اكتشاف طبيعة وحياة الديناصورات 

سنة الاكتشاف: 1976م

ما هذا الاكتشاف؟

  • الكيفية التي تصرفت وتحركت وعاشت بها الديناصورات على الواقع

من المكتشف؟

  • روبرت باكير Robert Bakker

لماذا يُعد هذا الاكتشاف ضمن أهم الاكتشافات؟

كانت الديناصورات وحوشاً متثاقلة ذات دم بارد. كما كانت متباطئة ذات لون رمادي فاتر ومن البلادة بحيث لم تقدر حتى على التصرف كأرباب أسر لائقين. هذه كانت النظرة الكلاسيكية على الديناصورات خلال النصف الأول من القرن العشرين، وهكذارُسمت في الصور، وآمن العلماء الإحائيون.

أما روبرت باكير، فقد حطم هذه الأفكار وقوضّها من الأساس. فكان أول من دعا إلى أن الديناصورات كانت كائنات ذات دم حار، ملونة، سريعة، ذكية، ورشيقة. كما كان أول من افترض بأن الطيور قد انحدرت من الديناصوراتª..

والصور التي نرى الديناصورات عليها اليوم - من أفلام Jurassic Park أو «الحديقة الجوراسية» إلى عروض المتاحف العلمية - تدين جميعا بمفاهيمها الديناصورية لاكتشافات روبرت باكير، الذي أعاد تحریر کتاب الديناصورات بالتمام والكمال.

كيف جاء اكتشاف طبيعة حياة الديناصورات؟

كان إلهاماً عظيماً ذاك الذي تملك روبرت باكير Robert Bakker في تلك الليلة من ثاني سني دراسته بجامعة ييل. بينما كان يتمشى عبر المتحف المظلم، وقعت شذرات خافتة من الضوء على هياكل الديناصورات مما أوحى بحركتها خلال السكون المعتم. فأثناء تفحصه لهذه العظام المألوفة، خطر على بال روبرت أن هذه المخلوقات قد حكمت الأرض لما يربو 165 مليون سنة. لا يمكن لها أن تكون غبية، ذات دم بارد، وكسولة، في حين كانت هنالك ثدييات ذكية تُحيط بها. لكانت الديناصورات قد غلبت على أمرها لو لم تكن هي الفائزة بحكم أفضليتها أساسا.

من هنا انطلق روبرت باكير - لوحده - وراء إثبات أن الفكرة السائدة عن الديناصورات خاطئة بالتمام.

 لجأ باكير إلى أربعة مصادر من المعلومات لبلورة قضيته: التشريح المقارن (مقارنة حجم وشكل الأجزاء المتماثلة للأنواع المتباينة)، مناطق التمرکز الحيواني (حيث تعيش الحيوانات)، السجل التراكمي للمتحجرات (كل ما سبق جمعه من عظام وهياكل ديناصورية)، وعلم البيئة (علاقة النوع ببيئته).

قضى باكير ثلاث سنوات مضنية من الدراسة وجد من خلالها بأن عظام الثدييات، كما كانت عظام الديناصورات، غنية بالأوعية الدموية ومفتقرة لحلقات النمو على نقيض الزواحف ذات الدم البارد، كما وجد بأن ديناصورات العصر الطباشيري قد عاشت شمالي کندا حيث لم تتمكن الزواحف الباردة الدم من العيش. وأخيراً، درس النظم البيئية لأفريقيا وأمريكا الشمالية ووجد بأن الدواب المفترسة ذات الدم الحار كانت تأكل ستة إلى ثمانية أضعاف لكل رطل من وزنها أكثر من نظيراها الزاحفة.

ومن خلال دراسة سجل المتحجرات، لاحظ باكير بأن نسبة الحيوانات المفترسة إلى آكلات الأعشاب في النظم البيئية الديناصورية كانت تطابق ما هو متوقع للنظام البيئي لحيوانات ذات دم حار.

لا بد أن الديناصورات كانت ذات دم حار، إذن. فعظامها، أعدادها النسبية، وأماكن عيشها دلت جميعاً على ذلك.

درس باكير سيقان حيوانات الحديقة، مقارناً تركيب الساق بطريقة حركتها. هل كانت ساق الدجاجة تنثني بخلاف ساق الحمار الوحشي؟ ما كانت علاقة هذه الاختلافات بالنشاط المختلف لكل حيوان؟ كيف كان الشكل يملي بالوظيفة بالنسبة لكل حيوان، وكيف كانت الوظيفة تملي بالشكل؟ ماذا قال شكل مفاصل ديناصور ما وحجم عظامه عن الكيفية التي تحرك وتوظف بها؟ خلال رسوماته، حاول باكير أن يضع في الاعتبار هذه الحركة وما تنطوي عليه من كتل عضلية محتملة للسيطرة على كل عظم وتحريكه.

قارن باكير حجم وشكل وكثافة عظم الساق لمئات من الحيوانات الحديثة مع نظيراتها لعظام سيقان الديناصورات، فوجد بأن الأخيرة كانت تتناسب مع التركيب العظمي للثدييات الراكضة- ليست تلك التي تعدو حين إحساسها بالخطر عدواً سريعاً لا يتعدى عشرة ثوان فقط، بل تلك التي تركض بإنتظام لعشرين دقيقة.

كانت الديناصورات كائنات راكضة. فتركيبها قد اثبت ذلك. كما دل هذا على أنها كانت يقظة ورشيقة، إذ لا يعقل للأحمق والمتلكئ والأخرق أن يصبح عداءاً بالفطرة!

رجع باكير إلى سجل المتحجرات من جديد ولاحظ بأن القليل فقط من الهياكل الصغيرة والفتية قد اكتشف. هذا يعني بأن القليل منها قد توفي، مما يعني بدوره أن الديناصورات لا بد كانت موفقاً جداً في دورها الأبوي بحماية وتغذية وإيواء صغارها. لقد كانت الديناصورات ربات أسر جيدة.

بهذا، قوّضت الأساطير القديمة جميعها. ونشر باكير اكتشافاته وهو لا يزال طالباً للدراسات العليا بجامعة هارفارد. لكن انقضت عشرون سنة أخرى من الجمع المكثف للبيانات والتحليل الدقيق حتى يميل مد التصديق أخيراً بإتجاه باكير، بل وحتى عندما أثارت اكتشافات باكير ثورة في نظرة العلماء للديناصورات، فإنه كان ينظر إليه بنظرات الشك والريبة على اعتباره رادیکاليا غير جدير الثقة والتصديق.

حقائق طريفة: أصبحت البرونتوسوروس Brontosaurus العملاقة الأكثر شعبية من بين الديناصورات بأواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويعني اسمها « سحلية الرعد».
في عام 1970م، طالب بعض العلماء بعدم Yستعمال اسم «برونتوسورس» طالما أنه أشار إلى ثلاثة أنواع مختلفة: ابانوسوروس Apatosaurus، براکیوسوروس Brachiosaurus، وكاماراسوروس Camarasaurus. لا زال الجدال محتدماً رغم مرور 80 مليون سنة منذ أن جال أي منها الأرض.

الهوامش المرجعية:

ª تذكر الكثير المصادر أن الفكرة تعود بالأساس إلى اكتشاف متحجر الكائن المجنح Archaeopteryxفي مقالع للحجارة الجيرية بجنوب ألمانيا عام 1860م، والذي امتلك ريش وأقدام الطيور في حين تضمن هيكله ذيلا عظمية طويلا، أسنانة بدلا من المنقار، ومخالب بارزة من تحت الريش. لولا الريش، لاعتبر هذا الكائن مجرد عضو من عائلة الديناصورات الصغيرة التي عثر على الكثير منها تحت اسم Compsognathus. يقال أن العالم توماس هكسلي كان أول من أشار على هذا الارتباط وذلك في إحدى الأمسيات التي كان يفكر فيها بلغز العظم الغريب الذي سبق أن وجده أسفل عظم الساق الديناصور، بينما كان يتعشى على لحم طائر السمان. فأثناء التهامه للحم ساق الطائر، دخل فمه عظم شديد الشبه بعظم أسفل ساق الديناصور. فاتخذ هكسلي من عظم الكاحل astragalus هذا رأس خيط للاستدلال على قرب علاقة الطيور والديناصورات.