يتبع ثلثا ثعابين العالم أسرة واحدة. ولن تعجب لهذا الأمر إذا وجدت أن اسمها هو الأسرة الشعبانية Colubridae.

وهذا يعني ببساطة الثعابين التي يجب أن نسميها الثعابين الأصلية typical snakes، وأغلبها غير مؤذ، وقد يكون لبعضها مع ذلك أنياب سامة.

وأغلب ما تجد من الثعابين هي ثعابين أصلية، ولو أنها قد تختلف فيما بينها اختلافاً بيناً من جهة الحجم والشكل واللون والعادات، فقد يكون بعضها طويلا ودقيقاً، والبعض الآخر قصيراً وغليظا. وقد يكون لون بعضها كابياً، والآخر ألوانه زاهية. وقد يعيش بعضها في الأشجار أو على الشجيرات.

وقد يعيش بعضها في الماء أو على الأرض أو تحتها، وقد يبيض البعض، ويلد البعض الآخر. وتعيش الثعابين الأصلية في كل أنحاء العالم الصالحة لمعيشتها، ولكن بعض أنواعها لا يوجد مطلقاً في الولايات المتحدة، فإنك لا تجد أبداً على سبيل المثال الثعبان ذا النتوءات Wart Snake.

ولم أر بنفسي هذا الثعبان حتى الحرب العالمية الثانية، وحتى في ذلك الوقت لم يكن هذا الثعبان ذو النتوءات إلا عينة محفوظة في زجاجة وحسب.

وقد حدث هذا ما يأتي: أثناء الحرب كان يصل إلى المتحف غالباً طرود يرسلها الجنود الذين كانوا يجمعون ويحفظون الحيوانات للدراسة.

وكلما وصل طرد كنا نفتحه بشغف، ولسرية الحرب كان من غير المسموح لهؤلاء الجنود أن يذكروا مكانهم. وعلى هذا فقد كان من دواعي تسليتنا أن نخمن من أين أنت هذه الحيوانات. وقد وصل هذا الثعبان ذو النتوءات في أحد تلك الطرود من مكان ما...

وكان منظر هذا الثعبان قبيحاً وغريباً بالنسبة إلى. كان رأسه قصيرة جدا، ومنخاراه وعيناه الصغيرتان على قمة رأسه، تحيط بجسمه حراشف صغيرة لها أحرف.

وسألت نفسي: هل أنت هذه العينة من آسيا، ثم أخذت بعض الكتب التي تكتب عن ثعابين الباسفيك وابتدأت أقلب أوراقها، وسرعان ما وجدت صورة لهذا الثعبان الموجود بالزجاجة أمامي.

وابتدأت أقرأ، وعرفت أن هذا الثعبان، ثعبان مائي تماماً، أي إنه يعيش كل حياته في الماء، ومكانه الجداول، حي الملحة منها.

ولأنه يأكل الأسماك بشراهة فإنه يوجد دائماً في شباك الصيادين. وهو يعيش في الهند الصينية، ومنطقة الهند الأسترالية، وشمال أستراليا، حتى جزر سولومون.

ولما كان هذا بالطبع مجالا واسعاً فلم أحاول أن أخمن من أين جمعت هذه العينة بالضبط. وهكذا لم أعرف أنها جمعت من غينيا الجديدة إلا بعد انتهاء الحرب.

وتختلف ثعابيننا الأمريكية المائية عن هذا الثعبان في أنها نصف مائية، أي إنها تعيش جزءاً من حياتها فقط في الماء. وعيناها وأنوفها موجودة على جوانب الرأس وليست فوقها، والفك، مستدير، وبدلا من أن تحيط بكل جسمها حراشف صغيرة فإن الثعابين الماء حراشف كبيرة على البطن.

ويوجد في الولايات المتحدة عشرة أنواع من الثعابين المائية أكبرها ثعبان الماء البنى القبيح المنظر Brown Water Snake الذي يبلغ طوله مترا ونصف متر، ولو أن متوسط طول ثعابين الماء هو تسعون سنتيمتراً.

وقد توجد على ثعابين الماء شرائط مرقشة أو مخططة، وأحياناً قد يكون للبطن نقوش ملونة. وبينها كل أنواعها تأكل الأسماك فإن بعضها يأكل البزاقات وديدان الأرض، وواحد آخر يظهر أنه لا يأكل إلا جراد البحر.

ولعظم ثعابين الماء عادة غير حميدة، وهي أنها عندما تثار تفرز غدد الرائحة الموجودة بها رائحة غير مقبولة ومادة لزجة.

وهذه العادة، بالإضافة إلى أن بعضها عدواني ويشبه في منظره ثعبان الحذاء، كل هذا، يجعل الناس يعتقدون أن ثعابين الماء سامة، ولكن على عكس ذلك فهي ثعابين غير ضارة.

يوجد من ثعابين الماء في أوربا وآسيا أنواع أكثر مما هو موجود في الولايات المتحدة وأحدها ثعبان الحشيش The Grass Snake، وهو أكثرها انتشاراً في أوربا.

ولكن هناك أمرا عجيباً، ذلك أن ثعابين الماء في الدنيا القديمة تضع كلها تقريباً بيضاً، في حين أن كل الثعابين الأمريكية تلد أحياء. والثعبان البني الصغير الذي قد تتعرض لرؤيته من أشد الثعابين قرابة الثعابين الماء.

وإذا كنت تعيش في المدينة فقد تجد واحدة منها في الأماكن المهجورة تحت الأشياء المتروكة. وهذا من غير شك ثعبان دي كاي De kay إذ أن هذا هو المكان الشائع الذي يوجد فيه.

ومن ناحية أخرى فإنك إذا ذهبت إلى الغابات وجدت ثعباناً صغيراً بنيا تحت قشور الأشجار والأفرع المتساقطة، فقد يكون هذا هو الثعبان أحمر البطن The Red - Bellied Snake.

وهذان الثعبانان من نفس الحجم، وهما غالباً أقل طولا من ثلاثين سنتيمتراً.

وتستطيع أن تعرف أي ثعبان وجدت من البطن الأحمر والظهر الرمادي لأحدهما، ومن البقع الغامقة على الظهر للثعبان الآخر.

وأكثر الثعابين شيوعاً في الولايات المتحدة هو الثعبان ذو الرباط وهو قريب لكل من ثعابين الماء والثعابين الرمادية.

ومن المؤكد أنك ستجد هذا الثعبان غالباً إذا خرجت للبحث عن الثعابين، لأنه يعيش في كل ولاية من الاتحاد، كما أنه يوجد بكثرة عظيمة.

وغالباً ما يكون هذا المخلوق أخضر غير زاه، أو رماديًا، أو بنيا، مع خط أو أكثر من الخطوط الخفيفة على الجسم.

ويوجد في الولايات المتحدة أحد عشر نوعاً مختلفاً من الثعابين ذات الرباط، وقد تجد أحيانا أكثر من نوع واحد في نفس المكان.

وقد وجدت عدداً كبيراً من الثعابين ذات الرباط في حياتي. ذهبت مرة في أوائل الربيع إلى منطقة مكشوفة في ضواحي مدينة نيويورك حيث كنت أعرف أن ثعباناً ذا الرباط يعيش فيها.

وكان المكان متسعاً، وبه طبقات عديدة من الصخور العظيمة المفلطحة التي تكون مأوى طيباً للثعابين.

وهناك كانت تظهر من شق عميق كتلة ملفوفة من ثعابين ذات الرباط، وكانت هناك ثعابين ترقد على قمة الصخور معرضة نفسها للشمس. ومن الواضح أن هذا كان مدخل جحر كبير للبيات الشتوي.

وقد جئت أنا في الوقت الذي كانت فيه الثعابين تخرج منه. فأمسكت عدداً قليلا من الثعابين الكبيرة ووضعتها في كيس لأخذها إلى المتحف.

وكان الاحتمال أن الثعابين قد تزاوجت، وأردت أن أعرف كم عدد الصغار في النتاج الواحد.

وعندما بدأت الثعابين تتراجع تحت الصخور حاولت أن أعد سريعاً كم من الثعابين كان هناك ولكني لم أستطع، غير أني قدرت أنني قد رأيت مائة منها على الأقل.

ومن بين ما حملت للمتحف، ثلاث إناث ولدت في يوليو وكان نتاجها خمسة واثني عشر وعشرين صغيراً على التوالي.

وقد تعلم بعض الصغار كيف يأكل قطع اللحم، وكان البعض بأكل ديدان الأرض فقط، ورفض اثنان أكل أي شيء، وعندما رأيت أني لا أستطيع أن أربيهما حملتهما إلى حيث وجدت الأمهات.

ومن الثعابين غير الضارة الشائعة التي كنت أجدها غالباً، الثعبان ذو أنف الحرير Hog nosed Snake. وكنت أراه في الربيع في المناطق الرملية للشاطئ الجنوبي للونج ايلاند.

وقد كنت أقول عندما أرى أجسامها البدينة القصيرة ورؤوسها المفلطحة وفيها الملتوي إلى أعلى وما أقبح منظرها من مخلوقات.

وأحياناً عندما كنت أفاجأ بواحد منها يصدر فحيحاً ويملاً رئتيه بالهواء، يفلطح الجزء الأمامي من جسمه فيظهر مخيفة جدًا كالكوبرا، عندئذ أحدث نفسي: لا عجب أن يعتقد الناس أن هذه الثعابين سامة. ولا عجب أيضا إذا ما أتوا إلى المتحف يسألون عما إذا كانت توجد أي كوبرا بالقرب من نيويورك.

وتسمى الثعابين ذات أنف الخنزير أحياناً بالأفاعي الناشرة Spreading Adders وذلك لقدرتها على الانتفاخ، ولكن هذا كله خداع، فهي ليست ضارة كما تبدو. وهي تتغذى بالضفادع والحشرات فقط، أما الأنف الملتوي إلى أعلى فهو للحفر.

وثمة ثعبان مخادع غير ضار آخر يصدر فحيحاً ويهز ذيله ليعمل صليلا وهو ثعبان الصنوبر Pine Snake. فقد رأيته بين أشجار الصنوبر جنوب نيوجرسي.

والثعبان الذي أمسكته كان يافعاً كامل النمو وعلى جسمه الرمادي الفاتح عدد من البقع القاعة. وكان طوله حوالي مائة وعشرين سنتيمتراً، وقد تركته يلتف حول ذراعي لأعرف مقدار قوته في عصر فريسته، ثم فككت لفائه وتركته.

وفي آخر اليوم بينما كنت أسير في نفس المنطقة وجدت ثعباناً آخر، وكانت أني دهمتها سيارة، وكان في جنبها جرح كبير، وقد استطعت أن أرى ثماني بيضات، وكانت على ما يبدو على وشك الفقس.

وتعيش ثعابين الصنوبر في المنطقة الجنوبية من نيوجرسي ويمتد جنوباً إلى فلوريدا وغرباً حتى تكساس.

وهي شائعة أيضاً في السهول العظيمة والصحاري من تكساس إلى كاليفورنيا ولكنها في تلك المنطقة تسمى ثعابين العجل، أو ثعابين جوفر.