من الحقائق المعروفة أن الأفكار في الممتلكات الوحيدة التي ليست لها قيمة ثابتة، ومن المعروف كذلك أنها هي البداية لكل الإنجازات.

   وتشكل الأفكار الأساس لكل الثروات، ونقطة البداية لكل الاختراعات. وهي التي أخضعت لسيطرتنا الجو فوقنا، ومياه المحيطات حولنا، ومكنتنا من الاستفادة بالغلاف الجوي نفسه واستخدامه، والذي قد يستطيع عقل المرء من خلاله  التواصل مع عقل آخر بواسطة التخاطر.

     ولم يكن الفوتوغراف سوى فكرة مجردة إلى أن قام "إديسون" بتنظيمها من خلال غاية محددة وتسليمها إلى عقله الباطن، حيث وجهت إلى المخزون العظيم للذكاء المطلق الذي ارتد منه شعاع خطة عملية إليه، فقام هو بترجمة هذه الخطة العملية إلى آلة عاملة.

      وبدأت فلسفة الإنجاز الفردي كفكرة في عقل "أندرو كارنيجي"، فقام بدعم هذه الفكرة بغاية محددة، فأصبحت هذه الفلسفة الآن متاحة لمنفعة ملايين البشر في كل أنحاء العالم الصناعي. وأية فكرة يحويها العقل، والتي يؤكد صاحبها، أو يخشاها، أو يبجلها، تبدأ في الحال في صياغة نفسها في أكثر الأشكال المتاحة إقناعاً وملاءمة.

     وما يؤمن الناس به، ويتحدثون عنه، ويخشونه، سواء أكان جيداً أم سيئاً، تكون له طريقة محددة جدا في إكساب نفسه شكلاً ما أو آخر. ومن يكافحون من أجل تحرير أنفسهم من قيود الفقر والبؤس لا يجب عليهم أن ينسوا هذه الحقيقة العظيمة، لأنها تنطبق على الفرد مثلما تنطبق على أمة من الناس.

الإيحاء الذاتي، الصلة بين العقل الواعي والعقل الباطن

هناك مبدأ عملي يمكن من خلاله للتأملات، والأفكار، والخطط، والآمال، والغايات التي غرست في العقل الواعي أن تجد طريقها للعقل الباطن، حيث يتم التقاطها وتنفيذها حتى تصل إلى الخاتمة المنطقية لها، وذلك من خلال قانون طبيعي سوف أبينه لاحقاً. وإدراك هذا المبدأ وتفهمه يعني أيضاً إدراك السبب في كون الغاية المحددة هي البداية لكل الإنجازات.

ويمكنك نقل الفكرة من العقل الواعي إلى العقل الباطن بمزيد من السرعة من خلال العملية البسيطة الخاصة ب "إسراع" أو تحفيز الذبذبات الفكرية بواسطة الإيمان، أو الخوف، أو أية عاطفة عميقة مثل الحماس، أو رغبة متأججة مبنية على غاية محددة. والأفكار المدعومة بالإيمان لها الصدارة على كل الأفكار الأخرى حيث تكون أكثر تحديداً وتسلم بمزيد من السرعة للعقل الباطن والذي يعمل من منطلقها. والسرعة التي تعمل بها قوة الإيمان أفرزت المعتقد الذي يعتنقه العديد من الناس والقائل إن هناك ظواهر معينة تنتج عن معجزات.

  ولا يعد المتخصصون في علم النفس والعلماء مثل هذه الظواهر معجزات، مدعين أن كل ما يحدث ناتج عن سبب محدد، حتى إن كان سببا لا يمكن تفسيره. ومهما كان الأمر، فمن الحقائق المعروفة أن القادرين على تحرير عقولهم من كل القيود المفروضة ذاتياً من خلال التوجه العقلي المعروف بالإيمان، عادة ما يجدون حلولاً لكل مشكلات الحياة، مهما كانت طبيعتها.

    ويدرك علماء النفس أيضا أن الذكاء المطلق يحول أية فكرة واضحة محددة إلى نتيجة منطقية، أو هدف، أو رغبة تسلم إلى العقل الباطن بتوجه عقلي نابع من إيمان كامل.

    ولكن الذكاء المطلق لا يعدل أية فكرة تُسلم إليه، ولا يتصرف بناءً على أية رغبة أو فكرة، أو تأمل، أو غاية غير محددة. وهذه الحقيقة المترسخة في عقلك سوف تمنحك قوة كافية لحل مشكلاتك اليومية بجهد أقل بكثير مما يبذله أكثر الناس عند القلق بشأن مشكلاتهم.

  وما يسمى بالحدس غالباً ما يكون عبارة عن إشارات تبين أن الذكاء المطلق يسعى إلى الوصول إلى الجانب الواعي من العقل والتأثير عليه، ولكنك ستلاحظ أن الحدس عادة ما يأتي كاستجابة لبعض الأفكار، أو الخطط، أو الغايات، أو الرغبات، أو بعض المخاوف التي تم توصيلها إلى العقل الباطن.

  ويجب أن يعامل " الحدس" بلطف، وأن يفحص بعناية، فهو غالبا ما ينقل بصورة جزئية أو كلية معلومة عن القيمة الأعظم إلى الفرد الذي يأتيه هذا الحدس. وغالباً ما يظل "الحدس" ظاهراً لساعات، أو أيام، أو أسابيع عديدة بعد أن تصل الفكرة الرئيسية التي ألهمته إلى مخزون الذكاء المطلق. وفي تلك الأثناء، غالباً ما ينسى المرء الفكرة الرئيسية.

   وهذا موضوع عميق لا يعلم عنه أكثر الناس حكمة إلا القليل. وهو يصير موضوعا يكشف عن ذاته فقط من خلال الوساطة والتأمل.

    وإذا فهمت مبدأ إعمال العقل الذي بينته لك، فسوف تعرف لماذا يستطيع التأمل تحقيق الأشياء التي يرغب فيها المرء في بعض الأحيان، وتحقيقه في أحيان أخرى لأشياء لا يرغب فيها، ويُكتسب هذا النوع من التوجه العقلي فقط من خلال الاستعداد والانضباط الذاتي. وسوف نتعلم كيف نكتسب هذا التوجه العقلي في الندوة لاحقا.ً

   ومن أعمق الحقائق في هذا العالم أن شئون البشر جميعاً تشكل أنفسها لملاءمة النسق ذاته من الأفكار، سواء أكانت هذه الأفكار جماعية أم فردية. فأولئك الناجحون يصبحون ناجحين فقط لأنهم اكتسبوا عادة التفكير بلغة النجاح. ويمكن الغاية المحددة أن تشغل العقل تماماً، وينبغي عليها ذلك، لدرجة أن المرء لا يجد وقتاً أو مساحة في عقله لأفكار الفشل.

      وهناك حقيقة أخرى عميقة هي أن من تعرضوا للهزيمة ويرون أنفسهم کفاشلين يستطيعون - بعكس وضعية "أشرعة" عقولهم - تحويل رياح الكارثة إلى قوة من الحجم ذاته تدفعهم إلى النجاح. وكما قال أحد الشعراء:

تبحر السفينة شرقا، وتبحر الأخرى غريا،

وسيرهما الرياح ذاتها،

ولكن ضبط الأشرعة، لا الرياح،

هوما يتحكم في وجهتهما.

   وبالنسبة لبعض من يفتخرون بأنفسهم لكونهم ممن يسميهم العالم ب "رزيني لعقل وعمليين"، فقد يبدو لهم هذا التحليل للغاية المحددة كأمر نظري أو غير عملي. لكن توجد قوة أعظم من قوة التفكير الواعي، وهي غالباً ما لا تدرك بالعقل

المحدود. وقبول هذه الحقيقة يعد أمراً أساسياً للوصول إلى ذروة النجاح في أية  شبة محددة مبنية على رغبة في تحقيق إنجازات عظيمة.

  وكل ظرف من ظروف حياة كل شخص يحدث نتيجة لسبب محدد، سواء أكان طرفاً يجلب الفشل أم يجلب النجاح. وعديد من ظروف حياة كل شخص يحدث نتيجة لأسباب يستطيع المرء التحكم فيها. وهذه الحقيقة الواضحة تضفي أهمية

من الطراز الأول على مبدأ الغاية المحددة. فإذا لم تكن ظروف حياة الناس على النحو الذي يرغبون فيه، فإن هذه الظروف قد تتغير بتغير توجهاتهم العقلية، وتشكيل عادات فكرية جديدة وأكثر توافقا مع رغباتهم