدد كبير من البوا في جزر الهند الغربية يلجأ إلى طريقة أخرى ليدافع بها عن نفسه. عندما تمسك نصيح عيونها حمراء ويخرج الدم من الفم والأنف ولايتجلط هذا الدم كالدم العادي، بل يبقى سائلا لوقت طويل. فهو ليس إفرازاً دمويًا ساما، ولكنه قد يكون كريه الطعم للعدو و بالطبع مزعجا للشخص الذي يحاول أن يمسك بهذا الثعبان.

وتحمي بعض الثعابين أنفسها بإفراز كريه الرائحة. وذلك بتفريغ غدد الرائحة الموجودة بها وتستطيع أن نجعل هذا الإفراز غير سار للعدو الذي يمسكها. من الثعابين التي تفعل ذلك ثعبان الماء وشعبان الرباط، وقد تعلم الإنسان أن يمسكها من ذيولها بعيداً إذا أراد أن يمسكها.