تاريخ اكتشاف الفيروس - Virus

سنة الاكتشاف : 1898م

ما هو هذا الإكتشاف؟

  • أصغر وأبسط كائن حي والعامل المسبب للعديد من الأمراض للإنسان، بدءاًً بالزكام وانتهاءًً بالحمى الصفراء المميتة

من هو مكتشف الفيروسات؟

  • ديمتري ايفانوفسكى Dmitri Ivanovsky ومارتينوس بيجيرينيك Martimus Beijerinick

لماذا يعد اكتشاف الفيروسات ضمن المائة العظمى؟

كونها أصغر بكثير من الخلايا والبكتيريا، تعد الفيروسات أصغر أشكال الحياة على سطح الأرض من الصغر بحيث يمكنها التكاثر فقط داخل خلية مستضيفة وذلك بأخذ زمام السيطرة على تلك الخلية. كما وتعتبر الفيروسات من الصغر بحيث يمكنها النفاذ من خلال أي مرشح كان أو مصيدة كانت. وقد رد اكتشافها على العديد من المسائل الطبية العالقة بمطلع القرن العشرين وأكمل النظرية الجرثومية لباستير.

تسبب الفيروسات العديد من أخطر أمراض الإنسان. ولغاية اكتشافها، كانت العلوم الطبية قد تعطلت في تطورها حيال معالجة هذه الأمراض البشرية. عندما اكتشف بيجيرينيك الفيروسات، كان قد اكتشف نوعاً حياتياً جديداً في واقع الأمر، نوعاً من الصغر بحيث لا يستوعبه أي ميكروسكوب عادي إلا تلك الإلكترونية المقتدرة.

كيف  اكتُشفت الفيروسات ؟

اكتشف العالم الفرنسي لويس باستير الجراثيم (البكتيريا المجهرية) داعياً بأنها السبب وراء حالات المرض والتعفن. على أية حال، عجز باستير عن رؤية الكائن الدقيق ª(الجرثوم) المسبب لداء الكلب rabies، رغم محاولاته على مر أكثر من عقد من الزمان وحتى استسلامه عام 1885م. ألقى ذلك بظل من الشك والريبة على نظريته الجرثومية"ª

مرض آخر لم يُعثر له أحد على عامل مسبب كان مرض التبغ ألفسيفسائي tobacco mosaic disease ( والذي سُمّي نسبة إلى تكون نمط فسيفسائي على أوراق النباتات الموبوءة). في عام 1892م، عهد عالم النبات الروسي ديميتري ايفانوفسكي Dmitri Ivanovsky على نفسه مهمة البحث عن هذا العامل المريب (كان العمل على مرض التبغ ألفسيفسائي أكثر سلامة من العمل على داء الكلب القاتل). هرس ايفانوفسكي الأوراق الموبوءة ومرر عصارها خلال العديد من المرشحات الورقية والسيراميكية. وكان معروفاً لهذه المرشحات أن تصطاد جميع الكائنات - حتى أصغر البكتيريا.

على كل حال، كان السائل المرشح من خلال هذه المجموعة من المرشحات لا يزال قادراً على إصابة نباتات التبغ السليمة بالمرض ألفسيفسائي، مما يدل على أن ايفانوفسكي لم يتخلص من العامل المسبب للمرض.

فجرب مواد مرشحة أخرى وطرق علاجية مختلفة وعمليات غسيل للأوراق والعصارة المستخلصة منها، ولكن بقيت نتائجه على حالها. مهما يكن ذاك الشيء الذي يسبب المرض، فإنه تخلص من مصائد ايفانوفسكي.

رفض ايفانوفسكي الاعتقاد بوجود أي كائن حي أصغر من البكتيريا وهذا فضل الاستنتاج بأن العيب في مرشحاته التي لا تستطيع فصل البكتيريا الصغيرة. مشمئزاً من هذه النتيجة، تخلى ايفانوفسكي عن كامل مشروعه.

في العام 1898م، قرر عالم النبات الهولندي مارتينوس بيجرينيك Martinus Beijerinick أن يجرب حظه في حل لغز مرض التبغ ألفسيفسائي  فأعاد تجربة ايفانوفسكي وحصد النتيجة ذاتها. ولكن على خلاف سابقه، كان بيجيرينيك على أتم الاستعداد لإفتراض إثبات هذه التجربة بأن العامل المسبب هو جديد من نوعه ومجهول-شيء أصغر بكثير من البكتيريا، مما يفسر عدم فصله ترشيحياً.اعترف بيجيرينيك بأنه لم يعرف شيئاً عن ماهية العامل المسبب المجهول ولكنه دعا بإثبات تجربته لوجوده وبأنه صغير للغاية، وأسماه virus أو الفيروس وهي كلمة لاتينية تعني السم.

بينما بدا هذا الاكتشاف ذا متعة ذهنية لبعض العلماء، إلا أن القليل منهم إهتم بمرض خاص بنباتات التبغ. فخبر إكتشاف الفيروسات لاقي القليل من الإنتباه من الوسط الطبي والعلمي.

في عام 1899م، أجرى العالم الألماني فريدريك لوفلير Friedrich Loeffler تجربة مماثلة إستنتج من خلالها بأن العامل المسبب لمرض القدم إلى الفم to - mouth disease - foot

كان من الصغر بحيث يستحيل أن يكون من البكتيريا وبالتالي لابد أن يكون فيروس آخر. بعدها بعامين (1901م)، كان الجراح العسكري الأمريكي والتر ريد Walter Reed قد أضناه البحث عن سبب للحمى الصفراء yellow fever التي فتكت بالعديد من جنود بلاده. وبعد تجاربه على هذا المرض المنقول عن طريق البعوض، وجد بأنه أياً كان السبب فإنه لا بد أن يكون من حجم الفيروس. نعم، السبب هو الفيروس بعينه.

أقنع هذا الاكتشاف الوسط العلمي بأن الفيروسات - 1000/ 1 من حجم أصغر البكتيريا كانت السبب للعديد من آفات البشر وبالتالي تجب دراستها ومعالجتها بطريقة منفصلة عن البكتيريا. لقد اكتشف ايفانوفسكي وبيجرينيكª الفيروسات، ولكن يعود الفضل إلى والتر ريد في تحشيد اهتمام ونشاط المجتمع الطبي والعلمي إلى هذا الميدان.

حقائق طريفة: ما هو الفيروس المرضي الأكثر شيوعا؟ مجموعة الراينوفيروسات rhinoviruses أو «الفيروسات الأنفية»، والتي تتضمن 180 نوعاً على الأقل. تسبب الراينوفيروسات حالات الزكام (نزلات البرد) وتعتبر عالمية التواجد تقريباً، فتصيب كل فرد بالعالم عدا أولئك الذين يعيشون في المناطق المتجمدة للقارة القطبية الجنوبية.

الهوامش المرجعية :

ª في الحقيقة، يعارض الكثيرون فكرة كون الفيروسات كائنات حية طالما أنها تفتقد للآلية الأيضية التي تؤهلها للعيش خارج الخلية المضيفة. و لكن بنظر البعض ممن يعرفون للحياة على أنها «القابلية على نقل المخطط الوراثي إلى الأجيال اللاحقة»، فإن الفيروسات حية بالتأكيد على كل حال، أنا مقتنع شخصياً بفكرة أن الفيروس يمتطي تعريف الحياة، أحد قدميه على جانب المعقدات الفوق جزيئية و القدم الآخر على جانب التراكيب البيولوجية البسيطة .

ª معروف عن العالم الفرنسي الكبير لويس باستير (1822-1895م) أنه أول من صنع لقاحاً ضد داء الكلب، حيث جربه على 11 كلبا قبل تجريبه على طفل عمره 9 سنوات يدعى جوزيف ميستيه فأنقذه من براثن الموت.

عمل هذا الشخص طوال حياته خادما لمعهد باستير، و عندما ضغط عليه الغزاة النازيون إرشادهم إلى نفق باستير (حيث دفن) عام 1940م، فضل الانتحار على الخيانة بمنقذه و سيده، فقتل نفسه و هو في الرابعة و الستين (مكتفيا بالخمسة و الخمسين سنة التي وهبها له. باستير بفضل من ربه).

ª اكتشف بيجيرينيك كذلك عملية تثبيت النيتروجين للنباتات (تحويل النتروجين إلى أمونيوم بفعل البكتريا في العقد الجذرية لبعض البقوليات) و ظاهرة اختزال الكبريت للبكتيريا (نوع من التنفس اللاهوائي). فهو لم يعمل على أمراض الإنسان قط، وهو ما يفسر ریما خفوت شهرته قياسا بمعاصریه كوخ و باستير- إضافة إلى شخصيته الاجتماعية المهزوزة و سلاطة لسانه على طلابه، إذ حظي بالقليل من المساعدين في مهنته ولم يتزوج أبداً إيمانا منه بتعارض الزواج و العلم و تمسكا منه بنمط من الزهد والتقشف في الحياة.