اكتشاف نظرية طبيعة الأرصاد الجوية - The Nature of the Atmosphere

سنة الاكتشاف: 1960م

ما هذا الاكتشاف؟

  • يعد الجو فوضويًا (مشوشاً) ولا يمكن التنبؤ به

من المكتشف؟

  • إد لورينز Ed Lorenz

لماذا يعد هذا الاكتشاف ضمن المائة العظمى للاكتشافات؟

کشف إد لورينز الغطاء عن نظام غير خطي معقد متداخل الاعتماد من المعادلات التي تصف الحركة الحقيقية للجو. فقد أظهر بأن النماذج الجوية تعتمد على الظروف الأولية والحدية (البيانات الابتدائية) التي يمد بها النظام بحيث تؤدي حتى التغيرات المتناهية الصغر ظاهرياً إلى تغيرات كبرى في النظام. بتعبير آخر، عندما ترف فراشة بجناحيها فوق بكين فإن النماذج قد تنبأ بوضوح بأنها ستغير الجو في نيويورك، مع أن الجميع يسلم بعدم إمكانية حدوث هذا.

لم يكتشف لورينز كيف يمكن وضع تنبؤات طويلة المدى، ولكن القوى التي تجعل من هذه التنبؤات غير ممكنة. بعدها اكتشف نظرية الفوضى- دراسة النظم الفوضوية والغير المتوقعة. يكتشف العلماء الآن أن العديد من النظم الطبيعية والحيوية والبيئية يمكن فهمها على النحو الأفضل بالاستناد على نظرية الفوضى قياساً بالأشكال التقليدية للتحليل.

 كيف جاء هذا الاكتشاف؟ 

امتلاك جهاز للكومبيوتر كان شيئاً من الجدة والغرابة في عام 1958م ما يكفي لأن يكون مصدر جذب وإغراء للعديد من أعضاء إدارة معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وطلابه، ممن قاموا برحلات وزيارات إلى مكتب إد لوریر Ed Lorenz لمجرد رؤية عمل هذا الشيء. لكن ما لبثت الإثارة بإمتلاك هذا السبق العلمي أن تحولت إلى يأس مریر بالنسبة لصاحبها.

وضع لوريتر مجموعة من المعادلات للعمل كنموذج رياضي لحركة وسلوك العصف الجوي. لاحظ أن تغيرات طفيفة في الظروف البادئة للنموذج سرعان ما أدت إلى تغيرات ضخمة في المحصلة. كانت الإختلافات الطفيفة البادئة تتضخم دائماً على مر الزمن، بدلاً من التضاؤل أو الإستقرار عند حد طبيعي معين.

لو كان الجو الحقيقي يتصرف على غرار نماذج لورينز، فإنه قد أثبت تواً إستحالة التنبؤ الطويل المدى للطقس طالما أن الظروف البادئة غير معروفة أبداً بالدقة الكافية للحيولة دون وقوع خطأ فوضوي مضخم. إنه لشعور مقلق وخانق أن تتاجر بإثارة العثور على أداة بحثية جديدة مقابل يأس إثبات أن میدان عملك كان معاباً ومحالاً من أساسه.

عندما دخل إد كلية دارتماوث عام 1934م، كان قد عقد عزمه على أن يصبح رياضياً منذ فترة طويلة. فتخرج حاملاً شهادة البكالوريوس في الرياضيات عام 1938م ودخل جامعة هارفارد لتكملة دراسته. مع إندلاع الحرب العالمية الثانية، إنضم لورينز إلى السلك العسكري الجوي الذي عينه لحضور دروس الأرصاد الجوية العسكرية بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا.

تعلم لورينز هناك أن يعتبر الطقس مجموعة مؤتلفة من الكثافة، الضغط، الحرارة، سرع الرياح الثلاثية الأبعاد، إضافة إلى المحتوى الغازي والسائل والصلب للغلاف الجوي. المعادلات التي تصف هذه المجموعة من المتغيرات تحدد الظروف الراهنة للطقس، أما نسب التغير في هذه المعادلات فتحدد الأنماط المتغايرة للطقس.

ما لم يتعلمه لورينز، واكتشفه بعد ذلك بفترة طويلة، أن لا أحد عرف كيف يستخدم معادلات الأرصاد الجوية الغير الخطية والديناميكية هذه ليتنبأ بالطقس بشكل واقعي، وأجمعت الغالبية أن ذلك غير ممكن التحقيق. لقد كانت المعادلات معقدة جداً وتطلبت الكثير من البيانات الأولية والحدية.

حاول لورینز تطبيق المعادلات الدينامكية للتنبؤ بحركة العواصف. نظراً لأن الكومبيوترات لم تكن متوفرة بكثرة في بدايات الخمسينات من القرن العشرين، فإن معظم عمله كان منجزاً على السبورات وبمساطر الحساب والورق وقلم الرصاص. كان كل حساب يستهلك الكثير من الوقت ومملاً للغاية، فلم يتمكن لورينز من الوصول إلى أية نتائج معقولة خلال حسابه اليدوي لهذه المعادلات.

في عام 1958م، حصل لورينز على كومبيوتر رویال-مكي إل جي بي- 30 (بحجم منضدة كبيرة تقريباً) لتطوير مجاميعه من المعادلات الديناميكية الغير الخطية النموذجية.

أظهرت نتائج هذه التشبيهات الكومبيوترية بأن إختلافات أولية صغيرة كانت تتضخم بمرور الزمن، عوضاً عن الرجوع للوضع الاعتيادي بالتدريج. لو كان النموذج صائباً، فالطقس إذن فوضوي بطبعه ولا يمكن التنبؤ به.

بضع سنوات من الاختبار أقنعت لورينز وآخرين من قسمه بصوابه وصحة نموذجه. فالطقس كان فوضوياً بدلاً من أن يكون نظاماً ممكن التنبؤ به ( كنظام التفاعلات بين المواد الكيميائية الغير العضوية، أو السحب التجاذبي). 

أصبح الدافع لاستعمال أداة جديدة التكملة مشروع قديم واحداً من أعمق الاكتشافات التي شهدها علم الأرصاد الجوية. سيظل لورينز معروفاً بأنه الشخص الذي اكتشف الجو على طبيعته الحقيقية واكتشف بالتالي حدود الدقة للتنبؤ بالطقس.

حقائق طريفة: لعب الممثل جيف غولدبلوم Jeff Goldblum دور إيان مالكوم Ian Malcolm في أفلام ال Jurassic Parks أو «الحدائق الجوراسية». مالكوم هو رياضي متخصص بدراسة نظرية الفوضى ويطلق على نفسه «المتخصص بالفوضوية». إثبات صحة نظريات الفوضي يعتبر من الأفكار الرئيسية التي تتبناها هذه الأفلامª.

الهوامش المرجعية:

ª لقد اقتحم مفهوم الفوضوية الكثير من تفاصيل العلم والحياة المختلفة. فبعد أن آمن العلماء بحتمية العلم Determinism (إمكانية التنبؤ الدقيق بظاهرة ما اعتماداً على دراسة دقيقة لبياناتها الأولية)، جاءت دراسات لوريتر لتؤكد بأن هذه النظم الحتمية تتأثر كثيرة بالعوامل البادئة بحيث يصبح التنبؤ بنتائجها البعيدة المدى ضربا من المستحيل. فهكذا حالة من «الفوضوية» يمكن أن تعرف على أنها «سلوك عشوائي ظاهرية ضمن نظام حتمي ما ينشأ نتيجة حساسية مفرطة بالظروف البادئة»، و يمثل لها تقليدية با «تأثير الفراشة»- أي عندما تخفق فراشة بجناحيها في بكين، فإنها يمكن أن تسبب (أو تمنع حدوث إعصار في نيويورك بعد فترة! يمكن أن نفسر هذه الظاهرة بضرب المثال التالي: فلنفترض رجلا يدعى «أحمد» يعمل طبية في مستشفى البلدة، وقد اعتاد على الذهاب يومية إلى مكان عمله كل صباح بعد تناول الفطور عند الثامنة صباحا، فيبقى هناك لحين الثانية بعد منتصف النهار. وفي أحد الأيام، خرج الدكتور أحمد عن روتينه اليومي واغتنم فرصة أثناء ساعات عمله لتناول شي ما في مطعم قریب بالبلدة. وبينما كان يقود س يارته مسرعا تحت وطأة الجوع الذي اعتصر أحشائه، فإنه غفل عن إشارة مرورية حمراء، فتعرض لحادث مريع. رغم أن د. احمد نجا من الحادث، إلا أن السائق الآخر راح ضحيته، تاركا وراءه طفلا ص غيرا وأرملة شابة لا تزال في مقتبل العمر. الآن، بينما كان د. أحمد جالسا يراجع مسلسل ذاك اليوم المشؤوم، تذكر فظاعة الجوع الذي ألم به في عمله فأدى به للخروج طلبا لتناول الطعام. ولكن ما كان وراء هذا الجوع المفاجئ؟ رجع قليلا بذاكرته إلى الوراء، فتذكر أنه لم يفطر ذلك الصباح - على غير عادته - بعد أن استيقظ متأخرة من النوم، ثم تذكر أن سبب تأخره في الاستيقاظ كان نومه المتأخر بعد أن شعر بعضة بعوض مفاجئة أيقظته من نومه، فبقي مستيقظا ولم يستسلم للرقاد إلا مع تباشير الصباح الأولى! هكذا، عضة بعوض صغيرة تتسبب بوفاة شاب وتيم طفل وترمل امرأة! قد تكون هذه القصة من وحي الخيال، ولكن تفاصيلها ممكنة الحدوث جدا، بل يمكن أن توحي لنا بوقائع مشابهة عايشناها أو سمعنا بها في حياتنا اليومية!