نظراً لكوننا بشراً، يعد الحب أعظم تجاربنا، وهو يُمكن المرء من التواصل مع الذكاء المطلق.

وعندما يمتزج بمشاعر الرومانسية والرغبة الجنسية، فقد يقود المرء إلى أعلى قمم جبال الإنجازات الفردية من خلال الرؤية الإبداعية.

ومشاعر الحب والرومانسية، والرغبة الجنسية، هي الأضلاع الثلاثة لمثلث الإنجازات الخالد المعروف بالعبقرية. ولا ينشأ العباقرة إلا في هذا الوسط. والحب تعبير ظاهري عن الطبيعة الروحانية للبشر.

والرغبة الجنسية شعور بيولوجي خالص، ولكنه يفجر ينابيع العمل بكل الجهود الإبداعية لدى كل الكائنات، بداية من أشد المخلوقات التي تزحف على الأرض بساطة ، ونهاية بأشدها عمقاً، ألا وهو الإنسان.

وعندما يمتزج الحب والرغبة الجنسية بروح الرومانسية، فإن العالم سيمتلئ بالبهجة، لأن هذه هي القوى الكامنة لدى القادة العظماء الذين يعدون المفكرين المتعمقين بهذا العالم.

والحب يصل بين البشر جميعاً، ويُذهب الأنانية، والطمع، والغيرة، والحسد. ولن توجد عظمة حقيقية أبداً في شخص لا يعمر الحب قلبه.

والحب الذي أتحدث عنه لا يجب الخلط بينه وبين الرغبة الجنسية؛ لأن الحب في أسمى وأنقى تعبير له بعد مزيجاً من ذلك المثلث الخالد، ولكنه أعظم من أي مكون من مكوناته الثلاثة.

الحب المحرر الحقيقي للبشرية

والحب الذي أشير إليه هو "القوة الحيوية"، والعامل المانع للحياة، ونبع العمل لكل المساعي الإبداعية التي سمت بالبشر إلى حالتها الراهنة من التطور والثقافة.

وهو العامل الوحيد الذي يرسم خطاً فاصلاً بين البشر وكل المخلوقات الدنيا على وجه الأرض، والعامل الوحيد الذي يحدد لكل شخص المساحة التي يجب عليه أن يشغلها في قلوب الآخرين.

 والحب هو الأساس الصلب الذي تبنى عليه أول ثروة من الثروات الاثنتي عشرة - ألا وهي التوجه العقلي الإيجابي - ويجعلنا ننال اهتماماً لا يمكن لأي أحد أن يصبح ثرياً حقاً بدونه.

والحب هو الخيوط التي تنسج منها الثروات الإحدى عشرة الباقية، ويزين كل الثروات، ويمنحها صفة الدوام، وهو دليل قد يُكشف من خلال الملاحظة الشغوفة لكل من اكتسبوا الثروات المادية ولم يكتسبوا الحب.

وتؤدي عادة بذل المزيد من الجهد إلى نيل روح الحب تلك؛ فليس هناك تعبير عن الحب أعظم من منحه في صورة خدمة تقدم بإيثار لمنفعة الآخرين. وكانت لدى "إميرسون" رؤية لنوع الحب الذي أشير إليه حينما قال:

إن القادرين على التحلي بالتواضع، والعدل، والحب، والإلهام، يقفون بالفعل على منصة قيادة العلوم والآداب، والخطابة والشعر، والعمل، والفضل؛ لأن من يسبحون في هذه السعادة الأبدية يتوقعون بالفعل أن يمتلكوا تلك القوى الخاصة التي يعلي الرجال من تقديرهم لها.

ويعلم النبلاء جيداً أن من يقدمون الوقت، أو المال، أو المأوى للغرباء - بدافع الحب، لا التباهي - ويفعلون ذلك على أية حال، يكون لهم حق على الله أن يعوضهم، والتعويضات التي يمنحهم الله إياها تكون رائعة جداً. وعلى نحو ما، يتم تعويض الوقت الذي يبدو ضائعاً، ويثابون مقابل الآلام التي يعانونها. وهؤلاء الرجال يزكون شعلة الحب الإنساني، ويعلون معايير القيم المدنية بين البشر.

والعقول العظيمة في كل عصر من العصور كانت تعتبر الحب إكسير الخلود الذي يربط قلوب البشر، ويجعل كل منا مسئولا عن الآخر، ومن أعظم العقول التي أنجبتها هذه الأمة هو "روبرت جرین نجرسول"، والذي عبر عن وجهات نظره عن الحب في قصيدة كلاسيكية ستبقى ما بقي الدهر، ويقول فيها:

الفصل السادس

الحب هو قوس قزح بين سحاب الحياة القاتم.

  وهو الصباح ونجم المساء.

  ويشرق على الفتاة الجميلة، وينثر أشعته على المقبرة الساكنة.

  وهو أبو الفن، وملهم الشعراء، ومحبي الوطن، والفلاسفة.

  وهو الهواء والضياء لكل محب في كل بيت، ومشعل كل نار في كل مدفأة.

  وكان أول من حلم بالخلود.

  ويملا العالم بأعذب الألحان؛ لأن الموسيقى هي صوت الحب.

  والحب هو الساحر، وصانع العجائب، الذي يحول الأمور التافهة إلى     سرور، ويصنع ملوكاً وملكات حقيقيين من الصلصال العادي.

  وهو شذا تلك الزهرة الرائعة التي تسمى القلب، وبدون هذه العاطفة،          وهذه النشوة الإلهية، لا نكون سوى وحوش، أما بها فتصير الأرض جنة،    ونصير فيها ملائكة.

والحب تغيير؛ فهو يجعل المرء نبيلاً، ويطهره، ويبجله.

والحب وحي، وإبداع. ومنه يستمد العالم جماله، وتستمد السماء             جلالها. والعدل، وإنكار الذات، والإحسان، والشفقة هم أبناء الحب.

"وبدون الحب، يزول كل جلال، وينفد النبل من الحياة، ويموت الفن، وتفقد الموسيقى معانيها وتصير مجرد موجات في الهواء، وتنتهي الفضيلة".

وإذا أصبح المرء عظيماً بحق، فسيحب كل البشر. وسوف يحب الخيرين والأشرار منهم. وسوف يحب الخيرين باعتزاز، وإعجاب، وسرور، ويحب الأشرار بشفقة وأسف؛ لأن المرء سيعلم - إذا كان عظيماً - أن صفات الخير والشر الموجودة لدى الناس غالباً ما تكون نتيجة للظروف التي اكتسبوا تلك الصفات فيها بسبب جهلهم وقلة تحكمهم في أنفسهم.

ولكي يكون المرء عظيماً بحق، فعليه أن يكون رحيماً، ومتعاطفاً، ومتسامحاً. وعندما يجبر على إصدار حكم على الآخرين، عليه أن يمزج العدل بالرحمة الجميلة، ويكون منحازاً دائما للضعيف، ومن يفتقر للوعي، ومن يعاني الفقر.

الحب، المحرر الحقيقي للبشرية

وهكذا، فالمرء لن يبذل المزيد من الجهد بروح مودة حقيقية وحسب، بل سيبذله طواعية وبلطف. وإذا لم يكن الجهد المبذول لقطع میل ثانٍ كافياً، فعليك أن تزيده حتى تقطع ميلاً ثالثاً، ورابعاً، بقدر ما هو ضروري.

وكانت رسالة المتحدث عميقة، وبعد أن توقف عن الحديث، وغادر المنصة، ظل الكثيرون في أماكنهم، يتيحون لأنفسهم فرصة تفهم كلماته القوية. وعند مغادرتهم قاعة المؤتمرات، كان الليل قد انتصف تقريباً.