نهر الأمازون:

يجرى الأمازون عبر الأرض في شمال أمريكا الجنوبية، والأمازون نهر قوى عات، إذ يندفع بقوة لمائة ميل قبل أن تمتزج مياهه بمياه المحيط الأطلنطي، ويستطيع البحارة وهم ما زالوا في البحر الفسيح، أن يتعرفوا مجرى النهر بلون مياهه المصفرة، فيصبحون مستبشرين: والأمازون، ذلك لأنهم يدركون اقترابهم من القارة.

متى اكتُشف نهر الأمازون:

كان الإسبان أول من استكشف النهر المثقل مجراه بالغابات في أثناء بحثهم عن الذهب، فأتوا النهر مصادفة، كانت الشائعات تقول بأنه في مكان ما شرق الأنديز (1) توجد أرض وافرة الثراء بحكمها ملك يقال له الدورادو El Dorado، الملك المموه بالذهب تشع القطع الذهبية في جسده كما تشع النجوم في كبد السماء، وكان الإسبان يبحثون عن هذه الأرض المليئة بالعجائب حيث تبنى جدران القصور بكتل من الفضة وتسقف بقضبان الذهب، ولا حاجة بنا إلى أن نقول بأنهم لم يجدوا هذه الأرض، ولكن خمسين منهم بقيادة | رجل اسمه فرنشسكو أوريللانا قاموا بمغامرة لا تنسى، فقد ساروا مع النهر المسافة ۳۹۰۰ ميل ( ۲۷۰ة كيلومترا( في كفاح وصراع ضد الجوع واليأس يحدوهم الأمل حتى بلغوا خاتمة المطاف إلى البحر.

وكان من الممكن أن يطلق على النهر اسم (أوريللانا)، ولقد حدث هذا حقا، ولكن بعد قليل بدأ الناس يطلقون على النهر اسم الأمازون، ذلك. لأن قصة المغامرة تليت المرة بعد الأخرى، وكان جزء من القصة يروي كيف أن الإسبان خاضوا معمار معركة عنيفة ضد الأهلين، ويظنون أنهم رأو نسوة من المواطنات يقاتلن في الصفوف الأمامية، وكان من الغريب أن يواجه الإسبان نساء يحملن الأقواس ويطلقن السهام، ودهش الناس لقصة النساء المقاتلات، ولما كانت كلمة «أمازون» أطلقها الرجال على «النساء المقاتلات» فقد أطلق الاسم على النهر.

عن نهر الأمازون العظيم:

ومع أن الأمازون ليس أطول أنهار العالم إلا أنه ولا شلك أقواها. فهو يحمل إلى البحر خمس المياه التي تحملها كل أنهار العالم إلى البحار والمحيطات. فمن أين يجيء النهر بهذا كله؟

والواقع أن النهر لا يجيء بهذه المياه من منبعه والذي هو بحيرة صغيرة في جبال الأنديز تستقى من الثلج في قنن الجبال على مسافة لا تزيد على مائة ميل من المحيط الهادي (الباسفيكي) بل تجيء مياه الأمازون من الغدران والجداول التي تجرى في حوضه وتصب فيه وهي ليست بالعدد القليل، إذ تصل إلى قرابة ألف ومائة جدول تجيء بالمياه من فنزويلا وكولومبيا وبيرو وبوليفيا فضلا | عن البرازيل، وسبعة من فروع النهر هذه يزيد طول كل منها على ألف ميل. بل إن طول فرعه ماديرا Madeira ألفا ميل. وقبل أن يلتق بنهر الأمازون يكون قد صب فيه تسعون فرعا صغيراً خاصة به وحده.

وكل ما في الأمازون يتحدث عن قوته، وسعة النهر كبيرة حتى إنه في أغلب مجراه ينقسم إلى قسمين تفصل بينهما الاف الجزر، وفي مجراه السفلى تصل سعة المجرى إلى أربعين ميلا، ومصب النهر كبير السعة حتى إن به ثلاث جزر تقارب إحداها مساحة سويسرة (ما يقرب من 944، 15 ميلا مربعاًز

والنهر بعيد الغور تستطيع السفن عابرات المحيط أن تسير في مجراه حتى بلدة إكوينوس Iquitos في جمهورية بيرو، أي لمسافة ۲۳۰۰ ميل (ما يقرب من ۳۷۰۰ كيلو متر )، ويقول الجغرافيون: إن عمق النهر يوضح سبب قوة تياره، فالأمازون لكثرة ما به من مياه يستطيع متابعة السير لمئات الأميال في مستوى أفقي.

ويخطر لك أن مثل هذا النهر القوى لا بد أن يحمل الكثير من الغرين، ومن ثم فإنه يستطيع أن يكون و دلتا، كبيرة رحبة، وهذا صحيح، فالأمازون يحمل إلى المحيط ملايين الأطنان من الغرين، ولكن لا دلتا للنهر، فكما أن النهر قوى، فالمحيط بدوره قوى عات، والنهر بحمل الغرين إلى المحيط فلا يترسب، بل تحمله تيارات المحيط لتلتي به هي الأخرى بعيداً عن الساحل.

ثم إن البحر الفسيح يغزو النهر أحياناً، وارتفاع المد أو انخفاضه ملموس واضح لمسافة خمسمائة ميل من مصب النهر، وفي أوقات ما يندفع المد العالى نحو الساحل، وتقوم معركة بين البحر والنهر، وتتراكم المياه في موجة عاتية | تعرف باسم «الموجة المدية bore،، وتندفع مياه البحر بارتفاع مترين إلى أربعة أمتار تقريباً، تندفع بسرعة كبيرة مكتسحة أمامها مياه الأمازون المئات الأميال، ولكن من حسن الحظ أن هذه الموجات المدمرة تعلن عن نفسها بما تثيره من ضجيج يسمع من مسافة أميال، ومن ثم يستطيع الناس الذين يعيشون على النهر النجاة بأنفسهم.

ولكن الواقع أن قليلا من الناس هم الذين يعيشون على النهر، بل إن الناس في حوض الأمازون قلة، وفي هذه الفسحة من الأرض التي يرويها النهر يعيش أناس تعدادهم أقل من تعداد سكان شيكاغو، بل لا يزيدون كثيراً عن سكان القاهرة، فكل الذين يعيشون في حوض الأمازون ثلاثة ملايين جلهم في البرازيل. لكن ما سبب هذا؟

الحياة في حوض الأمازون:

قد تظن أن نهر الأمازون وفروعه طرق مواصلات مليئة بالحركة، وستفكر أن السفن النهرية الكبيرة تجوب النهر جيئة وذهابا حاملة البضائع والمتاجر لداخل البلاد وتعود محملة بحاصلات المناطق التي تمر بها، قد تظن هذا، ولكن الواقع أن حركة الملاحة قليلة في النهر وفروعه بسبب عدم صلاحيتها للملاحة في مناطق كثيرة، وعلى النهر وفروعه مساقط قد يمتد بعضها لمسافة مائي ميل ولا يستطيع الملاحة عبرها حتى في السفن النهرية غير الملاحين المهرة.

على أن هناك أسباباً أخرى أمر، فالأمازون على مقربة من خط الاستواء، ومعنى هذا أن الأراضي المنخفضة شديدة القيظ حي في موسم الأمطار، ثم إنها شديدة الرطوبة، فمتوسط سقوط المطر مائتا بوصة في العام، أي خمسة أضعاف متوسط الرطوبة في نيويورك، وعشرة أضعاف متوسطها في سان فرانسسكو، وفي الجو الحار المشبع بالرطوبة يتوالد البعوض في البحيرات الضحلة وتكون المنطقة كلها مباءة ومرتعا للأمراض والأوبئة - وبخاصة الملاريا والحمى الصفراء وما إليهما مما بنقله البعوض.

أضف إلى هذا وفرة الأحراش والأدغال التي ربما كانت السبب الرئيسي في قلة الذين يذهبون ويجيثون في هذه الآلاف من الكيلومترات من مجاري المياه الصالحة للملاحة، والأحراش والغابات سبب عدم وجود الجسور (الكباري (أو الخزانات أو المواني على النهر، ولا توجد كذلك على شاطئية مصانع، ولا مصائد أسماك، ولا أماكن لقطع الأخشاب بالآلات، ولا زراعة على النحو المألوف لنا. وغابات الأمازون التي هي أكبر غابة على سطح الأرض هي العائق الذي بعطل وجود كل هذه الأشياء، كل هذه الصور العادية في حياة الإنسان.

ولا تتزاحم النباتات في مكان ما من العالم تزاحمها هنا في غابات الأمازون، فالجو حار رطب حتى لتنبت الأشجار وتنمو وكأنها في مدفأة ضخمة، والغابات الكثيفة لا تعطى الإنسان فرصة الابتكار والعمل، وفي كل مكان من العالم قهر الإنسان الغابة، ولكن هنا في حوض الأمازون قهرت الغابة الإنسان وحياة النبات هنا قوية عاتية لا يستطيع الإنسان أن يقهرها بفأسه الواهنة الضعيفة ولا حتى بمنشاره الكهربي، ولم يستطع الإنسان حتى أن يشق طريقاً في الغابة، ذلك لأن الأشجار تنمو وتسد الطريق التي يقطعها، ومجاري المياه هي وحدها الطرق للانتقال من مكان إقامة إلى مكان آخر، فليست هناك أرض للزراعة، كل ما هناك غابة.. غابة متصلة ممتدة، والمناطق الصغيرة التي مهدها الإنسان لم تغير من الصورة العامة، ومثلها مثل قطع قليل من الحشائش من حقل من الذرة يمتد لمسافة كيلومترين.

والأمازون في مكان لا يعتبر مناسباً، ومع أن النهر أقوى أنهار العالم، لا يلعب غير دور صغير في مياه العالم، ذلك لأن الأمازون يجري في منطقة الاحساب فيها للمخلوقات البشرية بقدر ما للأشجار والحشرات من تقدير ومكانة.