اكتشاف التوصيلية الفائقة - Superconductivity

سنة اكتشاف الموصلية الفائقة: 1911م

ما هو هذا الاكتشاف؟

  • تفقد بعض المواد جميع مقاومتها للتيار الكهربائي بدرجات حرارية فائقة الانخفاض

من هو مكتشف الموصلية الفائقة؟

  • هيك كاميرلنغ أونيس Heike Kamerlingh Omnes

لماذا يعد هذا الاكتشاف ضمن المائة العظمى للإكتشافات تاريخياً؟

يقصد بالتوصيلية الفائقة إنسياب تيار كهربائي دون أية مقاومة تعترض إنسيابه هذا، فحتى أفضل الموصلات تمتلك بعض المقاومة للتيار الكهربائي، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للموصلات الفائقة. لسوء الحظ، تتواجد الموصلات الفائقة فقط عند البرودة القاصية، قريبة من الصفر المطلق.

رغم أن التطبيق العملي لهذا الاكتشاف لم يعرف بعد، إلا أن مبدأ التوصيلية الفائقة يُعد بإيجاد محرکات كهربائية ومغناطيسية خارقة الكفاءة، تيار كهربائي يسري آلاف الأميال دون فقدان في الطاقة، وتحقيق حلم خدمة كهربائية رخيصة ووافية لغرض كل فرد.

من المؤمل أن تتمخض التوصيلية الفائقة عن صناعات وطرق جديدة لتوليد ومعاملة وتحريك الطاقة الكهربائية، ولكن تبقى هذه الإمكانية كامنة في المستقبل.

كيف جاء هذا الاكتشاف؟

ولد هيك أونيس Heike Onnes عام 1853م بغروننجين في هولندا وترعرع في عائلة ميسورة الحال إمتلكت مصنعاً للبلاط. خلال دراسته، جذبت موهبته في حل المسائل العلمية الكثير من الانتباه خلال دراسته الجامعية والعليا. لدى بلوغه سن الثامنة عشرة، أصبح أونيس راسخ الإيمان بقيمة إجراء التجارب الفيزيائية وميّالاً إلى مخاصمة النظريات التي لا يمكن إظهارها تجريبياً.

و بعمر الخامسة والعشرين، ركز أونيس بحثه الجامعي على دراسة خواص المواد التي تقارب الحدود الدنيا من درجات الحرارة (-456 درجة فهرنهايت أو -269 درجة سيليزية). كان وجود هذا الحد الأدني من الحرارة والذي فيه تتبدد الطاقة الحرارية جميعها وتتوقف الحركات جميعاً- حتى داخل الذرة، قد اكتشف من قبل اللورد كلفن Lord Kelvinª، ويُدعی صفر درجة كلفن أو الصفر المطلق.

إنبرت بحوث كثيرة لتوضيح ما يحدث قريباً من درجة الصفر المطلق. آمن لورد كلفن بأن الصفر المطلق يوقف من حركة الإلكترونات، ويتوقف عنده التيار الكهربائي حيث تكون المقاومة كبيرة إلى ما لا نهاية. بينما آمن آخرون بالعكس - تهبط المقاومة إلى الصفر فتسري التيارات الكهربائية إلى الأبد.

لكل كانت نظريته. فقرر أونيس من جانبه أن يستطلع حقيقة ما يجري عند الصفر المطلق وأن يضع هذه التجارب تحت الفحص والإختبار.

على كل حال، كانت هناك معضلة. إذ لم تكن هناك طريقة قط لتبريد أي شيء في أي مكان قريباً على درجة -269 سيليزية. لحسن حظه، كان أونيس رئيساً لفرع الفيزياء بجامعة لايدن، وكان فرعه مزوداً بمختبر فيزيائي جيد التصميم بإمكانه الإستفادة من إستعماله.

في عام 1907م، ابتكر أونيس محاریر بإمكانها قياس درجات حرارية تصل برودها إلى الصفر المطلق.

وفي عام 1908م، اكتشف طريقة لتبريد غاز الهيليوم بحيث تحول إلى الحالة السائلة، ثم إستطاع أن يستمر في تبريد السائل الفائق البرودة حتى وصل به إلى درجة 0.9كلفن (أي أقل من درجة فوق الصفر المطلق) بنهاية ذلك العام! أدرك أونيس بقدرته على إستعمال هذا الهيليوم السائل التبريد مواد أخرى لدرجة قريبة عن صفر کلفن وذلك بهدف قياس مقاومتها الكهربائية.

بحلول عام 1911م، كان أونيس قد طوّر أوعية قادرة على إحتواء وخزن هيليومه السائل الفائق البرودة. فبدأ دراساته الكهربائية بتبريده البلاتينيوم أولاً والذهب ثانياً لدرجة قريبة من الصفر المطلق. على أية حال، كانت التيارات الكهربائية التي قاسها غير منتظمة، ونتائجه غير حاسمة.

قرر أونيس التحول على الزئبق السائل. فملأ أنبوباً على شكل حرف U بالزئبق وربط أسلاك إلى كلتا نهايتي الأنبوب. أما الأسلاك فكانت موصلة بعداد لقياس المقاومة الكهربائية. وكالعادة، إستعمل الهيليوم السائل بدرجة 0.9 کلفن لتبريد الزئبق. في الوقت الذي إنخفضت فيه درجة الحرارة إلى أقل من 40 درجة كلفن (-229 درجة سيليزية)، بدأت المقاومة الكهربائية بالإنخفاض.

فاستمرت بالإنخفاض بشكل منتظم تحت درجة 20 كلفن، وعند الوصول لدرجة 4 , 19 كلفن اختفت المقاومة فجأة، وهابطة للصفر. أعاد أونيس التجربة مرارة على مر الأشهر القليلة اللاحقة وحصل دوما على النتيجة ذاتها. تحت 4.19درجة كلفن، لم تكن هناك مقاومة لإنسياب الكهرباء. فالتيار الكهربائي كان سيسري دون عرقلة إلى الأبد!

أطلق أونيس على هذه الظاهرة اسم superconductivity أو «التوصيلية الفائقة».

إكتشف أونيس التوصيلية الفائقة، لكن دون أن يقدر على شرحها نظرياً. توقع فقط بأن لها علاقة بما تم إكتشافه (بعد ذلك بإسم نظرية الكم. إنتظر العالم حتى عام 1951م ليقدم جون باردین John Bardeen نظرية رياضية تشرح ظاهرة التوصيلية الفائقة.

بُدء بحث لإيجاد طرق لتحقيق التوصيلية الفائقة بدرجات حرارية أعلى (أكثر وصولاً من الناحية العملية) القياس الحالي هو 138 درجة كلفن (-131 درجة سيليزية)- لسوء الحظ، بإستعمال مواد سيراميكية سامة مصنوعة من الزئبق والنحاس. حالماً يتم إيجاد طريقة التحقيق التوصيلية الفائقة بدرجات حرارية أكثر دفئاً، فإن قيمة اكتشاف أونيس ستكون غير محدودة ولا تُقدّر بثمنª.

حقائق طريفة: في سيرن CERN، المنظمة الأوربية للبحوث النووية، إستخدم العلماء درجة كهربائية واحدة لإحداث تيار كهربائي يسري خلال دائرة فائقة التوصيل. إستمر ذلك التيار الكهربائي بالسريان - دون أي إدخال جديد للفولتية- لمدة خمس سنوات ودون فقدان للقدرة. بينما في الأسلاك المنزلية الاعتيادية، يتوقف التيار الكهربائي ضمن ملي دقائق محدودة حال رفع الفولتية عنها، وذلك بفعل المقاومة التي تبديها هذه الأسلاك.

الهوامش المرجعيّة:

ª اللورد كلفن (1824-1907م): فيزيائي ورياضي و مهندس ایرلندي اشتهر بتحليله الرياضي للكهرباء والديناميكا الحرارية، صمم مقياس كلفن للحرارة المطلقة. أسمه الحقيقي وليام تومسون William Thomson، وقد لقب باللورد تكريماً لجهوده وإنجازاته العلمية الجليلة. أما «كلفن» فيشير إلى نهر كلفن الذي يجري قريبة من جامعة غلاسكو الاسكتلندية، حيث كانت مرتعاً لتجارب كلفن وإنجازاته التي تمخضت في نهاية حياته باختراع التلغراف الكهربائي.

ª اكتشف كل من فاليري فينو کور Valerii Vinokurوتاتيانا باتورینا Tatyana Baturina مؤخرًا (أبريل 2008م) بأن نفس الآلية التي يمكن أن تكون التوصيلة الفائقة يمكنها أن تكون حالة من الانعزال الفائق في بعض المواد (صفيحة رقيقة من نتريد التيتانيوم مثلا)، مع مقاومة لا نهاية لها. على غرار المواد الفائقة التوصيل المستعملة في صناعة أجهزة تسريع الجسيمات والرنين المغناطيسي والمقاييس الطيفية الكتلية وغيرها، من المؤمل أن تدخل المواد الفائقة الانعزال في صناعة أغلفة البطاريات والدوائر الكهربائية وغيرها من الصناعات الحديثة.