من أكثر الأمور التي قالتها لي شريكتي، «إلزابيث»، حكمة على الإطلاق هي: حال كونك لطيفا سيجعلك غنيا - بالسعادة». إن ذلك حقيقي! إنه أثر جانبي.

إن المشاعر التي تعتمر في داخلنا عندما نشهد اللطف أو أي فعل آخر من أفعال الجمال الأخلاقي، أوعندما نبدي اللطف أو نتلقاه، تفضي إلى مجموعة كاملة من الفوائد الصحية الإيجابية، وسوف يأتي المزيد عن ذلك لاحقا.

الآن، دعونا نركز على كيف ولماذا يجعلنا اللطف أكثر سعادة. إن حقيقة أن اللطف يجعلنا أكثر سعادة هو التجربة اليومية لأشخاص مثلي ومثلك، لكنه أيضا حصيلة كم هائل من البحث العلمي. على سبيل المثال، في دراسة أجرتها «سونيا ليوبوميرسكي» (Sonjalyubomirsky)، أستاذة علم النفس في جامعة «كاليفورنيا، ريفرسايد»، طلب من المتطوعين القيام بخمس تصرفات لطيفة أسبوعيا على مدى ستة أسابيع، وتمت مقارنتهم بمجموعة ضبط، والتي كانت ببساطة مجموعة من أشخاص لم يتعمدوا أن يكونوا لطفاء. شملت التصرفات اللطيفة التي أفاد بها المتطوعون، التبرع بالدم، الدفع لموقف سيارة شخص ما عن طريق ملء عداد الوقوف، مساعدة صديق في الواجب الدراسي، زيارة أحد الأقارب من كبار السن، أو كتابة رسالة شكر.

اكتشفت «ليوبوميرسكي» أن الأشخاص الذين قاموا بتصرفات لطيفة أصبحوا أكثر سعادة. أما أولئك الذين لم يفعلوا، فلم يصبحوا. كما أتضح أن أكبر قدر من السعادة يأتى من القيام بالتصرفات اللطيفة الخمسة في اليوم نفسه.

تصرف لطيف اعرض على أحد المسنين القيام بحمل مشترياته في دراسة أخرى امتدت ستة أسابيع، تم تقسيم ما يقرب من خمسمئة شخص إلى أربع مجموعات. طلب من اثنتين من المجموعات القيام بتصرفات

لطيفة، إحداهما تقوم بذلك تجاه الآخرين والأخرى تجاه العالم «قد يقومون بجمع القمامة مثلا»، وطلب من المجموعة الثالثة القيام بأمور لطيفة تجاه أنفسهم «تقديم مكافأة إلى أنفسهم مثلأ» ، أما المجموعة الرابعة فلم تقم بأي

تصرفات لطيفة على الإطلاق لغرض المقارنة. تم قياس العافية النفسية والعاطفية لكل فرد منهم قبل الدراسة وبعد مرور

الأسابيع الستة. بعد مضي الأسابيع الستة، كان الأكثر سعادة هم أولئك الذين كانوا لطفاء تجاه العالم والآخرين. في المقابل، لم يبلغ الذين كانوا لطفاء نحو أنفسهم عن أي تغيير جوهري في إحساسهم بالسعادة،

الأمر الذي قد يكون بمثابة مفاجأة بالنسبة إلى البعض. وجدت دراسة مماثلة أن الأشخاص الذين ذكروا ضمن إجابتهم على أسئلة عامة تغطي مواقف مختلفة، أمورا مثل «تطوعت بوقتي»، «أعطيت مالا إلى محتاج» أو « استمعت باهتمام إلى وجهة نظر شخص آخر» كانوا أكثر  سعادة، وأكثر رضا عن حياتهم، وكان إحساسهم بالعافية أقوى مقارنة مع من كانوا أكثر تركيزا على أنفسهم عندما طلب العلماء في جامعة «كولومبيا البريطانية» في «كندا» من شخصا أن يسجلوا يوميا كيفية إنفاقهم لأموالهم على مدار شهر، من خلال تدوين كل شيء بدءا من تسديد الفواتير إلى التسوق، تناول الغداء وتقديم الهبات إلى الجمعيات الخيرية والهدايا إلى الآخرين، وجدوا أن أكثر الناس سعادة هم من سجلوا إنفاق الأموال على الآخرين.

في جزئية أخرى من الدراسة نفسها، تم إعطاء المتطوعين خمسة دولارات أو عشرين دولارا، وطلب من نصفهم أن ينفقوا المال قبل انتهاء اليوم على الآخرين, وطلب من النصف الآخر إنفاق المال على أنفسهم. في نهاية اليوم،

بصرف النظر عن مقدار ما قدم لهم من مال، كان أولئك الذين أنفقوا المال على الآخرين أكثر سعادة.

من الطبيعي جدا، إذا كنا نشعر بالحزن، أن نركز على أنفسنا، وحتى أن نكافئ أنفسنا على أمل أن يجعلنا ذلك نشعر بحال أفضل.

في حين أن ذلك كثيرا ما ينجح، ويمكن أن يكون هاما بالنسبة إلى بناء الثقة في النفس، توضح تلك الأجزاء من البحث أن الخيار الأفضل قد يكون بالفعل هو مساعدة الآخرين أو إحداث فارق في العالم. 

تصرف لطيف : اسمح لأحدهم بالدخول أمامك في طابور الانتظار في المتجر يعيدنا هذا إلى المسألة الأخلاقية التي ناقشتها في المقدمة؛ هل من الخطأ أن تمد يد العون، إن كان قيامك بذلك يعزى في جزء منه إلى رغبتك في أن تشعر

بحال أفضل؟ أقول انه إذا استفاد أحدهم من مساعدتك، فهذا ليس بالأمر الخاطئ. إن جزءا من تقديمك المساعدة هو أنك تمد يدك إلى الآخرين لآنك تحتاج أنت الآخر إلى المساعدة، ولذلك أنتم تساعدون بعضكم البعض. عندما تساعد الآخرين، يكون التواصل في كثير من الأحيان هو ما نتوق إليه، وذاك التواصل هو ما يخلق السعادة. إن بعضا من أعظم السرور الذي اختبرته في حياتي كان حين مساعدتي ل «أوسكار». كان من نوع «لابرادور» أصفر اللون، يضج حيوية وسعادة،

وقد توفي في تشرين الأول 2014 عن عمر سنتين. كان يعاني من سرطان العظم وفعلنا كل ما في وسعنا كي نساعده. من الصعب أن تصف الكلمات إحساسنا بالاتصال والسعادة، أجل، السعادة حتى أثناء خشيتنا من أنه كان

على وشك الموت، فقد أتى شعور السعادة من منحه ما يريد، وما يجعله سعيدا من ألعاب، طعام، تنزيه، لعب. عندما كان يبتسم، نعم كان يبتسم «كثيرا» ، ويهز ذيله بقوة، امتلأت قلوبنا فرحا . كان تعبيري له يوميا عن محبتي، عطفي وحناني، كفيلاً بتخليصي من الخوف من فقدانه. كان وقتا صعبا، إلا أن السعادة التي نلتها من محبتي له كانت المكافأة التي حفرت في قلبي، والمتعة التي لا أزال أستمتع بها كلما فكرت فيه. اللطف تجاه أنفسنا

في بعض الدراسات أعلاه، عمل اللطف على جعل الناس أكثر سعادة فقط عندما كانوا لطيفين مع الآخرين وليس مع أنفسهم، أو عندما وهبوا المال بدلأ من إنفاقه على أنفسهم. يجب ألا يفهم من ذلك أن اهتمامنا بأنفسنا ليس

كفيلا بجعلنا نشعر بحال أفضل. تقول تجربتي إن اهتمامنا بأنفسنا يجعلنا بالفعل أكثر سعادة في المدى القصير، ولكن فقط عندما نقوم به تعبيرا عن حب الذات. ينبغي أن يكون إقرارا بأهمية احتياجاتنا المتفردة. إنه فعال لا سيما عندما نكون أهملنا احتياجاتنا بعض الوقت.

هذا ما تعلمته من المشاركين في الندوة التي تبعت إصدار كتابي الأخير: «أنا أحبة ذاتي» (والصادر بالعربية عن دار الخيال - لبنان لقد I Heart Me) -  أفاد المشاركون الذين اهتموا بأنفسهم عن عمد، بوصفه إقرارا بأنهم مهمون

وأنهم جيدون بما يكفي، أنهم شعروا بسعادة أكبر وازدادت ثقتهم في أنفسهم. من الشائع أن تفكر في أن كونك لطيفا مع نفسك يعد أنانية، إذ نقدم احتياجاتنا الخاصة على احتياجات الآخر. إلا أنها ليست مسألة إما أبيض أو أسود.