التواقيع الضوئية الذرية - Atomic Light Signatures

سنة الاكتشاف : 1859م

ما هذا الاكتشاف؟

  • لدى تسخينه، يشع كل عنصر ضوءاًً بترددات عالية التميّز والخصوصية

من المكتشف؟

  • جوستاف كيرخوف Gustav Kirchhof وروبرت بونزن Robert Bunsen

لماذا يعد هذا الاكتشاف ضمن المائة العظمى؟

اكتشف عشرون عنصراً (بدءاً بالسيزيوم عام 1860م) باستعمال تقنية تحليل كيميائي واحدة. وهي التقنية ذاتها التي مكنت علماء الفلك من تحديد التركيب الكيميائي لنجوم تبعدنا بملايين السنين الضوئية. كما وسمحت لعلماء الفيزياء بفهم النيران الذرية للشمس والتي بموجبها تتولد الحرارة والضوء، ومگنت علماء فلك آخرين من حساب دقيق لسرعة وحركة النجوم والمجرات البعيدة.

ما هذه التقنية إلا تحليل التصوير الطيفي، اكتشاف كيرخوف وبونزن، والتي تحلل الضوء المنبعث عن المواد الكيميائية المحترقة أو من نجم في أقاصي الكون. فقد اكتشفا بأن كل عنصر يشع ضوءاً بتردداته الخاصة به فقط. وقد أمد التصوير الطيفي بأول برهان على وجود العناصر الموجودة على الأرض في الأجرام الأخرى أيضاً- فالأرض ليست فريدة كيميائية في الكون. كما وتستعمل تقنيتهما بشكل روتيني من قبل العلماء في كل حقول العلم تقريباً من بيولوجية وفيزيائية وأرضية.

كيف جاء هذا الاكتشاف؟

 شهد عام 1814م اكتشاف الفلكي الألماني جوزيف فراوفوفر Joseph Fraunhofer بأن طاقة الشمس لا تشع بشكل متساوِ في جميع الترددات للطيف الضوئي، بل تتكثف في بروزات طاقية عند ترددات خاصة. وجد البعض متعة في هذا الاكتشاف، بينما لم يعره أحد أية أهمية، فبقيت الفكرة في سبات دام 40 عاماً .

 كان جوستاف كيرخوف Gustav Kirchhoff (المولود في عام 1824م) فيزيائياً بولندياً مفعماً بالحيوية والحماس لا يتجاوز طوله خمسة أقدام. خلال منتصف العقد الخامس من القرن التاسع عشر، ركز كيرخوف تجاربه على التيارات الكهربائية بجامعة بيرسلو. وأثناء عمله في مشروع خارج اختصاصه مع بروفيسور آخر عام 1858م، لاحظ خطوطاً براقة في الطيف الضوئي الناتج عن اللهب، فتذكر قراءته لحدث مماثل في مقالات فراوفوفر.

وزيادة في البحث والمتابعة، وجد کیرخوف بأن البقع (أو البروزات) البراقة في الضوء التي لاحظها في تجارب اللهب كانت تقع ضمن نفس التردد والطول الموجي الذين قاسهما فراوفوفر ضمن الإشعاع الشمسي.

فکر کیر خوف ملياً بالمغزى من هذا التطابق وخطرت له فكرة تدل على نفاذ بصيرته: ماذا لو استخدم موشوراً لفصل أية حزمة ضوئية يريد دراستها إلى الأجزاء المكونة لها (بدل عناء التحدق إليها من خلال سلسلة من المرشحات الزجاجية الملونة كما راج بين علماء زمانه)؟! آمن کیر خوف بأن هذا سيمكّنه من العثور على بروزات في الإشعاع الصادر عن أي غاز محترق.

على أية حال، لم تنجح الخطة على النحو المأمول. فاللهب الذي استعمله لتسخين غازاته كان شديد التوهج وتعارض مع ملاحظاته.

دعونا الآن ننتقل إلى روبرت بونزن Robert Bunsen، الكيميائي الألماني المولد. ففي عام 1858م كان هذا الرجل البالغ من العمر 47 عاماً في خضم تطويره للكيمياء الضوئية (الفوتو كيمستري)- العلم الذي يختص بدراسة الضوء الصادر عن العناصر المحترقة. وفي معرض عمله، ابتكر بونزن نوعاً جديداً من المواقد يتم فيه خلط الهواء والغاز قبل البدء بعملية الحرق. يتميز هذا الموقد (و الذي لا نزال نستعمله باسم موقد بونزن) بلهب حار للغاية (أعلى من 2700 درجة فهرنهایت) مع قليل جداً من الضوء.

حدث في عام 1859م أن التقى الرجلان بجامعة هيدلبيرغ. وبوقوفهما جنباً لجنب، كان كيرخوف بالكاد يصل لكتف بونزن. فقام هذا الثنائي المتميز بجمع مقتنياهما - موشور کیرخوف مع موقد بونزن، وقضياً ستة أشهر في تصميم وبناء أول مطياف (سبيكتروغراف) في الوجود، والذي يعتبر جهازاًً لحرق النماذج الكيميائية ثم فصل الضوء الناجم بواسطة موشور إلى طيف من الترددات المنفصلة.

بدأ كيرخوف وبونزن بعدئذ بجدولة الخطوط الطيفية (عبارة عن ترددات خاصة يشع بها كل عنصر طاقته الضوئية) لكل عنصر معروف، فاكتشفا بأن كل عنصر كان ينتج دوماً «التوقيع» ذاته من الخطوط الطيفية والذي يعرف ذاك العنصر بشكل فريد دون جميع العناصر الأخرى.

مسلحَين هذا الاكتشاف وبجدولتهما للخطوط الطيفية المميزة لكل عنصر، عمل کیر خوف وبونزن أول تحليل كيميائي كامل من نوعه لمياه البحر والتركيب الشمس - بإثباتهما أن الهيدروجين والهيليوم والصوديوم وبضعة من العناصر النادرة الأخرى الموجود على الأرض، موجودة في جو الشمس كذلك.                 

وقد برهن هذا للمرة الأولى بأن الأرض ليست فريدة كيميائية بالكون.

زود كير خوف وبونزن العلم بواحدة من أكثر أدواته التحليلية براعة ومرونة في التطبيق، كما وابتكراً طريقة لحساب تركيب أي نجم كان بنفس الدقة التي نقيس بها تراكيب كحامض الكبريتيك والكلورين أو أي مركب كيميائي معروف آخر.

الهوامش المرجعية:

ª كان كير خوف معروفاً بخفة ظله وروحه المرحة. يقال أنه لما احتضن المجتمع العلمي برمته اکتشاف کیرخوف و زميله بونزن عن تحليل التركيب الكيمائي للأجرام السماوية، ظل صراف البنك لكيرخوف شاكاً بنزاهة هذا الشرف العلمي الكبير الذي حظي به، فسأله في إحدى المرات: «ما الفائدة التي سأجنيها من وجود الذهب على الشمس إذا لم أقدر أن انزل به إلى الأرض؟».

بعد ذلك بفترة، نال کیرخوف ميدالية و جائزة من الذهب الخالص، فأسرع بهما إلى صرافه و هو يقول له: «ها هو الذهب من الشمس!»- المترجم.