من الحقائق المعروفة أن العدو المدرك عدو شبه مهزوم. وينطبق هذا الأمر على الأعداء الذين يعملون بداخل عقل المرء مثلما ينطبق على الأعداء الذين يعملون خارجه، وينطبق بشكل خاص على أعدائنا من العواطف السلبية، فبمجرد أن يدرك المرء هؤلاء الأعداء، يبدأ دون وعي تقريبا في إنشاء العادات - بالانضباط الذاتي - التي يمكنه محاربة أعدائه بها.

    وهذه الفكرة ذاتها تنطبق أيضاً على منافع العواطف الإيجابية، فهي حقيقة    أن المنفعة المدركة منفعة يسيرة المنال. والعواطف الإيجابية مفيدة، لأنها جزء   من القوة المحركة للعقل؛ ولكنها تكون مفيدة فقط عندما يتم تنظيمها وتوجيهها      نحو تحقيق غايات بناءة محددة. وإذا لم يتم التحكم فيها تحكماً تاماً، فقد تكون    خطيرة شأنها شأن أي من العواطف السلبية.

وأداة التحكم في الانضباط الذاتي المطبق على نحو منهاجي واختياري من خلال العادات الفكرية. ولنتناول عاطفة الإيمان على سبيل المثال: فهذه العاطفة - وهي الأقوى من بين كل العواطف . قد تكون مفيدة فقط عندما يتم التعبير عنها بأفعال بناءة منظمة مبنية على غاية موحدة.

والإيمان بلا عمل عديم الجدوى؛ لأنه قد يذيب. نفسه فيصير مجرد أحلام يقظة، وأمان، ورجاء ضعيف. والانضباط الذاتي هو الأداة التي يستطيع المرء بها أن يحفز عاطفة إيمانه، وذلك من خلال غاية موحدة تنفذ بمثابرة.

  ويجب أن يبدأ الانضباط بتكوين عادات تحفز على استخدام قوة الإرادة؛ لأن الأنا - أي مركز قوة الإرادة - هي منبع رغبات المرء. ومن ثم فعاطفتا الرغبة والإيمان متصلتان بدون شك. فأينما وجدت رغبة متقدة، وجدت أيضا قدرة على الإيمان، والتي تتطابق بدقة مع حدة الرغبات. وهما متصلتان دائما. ولتحفز إحداهما وسوف تتحفز الأخرى. ولتتحكم في إحداهما ووجهها- من خلال عادات منظمة - وسوف تتحكم في الأخرى وتوجهها. وهذا هو الانضباط الذاتي في أسمى صوره.