اننا نتواصل مع روحه تلك في اللحظة التي نساعد فيها شخصا ما، سواء كان ذلك بالإمساك بالباب مفتوحا، أو قول. «أشكرك، أقدر لك ما فعلت»، أو شراء هدية نعتقد أنها ستروق لأحدهم, أو مشاطرة عبء العمل مع شخص ما للمساعدة في تخفيف عبئه. يقول البعض أن اللطف هو شكل من أشكال حب البقاء. إنه بطريقة ما كذلك، إذ يقوم ببناء العلاقات ويعمل بالتالي على تقوية المجتمع، وبالتالي يضمن حمايتنا وبقاءنا. إلا أنه ليس لحماية الفرد وبقائه وحسب, بل لحماية وبقاء الكل.

أنا أعتقد أن عالمنا ابتداء من العوالم الشخصية لبيوتنا، أماكن عملنا، ومجتمعاتنا, وصولا إلى العالم الأوسع، دائما ما يستفيد من اللطف.

منذ عدة سنوات، بينما كنت أختبر يد العون التي مدتها لي والدتي، وكنت شاهدا على اللطف الذي يبديه إلى كل من في العائلة، أدركت أن اللطف يعمل على تقريب الناس من بعضهم البعض.

قالت عالمة أنثربولوجيا الثقافة الأمريكية «مارجريت ميد» (  MargaretMead) ذات مرة: «لا ثشكك إطلاقا في قدرة مجموعة صغيرة من المواطنين المتعاطفين والمترابطين على تغيير العالم، في الواقع، لقد كان الأمر الوحيد الذي حدث حقيقة» .

ملهما بتلك الكلمات، عملت على صياغة فلسفتي الإرشادية التي تقول: تستطيع مجموعة صغيرة من الأشخاص ذوي القلوب العامرة محبة ولطفا ,في هذا العالم الحديث المترابط، ليس هناك تصرفات لطيفة منعزلة. يحدث اللطف تموجات في نسيج العلاقات الإنسانية والمجتمع البشري. تؤثر تلك التموجات على قلوب وأذهان أناس آخرين، والذين بدورهم يخلقون تموجات خاصة بهم. إن أهمية أي تصرف لطيف مهما بدا منعزلاً, هي أكثر مما نعتقد.

قال «بوذا» ذات مرة: «يمكن إضاءة آلاف الشموع من شمعة واحدة، ولن يقصر ذلك من عمر الشمعة. لا تنقص السعادة إطلاقا من خلال مشا طرتها .

ينطبق الآمر نفسه على اللطف. توحي فكرة العطاء أن ما نملكه يقل، إلا أنه عندما يكون العطاء مقترنا باللطف لا يقل ما نملكه، بل يزيد. إنه «لغز اللطف».

نحن نسعد بروح اللطف أيضا، أي عندما لا يسبب العطاء أي ضغط، ولكن ماذا لو فعل؟

«يزعجني الأمر حقا عندما لا يقولون شكرا» .

«إنهم لم يفعلوا أي شيء من أجلي» -

تعد هذه أحاسيس نموذجية للغاية، فهناك أمران نأخذهما في الاعتبار. أولا، يجب ألا نرهق أنفسنا بأن نعطي ونعطي ونعطي،  فقط حتى يقابل عطاؤنا بالذي نتوقع أو ما هو أسوأ، بالجحود . يستحق كل شخص أن يكون مقدرا.

كثيرا ما نتساءل محقين, إن كان هناك أناس آخرون، في أماكن أخرى، يكنون لنا تقديرا أكبر، لأن لنا حق في ذاك التقدير.

الأمر الآخر الذي نأخذه في الاعتبار في مثل هذه الأوقات هو أن اللطف يكون أقل ضغطا عندما لا تكون هناك شروط. يحدث الضغط عندما نتوقع شيئا في المقابل ولا نحصل عليه، ولكنه لا يحدث حينما لا تكون هناك توقعات، وإذا

قررنا أنه «هذا أنا: أنا لطيف» وتركنا الأمر عند ذاك الحد. بالنسبة إلى بعض الناس ليس هذين الاعتبارين ذوي صلة، لأنهم محاطون بأناس ممتنين وأناس يعاملونهم بلطف، ولكنهما ذوي صلة بالنسبة إلى أولئك الذين يستمر أفراد عائلتهم المقربون، أصدقائهم، زملائهم، وما إلى ذلك، في الأخذ منهم دون أي نوع من التقدير. يحتاج كل منا إلى إيجاد نقطة توازنه الخاصة بحيث تتم تلبية احتياجاتنا،

ويعتمد ذلك في الحقيقة على سياق حياتنا الخاصة، الأشخاص المحيطين بنا، بيئتنا، عملنا، مكان عملنا، صحتنا الذهنية والعاطفة، وصحتنا البدنية. إذا كنا نخضع للضغط الشديد ولا نحظى بالتقدير، علينا أن نقرر ما إذا كنا

سعيدين بتلقي المزيد من المعاملة نفسها أم أنه قد آن أوان التغيير. علينا أن نكون لطيفين مع أنفسنا. إن العالم ليس بالمكان الذي يكون فيه الجميع سعيدا، وتتم تلبية حاجاتهم أنفسنا والآخرين. إننا نعتمد على بعضنا البعض. يعمل اللطف على الحفاظ على تماسك نسيج المجتمع الإنساني. لقد نشأت في مجتمع صغير في وسط «اسكتلندا», حيث ساعد الجميع 

بعضهم البعض, واهتم الجميع ببعضهم البعض. لم يكن مستغربا أن يطرق أحد الجيران بابنا ويطلب اقتراض كوب من السكر، بضع شرائح خبز أو القليل من الحليب. كانت تلك المشاركة هي ما عزز نسيج مجتمعنا.

إن اللطف مفيد لنا جميعا. تلك حقيقة لا مفر منها. إنه يجعلنا أكثر سعادة. إنه مكسب لحظي، وهو كذلك مفيد للقلب ويعمل على تعزيز علاقاتنا. إذا عشنا عمرا من اللطف، قد يستفيد منه آلاف الأشخاص ولن يقصر ذلك

عمرنا, بل سيطول في حقيقة الأمر. إن نصيحتي هي أن تكون لطيفا لأنه الأمر الصحيح الذي تقوم به، لأن هناك

شخصا تعرفه يعاني ويحتاج إلى المساعدة، ولأن هناك فرصة عشوائية تظهر لك خلال يومك، ولأنه أمر لطيف، ولأن هناك شيئا ما في طبيعة البشر يستمتع بالاتصال الذي نخلقه من خلال مساعدة بعضنا البعض.

من أجل ذلك، لنمض في كوننا لطيفين ولنستمتع بالآثار الجانبية. الآثر الجانبي الأول: يجعلنا اللطف أكثر سعادة

يا لمدى جمال يومنا، عندما يلامسه اللطف »جورج إليستون» (George Eliston)

اللطف: صفة كونك ودودا، كريما ومتفهما. معاني أخرى: التعاطف، اللين، طيبة القلب، التأثر، الإحسان، مراعاة مشاعر الآخرين، الإنسانية، الاهتمام، المساعدة، عمل الخير، الصلاح الإنساني،

الحنان، التعاطف، النية الحسنة، الكرم، التصدق، البر. اللطف (جمع): أكثر من تصرف لطيف. بينما كنت أهم بالنزول من القطار في «أدنبره»، كانت هناك امرأة شابة تكافح من أجل إنزال حقيبتي سفر كبيرتين وثقيلتين وحقيبة أخرى كبيرة من القطار، فقمت بإنزال إحدى حقيبتي السفر لآجلها من القطار، ثم أخبرتها أدني سأوصلها إلى الرصيف التالي مع الحقيبة. عندما وصلنا إلى هناك  وجدنا درجا نحو الأسفل «وكانت الحقيبة تزن طنا»، ولذلك قام العامل في المحطة بإنزالها نيابة عني. كانت السيدة ممتنة للغاية وبقيت تتحدث كم كان الجميع لطيفا، كما لو أنها

كانت مندهشة من رؤية اللطف، ولذلك شعرت شخصيا بالسعادة لأنها كانت تحظى بتجربة جيدة بالفعل مع غرباء!

ساعدتها على الصعود في القطار التالي فعانقتني عناقا كبيرا، وبقيت تقول: «فليباركك الإله!».

كنت في غاية التأثر جراء ذلك. غريبان على متن قطار فارغ، يعانقان بعضهما وغير قادرين على الكف عن الابتسام. بالنسبة إلى، ليس هناك ما هو أفضل من مساعدة أحدهم. كنت أنا المحظوظ في ذلك الموقف! «إيمز» (Ems) 

كنت أصيح عندما تنطلق سيارة أخرى من المسلك المروري الداخلي وتنساب أمامي: «لماذا لا يستطيعون الانتظار وحسب مثل سائر الناس؟!». كنت أستشيط غضبا، وكان الأمر يتكرر دائما في المكان ذاته من الطريق. في

كل مرة أكون في بداية الصف ويساورني شك في أن ذلك ما سوف تقدم لوم السيارة التي في المسلك المجاور على فعله، كنت أبقي قدمي مستعدة، متأهبة كي أضغط بها على دواسة الوقود كي أسبقهم و«ألقنهم درسا».

كنت أعلنها: «أجل! كان ذلك كفيلأ بتلقينهم درسا!» بقلب يرقص طربا وعينين جاحظتين.

غير أنني كنت واقفة ذات يوم في الصف مع وجود سيارتين أمامي، كانت هناك سيارة في المسلك المجاور وقد أدارت ضوء المؤشر على أمل أن يسمح لها أحدهم بالتجاوز. مع تبدل الإشارة إلى الضوء الأخضر، انطلقت

السيارتان الواقفتان أمامي، متعمدتين منعها من الدخول.

إلا أنني بينما كنت على وشك القيام بالمثل، خففت قدمي من على دواسة الوقود، وأدركت أنني لا أريد أن أكون متوترة، فقد سئمت من ذلك. كنت هادئة ذلك اليوم وأردت أن أبقى على ذاك النحو. لم أرغب في أن يرتفع ضغط دمي 

ويصل مستوى غضبي إلى الذروة، ولذلك أومأت إلى السائق إشارة بأنني موافقة ثم مضى أمامي.

أتعرف ماذا؟ لقد شعرت بالارتياح على الفور! لقد كان أفضل بكثير من شعوري عند انتفاخ أوداجي من شدة الغضب.

عندها أضاء الرجل مصابيح سيارته بمعنى شكرا، وقد جعلني ذلك أشعر بحال أكثر تألقا!

لقد سمحت للجميع منذ ذلك الحين أن يتجاوزوني عند ذلك الطريق الدائري. إنه ليس بالأمر الجلل من المنظور الكبير للأشياء، كما أنني أشعر أفضل مليون مرة-

يستطيع معظمنا على الأرجح التعرف على أنفسنا في تلك القصص. يجعلنا الغضب متوترين، أمأ اللطف في المقابل، فيجعلنا نشعر بالارتياح. سارع وكن غنيا.